-->

رواية جديدة حارس المقبرة لهالة محمد الجمسي - الفصل 4

 

رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة هالة محمد الجمسي
رواية حارس المقبرة




رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى

الفصل الرابع 

سوف تبقى أنت يا حارس المقبرة أكبر علامة تعجب برزت لي من العدم، سوف أظل دائماً أتساءل ويذهب سؤالي مع الرياح دون أن يعود مرة ثانية بالجواب، كل ليل مر عليك وأنت على عرش التراب الأسود تتكيء قد أعطاك من أسراره وعلومه وقوته وحكمته وذكائة وعزمه الكثير والكثير، قد أفرغ داخلك هيمنة وتحمل رجال أمم، صب في صدرك صبر وجلد، وضع في حناياك التأمل وفي عيناك كحل أسود حتى تتطلع على ما خفى عن البشر، أعطاك الليل قبس من هلالة فأصبحت رؤياك في الشحوب واضحة ومخيفة لمن ينظر لك، وأعطاك هبة منه فظهورك مرتبط بحضوره، وفي النهار عجزت العيون أن تشاهدك رغم وجودك أو ربما فرت وهربت من رائحة قوتك في المكان، سوف تبقى أنت يا حارس المقبرة عجائب عمري السبع، و إدراكي الصعب، وضعفي اللين 

ما أنت يا حارس المقبرة؟ ومن أنت؟ 

كيف جئت؟ ولماذا؟ 

وتلك الظلال التي تحيط بك، كيف تجمعت؟ وكيف ألقيت حولك؟ كيف كيف؟ أخبرني عن هذا

السكون الذي يحيط بك يكاد يضج بالألغاز، إن مجرد النظر إليك، يجعل براكين الحيرة تتدفق في كياني ولا تهدأ، ومجرد التفكير بك يضع كياني كله في طرق التيه وسردايب العتم وبؤر الظلام، أنت أعمق ما لمسته في أيامي، أكثر ما أثار فضولي في حياتي، سوف تبقى أنت دائماً هذا السر العميق الذي حاولت أن أفهم كهنه ولكنني فشلت، سوف تبقى أنت أكبر علامة أستفهام في أيامي وسنوات عمري، أنت تلك المسألة التي أرهقت عقلي الضئيل المحدود الذكاء ولم يصل إلى طريقة حل ولم يفلح في حل طلا، سمها، سوف تظل أنت المتاهة الكبيرة التي فشلت في إيجاد طريقة للخروج منها، بل أنت أكثر فز،ع من كل تلك القبور، وظلامك لن يختلف أبداً في حلكته عن تلك الليالي التي يحتجب فيها القمر عن سماء الدنيا، 

وإن أشد ما كاد يفتك بعقلي، يكاد يمزقه هو أنت، 

كيف استطعت أن تتأقلم في هذا المكان؟ لا ريب أنك تمتلك من الخفايا ما يوازي هذا الخلاء الم ، ف ز ع الذي تواجدت به وأخترت لذاتك أن تنتمي له،

 الإ يقال أن كل بيئة يتكيف بها ساكنيها؟ لا عجب إن كنت أنت أكثر من الت راب الأسود في المحاكاة، ولا شك أيضاً أن صمتك يحمل أسرار ،يحمل الكثير من الحكم داخل ثنايا السكون والخرس به،

 وكلماتك تحمل أنباء قوم بل هي أنباء وأخبار أقوام آخرين تم د*ف*ن أثر هم، و تلاشى ذكرهم، وحجب عن الجمع ما حدث لهم، فقط كنت أنت الرائي، بعض الأشياء تحدث في الكون في الخفاء ولا يطلع عليها بشري، قدر لها أن تبدأ وتنتهى في الظلام، وبعض الأشياء تحدث و تنتهى ويطلع عليها الدواب ومن لا يملك لسان، فيكون الشاهد على حدوثها أبكم أصم، وبعض الأمور قدر لها أن تطلع عليها عينين ترفض أن يفصح عنها لسان، أختار صاحبها أن تكن في طي الكتمان إلى الأبد، لماذا لا تقص علينا أيها الراوي ما حدث؟ بعض مما شاهدت، لماذا لا تزيح جزء من الستار القاتم عن الخفايا؟ أخبرنا ولو جزء بسيط منه، الفضول والنهم يكاد ي*ف*ت*ك بصاحب السؤال، نار تتأجج في احشاءه ولن يطفيء لهيبها الإ كلماتك يريد أن يرحل معك هناك إلى تلك الأيام، يريد أن يستمع إلى ما تم حدوثه هنا منذ زمن، رغم ما به من ر**ع**ب ولكن ما سوف يقبض على قلبه في تلك اللحظات هو وجودك معه، هيا قص يا حارس المقبرة

 حتى يروي عطش ذاته، فلقد تزاحم داخله النهم للمعرفة، وطرد أحساس الخوف بعض من الوقت، أو ربما هو يحاول إيجاد طريقة حتى ترحل تلك الساعات بعيداً، ويأتي الصباح ومعه المفتاح والحل، 

ألم تشتاق إلى الكلمات يا حارس المقبرة؟ بعد سنوات صمت، ألم تشتاق إلى الرفقة يا حارس المقبرة؟ بعد سنوات وحشة وعزلة عن البشر، 

لقد اختارت الأرض أن تسجن أسعد داخلها ورأيت أنت دليل واحد فقط على نقاء الشاب، لماذا لا تمنحه قدر قليل من عطاياك، وتعطيه جزء من أسرارك، وتمنحه قبس من الألفة والسلام والونس 

فلتستمع يا صاحب السؤال، إلى صوت حكيم المقابر وحارس الصمت والسكون،

 أسعد يستمع، أسعد يستمع وحارس المقبرة قد تخلى عن صمته وقرر أن يفرغ من جراب الأسرار بعض الشيء، إليك أولى القصص التي حدثت في تلك الأرض، إليك أول الحكايات نشأت صاحب الحديد والحرفي 

 ❈-❈-❈


تململ في فراشة عدة مرات رافضاً أن ينهض رغم أستماعه إلى صوت النداء الذي يتكرر في أنحاء الحي بصوت يضاهي صوت مكبرات الصوت، كان الصوت يرفض أن يصمت وهو على يقين أن صاحب النداء لن يكف عن ترديد أسم نشأت بهذا النمط الإ حين يجيبه هو أنه أخيراً قد استيقظ، قذف بغطاء الفراش في غضب ثم أسرع إلى النافذة قال وهو يفتحها في عنف: 

_توقف توقف أيها الملعون صوتك ثقب أذني

قال الطفل الصغير وهو ينظر إلى أعلى:

_أنا أنفذ أوامرك يا أسطى نشأت، لقد فعلت ما يجب أن أفعل وما طلبته مني، لقد أيقظتك الآن جاء دورك، حتى تفى بوعدك وتنفذ كلمتك، أنت رجل وأنا رجل أليس كذلك؟  

دخل إلى غرفته في ضيق وهو يسب الطفل الصغير بأفظع الشتائم، التقط من جيب بنطاله ورقة نقدية فئة الخمسة جنيهات ثم قذف لها به وهو يردد: 

_خذ وأرحل من هنا 

التقط الطفل الخمسة جنيهات في سرعة ثم قال وهو يقبل النقود: 

_دام الله عزك ولا قطع رزقك يا غالي 

ثم أنطلق يعدو بين الشوارع وهو يردد:

_المعلم نشأت استيقظ، وأنعم على زيكا بالنقود يا أولاد    

نظر نشأت إلى صورة والده ووالدته المعلقة على الحائط تزينها شريطة سوداء وقال: 

_الله يرحمك يا أبي أنت وأمي، منذ رحيلكم، لا أحد يقوم على إيقاظي في رفق 

ثم اتجه إلى المطبخ أعد إلى ذاته كوب من الشاي الثقيل، وبحث بين الارفف فلم يجد الإ الخبز البائت، أمسكه بيد ثم شرع يشرب الشاي مع لقيمات من الخبز، ثم نظر إلى صورة والديه على الحائط مرة ثانية وتابع: 

_منذ رحيلك يا أمي لم أتناول المحشي، بعض الطبخ والأرز أتناوله في مناسبات الزفاف التي تقام في الشارع، ولكن المذاق مختلف هو لن يكون مثل طعامك يا أمي أبداً، في بعض الأوقات يخيل لي أن الكلاب والقطط تحظى بطعام أفضل من هذا

أنهى كوب الشاي ثم قال: 

_اليوم لدي مهمة في إحدى البيوت الراقية، سوف أصنع لهم بوابة حديدية، منذ سبع أيام كاملة لم أرزق بعمل واليوم هو يوم عمل لي 

وضع يده على صورة والدته وقال: 

_ادعي لي بالتوفيق يا أمي، العمل شاق وأنا وحدي أقوم به 

ثم نظر إلى صورة والده وتابع: 

_أكاد أسمع صوتك وهو يقول لي أنت يا نشأت رجل، منذ سنوات عمري الأولى وأنا أسمعك تردد تلك الجملة، لقد مضى على رحيلك أنت وهي عامين ولقد بلغت الآن خمسة عشر عام، أظن أن عمري الان يوازي ألف عام بعد رحيلك، أشعر أني قد هرمت، وصار الشيب في قلبي وأنفاسي 

اتجه إلى الباب ثم التقط حقيبتة التي تحتوى على الأدوات الخاصة به وهو يقول:

_إلى اللقاء سوف أعود لكم في المساء

توقفت السيارة الأجرة التي استقلها نشأت أمام إحدى القصور التي تفوح منها رائحة الورد والريحان، تردد لحظة قبل أن يخرج الورقة التي بها العنوان، كانت الكلمات التي تشع نور من اليافطة التي أمامه تتطابق مع الورقة التي في يده، منزل رجل الأعمال شمس الدين محمد، تنهد في صمت ثم دس الورقة في جيب البنطال وقال: 

_بل هو قصر من قصور الف ليلة وليلة 

فور أن أقترب من القصر حتى أقترب منه أحد رجال الأمن ثم نظر إلى صورة ما في يده وقال وهو يدقق النظر في وجه وفي الصورة التي في حوزته: 

_أنت الشاب نشأت المصرح له بالدخول اليوم إلى منزل شمس بك 

لم يكد نشأت يمضي خطوتين حتى توقف أمام عدد من رجال الأمن الذين قاموا أيضاً بالتحقق من شخصيته قبل أن يسمح له بالدخول، 

كانت عيناه تتابع الأشجار الباسقة التي تم تهذيبها بطريقة احترافية، مما جعل الرؤية لها راحة إلى العين والنفس، ثم نظر إلى حمام السباحة التي يفوح منه رائحة ذكية رغم عدم وجود أحد بداخله، ثم توقف أمام البلاط الرخام وعدد درجاته التي عليه أن يصعدها حتى يصل إلى باب المنزل أخيراً حيث استقبله إحدى الخدم قائلاً: 

_جيد انك حضرت في موعدك الذي تم تحديده لك، السيد شمس كان سوف يلغي الأمر كله إذا تأخرت دقيقة واحدة، فهو مرتبط دائماً بامور هامة والدقائق التي سوف يكون بها معك يليها موعد طائرة إلى أوربا

 هز نشأت رأسه في قوة ثم قال وهو ينظر في أرجاء المنزل حيث اللوحات المعلقة على الجدران والأنتيكات والتحف الغالية والنجف والثرايا والسجاد العجمي: 

_أنا أحترم العمل الذي أقوم به وكذلك الأشخاص الذين أتعامل معهم 

أشار له الخادم إلى حيث غرفة المكتب وفتح الباب في أدب وهدوء شديد ثم قال: 

_لقد وصل نشأت يا سيدي 

أشار له الرجل في هدوء، مما جعل الخادم ينصرف في هدوء نهض الرجل من خلف مكتبه ثم قال وهو ينظر إلى نشأت في عمق : 

_ أنت ترى هذا الباب أليس كذلك؟ 

هز نشأت رأسه علامة الموافقة وهو ينظر إلى الباب الذي دلف منه منذ ثوان قليلة، مما 

جعل الرجل يهتف في صوت به لهجة آمرة: 

_أريد صنع بوابة حديدية هنا خلف الباب كم المدة التي تحتاج إليها؟ وما هو المبلغ المطلوب نظير عملك؟ 

هتف نشأت وهو ينظر إلى طول الحائط: 

_سوف أنتهى من العمل اليوم، ولكن على العودة صباحاً حتى أضع لمسات نهائية، والمبلغ المستحق و المطلوب خمسة آلاف جنيهات

قال رجل الأعمال وهو يلتقط حقيبته ويفتح الباب: 

_أمر جيد، أنا دائماً أحب الصفقات الواضحة، تلك التي تشاهد فيها في وضوح نتائجها ومميزاتها وفوائدها وأرباحها، الوضوح يعني الفلاح، اراك في الصباح يا نشأت النشيط 

❈-❈-❈

لم تكد تمر ساعتين الإ وقد جاء الخادم مرة ثانية، ونشأت كان قد وصل إلى مرحلة الأنفصال عن كل ما يحيط به، ولولا دخول الخادم حاملاً صينية مستديرة تحتوى على بعض الأطعمة ومشروب بارد ما كان نشأت يترك الادوات وينظر له في دهشة، وقد انتبه فجأة إلى المكان والزمان الذي يتواجد به، وعادت ذاكرته له من جديد، فلقد ظن لحظات إنه في ورشته الصغيرة، نظر له الخادم في إبتسامة ثم قال: 

_تفضل 

كانت الفطائر المحلاة بالشوكولاتة والملبن ويتجرع المشروب البارد الذي أخبره الخادم إنه أور جانيك مشروب من الفواكة الطبيعية خالي من اي مواد حافظة، حتى شعر بطاقة تتجدد داخله وعاد إلى عمله مرة ثانية، وحين أتم مهمته جاء له الخادم حتى يرشده إلى الحمام، مما دفع نشأت أن يتعجب من الرجل، وحاول أن يعترض قائلاً: 

_سوف أذهب الى منزلي وسوف اقوم بالأستحمام هناك

ولكن الخادم قال في صوت حازم وآمر: 

_هناك حمام خاص في المنزل تم تخصيصه إلى أي شخص يدخل إلى هنا، هو نظيف ومزود بكل ما تحتاج له، هو نظام نتبعه مع كل الوافدين إلى هنا من أجل صناعة شيء ما

لم يكد نشأت يدلف إلى الحمام حتى شعر بحاجته إلى الغوص في الماء الساخن المزود بأجمل العطور، وبعد أن أنهى الاستحمام ونشف جسده تماماً وارتدى ملابسه شعر براحة تجتاح كيانه،ولم يكن يحتاج أكثر من أن يضع بعض الطعام في فمه ثم يغمض عينيه، كانت دهشته كبيرة، حين أخبره الخادم أن العشاء معد له، مما دفع نشأت إلى الأبتسام، فلقد تحققت أمنيه يتيمة في عمره، أجل هي المرة الأولى التي يتمنى بها أمر ويتحقق له، قاده الخادم في هدوء إلى حيث وضع ثلاث أصناف من الطعام لم يعرف ما هو نوعهم، ولكن الرائحة الذكيه أخبرته أنهم من اشهي المأكولات، مع عدد خمس قطع من اللحم تزن كيلو كاملاً، ولقد التهم نشأت الطعام دون أن يحاول الأعتراض فلقد شعر بحاجته إلى هذا المذاق، ومع الانتهاء من اخر قطعة من اللحم تدفقت في كيان الشاب كل بحور الحرمان، فلقد شعر أن ما عايشه اليوم أمر لم يكن ليحلم به خاصة أن تلك الخدمات الفخمة والباذخة التي قد قدمت له هي أمر من ملذات الحياة 

لم يكن يعلم أنه سوف يناله يوماً ما، وما بين لحظة وأخرى، تتغير النفوس والضمائر وما بين موقف وآخر تتغير طريقة وأسلوب العقل في التفكير، وبعض الأماكن تترك داخلنا آثار مختلفة ما بين السلبي والإيجابي، ودائماً هناك في دروب الحياة منعطف، تتغير معه طريقتنا في التعامل مع الكون، ومع الاختلاف هناك نهايتين، إما أن ننال السعادة مع القرارات الصائبة، أو تظل سيوف من نار تنال من أجسادنا، هي سيوف الحسرة والندم 

❈-❈-❈

 طريق عودته استوقف نشأت الحاج صفوت، قال وهو يمد يده حتى يمسك ذراع الصبي: 

_هل انت بخير؟ لقد مضى وقت طويل لم أشاهدك به عساك في خير حال يا ولدي العزيز 

نظر نشأت إلى الحاج صفوت، لقد كان صديق لوالده ويعمل بإحدى المصانع البعيدة نوعاً ما عن سكن الصبي، تتفاوت الأوقات ويأتي إلى زيارته، ولكن مضى وقت بعيد لم يأت الحاج صفوت لزيارة الصبي قال الحاج صفوت وهو يربت على كتف المراهق: 

_شاهدت والدك في الحلم أمس بعد أن غلبني النعاس بعد صلاة الفجر، وأخبرني عن حزنه مني، وغضبه على وفهمت دلالة القصد، وفسرت الرؤيا، فلقد مضت أيام وأيام لم أجيء لك، وجئت لك حتى ترتاح روح والدك كيف حالك يا بني؟ أنها مشاغل الحياة فقط التي أخذت بعض من الوقت في الأيام الماضية ولكن في العقل أنت والتفكير لا يزال قائم عليك  

هتف نشأت وهو يبلع ريقه، يستعيد مذاق الطعام، وتسرى في جسده نشوة أثر العطور التي تم مزجها بجسده، وتتخلل حناياه سعادة رغد: 

_لقد كان يومي سعيد مميز وممتع رغم العمل الشاق والمتعب رغم الأجهاد والألم 

هتف الحاج صفوت في سعادة: 

_هذا أمر جيد اتمنى أن تكون كل ايامك جميلة، هل لك أن تخبرني ما هو سر سعادتك؟

يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية حارس للمقبرة لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة