رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 15
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الخامس عشر
في منزل ياسين كانت الجلسة المنعقدة بينه وبين هذا المدعو عيد زو ج نسمة ابنة رضوانة، ووالده، الذي كان مطرقًا بخزي لفعل ابنه والكلمات الحادة من الأول تزيده حرجًا وخزي:
- دا برضوا كلام؟ دا برضوا فعل رجالة؟ مفيش تجدير ولا جيمة، عشان البت فردانية وملهاش كبير يوجفلك.
قال الرجل:
- مش كدة يا ابو سالم براحة شوية، الدنيا اخد وعطا واحنا برضوا مش عايزين خراب.
هتف ياسين بعصبية:
- اخد وعطا بعد اللى عملوا ولدك، كان فين الاخد والعطا ده لما ضربها ولا زمجها ودلوك مش عايز يديها حجها، ليه يا واد؟ مالهاش ضهر!
تكلم عيد مدافعًا عن نفسه:
- وانا ضربتها ليه مش لما جلت ادبها عليا، انا معنديش مرة ترد عليا، وهي لازم تعرف وتتربي.
كز ياسين على أسنانه يتميز من الغيظ في قوله مع هذا المتعجرف بغباء:
- عيب عليك الكلام ده، عشان دا يسيئك أكتر ما يسيئها، عشان انت لو حافظ مركزك صح، عمر مرتك مش هترفع عينها فيك .
احمر وجه المذكور بغضب وحرج، وكلمات ياسين تنزل فوق رأسهِ كالسياط لتلسع كبريائه الزائف، والذي لا يعرف قيمة ولا ادب، فقال باعتراض:
- وايه لزومه الغلط بس؟ ما انا ساكت اها ومحترمك احترمني انت كمان.
زجره ياسين هاتفًا:
لهو انت تجد تبجح فيا؟ ولا فاكرني انا كمان هين ليك
تدخل الرجل الكبير، ملطفًا:
- مش جصدو يا عم ياسين، بس انت كمان مش مدينا فرصه نتكلم .
التف إليه الاَخير يسألها بحسم:
- طب كلمة حق وعايز اسمعها منك، لو بتك هترضهالها ؟
صمت الرجل يبتلع ريقه ويسبل اهدابه بحرج، فقد وضعه ابنه بأخطأه المتعددة في موقف لا يحسد عليه، وعقب ياسين
- شوفت اها، أديك معرفتش ترد عليا، ودي بنية يتيمة، وانت بدل ما تجف معاها بتيجى عليها عشان ولدك.
بوجه متعرق اومأ الرجل بهز رأسهِ باستسلام:
- خلاص يا عم ياسين، احنا محجوجين خليها ترجع . على ضمانتى انا المرة دي.
رد ياسين بحزم:
- لو رضت هترجع بس بشروطها، وبعد ما اخد انا الضمان منك انت الكبير، عشان ساعتها هيبقى كلام رجال، لكن بجي لو مرضتش ودا طبعًا على حسب رأيها هجيبلها حقها منك ومن ولدك تالت ومتلت.
سمع الإثنان ليزدادا حقدًا نحو هذه النسمة التي وضعتهم في هذا الموقف مع رجل ك ياسين، الكلمة في شرعه احد من السيف واقوى من المعاهدات، لا يسمح بالتراجع فيها، فسأله والد عيد بفضول:
- طب وانت تجربلك ايه نسمة يا ابو سالم؟
- تجربلى ولا ما تجربليش انت مالك؟
هتف بها ياسين ليُخرس الرجل الكبير ووالده هذا المدعو، عيد
❈-❈-❈
في منزل راجح
اتخذت بدور موطنها في حضن شقيقتها لتبكي بخوف يقتلها على ما قد يكون حدث بسببها، تخشى تهور ابن عمها عاصم على هذا الفاسد معتصم، تعلم بعصبية الاَخر وحمائيته البالغة نحوها ونحو كل ما يخص العائلة، والدتها كانت تندب وتضرب بكفيها على وركيها بجزع مرددة:
- استر يارب، استر يارب، طب اعمل إيه انا في النصيبة دي؟ أروح ابعت لابوكم فى شغله عشان ياجي، ولا اروح انده لجدكم ولا حد من عمامكم يلحج عاصم قبل ما يخلص ع الجزين دكا.
هتفت نهال باعتراض وهي تشعر بزيادة تأثر شقيقتها مع كلمات والدتها:
- ياما اهدي شوية الله يخليكي، انتى كده هتكبرى الموضوع اكتر.
صرخت بها الأخيرة مرددة:
- يا بتى ما هو كبير لوحده، ومش انا اللي هكبره، لهو انتى فاكرة عاصم هيسيبه؟ واد عمك عفش وعصبي ، مش هيسيبه يا بتى انا عارفة، مش هسيبه.
زادت الأخرى بنشيجها الحارق، ونهال تربت بكفها على ظهرها تقول بتهوين حازم:
- يا بت انتى كمان ما تبطلى بكى واهدى لما نشوف اللى حصل الاول .
ردت بدور من بين شهقاتها:
- ما انا خايفة من كدة، خايفة لتحصل نصيبة وابجى انا السبب.
قالت نهال وهي تحاول في هاتفها الذي تمسكه بيــ دها الحرة:
- ما انا بجالى ساعه برن عليه دا كمان، وبيدينى مغلق،
خايفة ارن على رائف ولا حربى يشعللوها اكتر، اصلهم متهورين اكتر منه، يا ريت مدحت كان موجود، بس دا كمان سافر من طلعة الصبح.
انتبهن الثلاثة فجأة على صياح نهلة الصغيرة من الخارج :
- عاصم جه، عاصم جه ياما.
اعتدلت بدور عن حضن شقيقتها لتمسح على دموعها وتقف منتظرة مع والدتها ونهال، ليلج إليهم فجأة مرددًا التحية بلهجة عادية مع ابتسامة ترتسم على محياه
- السلام عليكم.
خاطبته نعمات سائلة بفزع:
- جتلتوا يا عاصم ؟ اوعى تكون وديت روحك فى داهية.
قهقه بصوته الرجولي يعقب على قولها:
- وه يا مرت عمى، أجتله كمان؟ مش لدرجادى يعني، مع انه يستاهلها .
- امال عملت ايه معاه يا عاصم؟
سألته بدور ليتنبه إلى وجهها الذي اصبح كقطعة حمراء ملتهبة وأعين ذابلة، ف سألها بتحشرج مصدومًا:
- انتى كنتى بتبكى؟
تدخلت نهال صائحة به:
- انت يا عم النحنوح رد علينا طمنا الأول وبعدين اسأل وجول اللي انت عايزه.
تبسم يجيبها:
- ربيته يا عسل، ربيته بس من غير ما اسيب اثر، يعني شغل محترفين كدة
- محترفين!
رددتها نعمات بعدم فهم، لتتابع:
- ازاى يعنى؟ ولا عملتها كيف دي؟
اجاب عاصم موزعًا انظاره بين الثلاثة:
- هجولك يا مرة عمي، أصل بصراحة كدة انا كنت مستحلفلوا من يوم ما مد ايدو على بدور عند المدرسة، لكن اللى منعنى طبعًا زي ما انتو عارفين، هو جدى عشان بدنتوا والمشاكل اللي ممكن توجع العيلتين في بعض لو حصل، بس إيه بجى؟
- إيه،
تفوهت بها بدور تتعجله، ليردف لها:
- خدته في ووسط الزرع وفي حتة خالية مفيهاش حد ، وعند اقرب نخلة، جطعت جريد خضرة، ونضفتها من الخوص، وايه بجى، فين يوجعك؟
شهق ثلاثتهم ليتبدل الحزن والقلق الى حالة من الضحك المختلط بذهولهن، وقال نعمات
- يا مرارى يا عاصم وجالك جلب؟ دى بتبجى زي الكرباج وهى بتلدع .
جلجل الاَخير بضحكته، ليقول بخبث:
- لا وما تسيبش اثر وفي نفس الوقت مهينة ليه، عشان يحرم ما يرفع عينه تانى .
ردت نهال وهي تنفجر بضحك
- يا مرارى دا انت شندتلوا .
جلحلت ضحكات الأربعة، وصوتها نهال هو الواضح بهم، وعقب عاصم عليها:
- يا بت وطى صوتك فى الضحك شوية، اعجلي يا مجنونة.
كانت لا تستطيع التوقف، ف غمغم لها بصوت خفيض
- يخرب مطنك يا شيخة، جننتى الدكتور معاكى.
زادت بضحكاتها وزاد هو ايضًا، وعينبه تركزت على وجه بدور التي اصبحت بشكل مختلف، يجمع بين المرح والبكاء في نفس الوقت.
❈-❈-❈
اااه ياما .. مش جادر .
كان يصرخ بها معتصم امام والدته بعدم احتمال للألم، ورددت هي مهونة عليه وساخطة على الاَخر:
- سلامتك يا نور عينى، روح يا عاصم يا واد سميحه يارب تتشندل و ما تدوج الراحة أبدًا على اللي عملتوا فى ولدى .
رد هاشم بجوارها:
- ابن الل .... شندلوا لكن من غير ما يسيب اثر، عمايل شياطين، يعني ناخد الضربة وما نقدر حتى نتكلم بيها، ع الإجل عشان الإهانة.
عاد معتصم للصراخ:
- ضهرى يا بوى، مش جادر اجعد ولا متحمل الوجفة، كله بيوجعنى، كله بيوجعنى يا بوى.
قالت انتصار زوجة العمدة، باعين يعميها الحقد:
: يعنى وبعدين، انت هتسيب حج ولدك، والواد ده يفرح بنفسه بعد اللي عمله، وعيش حياته كمان؟
سمع منها هاشم واحتدت عينيه بالغضب مرددًا:
- اسيبه! جال اسيبه جال !!
❈-❈-❈
بعد عدة ايام
- هو دا البيت، انت متأكد؟
هتف بالسؤال ياسين نحو حفيده والذي أجاب:
- ايوه يا جدى، انا فاكروا كويس وفاكر المنطجة كمان .
قال ياسين :
- طب روح استأذنهم الاول
- حاضر يا جدى.
قالها حربي قبل ان يتحرك نحو باب المنزل القديم، ليطرق عليه، وتوقف ياسين ينتظر ويتابعه حتى انفتح وظهر شاب في عمر المراهقة يقارب الخامسة أو السادسة عشر، ليرحب بحربي بحفاوة وتبادل معه حديث ودي سريع قبل أن يشير الاَخير نحو ياسين الذي تحرك هو الاَخر ليترجل من السيارة، فتقدم الفتى حتى اقترب منه ليرحب هو الاَخر:
- يا مرحب يا حج ياسين، دا انت نورت الدنيا .
بادله ياسين المصافحة مهللًا:
- اهلا يا ولدى يا مرحب بيك، اسمك ايه انت؟
اجاب الفتي:
- انا مروان، اتفضل انت معايا اتفضل .
في داخل المنزل وبعد أن ضايفهم هذا المدعو مروان، ولجت إليهم رضوانة تلقي التحية وخلفها ابنتها نسمة.
- يا اهلا يا ابو سالم، نورت وشرفت .
- دا نورك يا يا
تلجلج بها ياسين فقد ارتبك أن يناديها باسم واحدة من بناتها حسب ما يعلم، وقالت هي تصحح له:
- ام جابر الله يرحمه .
تفاجأ ياسين بردها، فهمت عليه فتابعت له:
- دا كان ولدى اللى مات شباب .
هذه المرة كان الخبر كالصاعقة فوق رأسه، ليتمتم بصدمة:
- الله يرحمه.
تمالك سريعًا ليرحب بابنتها التي كانت تشبهها بالفعل:
- اهلا يا بنيتي، إنتي نسمة.
اومأت برأسها بحرج فتابع مبتهجًا بها:
- اهلا يا بتى يا مرحب بيكى اهلا .
- تشكر يا عم ياسين، الله يخليك.
قالتها نسمة قبل ان ترحب بحربي أيضًا، ويجلس الخمسة، فتكلم ياسين مباشرة يبادر بالحديث
- بصو يا جماعة انا جاي ابلغكم بكلام مهم واسمع رأيكم فيه.
قالت رضوانة:
- جول يا حج ياسين واحنا معاك.
سمع منها ليخاطب نسمة:
- طب انا بعت لجوزك وابوه واتكلمت معاهم فى موضوع العفش، بس هما طالبين يرجعوكى...
قاطعه نسمة بحدة:
- لا يا عم ياسين مش عايزه ارجعلوا، انا عايزه اطلج منه الراجل ده.
رد ياسين بعدم رضا:
- وايه لزوم سيرة الطلاج دلوك بس؟
تدخلت رضوانة هي الأخرى:
- انا بجولها اتحملى وخلاص وبكرة هو يتعدل لكن هى مش راضية.
اعترضت نسمة بتشدد:
- لاه، انا مش طايجاه من الأساس يبجى اتحمل ليه، واحد بيعيرنى ويمرر عيشتى على اى حاجه تافهه.
انتفض ياسين ليسألها بغضب
- يعايرك! يعايرك بإيه ابن الفرطوس ده كمان؟
التمعت عينيها أمامه، في محاولة يائسة لاحتجاز دماعات تكاد تغلبها وتزيد من حرجها أمامهم، حتى ظهر ما تعانيه من نبرة صوتها المهزوز في الرد :
- على أي حاجة يا عم ياسين، مرة يتريج على طبيخى، مره على جهازى ويجولى انتو جيبتولى عفش جليل، مرة تانية لو شاف واحدة حلوة في التلفزون يلجح برضو بكلام يسم البدن.
كبت ياسين بداخله كم من السباب والكلمات الوقحة، يفضل بحنكته عدم الاستسلام لعاطفته في أمر كهذا وقال معقبًا:
- بس هو بيجول انه ضربك لما طولت لسانك عليه.
- كداب.
صرخت بها لتتابع بقهرة:
- انا بس بردلوا لما يلجح عليا بالكلام، بحاول ارد بلساني بعد ما فاض بيا وتعبت، يعني لما يعيب عليا، ويقولي انتى تحمدي ربنا اني اتجوزتك ولا انتي فاكره نفسك ست زي بجية الحريم، اسكت عليها
توقفت وقد غالبتها الدموع لتسقط بغزارة على خديها وهي تتابع:
- كل شويه يكسر بخاطرى لما خلانى كل ما ابص فى مرايه ادور ع العيب اللى فيا،
تعضن وجه ياسين بالحزن، وهو يطالع الذبول والكسرة على محياها، وهي كامرأة تستحق الافضل منه مئة مرة، هذا البائس عيد، هم أن يطيب بخاطرها، ولكن حربي سبقه بالدفاع قائلًا
- المعفن ده هو كمان اللى بيجلع؟ دا وشه يشبه لجفاه . دا انتى مش حلوه وبس لا دا انتى تحلى من على حبل المشنجة.
تبسمت نسمة واطرقت برأسها نحو الأرض بخجل، أما رضوانة فقد طالعته صامتة بازبهلال، وياسين بداخله يغمغم:
- الله يخرب بيتك .
❈-❈-❈
في الجامعة وبعد أن انتهت من محاضرتها في إحدى المواد، كانت تلملم متلعقاتها والطلبة من الزملاء والزميلات، يخرجون من القاعة افرادًا وجماعات، قالت بثينة وهي تتطلع في الساعة على شاشة الهاتف .
- الوقت لسه بدرى ع المرواح يا بنات، ما تيجوا نروح الكافتيريا نقعد فيها شوية.
ردت نوها:
- انا ماعنديش مانع .
- لكن انا عندى مانع وماقدرش اروح معاكم
قالتها نهال لتعقب بثينة على قولها سائلة:
- ليه يا ماما ما تقدريش تروحى معانا؟ إيه اللي يمنعك؟
صمتت نهال وتولت نوها مهمة الرد عنها:
- يا حبيبتى ما انتى ماتعرفيش الجديد
- ايه بقى الجديد؟ اتحفوني بالجديد اللي عندكم خلوني اعرف.
سألت بثينة لتجيبها نهال وهي ترفرف بأهدابها قائلة بصوت مائع بتصنع الخجل:
- اصل الدكتور مدحت ابن عمي نبه عليا ما دخلش الكافتيريا ، وانا مقدرش اكسر كلامه، ما انتي عارفة .
قلدتها بثينة مرددة بنفس الهيئة تكتم ابتسامتها:
- أنا عارفة!
اومأت لها الأخرى بهز راسها، لتضحكا الفتاتين لها قبل ان تنقلب بثينة لتهتف بها وتجفلها:
- ليه بقى يا ختي ان شاء الله؟ كانت حاجة عيب هي مثلًا، ولا إيه بالظبط؟
اجابتها نهال بابتسامة تشرق بوجهها:
- لا مش عيب يا ستي، بس هو بيجولى، إن لما بضحك بخلى الناس تاخد بالها مني، وهو مش عاوز مشاكل .
شهقت بثينة لتستوعب قليلًا بتذكر ثم قالت
- تصدقى كلامه صح، انتى فعلا بتلفتى النظر وانتى بتضحكى، واحنا دايمًا بنزغدك عشان تاخدي بالك .
اضافت نوها ضاحكة هي الأخرى:
- الله يكون فى عونه مسكين، يا عيني مخه راح على الكافتيريا ونسى المكتبه ونسى المدرج .
عادت الفتيات للضحك، لتعلق بثينة:
- خلاص بقى، احنا ننبهو عليهم دول كمان ونفتن.
صاحت نهال ضاحكة بترجي:
- لا والنبى دا مجنون وانا مضمنش رد فعله .
- خلاص يا ختي مش هنجول صعبتى علينا
قالتها نوها لتتابع سائلة بجدية:
- بس يعنى احنا عايزين نعرف الأول هى امتى الخطوبة الرسمى؟
تنهدت نهال مطولا لتقول بوجه خلى من العبث:
- بصراحة مش عارفه جدى هو اللى هيحدد ويكلم ابويا .
سالتها بثينة باستفسار:
- ليه بقى جدك مش والدك؟
ردت تجيبها بحمائية:
- طبعًا عشان جدى هو الأصل، واهم حاجة موافجته هو قبل ابويا، بس هو جال ل مدحت هيخلص مشكلة نسمه وبعدين يكلم ابويا، استنى ارن عليه الاول واشوفه
❈-❈-❈
في عز انشغاله في العمل على حالة طارئة وردت إلى المشفى، صدح الهاتف بصوت ورود مكالمة، حاول في البداية التجاهل لكن مع التكرار سحب الهاتف من جيب البنطال، وفور أن تاكد من هوية المتصل ابتعد عن المريض الذي اوصى الممرضة برعايته حتى يعود، ليجيبها، بصوت خفيض متلهف
- الوو ازيك يا عمرى.
اجابت بلهجتها ناعمة:
- حمد لله، الله يسلمك .
تحمحم يجلي حلقه ليحفظ اتزانه ويقول بحذر:
- بلاش الدلع ده الله يسترك، خليكي عاجلة الله يخليكي.
ردت ببرائة تكتم ضحكتها:
- اعجل ليه يعني؟ هو انا عملت حاجه؟
ذهبت انظاره فجأة نحو المريض المكسور قدمه، قبل يعود ليُجيبها، ضاغطًا شف٠ته السفلى، يكبت بصعوبة ابتسامة ملحة:
- يا بت انا مش فاضى لدلعك، عايزه ايه؟
- يعنى انت مش فاضى، تمام بجى، اروح انا مع نوها و بثينة.
قالتها لتفاجأ بصيحته:
-'لا متروحيش مع حد، انتى مش كان نفسك تشوفينى وانا بشتغل، تعاليلى المستشفى اهى المسافة جريبة وتجيها مشى.
هللت بفرحة صدحت مع صوتها:
- بجد يا مدحت انت عايزنى اجيلك المستشفى،
أجابها مؤكدًا:
- بس بسرعه ياللا خلينى اشوف اللى ورايا .
أنهى المكالمة معها، لتلتفت هي نحو الفتيات تخاطبهم بحماس يغمرها:
- هروح اشوفه فى المستشفى يا بنات، هشوفه بااليونيفرم الازرق، وهو بيكشف ع العيانين...
- خلاص يا بت.
قاطعتها بثينة لتتابع:
- يعني احنا كدة خلاص يعنى احنا نمشى بقى ونسيبك
- لا طبعًا تسيبونى دا ايه؟ انتوا هتمشوا معايا وتوصلوني.
قالت نوها:
- خلاص ساهلة احنا ها نوصلك فى طريجنا.
❈-❈-❈
- كنت فين يا محروس من الصبح ما حد شايفك؟
هتفت بها هدية لتوقف ابنها قبل أن يدخل لغرفته، والذي رد يجيبها
- كنت مع جدى فى مشوار كده، ليه انتي عايزاني في حاجة؟
- خير ان شاء الله، تعالى بس اجعد جمبى عشان نحكى .
قالتها وهي تشير بكفها على مكان ما بجوارها ع اللاَريكة الخشبية، وهي ترتشف الشاي من كوبها الزجاجي الذي تمسكه بالكف الأخرى:
تحرك ليجلس بجوارها وسألها:
- أدينا جينا وجعدنا، عايزه ايه بجى؟
ارتشفت قليلًا ثم ردت بلهجة رائفة:
- يعنى هعوز إيه منك؟ انا بس مستعجبة، إنك بطلت ماتجيب سيرة بدور ولا الخطوبة من أساسه.
زفر يشيح بوجه عنها ليردد بسأم:
- ولزوموه إيه بس، نجيب في سيرة مواضيع خلصانة؟
توقف هدية عن شرب الشاي لتسأله بارتياب:
- خلصانه كيف يعنى؟ جصدك إيه يا حربي؟
انتفض فجأة من جوارها ليقول بتهرب:
- إصرفى نظر ياما عن الموضوع ده، عشان انا كمان صرفت نظر عن بدور وعن نهال.
نهضت من خلفه تسأله بعدم استيعاب:
- صرفت نظر عن الاتنين؟ امال هتتجوز مين يكونش عينك راحت على نيرة؟ وماله ما يضرش يا ولدي، هى كمان حلوة وبت عمك ومن لحمك ودمك .
هتف يقاطع أحلامها:
- نيره مين ياما؟ دى شرانية ولسانها متبرى منها، دى مش بعيد لو كلمتها كلمة ومعجبتهاش تمسك فى خناجى، هو انتي معرفهاش؟
شعرت بالتشتت وروده المبهمة تزيد من حيرتها لتهتف سائلة:
- امال انت عايز بس مين ؟ طب عينك على واحدة فى البلد، جول وخليني اعرف، هو انا هكره؟
اومأ برأسه يزيد من غموضه قائلًا:
- مش وجته ياما، أكيد لما ياجي الوجت هجولك، متستعجليش كل شيء بأوانه.
اردف كلماته ليعود لغرفته، ويتركها محلها تشعر بالتخبط وعدم الفهم
❈-❈-❈
في طريق عودتهن من المدرسة ونحو الذهاب إلى المنزل، كانت تسير مع ابنة عمها التي تتحدث في عدة مواضيع وهي لم تنتبه لأحد منهم، ترمي بعينيها نحو الجهة الأخرى، ومنزل عمها سالم ، علها تتصادف برؤيته كعادته في الأيام السابقة، شعرت بإحباط يكتنفها وقت ان تأكدت من خلو الساحة الخارجية والمصطبة قبل أن تجفل
- ايه الاخبار ؟
شهقت مرتدة للخلف مع نيرة، حينما وجدته بطوله المهيب يقف أمامهن.
- عاصم!
تفوهت بها نيرة مخضوضة والأخرى وضعت كفها على موضع قلبها متمتمة:
- خضيتنا يا شيخ، حرام عليك
قال عاصم:
:- سلامتكم من الخضة، معلش انا اسف، بس انا واجف هنا بجالى فتره مستنيكم، عشان اطمن، لو الواد المتخلف ده اتعرضلكم ولا حاجة؟
نفت بدور سريعًا:
- لا طبعًا، هو يجدر بعد اللى حصله؟
أضافت نيرة ايضًا:
- ومتنساش كمان يا عم عاصم، انى معاها، وانت عارفنى بجى
ضحك الاَخير يعقب على قولها:
- عارفك يا نيرة ما يتخافش عليكى، بس انا عايزك انتى كمان يا بدور تبجى ناشفه ومتخافيش زيها، عشان متبجيش مضطرة لحد يساعدك، لو حد اتعرضلك.
اطرقت برأسها تقول بخجل:
- انا عمرى ما اخاف طول ما انت موجود .
تفاجات نيرة بجرأة قولها حتى طالعتها بازبهلال، أما هو ف ارتبك وتعرق، وخرجت كلماته بتلجلج:
- طب كويس كويس، انا بس حبيت اطمن، يا للا سلام بجى .
قالها وذهب مغادرًا على الفور، حتى لا تنفضح مشاعره أمامهن، ويزلف بقول قد يؤخذ عليه فيما بعد، وهو لا يريد إساءة التصرف، خصوصًا الان.
تمتمت نيرة وهي تنظر في اثره وقد ابتعد بمسافة كافية، عنهن:
. - و ه يا بدور دا انتى طلعلتي مش هيئة، اتجرأتي وطلعلك حس يا مضروبة
سمعت منها وهي صامتة ترتسم على محياها ابتسامة سعيدة وفقط.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية