-->

رواية جديدة حارس المقبرة لهالة محمد الجمسي - الفصل 5

 

رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة هالة محمد الجمسي
رواية حارس المقبرة




رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الخامس 

فتح نشأت باب شقته في تكاسل، ألقى حقيبته في حدة كمن يلقى تهمة ويزيحها بعيد عن ذاته، نظر إلى صور والديه في صمت، جلس إلى المنضدة في مواجهته، ولأول مرة منذ رحيلهم لا يتحدث لهم عن تفاصيل يومه، بل كان يختلس النظرات إلى كل منهم في حيرة، ثم نظر إلى باقايا طعامه وازاحه في غضب، وأسرع الخطى إلى غرفته يزج بجسده إلى الفراش، وهو يعيد تفاصيل اليوم في مخيلته

 الثراء له مذاق حلو شهي،  الرفاهية يصاحبها شعور بنشوة ممزوجة بخدر لذيذ ، خاصة من يلتقطها وينعم بها بعد عناء وتعب، 

الشقاء الذي يتبعه راحة يكون بمثابة جائزة كبرى بعد سباق كبير، الفرح يجعل النوم يجافي صاحبه، وشعور نشأت جعل النوم يفر من جفونه، كان يستمع إلى صوت عقله وهو يحدثه عن تلك اللحظات التي عاشها، حياة الملوك التي تمتع بها، أنها أشبهه بحياة الف ليلة وليلة تلك التي كان يشاهدها في الافلام العربيه القديمة، يا لها من حياة، ليته ينعم بها خاصة وهو وحيد ويعاني من الوحدة، وعدم وجود أنيس أو رفيق في حياته، 

حين بزغ نجم الصباح وضع رأسه تحت صنبور الماء ثم شرب عدة أقداح من القهوة، 

لم يكن يشعر بحاجتة إلى النوم، ولكنه شعر بحاجته إلى تذوق شيء يعشقه، شيء يعزز به حواسه ويدللها،ربما صمت هذا الصراخ الذي يئن داخله ويطالبه أن ينال من الرغد مرة أخرى عدة دفعات، حمل حقيبته وسار في الدرب في خطوات سريعة مثل من يذهب إلى مصافحة حبيبة غائبة عنه منذ عدة ليال، كان يشعر أنه في طريقة مواعدة حبيبة ولقاء غرامي، وصل قبل الموعد المتفق عليه، وسمح له رجال الأمن بالدخول فهو صاحب حرفة  يحتاج له المكان، ولا يجب أن يتم تعطيله أو تأخيره

❈-❈-❈

استقبل الخادم نشأت بإبتسامة هادئة، فكر نشأت أن الخادم يصلح أن يكون رئيس حي أو مرشح م ،ج ل،س ،ا ،ن،واب فهو أنيق ويتمتع بدماثة خلق وأيضا لبق وهاديء يصلح أيضاً لإصلاح العلاقات المهترئة بين الجيران أو بين ال،د،ول، فهو يتمتع بحنكة وفطنه وطريقة إقناع رهيبة، اتجه نشأت إلى البوابة الحديدية ما كاد ينهى عمله بها حتى أستمع إلى صوت رجل الأعمال يقول في ثقة: 

_نظرتي بك لم تخب، كنت أعلم أن  المهمة هنا قد انتهت على أكمل وجه 

ابتسم نشأت وهو يستمع إلى الإطراء في حين قال رجل الأعمال: 

_في اي عمل قادم خاص ببوابات المنزل  سوف يكون أسمك على لائحة المطلوبين 

ما كاد رجل الأعمال يكمل كلمته، حتى أستمع نشأت إلى صوت ضعيف يهتف: 

_دادي( أبي) 

رفع نشأت رأسه حتى ينظر إلى ما وراء كتف رجل الأعمال،كانت هيئة الشاب توحى أنه رجل ولكن ملابسه لا تعترف بهذا والسلسلة الذهبية التي تحيط بعنقه كذلك، ولكن شعره المجعد يضع حد نوعاً ما إلى المهزلة ويشير إلى كونه رجل إلى حد ما

أبتسم رجل الأعمال وقال: 

_مازن، جيد أن اشاهدك اليوم، بعد خمسة عشر يوم غياب 

قال مازن في صوت به رجفة نوعاً ما: 

_أحتاج إلى جثة 

قال رجل الأعمال في اعتراض واستنكار: 

_لا ، لا تظن أن الأمر سوف ينجح هذة المرة

قال مازن وهو ينظر إلى والده في توسل: 

_أنت أصررت على أن التحق بكلية الطب، والجثة أحتاج لها من أجل التشريح 

هتف الوالد في صوت به من العصبية الكثير: 

_كانت في حوزتك منذ خمسة عشر يوماً، هل أنتهيت منها؟ بالتأكيد لا ما الأمر؟ كيف اضعتها من يدك؟ 

قال مازن وهو يجلس فوق مقعد: 

_ذهبت في رفقة الاصدقاء في رحلة إلى الجونة وحين عدت لم اجدها في الشقة المخصصة لي إلى المذاكرة، لا أستطيع مواصلة دروس التشريح  دونها 

قال الاب في صوت به من الاتهام الكثير: 

_هل سألت أصدقاءك؟ ربما كان رامي قد استولى عليها أو نادر

قال مازن في هدوء واستسلام: 

_رامي يقوم بمساعدتي على المذاكرة وفهم الأمور، خاصة التشريح، ونادر يقوم بتمرير بعض أسئلة الامتحانات لي، لا أستطيع أن أثير غضب أي فرد منهم، هم من أعتمد عليهم حتى أتخرج من الجامعة 

قال الأب في عصبية: 

_أنت تتولى الصرف عليهم أيضاً  ملابس وطعام  وأدوات وإقامة وكل شيء 

هتف مازن في توسل: 

_احتاج لهم، لن أنجح دون رامي ونادر 

قال الأب في شيء من الامتعاض: 

_سوف أستمر في تلبية طلباتكم إلى حين التخرج لا أمتلك خيار آخر 

نظر مازن فجأة إلى نشأت ثم قال في صوت به من التساؤل الكثير وهو يقترب من البوابة الحديدية التي انتهى من صنعها نشأت: 

_لماذا صنعت بوابة حديدية هنا؟ الأموال التي توجد في المنزل ليست كثيرة، جميع أموالنا في البنوك الدولية، والمال الذي يوجد في البنوك ال# م صرية لا يعادل واحد في عشرة من الذي يوجد في الخارج  

قال رجل الأعمال في استهجان: 

_هنا أوراق تعادل في قيمتها الماس والزمرد 

هز مازن رأسه في علامة الموافقة ثم نظر إلى نشأت، مثل من انتبه إلى وجوده المفاجئ وقال: 

_أحسنت صنعاً 

❈-❈-❈

ارتبك نشأت حاول أن يجيب الشاب ولكنه لم يستطع هز رأسه مع إبتسامة كانت قد أفادت بغرض كلمة شكر، ذاك أن نشأت في الاستماع إلى الحديث الذي دار بين الأب وإبنه جعله يجفل بعض الشئ  وهو يستمع إلى طلب الإبن  

دخل إلى المكان الخادم مسرعاً وضع صينية بها وجبة الإفطار، ثم قال في صوت به رنة فرح: 

_الطبيب الشاب في المنزل، هي بشرى سارة أذن 

قال رجل الأعمال في سرعة: 

_بشرى مهمة عاجلة إن صح التعبير

ظهر على وجه الخادم التفكير ثم قال: 

_مهمة عاجلة! 

قال رجل الأعمال وهو يشير إلى الخادم: 

_ينبغي عليك ٱعطاء نشأت مستحقاته المالية

قال نشأت وهو يهم بالانصراف: 

_إلى اللقاء 

قال الخادم في أدب جم: 

_من فضلك، انتظر قدومي لك في غرفة الضيافة  بعد دقائق بسيطة 

انصرف نشأت مسرعاً إلى حيث الغرفة لم تمض سوى دقائق بسيطة حتى وصل الخادم إلى الغرفة حاملاً حقيبة ممتلئة بالنقود وهو يقول في سلاسة: 

_هذا المبلغ هو خمسين الف جنيه سوف تكون لك إذا أردت، والمبلغ الآخر الصغير المستحق لك هنا 

أخرج الخادم من جيب بنطاله المبلغ المطلوب ثم وضعه في يد نشأت، الذي دسه مسرعاً في جيبه، ثم نظر إلى الحقيبة المكتظة بالمال وقال: 

_كم بوابة تحتاج إلى صنعها؟ وفي اي مكان تريد مني أن أصنعها؟ 

قال الخادم في هدوء وهو ينظر في عين نشأت: 

_لا أحتاج بوابات، ما سوف اطلبه منك ليس عمل شاق، إنه أمر بسيط إلى الغاية يمكنك حضوره عبر  وسيط وتتفق معه  كيف يتم تقسيم المبلغ بين كل منكم؟ 

قال نشأت في حيرة: 

  _أي عمل تقصد؟ 

هتف الخادم في صوت به من الاقناع والحكمة الكثير: 

_عمل خير فعل إنساني  من أجل مساعدة طالب علم،  سوف تنال اجرك من المال كاملاً بعد  أن تنال نصيبك من الحسنات 

قال نشأت في حيرة: _ 

_لا أفهم قصدك

تابع الخادم وهو يضع يد على كتف نشأت: 

_أنت تعرف أن طريق العلم يحتاج إلى ابحاث حتى يتم، في الجامعات يأتي ببعض ال&أ* مو*ات الذين لقوا حتفهم في حادث سير مجهولين الهوية ويتم التعليم فوق أجسأدهم إلى طلبة الطب من أجل العلم وفي سبيل العلم، هي شيء  مشروع به دينياً في حدود المسموح به، 

 مازن طالب طب يحتاج إلى جث ة حتى يتدرب على التش**ريح ربما تعرف أحد من رفاق الشارع الذي تقيم به، أو أي شخص يصلح إلى أن يأتي لنا بتلك المهمة 

صمت نشأت نظر إلى الخادم في تعجب، لماذا طلب منه هذا؟ هو يعلم جيداً أن الأمر بعيد عنه، لماذا؟ ولكن الخادم قال وهو ينظر إلى نشأت وكأنه قرأ السؤال في عينيه: 

_أنت تحتاج أن تترك طريق الشقاء هذا، المال سوف يوفر لك أمر جيد، لما لا تسلك طريق آخر غير حرفتك الشاقة، يمكنك استبدالها بفتح متجر ملابس، إنت لا زلت صبي صغير على هذا العناء والمشقة والألم، يمكنك تجاوز العمل الشاق بأمر بسيط وهين، هذا العمل سوف يوفر لك مبلغ كبير، نحتاج هذا الأمر في الغد، 

وأنت أيضاً تحتاج إلى تغيير حياتك، تستحق الأفضل، 

ما رايك يا صديقي؟

❈-❈-❈

هل سوف تلتقط المبلغ الصغير الضئيل؟ أو سوف تلتقط المال الوفير؟

يقال أن الفرص تأتي مرة واحدة أما أن تقتنصها  في تلك اللحظة أو تبكي ما تبقى من العمر على إضاعتها 

تلك كانت أخر كلمات الخادم إلى نشأت، قبل أن يلتقط نشأت الحقيبة المكتظة بالنقود ويرحل، وقد احتضن المال في صدرة مثل أم  تضم طفل وليد  إلى جوارحها بعد  سنوات عقم، 

 لم يفكر نشأت كثيراً، التقط الحقيبة من يد الخادم الذي أطلق كلمات ثناء وشكر إلى الرجل وبعض كلمات عن ضرورة وجود الج**ثة في الغد،ولا يجب التأخير، عاد إلى شقته اغلق الباب عدة مرات من الداخل بالمفتاخ، ثم قام بنثر المال أعلى الفراش، لم ينظر إلى صورة والديه أبداً، ظل يتمرغ بين النقود في سعادة، وهو يرفع بعض منها ويضعها على الفم، 

مضى من الوقت الكثير، أعلنت دقات الساعة منتصف الليل، ونشأت يتمرغ بين المال في سعادة، ثم انتبه فجأة إلى وجوب وضع خطوات حتى يصل إلى ما يريد، 

نهض من الفراش ثم جمع المال في الحقيبة، وقام على وضعها في خزانة الملابس ثم أغلق الخزانة،  وتأكد من إغلاق النافذة ثم جلس يفكر ببعض الأمور، لن يتخد شريك له في هذا الليل، ولن يبحث عن أحد حتى يجد 

ما يريد، لن يفضى بسره إلى أحد ثم بزغ إلى ذهنه فجأة صوت مكبرات الصوت في الصباح كانت تعلن عن موت أحد ما، ولكنه لم يكترث في هذا الوقت حتى يسمع

سوف يسأل عن هوية الشخص، وهو يعلم جيداً أن المقابر القريبة من هنا، كل مقبرة يعلوها 

أسم العائلة التي ينتمي لها الشخص،  وهو يعرف جيداً أماكن كل عائلة، 

إنه يحتاج الآن إلى طريقة توصله إلى هناك لن يمضي إلى هذا المكان سيراً على الأقدام، هو كذلك يحتاج إلى أداة إنارة، المكان هناك معتم ومظلم، وبضع زجاجات ماء نار حتى يذيب الجبس الابيض أو الأسمنت،

 ومعه كشاف، لقد اكتملت الأدوات فقط هو يحتاج سيارة لانه سوف ينطلق من المقابر إلى حيث منزل رجل الأعمال ثمة سيارة صغيرة  تقف عند باب جارة فاروق تصلح لإنجاز المهمة، خمسون جنيهاً تكفى فاروق خاصة وهو يخبره إنه هو من سوف يقود وفي الصباح سوف يجد سيارته أسفل منزلة كما هو متفق عليه، وقبل أن يرحل سأل في 

حيرة: 

_هل فاتتني صلاة جنازة اليوم؟ 

رد فاروق في سرعة: 

_أجل لقد كانت جنازة عمران صاحب محل المخللات، وتم دفنه بعد العصر 

تصنع نشأت شعور الحزن، لقد عرف تماماً في أي اتجاه في المقابر سوف يسلك، لن يكون الأمر صعب، المقبرة تتوسط المكان، لا تقع على أطرافه،وهذا أمر جيد 

إن المال له سلطة وبريق ونفوذ، سلطة تجعل الجميع يطلب قربك، ونفوذ تجعل   بعض الأعناق تنكث إلى أسفل، تخشي مجابهتك،  وبريق يجعل الأضواء في كل ما يحيط بك، ونفوذ، أضواء بها غشاوة تجعل الصعب لين و  الذنوب العصية  سهلة الفعل، والأفعال القبيحة تتجمل وترتدي ثوب الربيع الخداع  


وصل بعد منتصف الليل، تحسس بيده الأسمنت الأبيض أزاح جزء منه بيده، ثم سكب ماء نار عليه حتى ينهال عليه ويفتته، وتفتح أبواب الظلام،  امسك الكشاف الضوئي وهبط أربع درجات إلى أسفل، 

كانت الجثة البيضاء في أول المقبرة، وضع يد اسفلها وهم برفعها، أستمع إلى صوت يهتف: 

_نشأت ماذا تفعل؟ 

ترك الجثة ثم نظر في كل ركن في المقبرة، يرفع الكشاف في كل الزوايا، لا شيء سوى ثلاث أم*و#ات آخرين منذ عهد مضي، وتراب رطب أسفل قدمه، ورائحة مكتومة تتسلل له وبعض الهواء يهز ملابسه، ولكن من أين جاء الصوت؟ لا ريب أن عقلي هو من صور لي هذا؟ يجب أن أسرع حتى أخرج، أسرع يحملها مرة أخرى،ولكن الصوت قال في لهجة نهر ورجز: 

_نشأت ماذا تفعل؟ هل جننت؟ 

في فزع ورعب ألقى ما بين يديه، هذا الصوت معروف لديه، صوت تربت الأذن عليه منذ الصغر،  هو صوت والده،لا يمكنه أن يخطئ، ولكن كيف كيف؟ 

ارتعش جسده وجف حلقه وهو ينظر في أرجاء المقبرة لا شيء سوى السكون والعدم ورائحة الموت، جر في هدوء الرجل، ولكن يده تصلبت، لقد لمح شيء ما يتحرك في المقبرة، جعله ينتفض في فزع، هتف في صوت يرتجف: 

_من؟ من هنا؟ 

جاء صوت آخر من إحدى الزوايا يهتف: 

_لماذا أنت هنا يا نشأت؟ عار عليك أن تفعل هذا 

 ❈-❈-❈

أهتزت اقدامة في سرعة، وشعر بها ترتخي في قوى مثل المطاط فأفترش أرض المقبرة في غير إرادة منه وقد تفصد العرق من ظهره غزير، وما سريان العرق شعر بخوار ينهل من طاقته، لهث مثل من يجري في سباق ودار بعين جاحظة من الرعب يبحث عن صاحب الكلمات هو يعرف جيداً هذا الصوت الزاجر له، نظر إلى جدار المقبرة من الداخل كان هناك صورة الى طيف أبيض يهتز وهو يشير بيده قائلاً في وضوح: 

_نشأت ماذا تفعل هنا؟ 

وضع يد على رأسه وهو يردد: 

_لا ،لا لا يمكن أن تكون حقيقي 

قال الصوت في حدة: 

_هل تنكرني أنا أيضاً؟ 

هتف نشأت بصوت مرتعش: 

_لقد مت وأنتهيت منذ سنوات، لقد تلقيت العزاء بك،  لقد د*فتتك منذ زمن مضى،  لا يمكن أن يكون هذا حقيقي، لا يمكن أن تكون حي وتتحدث معي،   أنت لست والدي لا لا يمكن أن تكون هو 

رفع يد من على رأسه ثم نظر إلى الجدار، كان صورة  الطيف قد أختفت وتلاشت، شرع يحمل الک*فن بمن به مرة ثانية، وقد شعر بحالة من الوهن تسيطر عليه، ولكنه حدث ذاته لا يمكن التراجع لقد تم فتح القبر، وضع الكفن* مرة أخرى تحت ذراعه، فشعر بقوة مقابلة له تضعه في قوة مرة ثانية إلى الأرض ثم جاء صوت  مرة ثانية:

_نشأت هل فقدت عقلك؟ 

هذى المرة لم يلتفت نشأت إلى مصدر الصوت كان يعلم جيداً صوت والدته،  لا يمكنه أن بخطيء نبرة الصوت، شعر بالخزي والهوان والخجل يعتري كيانه، كمن أمسك به في وضع فاضح أمام جميع البشر، نكث رأسه في مرارة وقال وهو مرتبك: 

_فقط كنت أحاول أن أحصل على المال 

قال الصوت في تعنيف: 

_ت*د،نس الأمو*ات!!! 

قال نشأت في صوت مهزوز: 

_فقط أنا 

ثم نظر في أرجاء المقبرة، نظرات زائغة لم يجد أي أثر للأطياف، شعر باضطراب عميق يجري في أعماقه ثمة شيء ما يكاد يخنق حلقه، وشعر بثقل  في معدته، ثقل يندفع  إلى جوفه،  يريد أن يفرغ ما في جوفه، شعر بحاجته إلى التقيؤ لعل هذا يخفف من وطأة الألم الذي يشعر به وفوضى الحواس الها*ئجة من الرعب 

 هل ما شاهده حقيقي أو مجرد أوهام؟ الصوت يبدو قوي جداً تكاد ترن وتصدى داخل أوصاله، ولكن ما تبصره عيناه هي أطياف مضيئة فقط، حدث ذاته في خفوت: 

_هي مجرد خيالات ليس أكثر،ولكن ماذا عن تلك الأصوات؟ 

تجاهل السؤال في حدة وحاول أن يرفع الكفن مرة أخرى ولكن ما كاد يفعله حتى جذبه شيء ما إلى الخلف، كان مثل قبضة قوية جذبته من منتصف جسده حتى يرتطم في جدار المقبرة مما جعله يتأوه في عنف، ثم نظر إلى الضوء الذي برز من إحدى زوايا المقبرة وصوت والدته يهتف به: 

_كم مرة آمرتك أن تتوقف، توقف لقد أصبحت عار على الجميع 

نظر إلى الطيف الذي يظهر على الجدار ثم قال: 

_لا، هذا ليس حقيقي، هذا مجرد خزعبلات أعيشها 

هتف الصوت في حدة: 

_هل تقبل أن يتم فعل هذا بي؟ هل تقبل أن يتم فعل هذا بوالدك؟ هل تقبل أن يفعل بك انت هذا بغد الموت؟ الموت له حرمةوالأموات لهم احترام، حين تغلق المقابر، ليس من حق أحد أي كان هذا الشخص  أن يد*نس المكان لأي غرض جئت؟ لأي غرض ءاتيت،الأموات في رحاب الله، فلا تتجاوز الحدود هنا 

هتف نشأت وهو ينظر إلى الطيف: 

_الأمر مرتبط بالعلم ليس الإ 

هتف الطيف: 

_لا تفعل هذا،لا تحاول أن تجد عذر وسبب لهذا الجرم الشنيع، هذا لن يضع طراز من شرعية لما تفعل ابداً لن يفعل  



ساد صمت لحظة ثم اختفى الطيف، نظر نشأت إلى خارج المقبرة، لاشيء سوى الظلام والسكون والرياح، نظر إلى الكفن مرة ثانية ثم تذكر كلمات الخادم 

انت تستحق حياة أفضل 


هز نشأت رأسه في عنف ثم حدث ذاته 

_ما أشاهده هو مجرد خيال ناتج عن الخوف 

رفع الجثة في عزم وإصرار وتحرك بضع خطوات حتى يخرج من المقبرة ولكنه ارتطم بشيء ما، جعله يقع ارضاً فوق الجثة مباشرة مما جعله ينتفض في فزع، وينهص مسرعاً، وهو يشعر بحركة أسفل منه، كانت الجث"ة قد اعتدلت في مكانها وتوسطت المقبرة، وشعر نشأت بالرعب يدب في أوصاله وقال في خوف: 

_لا ، هذا لا يصدق 

أهتز جسده في عنف وهو يستمع إلى صوت والديه: 

_لقد تم تحذيرك عدة مرات، ولكنك لم تستمع، و يل لك، وي**ل لك 

شعر بشيء يجذب قدمه ويجذبه إلى الجزء الآخر من المقبرة، مما جعله يحاول أن يتملص منه،ولكن القبضة كانت مثل الفولاذ تقبض على قدمه في حدة، تمرمرغ جسده في التراب، مليء الكثير منه فمه واذنه،  كان يصرخ طالباً العون والنجدة ورأسه ترتطم في جدرانه الأربع  ولكن لم يكن صوته يخرج بين جدران المقبرة،وقد اختفت الأطياف وتلاشى الضوء، فرت الدموع من عينيه، حين خففت القبضة عن جسده، فأنطلق يركض خارج المقبرة وهو يصرخ: 

_لم أفعل شيء، لم أفعل شيء، لن اعود إلى هنا مرة ثانية 

صوت دقات على الأرض منتظمة جعلته

ينظر خلفه عدة مرات، وهو يركض، شاهد عدد من الأموات في أك*فا نهم البيضاء ، يسيرون في صفوف منتظمة، يأتون من كل أنحاء المقابر يحتشدون في هدوء وصمت، يسيرون في خطوات واثقة خلفه، المسافة بينه وبينهم تقترب، كلما حاول أن يفر مبتعد، زادت كتلتهم فتقلصت المسافة بينهم صوت خطواتهم على الأرض  مثل طرق حاد  على الأبواب، تثير من خلفهم زوبعة قوية  من تراب أسود اللون، وصوت الرياح القوي يبدو مثل ناقوس خطر يدق في أرجاء المكان، أن أمر مخيف على وشك الحدث،  قفز قلبه بين ضلوعه، وصبغ  وجهه صفرة الرعب ، وأرتعشت مفاصل أقدامه، تشبث بلحظة إنقاذ ذاته فأجبر ساقيه على الركض وجر جسده في أستماتة يحاول أن ينجو ويزيد من  سرعة قدمه رغم الجروح و الألم  تعثر عدة مرات يده وجسده  يغوص مرات في التراب، ينهض في سرعة ويواصل الفرار يقع مرة أخرى على شقه الأيمن، دون أن يحاول أن ينفض الغبار عن ملابسه أو شعر رأسه الذي اكتسى باللون الأبيض، فقد إحدى أحذيته فلم  يهتم أن يلتقطها، ما يحاول أن يفر منه، لا يجب أن تلتفت ولو مقدار ثانية واحدة إلى الخلف، لا يهم أن فقدت حذاء أو تقطعت ثيابك، في سبيل حياتك، عليك أن تترك مثل تلك الأشياء، هو فقط يريد أن ينجو من المطاردة المرعب**ة، 

 مطاردة الذين رحلوا عن عالم البشر، يريد أن يفر منهم، بعد أن كان  مقتحم،وأخيراً خرج من المكان، أخيراً وقفت خطواته على الطريق في الجهة الأخرى، وهناك على حدود المق*ابر توقفت الحشود، ينظرون له، وأنتهت المطاردة، فقط نظرات عن بعد 

 لم يعد يملك من عزمه أو قوته شيء خارت صلابته أو ما تبقى من صلابته المهترئة بعد ما شاهد من أهوال، لهذا أفترش الأرض، واختنقت أنفاسة، نظر إلى المقابر في الجهة المقابلة، تبدو مثل قمم سوداء عتيقة، مثل قلاع حصينه تنظر من علو له، وخلف كل قلعة يقف فارس يتشح ببياض الثوب، أنفاسه تتضاءل وهو ينظر لهم، فتح قميص صدره يلتمس بعض الهواء ولكن الهواء تضاءل  فجأة  في رئتيه ، مما دفعه أن يرفع رأسه إلى السماء كان يلتفت حوله في فزع وهو يحاول أن يلتقط بعض الأكسجين، ولكنه لا يفلح، تتراخى أطرافه، ويشعر بقبضة تحتل كيانه نظر إلى قدمه التي سرى بها خدر خفيف، سر عان  ما تحول إلى ثقل حاد ثم جمود فلم يعد يشعر بهم، تلاشى الضوء من أمام عيناه وشعر بسحابات سوداء تخيط به، رفع يده في أستجداء وهو يشعر بدخان أسود يكتم فوق أنفاسه، يتغلغل في حناياه، يسرى مسرى الدم في جوارحه، يتدفق في جميع أجهزته، ويجعل بينه وبين الحياة سد وحاجز زاغت عيناه وهو يشاهد طيف والديه ثم صديق والده و  الخادم  ورجل الأعمال  ومازن والمال  قبل أن يغمض  نشأت عينيه إلى الأبد

❈-❈-❈

قال أسعد وهو ينظر إلى حارس  المقبرة في عمق: 

_ هل شاهدت كل هذا؟ شاهدت نهاية الأمر كاملاً؟  هل مات الصبي هناك على الجهة المقابلة حقاً؟ هل شاهدت ما مر به الصبي    من فزع ورعب؟

قال حارس المقبرة في ثقة: 

_أجل شاهدت هذا، وشاهدت نهاية الصبي أيضاً  واعلم ماذا يدور في عقلك من أسئلة؟ أسئلة تكاد تفتك بعقلك وتدمر خلاياه الضعيفة،  أسئلتك التي تظنها صعبه على الفهم، هل تريد ان تعرف  

هل ما شاهده الصبي كان  حقيقي؟ وهل شاهدت   أنا أيضاً المطاردة  التي شهدت نهايته ؟ هل شاهدت جحافل المو*تى وهم يطاردونه؟ سوف اجيبك عن كل أسئلتك يا أسعد فقط أهدأ وأنصت

يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية حارس للمقبرة لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة