رواية جديدة حارس المقبرة لهالة محمد الجمسي - الفصل 25
رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة
هالة محمد الجمسي
رواية حارس المقبرة
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الخامس والعشرون
ألقى حارس المقبرة نظرة على النجوم في السماء كانت قد بدأت رحلتها في التلاشي وكاد الليل أن يرحل فقال وهو ينظر إلى أسعد:
_تحدثت هذا الليل كثير بعد صمت سنوات
أبتسم أسعد ثم قال:
_لم أكن أظن أن التآلف سوف يكون بيننا دخولي الى أرض المقابر صدفة أعجب من الخيال ولقائي بك كان شيء
مميز رغم غرابته مجرد ساعات جعلتك إنسان قريب جداً من ذاتي، ربما لو التقينا في مكان آخر لم نكن نتبادل حرف واحد
أعقب حارس المقبرة وهو ينظر إلى أسعد:
_أجل
قال أسعد وهو ينظر في حذر إلى حارس المقبرة:
_ما سر عزوفك عن الحياة؟ لماذا هجرت عالم الأحياء واتخذت تلك المقابر سكن لك؟ منذ متى أنت هنا؟ وكيف استطعت أن تتحمل الوحشة والظلام؟
قال حارس المقبرة وهو ينظر إلى القبر الذي يجلس إلى جواره:
_أنت تريد أن تعرف عن رفيق الليلة يا أسعد أليس كذلك؟ لقد ملأت الأسئلة عقلك وشغلتك عن أشياء أخرى، كنت تريد الفرار من هنا، الآن أصبحت تريد أن تعرف ما شأن حارس المقبرة؟
هتف أسعد وهو يهز رأسه علامة الموافقة:
_ما شأن حارس المقبرة؟ ما أسم حارس المقبرة؟
قال حارس المقبرة وهو يلمس بيده القبر:
_أنا أبا عبد الله، وأسمي أيضاً هو عبد الله
هتف أسعد في عدم تصديق:
_ولماذا تسكن هنا؟ لماذا اتخذت وظيفة حراسة المقابر؟
قال الحارس وهو ينظر إلى الطريق:
_تطيب الحياة إلى جوار الأحبة وحين يهجر الأحبة تصبح الحياة بلا طعم ولا لون، وجدت في الحياة هنا سلام إلى ذاتي وسكينة الى نفسي
قال أسعد وهو ينظر إلى تعابير وجهه:
_ولم تشتاق أبداً إلى الدنيا وملذاتها؟
هتف حارس المقبرة وهو ينظر إلى أسعد:
_حين يزهد العبد في الدنيا تركض له ولكن ذاته قد عافتها لا فائدة ترجوه من العودة إلى الخلف
صمت ساد بينهم ثم قال حارس المقبرة:
_لقد أعطتك الأرض بعض من أسرارها، سمحت لك بالبقاء هنا ولا أعرف لماذا؟ سوف تظل هناك اسئلة في العالم بلا إجابة مثل هذا الدافع الذي يحدثني أن أسرد عليك أمري وأشعر بحاجتي إلى أن تعرف من هو عبد الله
قال أسعد وهو ينظر إلى الحارس في إهتمام:
_عبد الله حارس المقبرة
قال حارس المقبرة وهو يدق بالعصا الخشبية على الرمل:
_انصت يا أسعد إلى حياة عبد الله قبل أن يسكن أرض الموت، أنصت إلى عالم عبد الله قبل أن يختار أن يعتزل البشر والكون يا من جئت إلى هنا لا تقودك قدماك بل يقودك قدر أراد أن يكن إلى عبدالله ونيس ورفيق ليلة
أستمع إلى قصة عبد الله
❈-❈-❈
كان أبي يمتلك منزل وزوجة وأبن، لم يكن يمتلك سوى قوت يومه يخرج من الصباح يطلب رزق حلال ويعود في المساء لنا بخبز وما تيسر له من طعام، كانت كلمة الشكر لسان حالنا أنا وأبي وأمي، فلم يكن ينقصنا شيء جدران تأوينا ولقمات تسد الجوع وسعادة وراحة بال وكنا نحسب ذاتنا من الأغنياء، نمتلك السعادة فهل بعد هذا الغنى أمر؟ حين نضجت وشببت عن مرحلة الصبا والطفولة أمسك أبي بيدي وخرجت معه إلى العالم الخارجي حتى أشتغل وأعمل وأكد بيدي وأحصل على مال حلال وأضيف إلى خبراتي في الحياة تجارب وانضم إلى مصنع الرجال، حملت الطوب والرمل فأشتد ساعداي، وحملت الحديد أطنان فقوي قلبي وبنيت عزيمتي كنت أرافق والدي في الصباح وأعود في المساء فقوي قلبي ولم يعد يهاب أو يخاف كلب ضال يلقى نباحه على أو أهاب لص فقد بصيرته ولوح بسكينه يريد أن يحصل على ما بي من مال، تعلمت الكثير في الحياة، تعلمت كيف اجتاز الصعاب؟ وكيف أقوى بعد الصدمات؟ أول صدمة نلت منها هي وفاة والدي وهو في أرض البناء والعمل، إرادة الله نفذت وليس لي سلطان عدت به الى منزلنا وانتحبت أمي وغسلت جسده وقمت على تكفينه وورايت وجهه الثرى، ودعوت الله أن أكون له دعوة صادقة ويجازيه خير جزاء عن كل خير علمني إياه، وعدت إلى أمي التمس منها عزم وقوى أنا في أمس وأشد حاجة إليها ولكن أمي كانت قد أوشكت هي الأخرى على الرحيل لقد نال منها الحزن ما نال، ولم تعد ترغب في الحياة، نخر الحزن نياط القلب وتملك منها وفاضت روحها العطره إلى الخالق بعد رحيل والدي بخمسة عشر يوماً وانا قد انهكني الحزن والألم كادت قواي تخور بعد أن شمل حياتي الصمت وأصبح الفراغ يعشش أرجاء المنزل، ولولا إمام جامع أراد الله أن يكون لي عون وسند رافق ألمي حتى برأ، وعلمني من القرآن والفقة والسنن، ما أستطعت به أن امضي في حياتي
وخطواتي ضعيفة لا يجاورها سند، فأختار لي إمام الجامع زوجة صالحة اختار لي إبنته وكان الأمر مثل ليلة القدر فاطمة هي ريحانة العمر التي ملئت البيت بهجة وسند فاطمة هي من اوقدت في المنزل سراج منير بعد أن كان الظلام يعشش به والوحدة تزمجر فيه،
كانت فاطمة هي عمري ورزقي من الحب وكل ما أريده في الحياة، مرت عدة أعوام ربما كانت سنوات خمس واشتاقت في إلى الأطفال والبنون وكانت تبكي مخافة أن تكون عقيم ولم تجرؤ أن تطلب مني أن نذهب الى طبيب فحملت أحزانها إلى أبيها وقصت عليه أمر الهم الذي يقضي على المسرات في عالمها، ذبلت فاطمة ونحف جسدها ولم تعد تريد من الحياة سوى أن ترزق بطفل يكون وتد خيمتنا وأكثر ما كان يؤرق قلبها الحنون أن تكون هي سبب عدم الانجاب أستمع والدها لها ثم طمأن فؤادها وطلب مني أن أطرق باب الطب لعل بعض الأدوية تعجل لنا بحمل وذهبت الى طبيب وأثنان وثلاث والكلمات
على لسان كل طبيب لا تتغير أو تتبدل
لا يوجد عائق إلى الحمل، ولم يكن هذا الأمر يريح بال فاطمة بل يزيده خوف وقلق
وكان امر فاطمة يشغل والدها أما أنا فلقد أقسمت لها ألف مرة أن قد اكتفيت بها عائلة ولا حاجة لي إلى غيرها ولكن غريزة الأمومة في طيات أحشاء زوجتي لم تهدأ ولم تقتنع توقها إلى طفلة أو صبي جعل الجسد في هزال فما كان من والدها الا أن أحضر لنا في المنزل ناقة قد أوفت الفطام للتو، وتركها في المنزل تأكل وترتع إلى أن بلغت من أمرها رشد فذبحها ووزع كل لحمها على الفقراء والمساكين وبحث عن من يفترشون الأرض والأيتام وكل صاحب عسر،وهو يردد:
_اللهم أعط فاطمة ما تريد سبحانك لا تريد يد عبد امتدت لك
واستجاب الله إلى دعاء فاطمة ووالداها وأعطاني عبد الله ولد
أطلقت عليه فاطمة هذا الأسم محبة وتيمنا بي وحتى يتعلق قلبي به أكثر من تعلقي بها، وتبدلت كثيراً الأحوال
في المنزل بعد أن كان هاديء ساكناً أصبح يضج بالفرح وبعد أن كان حال الجمود يسيطر عليه أصبحت الحياة تدب بين جدرانه دب، كان حماي يحمل صغيري على كتفه وكأن حياته عادت له يلهو معه ويصطحبة ذهاب وإياب والكون لا يسعه من السرور، يردد لي أن عبد الله الصغير هو إبن له
قد رزقه به الله
في آخر مراحل العمر
وأنا شعرت بطاقة من نور تتدفق داخلي، عمراً آخر يضاف لي،
سعادة تنبعث من كياني وروحي فتعم
على كل ركن من حياتي سرور وفرح
أحلام وأماني مجسده قد ءاتت في مواكب وقوافل في يد عبد الله تجارة رابحة هو ونعم الابن الصالح كان وليدي خير من أبصرته في هذا الكون، قطعة مني اشاهدها أمام بصري تنظر لي تبتسم تمد يدها لي، وليدي كان بشوش تقياً يحب العلم وبار بي وبوالدته، كنت أدخره إلى شيخوختي حتى أستند عليه ولكن صغيري رحل دون تعب أو ألم في عمر الرابعة عشر، وكادت الصدمة تطير عقولنا
والمفاجأة تلجم لساننا من هول ما حدث، رحل عبد الله بعد صلاة الفجر بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً رحل سراج البيت رحل الزاد والفرح رحل أيقونة البيت، لم تبكي زوجتي ظنت أنها في حلم سوف تستيقظ منه بعد قليل، لهذا كانت كل صلاة تقوم بالنداء عليه فيرد بكائي أنا وجده وهي في حيرة من أمرنا ولسان حالها يردد:
_عجباً لماذا يبكي أباك وجدك يا عبدالله؟ الٱ يشاهدنك وأنت تأم والدتك في الصلاة؟
وكان لساننا أنا ووالدها لا يكف عن أن نطلب لها السلامة من نوبات هلاوس العقل وكانت فاطمة ترد بثقة وثبات أن عبد الله أمام بصرها حي يرزق وأنه يطلب منها ويوصيها أن لا تترك فرض الله
وكان بكاء حماي على أبنته أشد مرارة ويأس وحسرة وخوف، لقد ذهب عقل زوجتي فلم تعد تعي أن وليدها قد رحل ولم تعترف بهذا الأمر، الله رحيم بها لحقت بوليدها بعد خمسة وسبعون يوماً داهمتها الحمى ثلاث ليال متصلة لم يجد لها من الدواء شفاء
ولم يهدأ جسدها من حرارته فرحلت وهي
تردد الاستغفار وتطلب من الله العفو
❈-❈-❈
وكاد قلبي أن يفرغ من مكانه، كاد العقل يطير صوابه ها هي زوجتي تلحق بابني وتتركني أتخبط في
ذلاتي، فقدت عائلتي ولم يعد لي ونيس ولا رفيق يعينني على هم أيامي، واتخذت والد زوجتي صديق لي اشكو له، وحاله لا يختلف عن حالي
كان الرجل يستمع ويكتم شكواه، ونصحني بالصبر، وطاقة الصبر تحتاج إلى قوة وعزم، رحل هو أيضاً قبل أن يمضي على وفاة إبنته تسع وثمانين يوم، رحل وهو يدعو الله لي أن يكتب لي في الحياة الخير، وأمرني أن اتخذ زوجة آخرى حتى يطيب لي العيش، ولكن حال ذاتي
كان هو الزهد، لقد زهدت الحياة وانطفيء في داخلي بريق وماتت في جوارحي كل أمور الحياة، هجرت حياة الأحياء وجئت إلى فاطمة جئت إلى عبد الله جئت إلى والدي و والدتي جئت إلى والد زوجتي، اتخذت جوارهم سكن وظل
أردت منهم ونس يعين حالي الذي أضحى لا يريد العيش
سكنت إلى جوار الأحبة أبتغي سلاماً إلى روحي الجريحة، وعلمت وأيقنت منذ اليوم الأول أن أرض المقابر لها حرمات وكان ردائي سنوات وسنوات هو الصمت
إلى أن جئت أنت يا أسعد ففكت عن الكلام الأسر لقد علمت من سر حارسها ولك أن تعلم الآن أن حاجتي إلى ولدي وزوجتي وعائلتي كبيرة واشتياقي لهم بلغ عنان السماء بعد كلماتي تلك
قال أسعد وهو ينظر إلى الحارس في شفقة:
_أعانك الله على هذا الحال
نظر حارس المقبرة إلى أسعد في هدوء ثم وضع يده على القبر الذي يجلس إلى جواره وقال:
_هنا يرقد احبتي، هناك مكان واحد فقط لا يزال فارغ ينتظر مجيء لهم
ثم تابع وهو يبتسم:
_أشعر بحاجتي إلى الرحيل، أشعر بدنو الأجل
هتف أسعد في سرعة وهو يحاول أن يطمئن فؤاد حارس المقبرة:
_كل شيء سوف يكون بخير، أنها فقط مشاعرك قد تأثرت بعد حديثك عنهم
قال حارس المقبرة في هدوء:
_احرص أن أكون إلى جوارهم
وقعت العصا من يد حارس المقبرة، وقال وهو يشير بيده إلى أعلى في وهن:
_رب العباد يتولى أمرهم ليل نهار، رب العباد يتولى أمورهم على سطح الأرض وفي باطنها
لحظات كان أسعد ينظر إلى حارس المقبرة وقد صدمه ما راي، لقد أبصر خروج روح حارس المقبرة، كان يبتسم وهو يغمض عينيه، ولم يجيب نداء أسعد وهو يقول في استماتة:
_يا أبا عبد الله
وحين ساد الصمت في المكان ولم يجيب النداء شاهد أسعد الأطفال يركضون إلى إحدى البوابات قاموا على فتحها والوقوف إلى جوار الباب المفتوح، مما دفع أسعد أن يسير إلى حيث يقف الاطفال، شاهد كان الكفن الأبيض والمسك خلف البوابة وإلى جوارها صنابير مياة،
حمل أسعد جسد حارس المقبرة ثم قام على تغسيلة وتكفينه وصلى عليه، وقام على دفنه في المقبرة وهو يردد:
_سوف افتقدك كثيراً يا صديق العمر، يا صديق تمنيت أن يكون إلى جواري مدى الحياة، ولكن صحبتك الطيبة سوف تكون لي زاد الى اخر العمر، وداعاً يا صديقي لن أمحو ذكراك من أعماقي حتى يفنى العمر
ثم قال وهو ينظر إلى القبور:
_هل هذا هو سبب بقائي هنا؟
توقفت سيارة شهد أمام سيارة أسعد في مواجهه القبور ثم نظرت في كل إتجاه وقالت وهي تبصر أسعد يقف هناك:
_أسعد، أسعد لقد نال مني القلق حين تأخرت، وخشيت أن يكون مكروه قد أصابك فاهتديت أن أبحث في الطريق القادم لنا ربما عثرت عليك وأحمد الله أن هداني لك،وأحمد الله أنك بخير
نظر لها أسعد ثم قال وهو يعبر الطريق لها:
_كل شيء بخير يا زوجتي، فقط تعطلت السيارة وهذا هو سبب التأخير
عبر أسعد المقابر وهو ينظر إلى الخلف، كان أشعل يفرد قوائمه أمام قبر نائل، في حين كان أطفال القبور الزرقاء يسيرون خلفه وكأنهم يحثونه على الخروج من المقابر، ويخبرونه في صمت أن وقت الخروج من المكان قد حان، إلى أن وصل إلى الطريق الآخر، فعاد الأطفال مرة ثانية إلى المقابر واختفوا داخلها
وصل إلى زوجته التي تابعت:
_لا بأس سوف نعود
بسيارتي
ثم قالت وهي تنظر إلى القبور:
_لماذا كنت تقف هناك؟
هتف أسعد في صوت يحمل الكثير من الهدوء:
_كنت أنظر إلى ما خلف القبور ربما وجدت هناك من يقوم على تصليح السيارة كنت ابحث عن حل هناك
قالت شهد وهي تنظر له في حذر:
_ألم يخيفك الظلام؟ وأي شخص كنت ترجى وجوده هناك؟ كان هذا التصرف خطر جداً يا أسعد
هتف أسعد وهو ينظر إلى المقابر:
_كل شيء بخير
قالت شهد وهي تتجه إلى سيارتها:
_هيا بنا
هز أسعد رأسه علامة الموافقة، في حين تابعت شهد:
_يجب أن نسرع والدتي وحيدة وإجراءات العزاء والدفن تنتظرك حتى تنتهى منها
قال أسعد وهو يربت على يد زوجته:
_سوف أتولى كل الأمور، لا داعي إلى القلق لا يزال هناك وقت
ثم نظر إلى المقابر وقال:
_سوف أعود لك كثيراً
نظرت له شهد في دهشة ثم تابعت:
_من تقصد؟ إلى من تتحدث؟
هتف أسعد وهو ينطلق بالسيارة:
_صديق قديم راحل، سوف أحرص على زيارته في الأيام المقبلة
ثم تمتم وهو يستعيد كل كلمات وحكايات الساعات التي مضت:
_وداعاً يا عبدالله، وداعاً يا رفيق الخير والنصح والزاد، وداعاً يا صوت الحكمة وصوت العقل، وداعاً يا خير معلم قضيت معه أفضل دروس في الحياة وداعاً يا صديقي العزيز الوحيد لا شيء يلهم قلبي الصبر سوى أنك إلى جوار أحبتك وداعاً يا حارس المقبرة
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية حارس للمقبرة لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية