-->

رواية جديدة حارس المقبرة لهالة محمد الجمسي - الفصل 24


رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة

 هالة محمد الجمسي

رواية حارس المقبرة



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الرابع والعشرين 

هتف أسعد وهو يحدث ذاته: 

 

_إذن هؤلاء الأطفال الذين شاهدتهم منذ ساعات هم من تم تقديمهم قرابين هؤلاء الأطفال هم من يسكنون القبور الزرقاء، أطياف نورانية بريئة دفعت حياتها وتم إزهاق روحها من أجل مطامع البشر 

لم يجب حارس المقبرة مما دفع أسعد أن يكمل: 

_لم يرتكبوا أثم في الحياة ضعف قواهم وقلة حيلتهم وبطش بعض البشر أباح لهم ذ*بح زهور صغيرة لم تنل بعد من اهازيج الحياة شيء

 

قال أسعد وهو ينظر إلى الحارس في ذهول: 

_الواقع به من الجرائم التي تمت في الخفاء ما يبيض منه شعر الغلمان و  ما تقشعر له الأبدان، صفقات تقام على الدماء وازهاق الأرواح، شي*اطين الأنس حقاً أشد مكر من شيا*طين الأنس 

هز حارس المقبرة رأسه في علامة الموافقة ثم قال: 

_أجل يا ولدي هناك أمور تحدث  في الحياة من شدة قسوتها لا تستساغ من  العقل البشري أن يتخيلها، ولكن الحياة بها من الغرائب ما هو أعجب من الخيال 

ثم استدرك قائلاً

_عدالة الله أقوى وأشد حبكة وتدابير من الإنسان الظلوم الجهول، ظن العابثين بحياة البشر أن كل شيء يتم في الخفاء،  بعض القساة حين يتيح لهم فعل الشيء يظنون أن ما تم في ظلام الليل أنتهى بعد أن تم تنفيذه ولكن الله قد جعل لكل أمر حكمة نبشوا في الأرض وانتهكوا قبور 

قبور ظاهرة على الأرض، فجعل الله ،  قبورهم  في باطنها تم محو آثارهم 

تابع حارس المقبرة وهو ينظر إلى  القبور الزرقاء قائلاً: 

_لقد حاول آخرين من الفئة التي كانت تراقب عن بعد، البحث عن المقبرة الفرعونية مرة ثانية، ولكن باطن وطبقات  الأرض سبع تتسع إلى المزيد، لم تتعظ عقولهم أو قلوبهم من الأمر، فكان نفس المصير جزاء لهم  

تمتم أسعد في صوت منخفض جداً: 

_نفوس تحمل من الشر أطنان وأطنان،  كيف للعالم أن يسير وهو بكل هذا القبح؟ 

هتف حارس المقبرة في هدوء: 

_قلبك نابض بالخير يا أسعد  لهذا ترى بشاعة وسواد الشر، ما يرفضه قلبك وعقلك من الظلم والشر هو دليل على نقاءك  لا يغرنك كتلات الشر التي تظهر مثل السحب السوداء الخير مثل بؤر من نور سوف تظل تتواجد دائما إلى أن تفنى الأرض ومن عليها، بؤر النور قادرة على اختراق كتل الشر، قادرة على تبديد طاقته 

هتف أسعد وهو ينظر في حزن إلى حيث القبر الازرق: 

_ما حدث للأطفال كان شنيع حقاً لا أظن أن هناك جرائم أشد قسوة من تلك الجرائم 

نظر الحارس إلى أسعد وتابع: 

_هناك أنواع أخرى من الجرائم  جرائم من طراز آخر، جرائم  مختلفة لا يعاقب عليها القانون

همس أسعد في حيرة: 

_جرائم لا يعاقب عليها القانون

هز  حارس المقبرة رأسه  في هدوء وتابع: 

_لا تزال تريد أن تستمع يا صاحب الصدفة الغريبة، يا عابر الليل الحزين، يا رفيق تلك الليلة، لقد استمعت كثيراً فلماذا لم يراودك الضجر؟ 

أبتسم أسعد ثم قال: 

_أجل هذا أمر غريب أنا أسأل ذاتي نفس السؤال لماذا لا يراودني الضجر؟ حياتي كانت في غرف مغلقة تحمل صفقات مالية و إدارة أعمال لم اعرف سوى الأرقام والتجارة، ليس لي علاقات  ليس لي اصدقاء بالمعنى المتعارف عليه، لا يشغلني في الحياة أو اهوى أمر آخر غير التجارة وأمر نجاحها، حياتي الزوجية  هادئة بل تكاد تكون ساكنة، قبل هذا اليوم لم أنصت إلى أي  شخص حتى أستمع إلى أي أمر من شأنه أن يضيف لي، فأنا أعرف أن كل ما أريد معرفته في عالم التجارة قد أخذت به خبرة كافية، لهذا أنهى صفقاتي وافر الى منزلي اتابع أمور التجارة العالمية وانظر في أمور الصفقات القادمة، كنت أعيش حياة رقمية وإن كنت لا أحاول إيذاء اي شخص مهما خولت لي سلطتي بهذا، وأنثر الخير والله على ما اقول شهيد، ولا أعرف كيف تغيرت صفاتي في تلك الساعات؟ أصبحت أتذوق الصبر  في هدوء، وأنتظر وأنا لا أعترف بالانتظار، أصبحت أستمع لك، وأعرف الآن ماذا يعني أن يكون لك صديق تتعلم منه تأنس له وتجد ذاتك في حضرته سكون وسلام حتى إذا كان كل ما يحيط بك موحش 

نظر له حارس المقبرة في إهتمام وعمق ثم قال: 

_الأرواح جنود من الله من تشابهه منها تألف وسكن إلى الآخر، ومن  أختلف في طباعه وصفاته تنافر، ومن نعم الله على الإنسان أن يجد له رفيق وخل وفي في الحياة يعين ذاته  على صعاب الحياة، ويمضي معه في رحلته الشاقة ويبعد به عن الخطر والسؤء يحافظ عليه ويتجه به إلى الجهة الآمنة، حتى إذا كان الرفيق من غير جنسه حسبه أنه يقدم له ما يفتقده ويربط على قلبه من الفراغ ووحشته  

--

حكاية الكلب أشعل وصديقة نائل 

صوت نباح أشعل هو صوت متعارف عليه في الحي الهاديء الذي يسكنه كل الأثرياء، يكاد يكون من علامات الحي المميزة، صوت نباحه في تمام الساعة السادسة صباحاً قبل أن يصدح صوت المنبه في المنزل من أجل إيقاظ سيده نائل حتى يقومون بمهنة التريض في الممشى المجاور للمنزل، منذ أن بلغ نائل سن المعاش وانتهاء الخدمة وهو حريص على رياضة المشي لمدة مائة وعشرون دقيقة كاملة في صحبة الكلب أشعل رفيقه الوحيد في الحياة، بعد هجرة إبنه إلى أستراليا، طقوس اليوم التي تعاد في تكرارها يتشاركها الأثنين نائل وأشعل رياضة المشي مدة زمنية محددة، ثم العودة مرة ثانية إلى المنزل يتكفل نائل بإعداد وجبة الإفطار لكل منهم، ثم يجلسون أمام التلفاز يشاهدون برامج عشوائية غير محددة، في فترة الظهيرة يخلدون إلى نوم يمتد فترة طويلة مئة وثمانون دقيقة، بعد تلك المدة من النوم، يجلسون إلى جوار الهاتف في انتظار مكالمة الإبن الوحيد، ثم حين يحل المساء، يتخذ كل من أشعل ونائل حديقة المنزل مكان مخصص إلى شواء اللحم، وقد يجمع نائل حديث مع أحدى الجيران أو سؤال كل منهم عن الاخر، حين ينتصف الليل، يعود نائل وأشعل إلى الداخل في المنزل   تطفيء الأنوار ويعلن عن فترة جديدة من النوم  يمكث أشعل أسفل فراش نائل يرفض أن ينام في الغرفة المخصصة له، لهذا يهتف له نائل: 

_أنت الوحيد الذي يعلن عن رغبته في المكوث إلى جواري، زوجتي رحلت منذ عشر سنوات، وأبني الوحيد فر من جواري واتخذ بلاد أخرى وطن له، وأنت يا أشعل ترفض أن تغادرني رغم أن من قام على تربيتك هو ولدي، ولكنك رفضت الهجرة معه ورفضت أن تتركني وظللت إلى جواري، حين يحين الأجل ويفرغ العمر يا أشعل حاول قدر المستطاع أن تجعل الجيران يعرفون بأمري، سوف أموت وحيد يا أشعل، لن أجد من يبكي رحيلي، لن أجد من يمد يده حتى يمسح عن قلبي رهبة الموت، سوف أغادر الحياة ولن يشعر أحد 

كان أشعل دائماً ينبح بعد سماع تلك الكلمات كل ليل، نباح خافت ثم ينظر إلى صديقه وسيده، الذي يغلق نور الغرفة ثم يغفو ويشاهد إبنه الوحيد في الاحلام يجلس إلى جواره يحاوره يحدثه يأنس له ويسر قلبه وذاته بحضوره،ولكنها مجرد أحلام أحلام يشاهده في عقله يبثها له عقله الباطن بعد أن أنهكه كثرة الاشتياق له وأوجعه عدم اكتراث إبنه بهذا الأمر جحود الأبناء وتحجر مشاعرهم جريمة لا يعاقب عليها القانون، فرار الأبناء من حياة الآباء في الكبر وفي لحظات الضعف خيانة لهم بعد أن ضاعت قوتهم وشبابهم في تربية النشء،

نباح أشعل في هذا الصباح أمتد إلى وقت طويل، ذلك أن نائل لم يكن يرغب في التريض في هذا اليوم، شعور الكآبة كان يسيطر عليه ممزوج الخمول واليأس أيضاً، حاول أن يخبر أشعل بتلك الكلمات ولكن الكلب رفض كلمات سيده، جذبه من ملابسه عدة مرات و نائل يرفض النهوض رغم عينيه المفتوحتين، لهذا قفز أشعل فوق الفراش ثم قام بلعق نائل بلسانه على وجهه مما دفع نائل أن يقول: 

_لم أعد ارغب في السير يا أشعل، قدمي لا تريد أن تنتقل بي خطوة أخرى، لدي رغبة عارمة في البقاء في الفراش إلى النهاية، لماذا تأخرت النهاية؟ لقد مللت من الحياة وتعبت من الأنتظار، لم أعد اقوى على التحمل، الحياة قاسية، شاقة متعبة لا فرح ولا راحة بها، كل ما يحيط بنا أنا وأنت من رفاهية يؤلم قلبي، يرهق ذاتي  هل تعلم لماذا ترهق ذاتي تلك الرفاهية يا أشعل؟ لأن هذا المنزل الذي يقطن في الحي الثري الذي لا يسكنه الإ صفوة المجتمع من قام على شراءه هو ولدي، والأموال التي تضخ لنا من الخارج ونعيش بها أنا وأنت هي أموال ولدي، أنها الأموال التي يظن وحيدي أنها تغني عنه، أنها الأموال التي يظن بها ولدي إنه سدد فاتورة تربيتي له بها، أنها أموال ملعونة يا أشعل، تلك التي تجعل قلب ولدي  لا يشعر بالذنب تجاه والده، ولا يشعر بالواجب الذي عليه أن يقوم به، هل تعلم يا أشعل أن كل ما أريده في هذا الكون هو لقاء واحد فقط يجمعنى به؟ أجل هو لقاء واحد فقط اي كانت المدة التي يحددها هو، ستون دقيقة كانت أو مئة وثمانون دقيقة، كل ما أريده أن أعانقه واضمه إلى جسدي، أن المس بيدي وجهه، أصافح بيده يدي، وبعد هذا فلينتهي العمر، أجل يا أشعل هذا هو كل ما أريده كل ما أتمناه في هذا العالم، ليت صغيري يعلم أن ما يحيط بي هو جحيم ونار تلظى وليس رغد عيش، لكم رغبت أن أجلس في زقاق أو خيمة بأوتاد ويكون رفيقي هو، ليته يعلم أن مالي الذي قمت على إدخاه في الحياة كان هو ولكن المال فر إلى بلاد غريبه،وتركني مفلس بلا دفء يأمن لي الآم الوحدة والكبر التي أعيش بهم ليت ليت 

اتجه أشعل إلى الهاتف أمسك به ثم وضعه في يد نائل مما دفع نائل أن يقول: 

_هل ترى أن أخبر ولدي بهذا الأمر؟ 

صوت نباح أشعل الذي يمتلأ سرور جعل نائل يدرك أن هذا هو ما يقصده الكلب،ولكنه تابع وهو يضع الهاتف جانباً: 

_لقد قمت على أخباره بهذا الأمر ألف مرة من قبل، لا فائدة من الكلمات فهي لا تصل إلى قلبه، وهو لن يعود لي، يكتفى بمكالمة في نهاية اليوم، يظن إنه أدى كل فرائضه وبر والده وكسا وجهي نعم من كلمات عبر الاثير تحمل عبارات كيف الحال؟ هل أنت بخير؟ هل أشعل بخير؟ أحرص على تناول وجباتك كاملة؟ هل تصل لك الأموال في ميعادها المحدد؟ إذا لمست اي سؤء أو تأخر في معاملة البنك عليك أن تخبرني بهذا؟ سوف أقوم على نقل حسابك إلى بنك آخر في خلال لحظات، ليس عليك أن تقلق أو تنزعج بهذا الشأن، 

هذا الولد الصغير لماذا لا يسأل عن ما يدور في عقلي تجاه؟ لماذا يرفض أن يسأل؟ هل ينقصك شيء؟ هل تفتقد شخص ما؟ هل أنت بحاجة لي؟ لماذا يبتعد عن الأسئلة الهامة التي تدور في عقل كهل مثلي؟ لماذا لا يسألني؟  هل انت راض عني؟ لماذا لا يريد أن يعرف إجابة السؤال؟ أو عساه يعرف ويتجاهل الأمر، هو فقط يعرض مزايا رفاهية الوضع الذي يقوم على تقديمه لي، ويرفض أن يبرز هذا الفراغ الذي أحيا به، ألم أخبرك يا أشعل أن نقود ولدي ملعونة؟ نقود جعلت عقل وقلبي ولدي ينسى أن يمتلك في الحياة أب،لقد ظللت إلى اللحظة الأخيرة إلى جوار ولدي، أسقيه بيدي الماء  واطعمه الزاد وأقرأ له، ءامنت روعاته لحظة الموت، وكنت احتضنه بكلتا يدي، في منزلنا القديم في أقصى صعيد مصر، ورحل عن هذا العالم وهو يردد الدعاء لي، لم أكن عاق حتى يرتد لي هذا الفعل، لم أقسو على ولدي يوماً، لم أكن شقي ولم أرتكب جرم أعاقب عليه بهذا الفعل، لماذا أتذوق مرارة جحود صغيري؟ لماذا أتجرع مرارة الحياة في نهاية العمر؟ وأنت يا أشعل لماذا تركك ولدي؟ ألم تكن اعز ما يملكه هو؟ الحياة لها بريق مال وذهب ومناصب وصغيري لهث وراء بهرج الحياة، أنا أخشى عليه كثير يا أشعل، سوف يرتد له الفعل، سوف يقتنص منه ولده ما فعله بي، سوف يعاني من جحود مارت وكارلا، لقد ولد له أبناء في بلاد غريبة لن يشعر بطعم الحنان معهم ولن يشعر بدفء الأبناء في الكبر، اخشي على ولدي من هول ما سوف يشاهده في المستقبل؟ لن يتحمل ولدي صقيع الايام في الكبر، لن يتحمل صغيري العجز والوهن والشيب، سوف يلقون به في بيوت العجزة، سوف يلقونه إلى غرباء يحددون له خطواته في أي اتجاه عليها أن تسير،وسوف يدسون له الأقراص المخدرة بجرعات زائدة  رأفه به، حتى لا يتحدث كثير عن أولاده وسوف يذكرني كثير في تلك الأيام ويطلب العفو، سوف يتذكر يوماً رزقت به واقمت سبع ليال أفراح، سوف يذكر يوم انتابته الحمى وسهرت أنا ووالدته نسأل الله العافية له، سوف يذكر يوماً كيف كنت أشرح له كل ما هو صعب في دراسته؟ ويذكر أيضاً حصوله على الشهادات والدرجات المميزة والهدايا والمنح التي كنت اقدمها له من سيارة من طراز حديث حتى يكون هو المميز بين أقرانه، وسوف يذكر أخيراً خدعته لي، تلك الخدعة التي أخبرني عنها وهو يزعم احتياجه إلى المال من أجل مشروع ما، فقمت على بيع ورث والدي واعطيته له كاملاً فأنهى أوراقه أغترابه وجهز أوراق هجرته وغادر، وتحدث لي من هناك من بلاد الثلج، من بلاد تكتظ بناس من مختلف بقاع الأرض، 

لقد اختار أن يكون فرد آخر في مكان لا ينتمي هو له، اي مستقبل هذا يا أشعل الذي يتحدث عنه؟ وأي نجاح هذا الذي يتحقق  وأنت بعيد عن ذويك وبلادك؟ 

، من على بعد ألف ميل وميل أخبرني أنه قد  شق طريقه في النصف الآخر من الكرة الأرضية، ولم أملك إلا البكاء والنحيب والعويل، و

كان وليدي يخبرني بخبر وفاته، لقد تلقيت صفعة قاسية منه، لقد تلقيت رصاصة غادرة جراء فعلته، تلقيت الذل والهوان ولا أمتلك غير  قلة الحيلة والرضوخ إلى الأمر، 

كيف تحجر قلب صغيري بتلك القوة؟ من أين ءاتته كل تلك القسوة؟ من أين حصل على تلك الأشواك التي كسا به قلبه ومشاعره وجوارحه؟ كيف تبدل صغيري وأين ومتى؟ كان لا يزال بين يدي يتنقل، فكيف تمرد على كل هذا الدفء؟ ولماذا اختار لي هذا المصير؟ لماذا لم يتذكر يوماً واحداً كان يتكيء على؟ 

 

 كيف له أن يفعل هذا بي؟ لماذا لم ينتظر حين أموت؟ ويفر هارباً مني؟ لماذا فر مني وأنا على قيد الحياة؟ كان قلبي له ظل ويدي سخاء وعقلي يوافق على أفكاره يؤيدها  يباركها  يذللها إن يوماً واجهت الصعب، لقد رد لي حناني عليه قسوة، وخوفي عليه سدده لي هلع، لماذا يفعل هذا بنا الأبناء؟ 

لماذا يتجاهلون وجودنا على قيد الحياة؟ لماذا لا يمتلكون وفاءك أنت يا أشعل؟ لماذا لا يعلمون حاجتنا لهم؟ 

 ليت صغيري يعلم كم من العذاب تحملت في غيابه؟ ليته يعلم أن كل لحظة في بعاده هو موت أعيشه  

لا ريب أن كلامي أزعجك يا أشعل، تحدثت اليوم كثيراً، هيا بنا إلى التريض والسير على الأقدام، خير لنا من المكوث هنا بين الجدران الباردة

--

في الطريق العودة من رحلة التريض اليومية كان إحدى الجيران يقف عند باب منزل نائل، كان يحمل بعض الصحف والورد اقتطفه من حديقته، قال وهو يضع الورد في يد نائل: 

_سيد نائل أنا عفت جارك هنا 

هتف نائل في صوت به الترحيب: 

_أهلا بك استاذ عفت أعلم جيداً أنك من تجاورني في السكن 

مد الجار يده إلى نائل بالورد ثم تابع: 

_الصحف تنشر أخبار عن مجرم هارب لقد توصلت آخر المعلومات أنه في مكان قريب جداً من هنا، وجئت حتى أقوم على تحذيرك وأبلغت كل الجيران بهذا الأمر، أنا أعلم جيداً أن القاطنين هنا الكثير منهم وحيدون مثلي لهذا استولى القلق والخوف على جوارحي واردت تنبيه الجميع 

هتف نائل في صوت يحمل الكثير من الأمتنان: 

_أشكرك كثيراً، لماذا لا تتفضل وتتناول معي كوب من الشاي؟ 

ربت عفت على رأس أشعل الذي أصدر صوت  نباح في لطف ثم قال: 

_ في المرات القادمة سوف أقوم على تناول الشاي معك، ولكن اعتذر منك لم تنتهى رحلة تنبيه الجيران بعد 

دلف نائل إلى منزله، أغلق الباب جيداً، تناول وجبة الإفطار هو واشعل ثم قاما على إشعال زر التلفاز وأستمعا إلى صوت سيارة الشرطة تمر في الجوار مما دفع نائل أن يقول: 

_ربما تشهد الليلة صوت صخب ومطاردة في الحي الهادئ

رفع أشعل رأسه نظر إلى نائل ثم فرد قوائمة على الأرض  علامة خمول مما دفع نائل أن يقول: 

_لقد أكثرت من وجبة الإفطار، قطع اللحم كان بها دهون ثمينة 

 أشعل هز ذيله ورفع رأسه ألقى نظرة عبر النافذة ثم استقر عند قدم رفيقه 

 

انتظر نائل كثيراً أن يرن الهاتف بمكالمة من ولده ولكن الانتظار لم يؤتي ثماره، مما دفع نائل أن يقوم على إصدار أمر إلى أشعل أن يأ وى كل منهم إلى النوم مبكراً، أمتثل أشعل إلى الأمر، واستقر عند الفراش، ولكن عيناه رفضت النوم، كان يزمجر في صوت قلق وهو يجول برأسه من خلف  النافذة المغلقة 

في الليل كانت هناك خطوات غريبة غير شريفة تجول في الجوار والكلب يستنشق رائحة الغدر تفوح في المكان، هب مذعوراً من عند فراش سيده، وركض إلى الخارج يملأ الحياة نباح، لقد شاهد في جوف الليل أقدام تتسلل إلى المنزل، ركض أشعل إلى حيث تسللت الخطوات، كانت قد وجدت في الباب الخلفي للمطبخ لها ملاذ، بعد أن تم فتح الباب بواسطة آلة حادة، ووجد من سكون البيت غنيمة أن يلبث به إلى أن يحل الظلام،ولكن أشعل في المنزل يقظ، نباح الكلب أيقظ نائل  نباح مستمر يستجدى كل من يحيط به أن ينضم له حتى يكتشف أمره، نهض نائل من فراشه هبط مسرعاً إلى حيث يقف أشعل  في ظلام المطبخ، وهو يقول: 

_ما الأمر؟ وما سر كل هذا الضجيج؟ 

أشعل نائل زر إضاءة المطبخ ثم قال و هو ينظر في المكان: 

_هل أنت جائع؟ 

تحرك أشعل في سرعة إلى حيث الثلاجة ثم مد قوائمه الأمامية يحاول أن يقتص من المختبيء خلفها، تحرك المجرم وهو يسب ويلعن الكلب: 

_أيها الملعون 

ثم نظر إلى نائل في نظرت تهديد قفز إلى خلفه وهو يقول: 

_أوقف نباح كلبك الملعون،و الإ سوف اقتلك انت وهو 

استدار نائل إلى المجرم وهو يقول: 

_هل تظن اني لقمة سائغة؟ لا تظن أن بي من الضعف سوف أخضع لك، سوف أقوم على تقديمك إلى الشرطة 

دفع المجرم نائل بقوة إلى الأرض وهو يقول: 

_أنت أيضا عجوز ملعون مثل صاحبك

ثم رفع المسدس عالياً وهو يقول: 

_المسدس كاتم للصوت سوف أنهى امرك ولن يشعر بك أحد 

نهض نائل من مكانه ونباح الكلب يتردد في المكان، وقف في مواجهة المجرم وهو يقول: 

_لقد أزهقت روح قبل أن تتسلل إلى منزلي، الشرطة تبحث عنك، وأنا لن اتركك، سوف أقوم على تقديمك إلى العدالة 

 

تشابك كل من المجرم واشعل ونائل، أشعل عقر المجرم مما دفعه أن يصوب مسدسه في إتجاه وهو يضغط على الزناد قائلاً: 

_هذا ليس منزل إنه فخ أكيد، كلب ملعون وجب ق"تله 

يد نائل دفعت المجرم بعيد عن أشعل مما جعل المجرم يطلق عدة رصاصات بعد أن كان قد ضغط بالفعل على الزناد،طارت رصاصة في الهواء وأخرى استقرت في قلب نائل سقط أرضا ً مما دفع أشعل أن يقفز على وجه المجرم، نبش باظافره في وجهه،ثم عقره عدة مرات في قدمه، استقر بجسده أعلى المجرم وهو لا يتوقف عن عقره في صدره ووجهه وجانبه، هتف نائل بصوت منخفض: 

_أشعل 

قفز الكلب بعد أن تأكد من مفارقة المجرم إلى الحياة، نظر إلى صديقه ثم انطلق إلى الخارج ينبش بيده أبواب الجيران ويطلق نباح استغاثة، كان عفت لا يزال في جولة تنبيه الجيران، وحين شاهد أشعل الذي ينبش أبواب الجيران في لهفة يطلب عون وغيث، أدرك أن أمر سيء حدث إلى جاره، انطلق يركض إلى منزل نائل، شاهد كل منهم ملقى في أرض المطبخ، أشار له نائل بيد واهنة مما دفع عفت أن يقوم 

 على الاتصال بالأسعاف والشرطة، الشرطة أستلمت جثة المجرم، تم نقل نائل إلى المشفى، لبث بها ثلاث أيام، لم يغادر أشعل رفيقه ولم يستطع الأطباء منعه، استسلم الجميع إلى أن الرجل العجوز بحاجة إلى رفيقه في نهاية ساعاته في الحياة، وفي يوم الوفاة حضر جميع  الجيران قاموا على توديع الجار الطيب إلى مثواه الأخير مع صوت الهاتف الذي كان يرن في استماتة وهو يبحث عن ما يجيب نداءه ولكن بلا فائدة، تم دفن نائل غادر الجميع ولكن أشعل ظل على قبر صديقه لم يغادره منذ هذا اليوم

 


يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية حارس للمقبرة لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة