رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 29
قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ميرا كريم
الفصل التاسع والعشرون
إن المرأة تحب رجلها ليس لأنه أقوى الرجال، ولا أوسمهم،
ولا أغناهم،
بل لأنه هو بضعفه وقوته،
والحب ليس إستعراض قوة لكنه طاقة عطاء دافئة مستمرة."
- أحمد خالد توفيق
❈-❈-❈
-خير يا "حسن" انا سمعاك
قالتها "رهف" بثبات شديد بعدما وافقت على لقائه داخل ذات النادي الذين يرتدون عليه، تنهد "حسن" وظل يتمعن بها لثوانٍ كأنه مازال يتحسر على فقدانها، فمنذ أن رأى تلك الصورة التي شاركها ابنه و تعبر عن صفو حياتها وقد نشبت النيران
بأحـ شائه وقرر أن تطالها
ألسـ نتها، وكعادته الساخطة اوقع الأمر على عاتقها وبرر لذاته أن هي من رفضت الرضوخ كغيرها وسمحت لذلك ال "نضال" أن
يسـ لبه كل شيء حتى ابنائه، فكان غارق في سوداوية افكاره وهو ينظر لها بينما هي نفذ صبرها فمنذ تلك المكالمة الهاتفية وعقلها يتأرجح بها لذلك هدرت بملامح تعكس ضجرها:
-لو سمحت اتكلم علطول
أومأ برأ سه ثم قال وبنيتاه القاتمة تراقب إنفعالاتها:
-خير يا "رهف" كل الحكاية إني كنت عايز الولاد يقعدوا معايا كام يوم في بيتي
كانت تتوقع ذلك ولم يفاجئها طلبه ولكن رغم ذلك شحب وجـ هها و كررت خلفه:
-بيتك!
تناول علبة سجائره يخرج واحدة واشـ علها يلتـ هم انفـ اسها ثم قال متربصًا لجوابها:
-اه بيتي واظن حقي
حسنًا هي لا تمانع فهو ابيهم على أي حال ولا يحق لها أن تجور على حقه؛ ولكن ماذا عن تلك الحية سَليـ طة اللسـ ان كيف سَتأمن عليهم معها وهي تعلم تمام المعرفة أنها لا تتقبلهم، وماذا عن اطفالها ذاتهم هل سيروق لهم المكوث هناك أم لا فحقًا كانت ضائعة في خضم افكارها لا تريد أن تتفوه بشيء يُأخذ عليها كما اوصاها "نضال" الذي اصرت عليه أن لا يأتي معها، لذلك تَروت في حديثها:
-تمام يا بشمهندس معنديش مشكلة بس...
باغتها مستهجنًا كي يستـ لذ اكثر بتشتت عقلها:
-من غير بس... ومينفعش يبقى عندك مشكلة المفروض تحمدي ربنا إني سايبهم ليكِ اصلًا بعد ما اتجـ وزتِ الدكتور
مهلًا لن تتخلى عن ثباتها فهو يتعمد ارهاق اعصابها ومن غيرها تعرفه وهو من مرّ الخذلان اذاقها.
فكادت ترد لولآ صوت مصدر آمانها الذي جاء من خلفها كدلو ماء بارد منعش انعش قلبها وسَكن جنباتها:
-مش شايف كلامك عد ائي شوية هي ما اعترضتش يا بشمهندس
قالها "نضال" وهو يجـ ذب المقعد ويسـ تقر جو ارها يحتـ ضن
كـ فها بعدما فشل فشل ذريع أن يمنع ذاته من اللحاق بها، ورغم أنها هي من أصرت عليه أن لا يحضر لقائهم إلا أن وجوده
جوا رها يشـ دد على عضـ دها كان كفيل أن يمنحها الشجاعة والقوة أن تنشب حربٍ وحدها، فكانت دون قصد عيناها عالقة به ببسمة هادئة استفزت الأخر وجعلته يباغته قائلًا وهو
يـ دهـ س سجارته في المنفضة بعـ نف:
-ممكن متدخلش انا بكلم ام ولادي
ابتسم" نضال" بسمة تخفي الكثير خلفها ثم عقب بكل ثقة وهو
يشـ دد أكثر على كـ فها:
-ام ولادك دي مراتي واظن دي حاجة أنت لازم تحطها في اعتبارك...و زي ما من حقك تشوف ولادك أنا كمان من حقي ابقى معا ها واشاركها أي حاجة تخـ صها
جز "حسن" على نواجذه بقوة ولم يجد حُجة آخرى ليتلاعب بأعصابها بينما "نضال" ابدى استحسانه للفكرة قائلًا:
-قول المعاد اللي يريحك وانا بنفسي هبلغ الولاد وهظبطلك مع مشرف Bus المدرسة علشان يجي ياخدهم من عندك وكمان هكتبلك مواعيد التمارين والدروس
صعدت الدماء لرأ سه من طريقته المُبسطة دون تعقيد وتكاد تكون غير مبالية لتزداد
قتا مة عينه وينطق بغيظ:
-انا مش بوجه ليك كلام كلامي مع "رهف" وهي اللي مفروض ترد عليا
تدخلت "رهف" تؤيد حديث "نضال" بذات الثقة:
-وانا معنديش اعتراض قولتلك بس زي ما قال "نضال" الولاد ليهم التزامات وانت لازم تلتزم و تقوم بيها
لوح بيـ ده دليل على استخفافه بها:
-هلتزم متشغليش بالك وكمان هجيبلهم واحدة تراعيهم وتشوف طلباتهم
رغم استياء "نضال "من طريقته إلا انه لم يشعره بسوء واقترح بملامح ثابتة:
-طيب وعلى إيه تجيب واحدة الولاد مش اخدين عليها ممكن المربية بتاعتهم اللي عندنا تبقى معاهم و متقلقش هي عارفة ايه نظامهم وهما بيرتحوا معاها
كم راقها اقتراحه فنعم ذلك الحل الأمثل كي لا يتأكـ لها قلبها وعلى عكسها تمامًا هدر" حسن" بسخط و بملامح منكمشة يحـ تد عليه:
-هو انت هتمشينا على مزاجك ولا إيه؟
ورغم حدته معه لم يقابلها "نضال" سوى بتروي شديد متفهمًا:
-ليه بتقول كده انا بس بحاول ألاقي معاكم حلول مناسبة تريح الكل وبصراحة فكرة أنك تاخد الولاد في التوقيت ده كويس جدًا.
صدر من فـ م "حسن" ذلك الصوت الساخر الذي يشتهر به من فـ مه وتهكم قائلًا:
-وماله التوقيت إن شاء الله
أخبره "نضال" بكل شفافية:
-اصل "رهف" هتسيب الشغل
اعـ تلى جانب فـ م "حسن" وتسائل ببسمة شامتة لم يستطيع إخفائها:
-اكيد علشان فشلت كالعادة مش كده
برقت عين "رهف" بعد جملته وردت بنبرة شرسة مدافعة عن كيانها:
-لأ مفشلتش و...
حـ ثها "نضال" بعيناه وبضغطة من يـ ده أنه سيتولى الأمر، قبل ان يتابع بفخر:
-مفيش فشل بالعكس النجاح حليفها دايمًا واكيد سمعت ان اسمها بقى زي الطبل في الفترة الأخيرة وشركات كبيرة بقت بتطلبها بالأسم وبناءٍ عليه قررت تأسس شغل لوحدها وعلشان كده بقولك التوقيت مناسب وحاجة كويسة انك فكرت تشاركها مسؤولية الولاد دلوقتي قال ما قاله ثم صمت لبرهة يراقب معالم الأخر التي تبدلت من الشماتة للصدمة العارمة قبل ان يتابع بمكر كي يثبت لذاته اولًا امرًا بعينه:
-على فكرة الولاد فخورين بأمهم جدًا وحتى "شريف" من فرحته اصر أننا نتصور كلنا... اكيد شوفت الصورة مش كده؟
زاغت نظرات "حسن "وقد ابتـ لع رمقه بتوتر ورد مستنكرًا:
-مشوفتش حاجة وميشغلنيش اللي انت بتقوله انا كل اللي يهمني مصلحة ولادي اللي
بتجـ معني انا وامهم وبس...
هز ت" رهف" رأ سها بلا فائدة حين أدركت ادعائه، بينما" نضال" تأكدت شكوكه وقد اعتـ لى
وجـ هه شبه بسمة ساخرة وأدها "حسن" في مهدها حين اضاف بعجرفة قاصدًا الضغط على
بوا طن ضعف من أمامه واستغلالها:
-ومتهيئلي يا دكتور واحد زيك عمره ما كان ولا هيكون أب علشان يعرف يقدر مسؤولية زي دي
انظروا من يتحدث عن المسؤولية بكل ثقة وكأنه اهل لها
فلم تتحمل "رهف" ومن غيرها يعرفه فهو كما عاهدته بخِصاله ذاتها التي لطالما هدمـ ت بها، فقد هبت من مقعدها هادرة بشراسة قـ تالية وعيناها ترشـ قه بنظرات تكاد تحـ رقه بموضعه:
-انت حد مش طبيعي ايه اللي انت بتقوله ده!
وهنا طفرت الجذوة التي
انشـ بت حـ ريقه حين رد منفعلًا:
-بقول انهم ولادي انا والبيه
جـ وزك ملهوش أي حق فيهم
نفـ رت عروق "نضال" وخاصًة ذلك العرق النابـ ض بجانب فـ كه يمنع ذاته بصعوبة بالغة كي لا
يتـ هور ويظل ملتزم بثباته الإنفعالي قدر المُستطاع رغم
سيا ط كلمات ذلك اللعين التي جلـ دت بكل قسـ وة كبريائه، فإن كان الأمر يقتصر عليه لكان
حطـ م رأسه وابلعه لسا نه الذي يقطر سـ مًا زعاف ليسـ ممه وينتهي منه ولكن بكل أسف لا يمكنه فعلها بسبب ذلك الوعد الذي قطعه مُسبقًا لها، فلا يستطيع ان يُخذلها ويفـ سد الأمر، و على اتم استعداد أن
يمـ رر أي شيء من اجلها ومن اجل ابنائها لذلك تحامل وذم زمام نفسه جيدًا قبل أن ينهض قائلًا:
-اولًا مش هرد على كلامك علشان انا اكبر بكتير من كده وثانيًا محدش انكر ولا يقدر ينكر انهم ولادك ومسألة ليا حق او مليش ده شيء اللي يجوبك عليه الولاد نفسهم
نهض "حسن" يشرأب برأ سه متسائلًا:
-يعني ايه؟
-يعني ولادك بيحبوني وانا كمان ربنا يعلم بحبهم أد إيه ومقدر نعمة وجودهم أد إيه... وده مش معناه ابدًا ان إحنا بنقلل منك انت ابوهم وهتفضل ابوهم ومهما حصل أنت اكيد احق بيهم مني...
طالعه "حسن" مشدوه من رده فكان يعتقد انه حين يستفزه سيحظى بردة فعل مختلفة عن تلك ولكن "نضال" خيب آماله حين كان هادئاً ومتفهمًا لابعد حد، انتشله "نضال" من حالة خيبة الأمل التي اكتـ سحته بقوله:
-شوف عايز تاخد الولاد امتى وبلغ "رهف" في التليفون...سلام يا بشمهندس
قالها وهو يسـ حب "رهف" برفق لتغادر معه بعدما رشقـ ته بنظرة مُشـ تعلة تنم عن استيائها تاركته
يستشـ يط غيظًا منها ومن ذلك ال "نضال" الذي افسـ د متـ عته في تعكير صفوها.
❈-❈-❈
كان الوقت لا يمر تتلكأ عقارب الساعة وكأنها يروقها مللها لحين اسدل الليل ستائره عليها.
فقد قضت الكثير من الوقت مع "ليلى" ولم تتركها إلا بعد أن اطمأنت عنها وتأكدت من نو مها وحتى تشغل عقلها بحثت داخل المكتبة عن كتاب ما وإن وجدته اخذته معها للفراش ليؤنس وقتها ولكن لسـ وء حظها النوم غلبها.
بينما على الجانب الآخر توقف هو بسيارته يطفئ محركها وإن كاد يخرج منها تعالى رنين هاتفه، ليلتقطه ويجيب:
-خير في ايه؟
ظل صامتًا يستمع للطرف الآخر لثوانٍ ومن بعدها قال مُشددًا:
-كويس اوي كل حاجة ماشية زي ما خططنا ليها...عايز عينك عليه ومتفارقهوش ولو في جديد بلغني
ما أن وصله رد الطرف الآخر بالطاعة اغلق الخط وخرج من سيارته وسار في طريق البيت وفور أن دخل اطمأن على والدته اولًا ومن ثم تلـ هف بخطواته اشـ تياقًا لها، ففور أن وطاة
قد مه اعتاب الغرفة تزايدت
نبـ ضاته ولمع ليل عيناه حين وجدها غافية والكتاب يستقر داخل احضـ انها، وهنا فكرة واحدة سيطرت عليه وهي كيف لكومة من الورق أن تحظى بقربها وهو لا!
فمنذ مغادرته في الصباح وهي لا تفارقه وكم نسج عقله تخيلات عابـ ثة تخـ صها، لتحين منه بسمة ماكرة ويغلق الباب ببطئ شديد ومن بعدها سـ لت سترته ونـ زع حذائه ودون أن يبد ل ملابسه كان يـ دثـ ر نفسه بالفراش؛ وبحذر و رَوية شديدة يَـ حل مَحل كتابها.
❈-❈-❈
صباح يومٍ جديد يخبئ بين
طـ ياته الكثير.
فكان يجلس صاحب النوايا القاتمة على المقهى الذي يعتاده، وبسمة بلهاء تعالي وجـ هه دون سبب استغربها "جلال" الذي جلس
بجـ واره متسائلًا:
-في ايه يا "سلطان" على الصبح صاحي بدري ليه!
اجابه وهو محتفظ ببسمته:
-انامنمتش يا غشيم علشان اصحى
ليصفق بيـ ده ويصيح طالبًا:
-واحد شاي ميزة هنا وتعالى غير الحجر يا ابني
رد الصبي الذي يقدم الطلبات بطاعة وقام بترديد خلفه:
-أنت تأمر يا سيد المعلمين
أومأ له "سلطان" و ربـ ت على
صـ دره بزهو جعل "جلال" يستراب منه:
-غريبة مزاجك رايق ده اللي يشوفك النهاردة ميعرفكش
اعتلى جانب فـ م "سلطان" وعقب وهو يسـ حب نفس مطول من خرطوم ارجيلته:
-وماله عقبال بالي كمان لما يروق
ضـ رب "جلال" كـ ف على آخر متعجبًا:
-امرك عجيب النهاردة
-سيبك مني وقولي كنت غاطس فين امبارح كلمتك كتير
تلجلج "جلال" وقال بعيون زائغة:
-كان في حوار كده كنت بخلصه
هز" سلطان" رأسه ولم يستفهم اكثر بل قال و عيناه تتابع ذلك الفتى الذي أمره منذ قليل أن يغير حجر ارجيلته لحين اقـ ترب و وضـ ع كوب الشاي الساخن ومن ثم جثـ ى وبيـ ده المـ لقط المعدني يلتـ قط الفحم المُشتعل به ويقوم برصه امام نظراته الغادرة:
-ماشي ادعلنا احنا كمان بالتساهيل
زاد تعجب "جلال" متسائلًا:
-مش فاهم؟
رفع "سلطان "الكوب على فـ مه يرتشف منه رشفة واحدة ثم همس بنبرة مريبة غامضة:
-هتفهم...
قالها بغمزة خبـ يثة من عيـ نه وهو يضـ رب الكوب بر أس الصبي الذي كان يجـ ثو أمامه، ليصرخ الآخر ويمـ سك رأ سه الذي انفجرت منها الدماء:
-ليه كده يا معلم حرام عليك
زعق به "سلطان " بصوت جهوري مبررًا:
-علشان غبي يارو ح امك قولتلك الف مرة مش بشرب الشاي ميزة
دافع الصبي عن ذاته يُذكره:
-وربنا انت اللي قولت يا معلم
زمـ جر "سلطان" غاضـ بًا ثم
رفـ عه من حاشـ ية ملابسه
لمسـ تواه هادرًا:
-انت بترد عليا كمان ياض طب تعالى بقى اعرفك مقامك
قالها وهو يبطـ حه برأ سه بعزم ما فيه ويكـ يل له المزيد من الضـ ربات الموجـ عة والغريب بالأمر أن الجميع كانوا يشاهدون فقط دون أن يتدخل احد فحتى" جلال" كان يقف مشدوه ويحاول ايجاد تفسير منطقي لما فعله ولكن مع نظرة من عين "سلطان" حين انتهى وتلك البسمة الخبيثة التي تعتلي وجـ هه و يكمن خلفها الكثير ايقن "جلال" أن "سلطان" لم يفتعل ذلك هباء بل لأمر جلّل.
❈-❈-❈
رفرفرت هي بأهدابها قبل أن تفرج عن غابات زيتونها تبتسم بنعومة لتلك الرائحة الرجـ ولية المميزة التي تملأ رئتها، فكانت تشعر بدفئ لم تحظى به حتى في اكثر سنوات ريعانها، وحين فتحت عيـ نها وجدت وجـ هه الغافي، المُسالم أمامها، لتبتلع رمقها تستوعب وضـ عها فكانت تتو سد صـ دره ويحـ تويها بين احضـ انه ويتشـ بث بها كأنه يخشى فقدانها، وبين ارتباكها وخجلها اشـ تعل وجـ هها ونمت بسمة هائمة على ثغـ رها وهي تتأمله عن قرب فمن يصدق أن هو ذاته أمامها من تمنته من كل قلبها ولكن خشيت عليه من تبعات عشقها، ومع افكارها وجدت يـ دها تنفذ تلك الرغبة التي كانت تتمنى فعلها، فقد
تحـ سـ ست نعومة شعيرات ذقنه القاتمة وهي تطالعه بنظرة حالمة لحُسن حظه ألتقطعها حين فتح عيناه وشعر بلمـ ساتها،
اعتــ صرت هي عيناها وسـ حبت يـ دها متلعثمة:
-صباح الخير
اجابها بصوته الرجولي العميق الذي يحمل بقايا نومه:
-صباح النور
-استنيتك كتير امبارح رجعت امتى
اجابها وهو يـ مر بعينه ببطئ على وجـ هها:
-امبارح كان يوم شغل طويل ورجعت متأخر ولقيتك نايمة محبتش اقلقك وحتى مرضتش اغير هدومي
أومأت بتفهم واطرقت عيناها لصـ دره تنظر لقميصه حُجة كي تتحاشى نظراته التي تخـ ترق دفـ عاتها، ليهمس وهو يرفع ذقنها ليواجه نظراتها بصوت خطير ينبأ بما سيحدث بعدها:
-تعرفي انك مفارقتنيش ولا ثانية وطول اليوم مش عارف اركز في حاجة من كتر ما بفكر فيكِ
تشابكت نظراتها اللامعة معه تعكس بريقها في ليل عيناه تنذر بتداعي ثباتها وفيـ ض عِشقها تجيبه في سرها:
-انا ايضًا لم انفك من التفكير بك
وكنت اتلهف لعودتك
ذلك ما كانت تود ان تنطق به جهرًا ولكن حين اوشك ان
يمـ يل عليها تعالت انفـ اسها
وارتـ جف جــ سدها وتشبثت بقميصه وكأنه طوق نجاتها، ولكن تلك المرة كان رؤف بها و اكتفى بقُـ بلة على جبـ ينها دون أن يحل وثـ اقه من حولها فليس من المنطقي أن يتنازل ايضًا
عن قر بها، اغمضت هي عيناه تحاول تنظيم انفا سها ليهمس هو بمناغشة ماكرة لم تعتادها:
-متهيئلي قولتي قبل كده انك مش بتتقلبي وانتِ نايمة ايه اللي حصل
بالفعل قالت ذلك، ولكن ما ادراها هي! فلمَ لم تصمت حينها وتحسب حساب ذلك ترى كانت واثقة كثيرًا وقتها! بالطبع كانت فنظراته كافية لتؤكد لها، لذلك
لمـ لمت شتاتها تدافع عن قولها وتشكك به:
-اكيد انت اللي حركتني
حانت منه بسمة جانبية استشعرت كم دفئها وانتظرت أن يعقب على اتهامها ولكنه لم يفعل وإن يأست من رده تنهدت مسـ تاءة من طريقته التي تكاد تفـ قدها عقلها:
-انا مش بحب طريقتك دي
انعقد حاجبيه الكثيفين مستفهمًا:
-اللي هي ايه؟
-سكوتك بيحـ سـ سني إني ضايعة ومش عارفة بتفكر في ايه
وهنا ذكر واحدة من قواعده الثابتة:
-اتعودت اسمع اكتر ما اتكلم...
-بس الكلام بيريح وبيخفف حمولة القلب
أدرك بفطنته أنها مازالت تريد اجابة وافية لتسائل بعينه رغم عدم إلحاحها، لذلك تنهد تنهيدة مطولة وظل متمـ سك بصمته، لتتنهد يائسة وتقول وهي
تسلـ ت ذاتها من احضـ انه:
-هقوم احضرلك الفطار
للعجب افلت وثاقها وسمح لها أن تفر ولكن إن
كادت توليه ظـ هرها وتغادر الغرفة بأكملها منعها بصوته الذي خرج أخيرًا يمنحها إجابة متأخرة لسؤالها كي يريحها:
-كنا فعلًا بنحب بعض أو ده اللي كنت فاكره وقتها
عقدت حاجبيها وانتبهت له تتفهم ماذا يعني وهي تقاوم شعور تأكـ ل قلبها، ليعتدل هو يسـ تند بجـ زعه على ظـ هر الفراش ويتابع وهو يسـ حب سيجارة من علبة سجائره اعلى الكمود ويشـ علها لينفث بها:
-بعد ما ارتبطنا و قرب معاد الفرح ليلى" تعبت وهي رفضت تعيش معاها او تتحمل مسؤولية مرضها معايا
شهقت بخفوت تستنكر فعلتها:
-مش اصيلة يعني لو كانت مامتها هي اللي في نفس الوضع كنت انت هتعمل زيها
سـ حب نفسٍ طويل من سيجارته واجابها بحركة نافية من رأ سه لتقـ ترب تجـ لس على طرف الفراش مواجه له متهكمة:
-وبعدين لو كانت فعلًا حبتك كانت هي اول حد هيصر يفضل جنبك وقتها
ظل صامت يستـ متـ ع بغيرتها التي تنقط من حديثها، لتتابع هي فضولها:
-طيب وبعدين خلصت الحكاية كده
تابع و هو يـ دهـ س سجارته بالمنفضة القابعة على الكمود بجانبه:
-سيبتها وكنت متأكد إني هعرف اتخطاها لأن مفيش عندي اغلى من "ليلى" وهي بالنسبالي خط احمر اللي يعديه يخسرني للأبد
لاح السؤال داخل عقلها لتزوغ نظراتها وتنطق دون تدخل عقلها:
-كنت فعلًا بتحبها؟
نمت على فـ مه بسمة رائقة للغاية رفرفت قلبها قبل أن يمـ د يـ ده يـ ز يح غرتها خلف أذنها و يجيبها:
-كنت فاكر كده لغاية ما قابلتك...
طالعت قاتمتيه التي لا تحيد عنها ونطقت مستغربة:
-قابلتني انا!
التقـ ط يـ دها يـ د ثرها بين خاصته ثم تنهد وكأن حمل ثقيل من المشاعر يكـ من على صـ دره ناطقًا بصوت خرج مهزوز بعض الشيء من فرط ما يجـ تاحه:
-أنتِ النور اللي نور عتمة قلبي يا "شمس" والدفى اللي خلى جليد قلبي يدوب
لا تلك المرة من المستحيل أن يكون قال ما قاله شفقة منه مثل ظنها به المرة السابقة حين لمح لها، فما فعله من أجلها وتلك الايام القليلة التي نعمت بها بقربه جعلتها لديها يقين قوي أنه يكن شيء لها مثلها وها هو يصدق حد سها، فقد اشتـ عل وجـ هها و نمت بسمة خجلة للغاية على ثغـ رها حتى أنها تهربت من أسر عيناه واطرقت برأ سها ورغم ما يضـ ج به قلبها وتلك المشاعر التي تعـ صف بها إلا أنه تلـ جم لسا نها من شدة خجلها، ليتابع وهو يشملها بدفئ عيناه الضيقة:
-من اول يوم شوفتك في المطعم ومروحتيش عن بالي لحظة واحدة ولما لقيتك تاني
حـ سيت أن ربنا قاصد يجمعنا
الأمان شعور رائع لم تحظى به من قبل إلا معه وحقًا تستغرب كيف ليـ ده الدافئة التي تد ثر
يـ دها الآن تستـ شعر بها أنها تحتضن معها العالم اجمع بلا خوف لذلك نطقت مُتحسرة وعيناها غائمة بسحابة ممتلئة بالمشاعر:
-يارتني عرفتك من زمان صدقني كانت حاجات كتير اوي اتغيرت
ضحكت عيناه اولًا ثم بقية معالمه و وعدها وهو يرفع يـ ده و يمـ رر انامله بلطف على وجـ نتها المشتعلة:
-هعوضك عن كل اللي فات من غيري ومش هسمح لأي شيء يبعدك عني تاني...انا مصدقت لقيتك يا "شمس"
هل تحلم هي! هل هو ذاته من يتغزل بها وينطق بمعسول الكلام من أجلها فكاد يجن جنونها لا تستوعب أن ذات الرجل التي ظنت أنها ورطته معها؛ هو من يتمنى قربها.
كانت غارقة في افكارها لحين باغتها هو وعينه تهيم بها:
-"شمس" مش عايزة تقوليلي حاجة
نعم أعشقك بكل ما بك و كنت احيا من دونك حياة مُوحشة، باهتة بلا الوان و دون نسائم باردة تنعش الروح و تلـ فح القلب وتشبعه طمئنينة.
ذلك حقًا ما كانت تود قوله ولكن أمام نظراته المترقبة لتصريحها تعالى وجيبها وخجلت بشدة وفقدت حرفها ولم يخرج منها سوى:
-اوقات مش بنعرف نخرج اللي جوانا على هيئة كلام...لان الكلام ساعات بيعـ جز وبيكون قليل الحيلة قصاد شعورنا وبيقصر في وصفه.
ضاقت عيناه عليها، وتفهم تلميحها المحـ سو س له ولكن أليس من حقه أن تستفيض معه بوضوح اكثر وترأف بقلبه المغرم بها.
بينما هي كانت تطـ رق برأ سها تتفا دى نظـ راته الثاقـ بة التي
تمـ ارس سُلطتها عليها لدرجة جعلتها تشعر أنها ليست مُستعدة لقول المزيد الآن لذلك راوغت و غيرت سير الحديث
تتـ ستر على ما يجتاحها:
-ممكن تكمل بقية الحكاية وتقولي إزاي خلصت؟
زفر أنفاسه محبطًا من سؤالها الذي انتشله من حالة الهـ يام التي كان غارق بها ثم اعتدل
بجـ سد ه اكثر يسـ حب سجارة آخرى يشـ علها لينفث بها تحت نظراتها ثم تابع حانقًا لايعلم بسبب تلك الذكريات التي اتت بغير وقتها أم بسبب غبائها:
-بعدها بكام يوم من فسخ الخطوبة اتكتب كتابها على زميل ليا
لاحظت الضيق الذي ارتسم على تقاسيمه ولكنها لم تتطرق للأمر و كل ما فعلته انها ابدت اندهاشها:
-معقول بالسرعة دي؟
-حاولت اثبت لكل اللي حواليا ان اللي حصل مش منطقي بس قالولي ده نصيب والنص التاني اتهـ موني إني شكاك
اعتلى حاجبيها وتهكمت بثقة قاصدة مناغشته وتخفيف توتر الأجواء بينهم:
-دي حقيقة وانت دايمًا بتفرض سوء النية وانا بنفسي اشهد على ده
ضيق عينه وقال بنبرة معاتبة وهو يمـ رر يـ ده على ذقنه الناعمة:
-قلبك اسود اوي يا "شمس"
ر فعت منكبيها مُعلقة وهي تـ ذم فـ مها بشكل درامي تدعي عدم اكتراثها:
-انا اصلًا بحب الغوامق والموضوع مش هيضايقني فمتحاولش
ابتسم أخيرًا بسمة رائقة وهو يستغرب كيف ومتى اصبح لديها ذلك التأثير عليه فا أقل مجهود منها يتحول موده للنقيض تمامًا فكان منشغل في أفكاره حين باغتته هي بسـ حب السيجارة من يـ ده تطفئها في المنفضة معاتبة:
-اتفقنا نقلل السجاير شوية وكمان متنفعش على الريق حافظ على صحتك لو سمحت
اتسعت بسمته شيء فشيء وظل لبرهة يتأملها قبل أن يقول مباغتًا:
-انا اللي حركتك
تأهبت بنظراتها ولم تستوعب ما نطق به ليُفسر هو:
-اجابة سؤالك التاني انا اللي حركتك وخليتك تنامي في
حضـ ني
تسللت البسمة إلى ثغـ رها على استـ حياء ثم اخذت تلملم غرتها تضـ عها خلف أُذنها هامسة بثقة كي تتستر على خجلها:
-انا كنت متأكدة على فكرة
هز رأ سه يستحسن ثقتها وعينه لا تحـ يد عنها لتحـ ثه وهي تنهض وتهم بخروجها من الغرفة:
-طيب يلا قوم اجهز علشان نفطر مع بعض
نظر لظـ هرها متنهدًا لحين غادرت ثم تناول هاتفه من اعلى الكمود ليتفقد الوقت وإن فعل القاه بإهمال على الفراش ثم
لعـ ن ذاته ونهض مُسرعًا بعد أن ادرك انه بالفعل تأخر على غير عادته بفضل تلك ال "شمس" التي قلـ بت موازينه وزحـ زحت قواعده الثابتة.
❈-❈-❈
دقائق قليلة مرت وها هو يقف أمام المرآة ينثر عطره الرجـ ولي المميز حين دلفت هي قائلة:
-حضرت الفطار
-مش هينفع متأخر يا "شمس" ولازم انزل
قالها وهو يتناول سترته لكي
يرتـ د يها ولكنها هرولت تساعده في لبسـ ها و إن فعلت لفـ حتها رائحته وداعبت كافة حوا سها، لتتناول نفـ س عميق تملأ رئتها ثم تهمس بإحباط بعدها:
-طيب هتتأخر النهاردة كمان
التفت لها ببسمة رزينة هادئة يجيبها:
-لأ مش هتأخر واستنيني على الغدا
ابتسمت وقالت متحمسة:
-طيب تحب اطبخلك حاجة معينة
لم يفكر في الأمر بل نطق مُتسرع يشـ تهي:
-ورق عنب بيبقى عظيم من
ايـ دك
أومأت له ببسمة خجلة بينما هو دون تمهيد وضـ ع قبـ لة خاطفة على وجنـ تها هامسًا قبل أن يخطو للخارج دون أن ينتظر ردها:
-لا اله إلا الله
اجابت بسرها وقد اتسعت بسمتها الخجلة و اشـ تعل
وجـ هها وإن غادر الغرفة
تحـ سست موضـ ع قُبـ لته وأخذت تُجدد آمالها لحين انتشلها صوت رنين هاتف ميزته من نغمته لتتبع الصوت لحين وجدته على الفراش وقبل أن تركـ ض تلحق به نظرت لشاشته ولذلك الأسم المألوف لها والحيرة ترتسم على وجـ هها.
❈-❈-❈
بينما على الجانب الآخر كان ينتظره افراد حراسته متأهبين لخروجه وإن خرج أمرهم أن لا يبـ رحون اماكنهم وكاد يتوجه لسيارته بالجانب الآخر من الطريق حين اتاه هتافها، فقد توقف وألتفت برأ سه في حين هي لو حت بهاتفه اللحوح لتنبهه
ضـ رب هو جبـ هته بخفة لتتقدم هي منه مُسرعة تلتـ قط انفا سها و قبل أن تتخطى الطريق لعنده قالت:
-كويس إني لحقتك نسيت تليفونك
قالتها وهي تنظر يمينًا ويسارًا و هي تخطو إليه تزامنًا مع مرور موتور ببطىء شديد يعتـ ليه اثنان ملثـ مان
بشكل مُريب لفت نظرها و أهب حو اسها وقبل أن تنطق صدق حد سها حين وجدت احدهم يخرج سـ لاحٍ ناري ويصوبه نحوه فلم تشعر بذاتها إلا وهي تنـ دفع بقوة الصاروخ لعنده صارخة بأسمه بعزم ما بها:
-سلـــــــــــــــــــــــــيم...
لم يسعفه الوقت لتفهم قصدها فمن شدة دفعـ تها اسقـ طته معها على ظـ هره متأو هًا تزامنًا مع صوت الاعيرة النارية التي اخذت تمـ طرهم من كل جهة.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية