-->

رواية جديدة البريئة والوحش لأميرة عمار - الفصل 9

 

قراءة رواية البريئة والوحش كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية البريئة والوحش 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أميرة عمار


الفصل التاسع

إن الشوق كالنار يأكل قلبي، هلا عدت لي لترحمني.

حتى في بعادك، لازالت صورتك عالقة بين جفوني.

حتى وإن طال البعاد بيننا، وزادت حرارة الشوق، سأظل أنتظرك، فأنت قدري وحبي واختياري.

الشوق دعاني إليك استيقظت من نومي لأقول لك لبيك


❈-❈-❈


يجلس علي كرسي سيارته بأريحية يقودها تجاه منزله بعد أن أوصلها واطمأن عليها


علي وجهه إبتسامة لا تريد الإختفاء منذ ذلك اليوم الذي إعترف لها فيه برغبته للزو اج منها 


عاش معها أجمل أسبوع بحياته، لم يعلم بيوم أنه سيشعر بكل تلك السعادة عندما يكون بصحبة فتاة...ليست مثل أي فتاة، فتاة خطفته برقتها وبرائتها ونقاء وجهها وصفاء قلبها...لا تحمل أي ضغينة بقلبها لأحد،مُريحة بحديثها الهادئ الذي يُذيب العظام من نعومته،براقة

...تُتلف أعصاب من يُجالسها رغبةََ بها،قلبه يتأرجح بصحبتها...عيناها مشتعلة بالشقاوة والحياة... رقيقة كغصن ياسمين وجميلة كرائحة الورود


لأول مرة يشعر أنه يريد العيش بعدما ذاق جمال الحياة بذلك الأسبوع...أَسرته بها وبجمالها وبطبعها الحنون،إحتوته وظهرت علي طبيعتها معه بعيداً عن شخصيتها مع مديرها،

بل كانوا أحباب حقاََ...جربوا أشياء كثيرة سوياً،

زاروا أماكن عديدة بمرسي مطروح...


إتسعت إبتسامته أكثر عندما تذكر إحدى الأيام الذي قضاها برفقتها...وقرروا حينها الذهاب للبحر،لم تخبره بعدم معرفتها للعوم وتحدت نفسها ومخاوفها حتي لا تبان ضعيفة أمامه ونزلت إلي البحر معه...وبعد نزولها بثوانِِ معدودة أخذت تصرخ بإسمه وهي تهتف"إلحقني يا فارس البحر عاوز يبلعني"

حمد ربه وقتها أنه كان يأخذ الشاطئ لحسابه فكان خالي من البشر سواهم فلولا لذلك لكانت نغم فضحتهم بصياحها الخائف...ذهب إليها سريعاً وهو يحاول تهدئتها وهي لا حياة لمن تنادي بقيت تصرخ وبكت كثيراً حتى يُخرجها من الماء...


أمسك رسغها حتي وصلوا لبداية الشاطئ خرج هو أولاً وهي خلفه

فقال لها بإستنكار ضاحكاً:


-هو ده البحر اللي كنتي عاوزة تجيبي كل الشنط دي عشانه 


ضمت نغم قبضتها وهي تلكمه بصدره قائلة:


-متتريقش عليا

ثم أكملت بكذب بَين في حديثها:


-أنا بعرف أعوم بس اتوترت شوية 


ضحك فارس بملئ فمه وهو يقول لها بمزاح:


-طبعاََ يا حبيبي أنا عارف إنك سباحة ماهرة وشوفت بنفسي كمان 

ثم إستكمل حديثه بجدية متسائلاً:


-بس عندي سؤال واحد بس يا حبيبي...هو البحر كان عاوز يبلعك إزاي 


لم تستطيع إمساك ضحكتها ففلتت منها دون إرادة فشاركها الضحك وهو يخلل أنامله بخاصتها متجهين نحو الفندق قائلاََ بمزاح:


-أوعدك أول حاجة هعلمهالك بعد جوازنا هي العوم وده منعاً للفضيحة


خرج من شروده من تلك الذكرى اللطيفة وهو يركن السيارة بالجراچ بعدما فتح له الحارس الموجود أمام القصر البوابة 

نزل منها بلياقة شديدة وهو يغلق الباب خلفه متجهاََ صوب القصر


سمع صوتََ أتي من غرفة الجلوس فإتجه نحوها بخطوات رتيبة هادئة 


وجد عائلته جالسين وهم يتحدثون مع بعضهم البعض وصوت ضحكاتهم يملئ القصر 


أول من رأته كانت لين التي قامت من مكانها سريعاً متجهة نحوه وهي تقول بصراخ فارح:


-فارس 


فتح لها ذراعيه وهو يستقبلها بأحضانه مشدداً عليها بيـ ـديه...قطعة من قلبه داخل أحضانه الآن...إشتم رائحتها وهو يقول بهمس تسمعه هي فقط:


-وحشتيني يا لين القلب 


ضمته أكثر وهي تقبل صدغه قبلات متفرقة بجنون مرح وهي تقول له:


-وإنتَ وحشتني أوي أوي يا حبيبي


إبتسم لها بحنان بالغ وهو يقبل رأسها بهدوء


فلين كانت لها نصيب من إسمها كبير لينة القلب وطيبة للغاية، وجهها طفولي تأخذ جمال أمه الهادئ...طوال حياته يخاف إرتكاب المعاصي حتي لا تُقابل هي النتائج... يخاف عليها من نسمة الهواء المارة،الكل يعلم أن لين عنده خط أحمر فلين تُعني لين القلب لدي فارس، قلبه لا يَلن إلا لها فقط لا يحب رؤيتها حزينه..دائماََ يعشق رؤيتها شرهة تعشق الحياة...يُحب مرحها وجنونها الطفولي ويتمني أن تبقي هكذا ولا تُغيرها الحياة 


وقف مالك بينهم بعدما قام من مكانه هو الآخر جرياََ وهو يصيح هو الأخر بسعادة:


-بابي وحشتني أوي


حمله فارس من علي الأرضية وهو يقبل وجنتيه قائلة له بإشتياق:


-وإنت يا قلب بابي وحشتني قد الدنيا وما فيها 


تقدم وهو يحمله صوب أمه التي نزلت دموعها لا إرادياََ كعادة أي أم مصرية أصيلة عندما رأت إبنها أمامها بعد كل تلك السنين


وقف أمامها وهو يضع مالك أرضاََ حتي يستطيع أن يبث شوقه لها 


مد أنامله يسمح دموعها الهابطة من عيناها وهو يقول بإبتسامة:


-اللولي دول نازلين من عيون الملكة ليه؟


-اللولي مبينزلوش غير للغالي 

خرجت تلك الكلمات من فم سارة بشجن 

إبتسم لها وهو يأخذها بين أحضانه قابلاََ رأسها عدة قبلات وهو يقول لها:


-مفيش أغلي منهم كله يرخص لأجلهم


إحتضنته هي الأخري بشدة متشبثه بملابسه ومازالت دموعها تهطل علي وجهها وهي تقول له :


-وحشتني يا حبيبي 


-وإنتِ كمان يا ست الكُل بس كله يهون عشان خاطر ست لين


ضحكت لين وهي تقول بمزاح:


-متتلككوش بيا أنا الحمدلله خلصت دراسة وبقيت خريجة قد الدنيا يعني ملوش لزوم السفر تاني 


نظر لأبيه وهو يُخرج أمه من بين أحضانه ذاهباََ له وهو يقول:


-رجعة بلا عودة ولا إيه يا إبراهيم يا هواري 


ضحك إبراهيم بملئ فمه وهو يحتضنه بشدة قائلاََ:


-اللي الوحش يأمر بيه يتنفذ حتي لو الأوامر دي راحة لأبو الوحش 


-لهفة البدايات دي خد في بالك... إبراهيم الهواري مبيسمعش غير صوت دماغه 


ثم أكمل حديثه وهو ينظر لوالدته بعبث قائلاََ:


-وقلبه 


نظر أبيه لسارة إبنة أخيه التي سماها بهذا الإسم حباََ بزو جته سارة...قال لها مستفسراََ:


-إيه يا سارة مش مسيطرة ولا إيه


ضحكت لعمها وهي تقول بمزاح هي الأخري:


-إبنك يا عمو ميقدرش عليه غير الشديد القوى


-إبن أبوه بصحيح


ضحك الجميع علي حديثهم في جَو أُسري ملئ بالترابط


إتجه فارس نحوها وهو يقبل رأسها حتي لا يأخذ دروس من أبيه في كيفية تعامل الرجل مع إمرأته فرأى الحل الأمثل هو أن يفعلها دون جدالات مع أبيه حتي لا يَهدم سعادته اليوم قائلاََ:


-إزيك يا سارة


إبتسمت له وهي تقول بسعادة مما فعله بالرغم من علمها أن هذا من تأثير وجود عمها وعلمت أن من اليوم فارس سيتغير تماماً معها إكراماً لأبيه الذي يُحبها:


-بخير الحمدلله... حمدالله على سلامتك


لم يكلف نفسه عناء الرد عليها فوجه حديثه لأبيه وهو يقول:


-فين أحمد وجدي


-أحمد مع خطيبته بيجيبوا فستان رقية وجدك في أوضته نايم شوية 


أماء له برأسه وهو يجلس بجوار أمه يحتضنها بذراعيه يردد بعبث محبب:


-إيه الحلاوة والجمال ده...مش هتكبري أبداََ؟


أمالت رأسها علي صدره وهي تقول له بضحك:


-بطل بكاشة 


رفعت رأسها مرة أخرى تنظر إيه وهي تقول له بحنان أم:


-إطلع إرتاح شوية يا حبيبي علي ما الغدا يجهز إنتَ جاي من سفر وباين عليك الإجهاد 


-ماشي يا حبيبتي أنا هطلع أغير وأناملي ساعة 


وتركهم ولكن قبل مغادرته الغرفة ألقي للين قبلة بالهواء غامزاََ لها 


ضحكت له بسعادة، تُحب حب أخيها لها...

تعشق خوفه عليها ومعاملته لها،فلقد رزقها الله بأخين لا يوجد مثلهم بالحياة تِماََ،يعاملونها كما لو كانت جوهرة يخافون عليها من الخدش 

أحمد قريب من سنها لذلك تتعمل معه بحرية أكثر من فارس،تستطيع أن تنكشه ودائماََ ما يتشاجرون سوياََ علي أتفه الأسباب 


أما فارس فهو العقل الموزون والحديث المنمق 

يتعامل معها بمشاعر أبوية...إحترامه واجبََ عليها وكلمته لا تنكسر أبداََ..له هيبته وحضوره 

تُحب تعامله مع عائلتها برغم ما يُذاع عنه وعن جبروته وقسوته إلا أنه لم يمارس تلك الصفات عليها يوماً ولا علي عائلته


صحيح كثيراً ما يتشاجر مع أبيه بسبب بعض الأعمال ولكن دائماََ يكون بينهم أسلوب حوار منمق وعند خروجهم منه يعود فارس الإبن الذي يحترم أبيه ويقدسه.


نظرت سارة لسارة زوجة فارس بنظرات قوية مليئة بالإنكار لها قائلة:


-مش هتقومي تشوفي جوزك محتاج حاجة ولا لاء


-هعمله إيه طنط هو لو عاوز حاجة كان قال 


رمقتها بقرف مستوطن نظرتها وهي تقول قبل أن تغادر الغرفة:


-يا عيني عليك يا فارس دايماََ حظك قليل


نظر لها إبراهيم بحزن وإحراج مما قالته زوجته قبل ان تخرج:


-معلش يا حبيبتي أنتِ عارفه إن طنط متقصدش هي بس بتحب فارس زيادة عن اللزوم


-عادي يا عمو انا أخدت علي طبعها 


وضع يـ ـده علي شعرها بحنان وهو يبتسم لها ومن ثم غادر الغرفة هو الأخر خلف زوجته 

❈-❈-❈

بالأعلي بجناح فارس 


يجلس علي السرير يستند بظهره عليه بعد أن إستحم وأبدل ملابسه يفكر بها ومن غيرها تحتل تفكيره؟...أصبح معتاد علي وجودها بجواره طوال الوقت وقتما يريد رؤيتها يُهاتفها 

ويخبرها أنه بإنتظارها بالأسفل أما الآن فصارت بعيده عنه إلي حد ما يتمني لو كان بإمكانه الإستقرار هناك هو وهي فقط لا يفكر بشئ أخر سواها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه

مد يـ ـده يتناول هاتفه من علي الكوميدينو الصغير المجاور للسرير وهو يضغط علي رقمها حتي يُهاتفها 


دقائق وكان يأتيه صوتها الناعم الناعس وهو تقول:


-ألو 


-كنتِ نايمة؟ 


ردت عليه وهي تعتدل في جلستها علي السرير 

مرددة بتثائب:


-من وقت ما جينا وأنا بحاول أنام مش عارفه 

والصداع مش راضي يسبني ودورت في الشقة كلها علي مسكن ملقتش


-بعد ما أقفل معاكي هطلبلك من الصيدلية اللي جمبك يا حبيبي برشام مسكن خديه ونامي 


-ماشي،وإنتَ بتعمل إيه 


رد عليها بصوت رجولي ساحر قائلاً:


-بفكر فيكي 


إبتسمت بحب ورددت هي الأخرى قائلة:


-مش مصدقة إنك فارس الهواري المدير بتاعي 


ضحك فارس علي جملتها مغمغماََ بحب:


-إنتِ خليتي فارس الهواري يحب في التليفون زي المراهقين...مبقتش بستغرب من أي تصرف يطلع مني تجاهك عشان أنا فقدت السيطرة علي نفسي خالص 


تنهدت نغم بصوت مسموع...تبتسم لكلامه وحديثه الذي يجعلها تشعر بأشياء لا تعلم عنها شئ...مشاعر لأول مرة تداهمها،يعزز ثقتها بنفسها كلما أمدح جمالها تشعر حقاََ أنها جميلة من حديثه،تتذكر دائماََ نظراته المُعجبة التي كان يرميها بها عندما يرأها تطل عليه..يشعرها بأنوثتها دائماََ كانت تستمع للكثير من ذلك الكلام والمعاكسات ولكن مِن فارس غير 

فهو من لامس قلبها وجعلها تقع صريعة في حبه 


بعد أكثر من ساعة وهم يتحدثون 

تارة يخجلها فارس برومانسيته وتارة يضحكها بكومديته الجديدة عليه وتارة يغضبها بسخريته العابثة منها وهكذا قضت المكالمة 

حتي أردف فارس بهدوء:


-يلا هقفل معاكي دلوقتي عشان أكلملك الصيدلية تبعتلك واحد بالبرشام...ولما الباب يخبط ترني عليا قبل ما تفتحي 


جعدت حاجبيها بإستغراب وهي تقول له:


-أرن عليك ليه 


-إسمعي الكلام يا حبيبي رني عليا لما الباب يخبط 


أماءت له كما لو كان يراها وقالت بطاعة:


-حاضر...يلا باي


أغلق الهاتف بعد إنتهائه من مكالمته لها 

وأخذ يقلب حتي وجد رقم الصيدلية الموجودة بالقرب من بيته التي تقيم به نغم 

وبالفعل هاتفهم وطلب منهم البرشام المسكن وأعطاهم عنوان الشقة 

❈-❈-❈

بجناح إبراهيم


يجلس إبراهيم وهو يتنفس بغضب من حديث زو جته المقيت...فهذا دائماً هو نقطة الخلافي بينهم 


هتف بغضب شديد موجهاََ حديثه لها وعروق رقبته بارزة بشدة من الغضب:


-إنتِ مش هتبطلي إسلوبك ده معاها بقي.. وإنتِ مالك تقوم وراه ولا لاء هو كان إشتكالك 


ردت عليه بغضب هي الأخري وهي تحدجه بنظراتها:


-ده إبني وراحته تهمني... بدل ما تخدمه وتريحه بعد ما إتنازل ووافق إنه يتجوزها 

واقفة تبجح فيا وتقولي هو لو عاوز حاجة هيقول


أغمض إبراهيم عيناه بشدة يحاول إستدعاء هدوئه حتي لا يُحزنها ولكن كلامها ليس به أي تعقل نهائي مما دفعه للوقوف أمامها وهو يقبض بيـ ـده علي رسغها قائلاً بحدة:


-قولتلك ألف مرة إنسي الموضوع ده خالص 

سارة دلوقتي مرات فارس وأم إبنه..وإبنك محدش جبره علي حاجة هو وافق وبنفس راضية 


ردت عليه بسخرية وهي تحاول الفكاك من قبضته التي ألمتها ولكنها لم تفصح عن ذلك:


-بنفس راضية!!...لاء يا حبيبي مكنش بنفس راضية،إبني عمل كل ده عشان خاطر إسم العيلة لا أكتر ولا أقل

ثم أكملت حديثها بحقد دفين من ناحيتها:


-لا هي تستاهل إبني ولا تستاهل إسمها يرتبط بإسمه...إبني كان عاوزله ملكة..واحدة  تتمناله الرضا،مش بنت أخوك اللي واخدها نص واحدة...إفتكر كده إحنا كنا جايبنها إزاي اليوم إياه


لم يتمالك نفسه ولا غضبه...حاول بكل ما لديه من ثبات أن يتحلي به أمام كلامها ولكنه لم يستطع...نزلت يـ ـداه علي وجهها بضر بة عنيفة تحمل غيظه منها ومن كلامها،فإن كان يحبها ليس معناه أن تقف أمامه بتلك الطريقة نداََ لند 

وتهتف بهذا الكلام البذئ المبطن تجاه إبنة أخيه 


رفعت يـ ـدها بصدمة تضعها علي خدها الأيسر مكان ضربته التي تُجزم أن مكانها ترك أثر كبير 

فصوت الكف رن بأذنيها بعنف،نظرت إليه بفراغ وإغرورقت الدموع بعيناها من هذا الكف الذي أخذته للتو من حبيبها!!!،لم تتذكر يوماً أنه إستعمل يـ ـده في الحديث معها من قبل،حتي عندما كان يكرهها في أول زواجهم لم يمد

يـ ـده عليها....يأتي الآن وبعد كل هذا العمر يضربها!!!،تقف تفكر بذهول لا تصدق أنه فعلها حقاََ وكل هذا لماذا؟!!..لأنها أخبرته بحقيقة إبنة أخيه التي يعلمها جميع من بالمنزل!!!


ينظر لصدمتها وذهولها بصدمة أكبر...حتي الآن عقله لم ينبهه لما فعل وكأنه فقد الإدراك أو يرفض إدراك ما فعل...عيناه تتبع سير دموعها التي بدأت بالهبوط من عيناها يهطلان علي وجنتيها بحسرة 


لم تتحدث..لم تعاتب..لم تقوى علي الحديث بالأصل...عندما بدأت بالشعور بقدميها أخذت بعضها وغادرت الغرفة سريعاً وهي تمنع نفسها من الإنفجار بالبكاء أمامه...ذهبت لغرفة فارغة بالقصر وأغلقت الباب علي نفسها وهي تنزوي علي السرير تاركة العنان لصرخاتها المكتومة التي تود الخروج 


أما هو فجلس علي الكرسي الذي يقع خلفه مباشرةََ وهو ينظر للفراغ....

نفسه خاوية لا ٩يعلم ما حدث هذا حقيقي أم من وحي خياله

ضربها حقاََ!!...سيُخيب علي كبر؟!..لم يفعلها طوال حياته معها يأتي الآن ويفعلها!،لا يقدر علي التفكير بشكل سليم مازالت نظراتها المليئة بالدموع صوب عيناه،مازال يتذكر صدمتها وصمتها الذي طال..تركته وغادرت دون نقاش دون خناق دون أن تسترجع كرامتها التي أهدرها منذ دقائق

وكان هذا أثره عليه كبير للغاية فليتها صرخت به لكان إرتاح الآن

❈-❈-❈

تجلس علي الكرسي الهزاز الموجود بالصالة تنتظر أن يرن جرس الباب حتي تأخذ المسكن وتخلد للنوم


شردت بذهنها تتذكر تلك الأيام التي قضتها برفقة فارس..لأول مرة تشعر بتلك السعادة العارمة التي ملئت قلبها ومازال أثرها موجود حتي الآن...علمت الكثير عنه وهو أيضاََ بتلك الأمُسيات التي كانوا يقضيونها سوياً،أعلمها طباعه وما يحب وما يكره وهي الأخري فعلت ذلك،جعلها تأخذ عليه ومحى بينهم الحدود

..صارت تتحدث معه علي سجيتها دون خوف من مديرها فالآن تغير الوضع وصار حبيبها،ذابت بتفاصيله بتلك الأيام...فكانت كفيلة لجعلها تُهيم به عشقاً،كان يعاملها كملكة مُتوجة،لا تعلم أين كان يخفي كل تلك الرومانسية فحقاََ لا يظهر عليه أبداََ أن شخص مثله يمتلك كل تلك المشاعر الفياضة

وإضافة إلى ذلك علمت غيرته الشديدة عليها من عدة مواقف فكان كل خناقتهم بسبب ملابسها وحجابها القصير وشعرها الظاهر منه


تذكرت عندما قابلوا سليم يوماً بإحدى المطاعم 

التي كانوا يجلسون بها


إنقلب وجه فارس عند رؤيته يتقدم نحوهم،

وجه بصره لنغم وهو يقول بتحذير:


-متفتحيش بوقك بكلمة قدامه فاهمة؟


أماءت له دون مجادلة منها فصوته كان كفيل بإخراصها 


تقدم سليم نحوهم وهي يُسلم علي فارس قائلاََ:


-إيه يا عم وشك ولا القمر.. يعني تبقي في مرسي مطروح ومتجيش تسهر معانا مرة


رد عليه فارس قائلاََ بإقتضاب:


-ما إنتَ عارف إني مليش في السهرات دي يا سليم 


-ما إنتَ وش فقر 

قالها سليم بمزاح قبل أن يلتفت نحو نغم وهو يمد يـ ـده إليها قائلاََ:


-إزيك يا نغم... شوفتي فاكر إسمك إزاي 


جاءت لتمد يـ ـدها هي الأخرى لتُسلم عليه ولكنها رأت نظرات فارس لها التي تطلق شرارت نحوها وكأنها تُحذرها من فعل ما خطر بذهنها

فعادتها بجوارها مرة أخري وتركت خاصته معلقة في الهواء متجاهله حديثه مطبقة لما قاله فارس 


جاء صوت فارس من خلفه وهو يقول بقوة:


-معلش يا سليم نغم مبتسلمش 


رفع له حاجبه بإستنكار وهو يُعيد يـ ـده بجيبه صائحا بسخرية :


-بترقص بس؟


إنتفض فارس من مكانه وهو يهتف له بحدة:


-إحترم نفسك يا سليم


رفع يـ ـده لأعلي دلالة علي إستسلامه وهو يقول له:


-بهزر يا وحش فيه إيه مالك 

ثم أكمل حديثه بنظرات ذات مغذي وهو ينظر لنغم:


-حلال عليكي يا عم بس ابقى خلينا ندوق 


إهتز فك فارس السفلي من أثر ضغطه عليه وإنتفخت عروقه من شدة الغضب ومن قذارة تلميحات سليم الذي يعلم مقصدها جيداََ

فخرح صوته بفحيح خشن قائلاََ:


-عاوز تدوق؟ عنيا 

ثواني وكان يهبط علي وجهه بعدة لكمات 

تركوا أثرهم بوجه سليم..حتي يُشفي غليله منه ومن نظراته القذرة التي يلوث بها نغم


قامت نغم من مكانها بفزع وهي تتجه لفارس تمسك ذراعه قائلة بخوف:


-سيبه يا فارس خلاص 


حدجها بنظرات شرهة تطلق شرارات وتتصاعد منها النيران قائلاََ بحدة:


-إستنيني في العربية 


جاءت لتتحدث وتعارضه خرج صوته أصلب من السابق مردداََ:


-بقولك إستنيني في العربية


أخذت مفاتيح السيارة من علي الطاولة وهي تهرول ناحية السيارة خوفاً منه 


ضحك سليم بألم وهو يقول :


-لاء مسيطر يا ابن الهواري...لو كنت قولتلي إنك عاوزها كنت سكت يا عم،بدل جو الأكشن ده 

لكزه فارس بكتفه عدة لكزات متتاليه وهو يقول بتحذير غاضب:


-لو لسانك خاطب لسانها تاني يا سليم أو بصتلها بصة متعجبنيش هتزعل مني جامد


-إنت عارف إنك حبيبي وعمري ما أزعل منك أبداََ


تركه فارس دون حديث وذهب خلف نغم لمكان سيارته 

أدار مقبض الباب  وفتحه بغضب جلي وهو يجلس علي كرسي القيادة


نظرت له نغم بطرف عيناها وهي تقول بخوف فوجهه كان لا يبشر بالخير أبداً مما جعل جسدها يرتعش من الخوف...فأردفت:


-إنتَ هتتحول ولا إيه يا فارس إهدا عشان خاطري


رمقها بغضب وهو يربط حزام السيارة حوله قائلاََ:


-ملكيش علاقة بالمخلوق ده نهائي يا نغم...ملكيش علاقة بجنس الرجالة أصلاً غيري فاهمة

أنهي حديثه وهو يصيح بوجهها 


أماءت له برأسها سريعاً ثم قالت بصوت هامس باكي:


-فارس إنتَ بتخوفني


زفر بضيق من حالته وما فعله به صديقه السمج فكلامه وتلميحاته القذرة أشعلت بقلبه وجسده ناراََ تريد أن تأكل ما حولها 

لم يشعر أنه أعطاه ما يستحقه ولولا أنهم بمكان عام لكان دهس وجهه بقدمه


مد يـ ـده يتناول خصتها بين قبضته وهو يقبلها عدة قبلات متفرقة قائلاً:


-حقك عليا يا حبيبي بس مقدرتش أمسك أعصابي 


يُغير عليها هذا ما إستنبطته من الموقف..

وجعل قلبها يطرق كالطبول

ملمس شـ ـفتيه الناعمة تُسير القشريرة بجسدها...وجودها بحضرتها بالأساس يفقدها صوابها


فاقت من شرودها علي صوت رنين جرس الباب 


أخذت هاتفها من علي الطاولة وهي تهاتف فارس 

ثواني معدودة وكان صوته يصل لأذنيها قائلاََ:


-إيه يا حبيبي الباب خبط


-أه أفتح؟


خلي التليفون معاكي وروحي إفتحي 


إستغربت لطلبه ولكنها طاعته إتجهت أولاََ 

تجلب طرحة تضعها علي شعرها ثم فتحت الباب،وجدت شاب في العشرينات أمامها

خرج صوته علي الفور عقب فتحها الباب قائلاََ وهو يمد لها يـ ـده بحقيية :


-فارس بيه طالب لحضرتك البرشام ده


تناولته من يـ ـده وهي تقول له بإمتنان:


-شكراََ...تمنه كام؟


-فارس بيه دافع حقه يا فندم عن إذنك 


تركها الشاب وغادر بعد أن أعطاها البرشام 

أغلقت الباب خلفه وهي تضع الهاتف علي أذنها مرة أخري وهي تقول بإستغراب:


-إنت دفعت حقه إزاي يا فارس 


-علي فودافون كاش يا حبيبي..يلا خدي حباية وحاولي تنامي شوية


-حاضر بس عاوزة أسأل سؤال


-إسألي تلاتة 


إبتسمت نغم علي جملته وقالت بتساؤل:


-ليه خلتني أرن عليك 


رد عليها بإستنكار لحديثها قائلاََ:


-أسيبك تفتحي لواحد الباب وإنتِ لوحدك في الشقة!!!،إفرضي طلع مش كويس وعملك حاجة

....ملحقكيش؟


ضحكت علي تفكيره وهي تهتف:


-إنتَ فكرت في كل ده


-وفكرت في أكتر من ده،ولازم تخديها عادة أول ما الباب يخبط ترني عليا يا نغم فاهمه


-حاضر 


إبتسم إبتسامة صغيرة وهو يقول لها بهدوء:


- يلا تصبحي على خير


-وإنتَ من أهله 


أغلقت الهاتف وهي تدور حول نفسها بسعادة بالغة...لأول مرة بحياتها تشعر بخوف أحدهم عليها وإهتمامه بها،يا الله تذوب من تلك المشاعر التي تستشعرها معه...تشعر وكأن الله عوضها خيراً بفارس،فكم من ليالِِ بكت لعدم إهتمام أحد بها وأن الله حرمها من عائلتها منذ الصغر ولكن الآن تُذيق تعويض الله الكبير لها

❈-❈-❈

بڤيلا سامح الحديدي 


خرج سامح من المكتب وهو يتجه نحو غرفة الجلوس...يستمع صوت زوجته وإبنه هناك 


دخل الغرفة وجد زين يتممد علي الأريكة 

ومتخذ من قدم سمر وسادة


إشتعلت غيرته وأصبح جسدة كجمرة من النار 

لا يعلم لما يغير من زين علي سمر ولكن الله وحده يعلم أنه شيئاََ لا إرادياََ منه لا يعلم كيف يتحكم به،يعلم أنه شئ غريب فهو يغير علي زو جته من إبنها الذي يكون إبنه هو الأخر


صاح سامح بغضب وصوت عالي:


-إنتَ يا حيوان 


إنتفض زين من مكانه بفزع وهو يردد:


-سلاماََ قولاََ من ربِِ رحيم 


نظرت له سمر بعتاب طفيف وهي تقول:


-كده يا سامح تخضه بالشكل ده 


أكمل زين حديث أمه وهو يقول لأبيه بإستعطاف مزيف:


-حرام عليك دَ أنا داخل علي جواز يعني خضة زي دي تقطعلي الخلف 


غمغم له بضيق قائلاََ:


-طب إحترم نفسك ومتقربش منها تاني عشان هخليك لا نافع لجواز ولا يحزنون 


هتف زين معترضاََ بصوت يائس:


-يا عم دي أمي والله... والله يا ناس أمي،يعني ست الحبايب يا حبيبة 


ضحكت سمر علي ولدها وهي تقول لسامح:


-خلاص يا سامح عديله المرة دي..ده عريس كلها كام يوم ويكتب الكتاب 


نظر له شزراََ وهو يقول:


-خلاص حددت كتب الكتاب؟


-أه يا موحا إن شاء الله بعد أسبوع إن شاء الله 


ردد خلفه بإستنكار:


-موحا!!


-اه موحا ولا هي ناس ناس...لما سمر بتقولهالك بتبقي ناقصلك شوية ويطلعلك جناحات 


فلتت ضحكة من سمر دون إرادتها فنظر لها سامح قائلاََ بغيظ قبل أن يغادر الغرفة:


-إضحكي يا ختي اضحكي ما هو خلفتك


نظر لها زين بتسائل مستغرب:


-هو زعل ليه يا سمورة 


-إنتَ مش هتيجي غير لما يمسكك يرنك علقة زي بتوع زمان يا زين


رفع لها حاجبيه بتلاعب مرح قائلاََ:


-وأهون عليكي يا سمورة


-ما هي المشكلة إنك مبتهونش يا قلب سمورة

أكملت حديثها بجدية وهي تقول له:


-فكرت يا زين في الموضوع اللي قولتلك عليه؟


-اه يا حبيبتي خلاص هعيش هنا إن شاء الله بعد الجواز


أبتسمت سمر بسعادة وقالت له وهي تتجه إليه لتحتضنه:


-ده أحلي خبر في حياتي..ربنا يسعدك يا رب يا حبيبي


استقبلها زين بأحضانه وهو يقبل رأسها 

قائلاََ بمزاح:


-سامح الحديدي لو شافني هيقلبني قرد 


قهقهة سمر بصوت عالي علي جملة ولدها وهي تقول:


-إبعد عني أما أطلع أشوفه لأحسن أخد مخالفة


-روحي يا سمورة روحي يا بخته بيكي والله...معرفش حبتيه علي إيه 


لكزته بقبضة يـ ـدها وهي تقول بإستنكار:


-إحترم نفسك ده أبوك ده سيد الرجالة 


❈-❈-❈

يجلسون ملتفين حول السفرة يتناولون غدائهم 

مجتمعين لأول مرة منذ زمن طويل

يوجد ضوضاء في الغرفة وحديث دائر بين كل واحد من الموجودين..فلين وسارة بوادىِِ وأحمد ومالك بوادىِِ أخر..وجده وأبيه يتحدثون عن العمل وهو يدير معهم الحديث


نظر فارس لأبيه قائلاََ بتساؤل:


-أمال أمي فين


-تعبانة شوية فنامت

خرجت تلك الكلمات من إبراهيم بإرتباك لم يخفى عن فارس 


فرد الأخر قائلاََ بإستغراب:


-تعبانة عندها إيه!!..كانت حلوة الصبح


قام إبراهيم من علي الكرسي وهو يقول بصوت عالي متهرباََ قبل خروجه من الغرفة:


-هو تحقيق..أهي عندك فوق أهي روح إسألها 


نظر أحمد بإستنكار لأبيه الذي غادر الغرفة فور إنتهائه من كلامه ثم أعاد بصره لفارس وهو يقول له بتساؤل:


-أبوك ماله 


مد فارس شفتيه للأمام دليل علي عدم معرفته وأكمل طعامه وهو ينتوي الصعود إلى أمه بعد إنتهائه من طعامه 


وجهت لين حديثها لفارس وهي تقول :


-فارس أنا وسارة هنخرج بكرة الصبح عشان نشتري فستان لخطوبة أحمد 


أماء لها برأسه وهو ينهي طعامه،غادر الغرفة وصعد إلى الطابق الموجود به جناح أمه وأبيه 


دق باب الجناح عدة طرقات ولكن لم يجيب عليه أحد... جعد حاجبيه بإستغراب وهو يتسائل أين هم فابيه صعد منذ خمسة عشر دقيقة لا أكثر...فهل سينام بهذه السرعة!!!


تنهد بضيق وإتجه نحو جناحه يهاتف نغم حتي يقابلها فهو إشتاقها كإشتياق المدمن لجرعة المخدرات خاصته لم يعد يطيق وقته بدونها 

يريدها جواره طوال الوقت ولكن ليس بيده حيلة

❈-❈-❈

بالغرفة الموجود بها سارة 

نجد إبراهيم يقف بالخارج وهو يحدثها من وراء الباب قائلاََ:


-يا سارة بطلي شغل عيال وإفتحي الباب عشان خاطري 


وقف يتنظر ردها عليه ولكن مثل السابق لم ترد علي حديثه سوا بالصمت 


هبط إلي أسفل ليأتي بالنسخة الأخري من مفتاح هذا الباب

وبعد دقائق من البحث وجده أخيراََ فصعد إلي الغرفة مرة أخري وهو يفتح الباب بالمفتاح الموجود بين يـ ـديه 


فُتح الباب بعد أن أصدر صرير مزعج للآذان....خطي بقدميه إلي داخل الغرفة ...وجدها تنزوي علي نفسها علي الفراش تنظر للا شئ لم تنتبه لدخوله حتى

....أو فعلت نفسها لم تراه،لم تجد كلام يصف ما تشعر بها لذلك تجنبت حديثه.. مازالت تستمع إلي صوت الكف الذي تلقته منه 

مازال شرخ قلبها ينزف...صُدمت بل صعقت من مما فعل هي لم تعتاد علي هذه الأشياء منه 

شعرت وأن كرامتها دُهست علي الأرض 


تقدم إبراهيم بخطوات رتيبة وبصره معلق نحوها حتي وصل أمام الفراش...جلس جوارها

ونظر للأمام هو الأخر مثلها دون حديث 

بقوا علي هذا الوضع لأكثر من عشر دقائق هو لم يتحدث وهي لم تنتظر حديثه من الأصل 


ألقي نظرة عليها وجدها كما كانت لم تتحرك 

حاول إخراج صوته وبعد عدة محاولات خرج صوته أجش حزين:


-أنا أسف يا نور عيني


لم تنظر إليه ولم يجف لها رمش...مازالت تنظر للأمام بتوهان وانعدام شغف 


مد يـ ـديه يجذب بها وجهها نحوه قائلاََ بصوت هامس:


-عشان خاطري إتكلمي...اتخنقي معايا.......

إشتميني،بس متسكتيش يا سارة 

ثم أكمل حديثه قائلاً بصوت معتدل:


-لو عاوزة تضربيني قومي إضربيني...وحياتك عندي ما هزعل 


ردت عليه أخيراً بعد صمت طويل قائلة بصوت أشبه بالهمس ولكنه وصل إليه:


-بتمد إيدك عليا يا إبراهيم بعد كل العمر ده 


-يارب كانت تتقطع قبل ما فكر أمدها عليكي،

لحظة شيطان مقدرتش أسيطر عليها حقك عليا يا نور عيني 


تجمعت الدموع بعيناها عند تذكرها لما حدث

فنظرت لأسفل دون حديث حتي لا تنفجر بالبكاء


مد يـ ـديه مرة أخرى يجذب وجهها حتي يكون بمركز رؤياه قائلاََ بصوت مهزوم:


-إنتِ بسكاتك ده بتقطعيني يا سارة..وده مش عدل،لو إدتيني ١٠٠ قلم علي وشي أهون عليا من سكاتك والله


لم تستطيع الثبات أكثر من ذلك أمام حديثه 

وجدت نفسها تبكي وتنتحب بشدة كما لو لم تبكي من قبل 


جذبها إبراهيم إلي أحضانه وأنامله تتخلل إلي شعرها لتتلاعب به في رقة ونعومة


تشبثت بأحضانه أكثر ودموعها تنهمر من عينيها،لا تُبالغ حقاََ فصدمتها كانت كبيرة بما فعله...فهما طوال حياتهم يتناقشون ويختلفون ولكنه لم يفعلها مرة،من الممكن أن الكف لم يسبب لها ألم جسدي ولكن كان ألمها النفسي أكبر بكثير فكل ما كان يدور بذهنها كيف هان عليه أن يرفع يـ ـده عليها 


بعد قليل سحبها إبراهيم من أحضانه قليلاً وهو يمسح بأنامه تلك الدموع العالقه علي وجنتيها ومركز عيناها قائلاََ بنعومة معاكسة لطباعه الحادة:


-عشان خاطري بلاش دموع تاني،وصدقيني أنا بصَالحك ومش عارف أصالح نفسي من اللي عملته..زعلان أكتر منك كمان،يارب إيـ ـدي تتقطع قبل ما تتمد عليكي في يوم من الأيام


خرج صوتها ملتاع قائلة:


-بعد الشر عليكي 


إبتسم لها إبتسامة خلابة وهو يأخذها لأحضانة مرة أخري ويضع عدة قبلات علي شعرها قائلاََ:


-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتى وميحرمنيش منك أبداََ....يلا تعالي نروح أوضتنا ونطلب الغدا عشان معرفتش أكل من غيرك


❈-❈-❈

يقود فارس سيارته ذاهباََ لشقته القانطة بها نغم لكي يأخذها من أمام المبني وهو يفكر بحياته القادمة معها،فهو قرر قراراً نهائياً لا رجعة به إنه سيتز وجها وهذا الموضوع ليس به نقاش 

هو يريد إمتلاكها وتصبح تحت كنفه....لم يكن أناني يوماََ أو متملكاََ ولكن هذا الشعور طغاه عند رؤيته لها،قرر أنه سيتز وجها بعد خطوبة أخيه مباشرةً فهو لم يطيق الإنتظار وبعض الهواجس تُخِفه من معرفتها شئ عن زواجه 

من أي حد فزوا جه معروف لدي جميع من بالشركة ومن بخارجها أيضاً بالرغم أن سارة لم تظهر معه بأي مناسبات ولكن الجميع يعلم 


يتذكر عندما كانوا بمرسي مطروح بأحد الأيام وهم جالسون أمس أمام البحر 

حاول مصارحتها بزواجه بطريقة غير مباشرة

فأراد معرفة رأيها أولاً بالموضوع ومن ثم سيواجهها بالحقيقة 


قال لها بصوت معتدل حتي لا يُثير قلقها:


-إنتِ ممكن تقبلي إنك تتجوزي واحد متجوز يا نغم؟


نظرت له بإستغراب للسؤال وهي تقول بمزاح:


-إيه السؤال ده إنت متجوز ولا إيه 


أعطاها إبتسامة باهته علي مزحتها وخرج صوته مرتبكاََ:


-سؤال جه في بالي بما إننا في جلسة صراحة


-ماشي هجاوب....مستحيل طبعاً أوافق،لأني أنا بنت وعمري ما أحب إني أجرح بنت زيي

ثم أكملت حديثها قائلة بجدية أكثر:


-وممكن ربنا يعاقبني علي الذنب ده إنه يخلي اللي أنا خدته من بيته ومراته يتجوز عليا أنا كمان وده هيبقي منتهي العدل الالهي

وكمان أنا كنغم مش بحب الرجالة اللي من النوع ده لأنهم بتبقي عنيهم زايغة أصلاً

مفيش حاجة في الدنيا تدي مبرر لواحد إنه يتجو ز علي مراته


بُهتت ملامحه وسحبت الدماء من وجهه...إجابتها كانت قاتلة لأي أمل بداخله يريد إخبارها بزوا جه،أصبح الأمر أشبه بالمستحيل...صمت لم يقل لها أي شئ بعد حديثها هذا وشرد بذهنه بعيداً عنها


خرج من تلك الخاطرة علي رؤيته لنغم التي تنتظره أمام المبني السكني 

أوقف السيارة أمامها مباشرةََ وهو ينتظر ركوبها السيارة 


دارت نغم مقبض الباب قبل أن تدخل لسيارة جالسة بالكرسي المجاور له 


لم يعطيها فرصة أن تلقي عليه السلام بل إنفجر بوجهها بصوت غاضب قائلاََ:


-إيه اللي موقفك في الشارع أنا مش قايلك أما أرن عليكي إنزلي


-وإيه يعني يا فارس أنا لسه نزلة مكملتش دقيقة


رد عليها بصوت جهوري غاضب:


-ولما حد يضايقك تقدري تقوليلي هتعملي إيه


-ده مش أسلوب يا فارس علي فكرة ده إنتَ حتي مقولتليش إزيك 


خرجت تلك الكلمات من نغم مستنكرة لحديثه 


لم يرد عليها وإلتف ناحية الطريق يقود السيارة بصمت بالغ وهو يحاول تمالك أعصابه 

هو فقط غاضب من تذكره لحديثها ذلك اليوم بخصوص الز واج من رجل متز وج...لم يصرخ بها عن قصد فأعصابه تُلفت تماماً فدائماََ كان يتميز بالهدوء والبرود،ولكن منذ معرفته بنغم ولم يعد يعلم للهدوء طريق...يظن أنه بمجرد إمتلاكها وتصبح بين يـ ـديه سيهدأ وهذا هو ما يحاول الوصول إليه 


توقف أمام كافيه بعيد عن ضوضاء المدينة 

ونزل من السيارة أولاً ومن خلفه نغم 


مسك كفها بخاصته وهم يدخلون إلي الكافية

وهو يعقد العزيمة علي تحديد موعد زوا جهم اليوم فهو لم يعد يطيق ذلك الوضع


جلسوا علي طاولة بعيدة عن الأنظار 

وطلب فارس من النادل فنجان قهوة له  وعصير فراولة لنغم فهو يعلم أنها تعشقه 


بادرت نغم بالحديث وهي تقول له متسائلة:


-مالك يا فارس في حاجة مضيقاك 


-عاوز أتجوزك يا نغم وفي أقرب وقت 


-فارس إحنا لسه مكملناش مع بعض شهر!!!

خرجت تلك الكلمات من نغم مستنكرة لحديثه 


رد عليها بهدوء حاول التحلي به حتي يقنعها:


-أنا مش بتاع خروجات والكلام بتاع المراهقين ده يا نغم ومبحبش حاجة تقيدني وأنا حاسس إني متقيد معاكي عاوزك أكتر من كده 


إحمر وجهها من الخجل فمغزي كلامه وصل إليها...فبقيت صامتة لم ترد علي حديثه الجرئ من وجهة نظرها..فهو صريح أكثر من الازم ولا يهمه أحد


أكمل هو حديثه عندما لاحظ خجلها وهو يقول بجدية وحسم:


-هنكتب الكتاب بعد أسبوع يا نغم مفيش إعتراض وهنعيش في الشقة اللي إنتي قاعدة فيها أظن كل حاجة جاهزة 


نظرت له بذهول لما يقوله وأردفت بتعجب:


-إيه يا فارس اللي إنت بتقوله ده إزاي يعني هنتجوز بعد إسبوع!!!...مش لازم الأول تعرفني علي أهلك وتشوفهم هيوافقوا ولا لاء؟


رد عليها علي الفور وهو يجد المفر من هذه المعضلة:


-أنا كل أهلي مسافرين مفيش حد موجود في مصر غير أحمد أخويا يا نغم 


-وإزاي هتتجوز من غير ما تعرفهم؟


-لاء طبعاً هعرفهم بس هما صعب ينزلوا لأن في شغل هناك ماسكينه وعشان كده بما إن 

أهلي مش موجودين وإنتِ أهلك متوفيين 

هنكتب الكتاب في البيت هجيب زين صحبي وأحمد أخويا شهود وبعدها نسافر شهر عسل في أي مكان تختاريه 


تشعر بشئ ناقص لا تعلم ما هو!!، هل الجميع

يتزو جون هكذا؟...اه لغبائك يا نغم فالجميع

لديهم أهل يتقدم الشاب لهم ويوافقون عليه بعد أن يَمولون عليه شروطهم،أما أنتِ فمن لديكي حتي يجلس معه 

بدأت الدموع تتجمع بعيناها وصدرها يلتوي من الألم النفسي الذي تلقاه بهذه اللحظة 

فبأسعد لحظات حياتها تجلس وحدها أمامه 


شعر فارس بها وما يجول بخاطرها فمد

يـ ـديه يتناول خصتها وهو يقول بصوت حنون دافئ:


-عشان خاطري بلاش دموع...عارف إنك زعلانة وكان نفسك حد من أهلك يبقي معاكي في اللحظة دي بس صدقيني يا نغم والله العظيم لأكون كل أهلك وعمري ما هستغل النقطة دي لصالحي أبداََ..هكون أنا أبوكي وأخوكي وأمك كمان لو عاوزة 

ختم حديثه بمزاح 

فضحكت من وسط دموعها علي مزحته وهي تقول له :


-بس أنا مينفعش أتجوز من غير ما إياد يبقي موجود


-وسي إياد ده فين وأنا أروحله


-من وقت سافرنا مكلمنيش بس لقيته باعتلي رسالة علي الواتس بيقولي إنه طالع مع صُحابه مُعسكر لمدة شهر والمكان اللي فيه مفيهوش شبكة من إمبارح وأنا بحاول أكلمه بس الشبكة مبتجمعش فعلاً


أخذ شهيق حتي لا يتعصب عليها من ذكرها لهذا الإياد والحديث عليه بكل تلك الأريحية 

كما لو كان من ضمن عائلتها....إهدأ عندما تصيح ملكك تحكم بها مثل ما تريد،وقتنا ستستطيع إبعادها عنه


قال لها بصوت رجولي حاسم :


-يجي بالسلامة يا نغم ملناش دعوة أنا حددت خلاص إن كتب الكتاب بعد إسبوع 


جاءت نغم لترد عليه بالرفض قاطعها فارس وهو يقول لها بحدة:


-ما خلاص يا نغم في إيه...لو مش عاوزة الجوازة قولي من غير لف ودوران


ردت عليه نغم سريعاً نافية لحديثه قائلة:


-لاء طبعاً والله مش قصدي..كل الحكاية إني متوترة شوية،والموضوع بيتطور بسرعة أوي 


-مفيش أجمل من السرعة يا ماسة 


رددت نغم خلفه الكلمه بإستغراب:


-ماسة!!


أماء لها برأسه وهو يقول بشجن:


-من أول لحظة شوفتك فيها وأنا شبهتك بالماس..نفس لمعانه ونعومته،شفافة زيه بالظبط كل اللي جواكي بيبان في عنيكي 


إبتسمت نغم إبتسامة رقيقة لكلامه الذي يفعل بها أشياء لا تُعد ولا تُحصي ...تشعر بفراشات تحلق بمعدتها من حديثه..

تذوب به وبحديثه الناعم الذي يتغلغل بداخلها

تحب هذا الشعور الذي يغمرها عند مُجالسته 

تشعر بالأمان والدفئ...رجل بحضرته قادر علي زعزعت مبادئها وقرارتها،رجل تُحب معاشرته 


-سرحتي في إيه يا ماسة 


-كلامك بيوترني مبعرفش أرد 


-ما هو ده المطلوب يا حبيبي

ثم أستكمل حديثه وهو يقول لها:


-متجيش الشركة تاني عشان تلحقي تجهزي نفسك وتعملي حاجات العرايس دي


ردت نغم علي حديثه بإحراج شديد وهي تنظر للأسف غير قادرة لرفع بصرها تجاهه قائلة:


-فارس إسكت بقي


قهقه فارس بشدة وهو يضع يـ ـده علي فمه 

كعلامة علي صمته 


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أميرة عمار من رواية البريئة والوحش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة