رواية جديدة حارس المقبرة لهالة محمد الجمسي - الفصل 1
رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة هالة محمد الجمسي
رواية حارس المقبرة
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الأول
بدأ الرهام يتساقط من السماء أحدث نقرات على زجاج السيارة، وقعها على الأذن مثل تساقط حصى، وهي رابضة في مكانها مثل صخر صلد ترفض أن تتحرك خطوة واحدة إلى الأمام، أو تزمجر معلنة عن غضبها من جراء قذفها، شعر بالضيق يتسلل له، لقد طارت لذة النوم من عينيه، وتوالت العقبات بعد خروجه، كان يظن أن الطريق ليلاً سوف يكون أيسر من القيادة صباحاً، وكل الحجج التشجعيه التي أعطاها إلى ذاته، حتى يقود رحلته المضطر لها في المساء، قد تلاشت وتبخرت، وعلق هو في المأزق وحده، لم تمر سيارة واحدة أو دراجة بخارية أو عجلة طوال فترة توقفه، الأمر أشبه بتعطل الحياة على الطريق أطلق سباب بذيء من داخلها، ثم خرج مسرعاً فتح الغطاء في عصبية شديدة وألقى نظرة سريعة داخلها، يحاول أن يبحث عن سبب العطل عساه يفلح، أخرج هاتفه المحمول يحاول أن يجعل من المصباح دليل إضاءة حتى يشاهد ما في السيارة، لم يهتدى إلى أي نتيجة، كل شيء يبدو طبيعياً تماماً، لاشيء تالف ليس هناك أسلاك مقطوعة، أين العطب؟ مستوى البنزين أيضاً في مستوى مرتفع، يكفى مسافات بعيدة، أي حظ هذا؟ أغلق الباب ثم نظر أمامه، تيار هواء دافيء تلاعب به،أستمع إلى صوت حفيف الشجر، طار طائر ما فوق رأسه تماماً، مثل كومة سوداء رفرفت فجأة أمام بصره، مما جعله يشعر بالذعر، نظر في إتجاه الطائر الذي فر، وكتم عبارات السخط داخله، شعر برجفة تسرى بين أوصاله، ما يحيط به مرعب إلى حد بعيد، ليس الليل والعزلة فقط، بل رائحة الموت التي تنبعث من المكان، القبور التي تتراص أمامه على مساحة كبيرة،رغم العتمة يستطيع أن يرى القبور
الموحشة، هو لا يعلم لماذا شعر في هذة اللحظة؟ أنه لن يرى الشمس أو النور مرة أخرى، لماذا يشعر أن الساعات التالية هي لحظات دفنه هو؟ وبخ ذاته في عنف قائلاً
والآن يا أسعد هل أنت خائف من الغولة أو العفريت ذو القرن الواحد؟
ربما ما يحيط به هو سبب هذا الإحساس، وربما موت صهره والحديث الذي سبق هذا الوقت هو السبب، وربما الخوف من المجهول هو تفسير ما يشعر به
جالت في رأسه أن يقوم بمهاتفة صديق له من أجل إرسال مساعدة ولكن ساعة يده التي أخبرته أنها الثانية بعد منتصف الليل جعلته يعدل عن الفكرة، بالإضافة إلى أنه يثق تماماً أن كل ما يعرفهم من رجال، لن يتحرك أحدهم في هذا الوقت من أجله،ذلك إنه لم يتواجد في حياته ما يسمى بالصديق المتعارف عليه، هذا الشخص الذي تمضي معه ثلاث أرباع عمرك، وتحمل معه أطنان من الضحكات والبكاء والخصام والمواقف الصعب نسيانها، سواء كانت تعيسة أو سعيدة أو صعبة أو سيئة، إنه لم يحتفظ سوى بعلاقات هامشية غير عميقة، لأنه أمضى عمره وهو قانعاً أن حياته أفضل وهي بعيدة عن الاقتحام،
لعن تلك اللحظة التي أخبرته فيها زوجته بموت أباها ، لقد كانت الوقت بعد منتصف الليل وأخبرته بالفاجعة التي ألمت بكل منهم، هو يعلم جيداً أن زوجته لن يكف صراخها أشهر وربما سنوات حاول أن يخبرها أنه سوف يتواجد في الصباح ولكنها أصرت على قدومه في تلك الساعة، أن الفقيد ليس أباها وحسب هو أيضاً في حكم الخال لديه، والعائلة تنتظره في مسقط رأسهم، حتى يتلقى العزاء بذاته لأنه في حكم الأبن حيث أن الرجل لم يرزق بأولاد وكل ميراثه من البنون هي زوجته التي سوف ترث من المال الكثير والكثير
في النهاية، أقتنع إلى وجوب حضوره إلى جوار زوجته ووالدتها ولكن الحظ العثر قد جعل السيارة تتوقف في منتصف الطريق، صوت حركة ما في الجوار جعلت بعض من الامل يتدفق داخله، ربما شخص في الجوار، نظر إلى مصدر الصوت ثم اقترب قليل وقال:
_مرحبا أنا في مأزق واحتاج الى مساعده
صوت حكة الكلب بملابسي جعلني اركض إلى الأمام في سرعة غريبة عجزت أنا عن تفسير سر تلك القوة التي أصبحت بها عظامي خاصة وأنا أعاني من بعض الأمراض المزمنة رغم أن سنوات عمري لم تتجاوز الثلاثين بعد، توقفت حين شعرت أن المسافة بيني وبين الكلب أصبحت بعيدة وأصبحت في مكان ءامن، ثم التفتت انظر، إلى أين أنتهى بي الركض؟ لقد أصبحت في منتصف القبور تماماً، لعنت ذاتي في صراخ وصوت حاد، وأنا أنظر عن المسافة التي أصبحت بيني وبين السيارة هناك، حيث يقف الكلب وهو يهز ذيله مثل مروحة في ثقة، يبدو مثل طفل صغير ألقى دعابة ومقلب سخيف في رجل كبير، هو كذلك بالفعل لأن ما ركضت منه هو مجرد جرو صغير،
❈-❈-❈
العرق الذي تصبب من جسدي واللهاث الذي أصبت به، جعلني أجلس القرفصاء في مكاني, سوف أعود إلى سيارتي مرة أخرى ولكن بعد أن تهدأ انفاسي قليلاً، سوف أعود مرة أخرى ركضاً، رغم أن السيارة معطلة، ولكنها وسيلة الشعور بالأمان هنا، ربما من الأفضل أن أظل بها إلى أن تظهر بشائر الصباح ، المكان هنا لا يوحي بالأمان، المنطقة مهجورة لا يسكنها إلا الأموات، وهذا السكون الذي يحيط بالمكان أشد رعباً، المكان به رائحة الموت ومذاقه، إذا كان الضجيج دليل على الاحياء، فأن هذا السكون مثل رسالة من الموت له، هذا السكون يوحى أنه لن ينجو من هذا المكان من يدلف إليه، قفز أسعد من جلسته حين شاهد بعض الأضواء تظهر عن بعد، تتراقص في خفوت تكاد تتخفى عنه، لا تريد أن تعلن عن ذاتها، أسرع في خطوات سريعة يصاحبها بعض التعثر يحاول أن يصل إلى جهة الضوء، رغم الألم الذي شعر به في قدمه ولكنه تجاهل هذا الأمر وهو يحدث ذاته أن الراحة الحقيقة هو وجود بعض من الأشخاص هنا، ربما يجد معهم عون وسند، توقفت خطواته فجأة و نظر إلى الضوء ثم نظر إلى الخلف، أخرج من جيب البنطال الهاتف الخاص به ألقى نظرة على الساعة المثبته أعلى الشاشة، ثم واصل السير مرة أخرى، ألقى نظرة على الهاتف لقد مضت ثلاث دقائق وهو يسير، ولكن لماذا لا يقترب من الضوء؟
هناك شيء مخيف وغير منطقي يحدث أنه يتحرك سريعاً ومباشرة في إتجاه الضوء ولكنه لا يصل، المسافة التي يقطعها لا تقلص البعد، بل يبدو أنه مثل من يتحرك في قيد ذات الخطوة، نظر إلى القبور المتشابهه أمامه، ثم وضع قطعة من الصخر أمام إحدى القبور المفتوحة، رغم اهتزاز جسده، وشعور الفزع الذي أحاط به لكنه وضع الصخرة في ثبات في القبر، وواصل السير إلى أن شعر بالاعياء الشديد،
❈-❈-❈
أخرج هاتفه حتى ينظر إلى مقدار الوقت الذي قطع به المسافة، كانت الساعة تشير إلى حرق تسع دقائق كاملة، نظر في إتجاه القبر المفتوح، لا تزال الصخرة هناك رابضة صامدة في مكانها، كما وضعتها يده
ماذا يعني هذا؟
هو لم يتحرك إلى الأمام رغم كل تلك الخطوات؟ ما الذي يحدث هنا؟ كانت والدته تقص عليه في الزمن البعيد، أن المقابر أماكن تمتلك حرمة وهيبة وبها من الأسرار التي لا يجب أن يطلع عليها أي أحد،لهذا لا ينبغي أن يقتحم هذا المكان اي شخص عنوة ويريد شر بالمكان٠
قال في صوت مرتفع مثل من ينفى التهمة عنه:
_ولكن أنا لم اقتحم القبور، لقد علقت هنا الأمر اضطراري
نظر في كل الإتجاهات، ثم قال وهو يستمع إلى صدى صوته الذي يرتد له
_سوف أصاب بالجنون هنا حتماً
ماذا يعني هذا؟ هل هذا المكان هو متاهة؟ هل هو شيء من الجنون؟ المكان يرفض أن يتخلى عني، الأمر أصبح مثل مصيدة علقت بها، هذا أمر فوق التحمل،
**********"**"*"***
هل أصبحت أسير القبور؟ هل هذة هي النهاية؟ ربما لازلت نائماً، وما يحدث هو كابوس مزعج، ولما لا؟ لقد تلقيت مكالمة ليلاً عن الموت، ربما استغرقت في النوم مرة ثانية وما أشاهده الآن سوف يتوقف بعد بضع ثوان، وسوف أنهض في الصباح لاسخر من ذاتي، رنين جرس الهاتف فجأة، جعل جسد أسعد ينتفض، تراقصت الكلمات على الشاشة المضيئة، المكالمة واردة من زوجته، فتح الهاتف في سرعة، لماذا لم يفكر في هذا الأمر من قبل؟ كان عليه أن يخبر زوجته بأمر توقفه هنا، لا ريب أن الغباء يحتل جزء كبير من عقله الآن، صاح في قوة:
_سهاد لقد علقت هنا في منتصف المسافة، اريد مساعدة فورية، إذا تعثر عليك وجود أي شخص الآن، ربما من الأفضل أن تحضري أنت بذاتك، أنا عالق أمام منطقة القبور
توقف فجأة حين سمع زوجته تقول في صوت غاضب:
_أين أنت؟ أين أنت؟ لماذا لم تحضر إلى الآن؟ لماذا لا تجيب تساؤلاتي؟ أين أنت؟
**************************
شعر بمرارة تنبعث من جوفه وتضخ في كافة جوارحه، شعور الهزيمة جعله ينكث رأسه في ذل ويبتلع كلماته، هي لا تستمع إلى كلماته، في حين هو يستمع لها في وضوح، هناك عطل فني في الشبكة، لقد تأمرت كل القوى عليه في هذا الوقت، إنه يواجهه طوفان من العقبات والمشاكل، يواجه الخوف وهو أمر عسير وصعب، عليه أن يعترف إلى ذاته الآن، إن ما يمر به هو أمر أصعب من أن يتحمله، حاول أن ينهض فلم يستطع جرجر جسده الهزيل لم بعبأ كثير بالتراب ذو الرائحة النفاذة التي تحمل عبق عفن ما،الرائحة تقتحم أنفه، وتعلق ملابسه
إلى حيث الشجرة الكبيرة التي تبدو مثل أمراة ترتدي ملابس سوداء وتفرد أذرعها السوداء في بأس شديد، أسند رأسه لها في أسى وشعر بضيق في صدره، راقبت عيناه القبر المفتوح الذي وضع بداخله الصخرة، كان هناك شيء يتوهج، مثل كرة مضيئة، أغمض عينيه في يأس، حدث ذاته:
_هي إحدى خيالاتي هذا أمر لا شك به، اللعنة على كل شيء، متى ينتهى هذا الكابوس المفزع
❈-❈-❈
صوت ضئيل صدر من إحدى الأتجاهات، جعله ينتفض في فزع، ألقى نظرة على القبر كان الضوء قد اختفى، والصخرة أبتلعها الظلام، إلى جهة اليسار كانت هناك شجرة أخرى تشابهه تلك الشجرة، وثمة شيء هناك، حاول أن يتجاهل هذا الأمر، يريد من عقله أن ينكر كل شيء يحيط به، حتى ينجو من شباك الخوف التي تكاد تمتص روحه وكيانه، أغمص عينيه وتمنى كثير لو تبدل الأمر، ربما الوجود داخل سوق يكون افضل من هذا الخرس والصمت المرعب، وخز أصاب يده، ثمة شيء حاد ارتطم به، تدفق الألم مثل بركان خامد قد تم أعطاء الأذن له حتى يطلق الحمم
❈-❈-❈
رفع يده في ثقل ثم نظر إلى أسفل، أنها عظمة يابسة، تنهد في أسف، وقال في صوت مرتفع:
_أفضل الموت السريع على هذا الأمر
نهض في حدة ثم سار إلى الأمام ربما عشر خطوات قبل أن تتجمد تماماً، علت دقات قلبه حتى وصلت إلى حد الضحيج، يكاد معها تنشق صدره،
❈-❈-❈
كانت العينين مثل شعلتين من النار تتراقص في الظلام، أرتعشت أوصاله وهو ينظر إلى الظلام الذي يحيط به والمقابر أمامه، هل هو كلب مسعور يتحين لحظة حتى ينقض عليه؟ أو هو نفر من الجان؟ أو حيوان شرس آخر مثل السلعوة؟ وماذا ينتظر أن يكون بين المقابر سوى تلك الحيوانات الضالة والمفترسة أيضاً
تلا آيات من القرآن حتى يبث الطمأنينة الى نفسه ويلملم شتاته ذاته، ويعطي إلى روحه السكينة والسلام نظر من جديد إلى هناك وشعر بجفاف في حلقه لا تزال العينين في الظلام تنظر له، كأنها تدعوه أن يتقدم نحوها، أنها نظرة ثاقبة تحمل قوة تجعلك تنصاع لها، إنه ليس وهم خلقه من الخوف، وليس خداع عقلي، العينين تزداد بريق وحدة، تبدو مثل فوهات البركان المشتعلة، هناك كائن ما يحدق به،
هتف اسعد في صوت يشبه الصراخ:
_والآن ما أنت بالضبط؟ وماذا تريد مني؟ إذا كنت ملاك الموت فلتقبض روحي الآن، لم أعد أخاف شيء لقد واجهت خوف يعادل عمري كله
صمت أسعد دقيقة ثم قال:
_لقد تعبت من هذا الأمر، حقا تعبت إذا كانت ساعاتي قد أنتهت في الحياة فأفعل هذا في سرعة
_لماذا أقتحمت المكان؟
شعر أسعد بالدهشة تلجم لسانه، هل هو يتوهم؟ إنه صوت إنسان، أو هو صوت ملاك الموت؟ إنه يحاوره هذا يعني إنه هناك أحد غيره في المكان، هتف اسعد في توسل ورجاء:
_أنت تتحدث لي، أليس كذلك؟
❈-❈-❈
هتف الصوت مرة أخرى:
_لماذا أقتحمت القبور؟
تنهد أسعد في هدوء ثم قال:
_لقد تعطلت سيارتي
ثم أشار بيده إلى الأمام وقال
_أبحث عن طريق إلى الخروج من هنا هذا هو كل ما أريد
أقترب أسعد من الصوت، كانت ذاته قد هدأت قليلاً، وجد في الحديث مع الآخر شيء من الراحة النسبية بعد الرعب الذي احتل كيانه، اتضحت الرؤية له حين تقلصت المسافة، إنه رجل يجلس في منتصف المقابر، عيناه مخيفة بعض الشيء حادة النظرة، ولكن وجوده يعني أمان إلى أسعد، قال وهو يتخذ الجلوس إلى مقربة منه:
_أنت من البشر؟ أليس كذلك؟
لم يجب الرجل في حين قال أسعد في صوت به من الأستسلام الكثير:
_أرجو أن تكون كذلك، ولا بأس إن كنت من الجان أيضاً، فلقد تعبت من ركضي بين القبور، وأحتاج إلى بعض الراحة، القليل منها يكفى، حتى إذا كان هذا آخر ما سوف أناله في هذة الحياة، سوف اكتفى بموت مطمئن
❈-❈-❈
قال الرجل وهو يدق بعصا خشبية غليظة إلى جواره:
_غريب أمرك أيها الشاب، تأتي إلى أرض الخوف وتطلب شيء من الأمان، وتمرمرغ ذاتك بين تراب الأموات، وتدعى أنك بريء من هذا الفعل، أنت تعرف جيداً من يرتاد القبور ليلاً يرتادها من أجل أغراض معينة، فهل أفصحت عن ما تريد؟ أو أنك تريد أن تراوغ من جديد، لا تظن أنك تتحدث مع غر ساذح، فأنا حارس المقبرة منذ أن وطئت قدمك القبور وأنا أنظر لك، وأعلم جيداً كل خطوة من قدمك إلى أين اتجهت؟و القبر الذي أقتحمت، الأموات شعرت بخطواتك المتهورة، و صراخك هذيانك، والعظام ضجت منك، والآن هل تكشف عن ما تريد؟ أو عليك أن تواجهه الليل هنا وحدك
هتف أسعد في صوت ضعيف وهو ينظر إلى الرجل
حارس المقبرة! إلى أي القبائل تنتمي؟ هل أنت من الجان أو الأنس يا حارس المقبرة؟
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية حارس للمقبرة لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية