رواية جديدة حارس المقبرة لهالة محمد الجمسي - الفصل 13
رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة هالة محمد الجمسي
رواية حارس المقبرة
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الثالث عشر
الليل دائماً يخفي أسرار، كم من خفايا مخبأة في جوفه، وكم من فعل تم وحدث بين طيات ظلامه، والمنازل في الظلام مثل أحجار مظلمة، الصمت الأخرس مثل عجوز يشارك الليل فعل التستر، تحسست نوال مقبض باب المنزل في رفق شديد، ثم تسللت إلى غرفتها مباشرة وهي تستمع إلى أنفاس أمها النائمة في الغرفة المجاورة لها، كانت تشعر بفرحة كبيرة تغمر كيانها، فرحة من حصل أخيراً على شهادة الفوز ووسام التميز بعد ماراثون طويل، ونالت بعد جهد جهيد صك عتق من عبودية الفقر والعوز والحاجة،
إن الاحلام في أحيان كثيرة حلقات تشع ضوء يقترب الحالم منها
في ركض وسعي محموم يمزج كيانه بها، فتعصر روحه وجوارحه وتقبض على أنفاسه بحمم من نار، تلك هي الأحلام التي أعتلت هامتها شوائب السواد وحملت بطانتها كل ما هو كريه،
فردت نوال جسدها على الفراش، تسللت بضع نسمات هواء إلى جسدها، كانت النسمات تحمل حرارة مرتفعه بعض الشيء، وشعرت نوال بوجود جسم ما في غرفتها رغم الظلام، أعتدلت نوال في الفراش، قبل أن تشعل زر الإضاءة، شاهدت قوائم نحيلة ذات حوافر وشعر اشعث، وضعت العنزة السوداء الحجاب الذي يحمل اللون الأحمر في كف نوال، ثم تلاشت وتبخرت من الغرفة، كانت الصدمة هي حال نوال، ولكن لم تكد تمر دقيقة واحدة على تلاشى العنزة حتى تأقلمت نوال على ما حدث، بل وجدت في هذا الحدث أمر مستساغ، السحر يجب أن يكون له شواهد، يجب أن تكون هي أول ما تلمسه، حتى تستطيع أن تمارسه، وما حدث بعد ذلك من ظهور صوت الساحر زند في الغرفة دون ظهور جسده، جعل نوال تقر إلى ذاتها أنها قد أصبحت في معترك التعلم والتلقى وعليها أن تعتاد كل ما هو غير مألوف، صوت الساحر الذي أقر على سمعها أن البداية لم تبدأ بعد،
❈-❈-❈
تزوجت كريمة بنت تفيدة بعد سبعة أيام من أمتلاكها الحجاب الدموي، كانت المرأة تكاد تقفز فرح وهي تقبل ابنتها وهي في طريقها إلى بيت زوجها، وكانت تثني دائماً على نوال بين نساء الحي كله، ولكنها لم تفصح عن ما تم الإ بعد زواج كريمة و أنتقالها إلى الإسكندرية مع الزوج، أطلقت العنان إلى لسانها بين تجمعات النساء تلك التي تبدأ فترة الخامسة بعد طول نهار فترة العصاري، حيث تحلق الجارات بأكواب الشارع في الحي، كل واحدة أمام منزلها، حتى تبدأ جلسة الرصد الاخباري، تلك الفترة التي يلتمسون فيها الراحة من عناء اليوم بعد طبخ وكي وكنس وتنظيف منزل، فلا منفذ لهم بعد البيت سوى أعتاب المنازل، ولا تسلية لهن غير الثرثرة التي تشمل ما تم وقيل وقال، يجدن في الأخبار الجديدة التي حدثت في غفلة منهم، أو أثناء انسغالهن بأمور المنزل، مثل زواج أو طلاق أو مشاجرة، وقد كانت تفيدة في تلك الأيام هي حديث الشارع كله، أم العروسة وما تم في غضون أيام قليلة، زواج في لمح البصر بعد مكوث الفتاة في منزل الأم دون أن يطرق على بابها شاب أو ينظر في وجهها عريس، جاء من طار بها في لمح البصر، ووجدت النساء في هذا الحدث مادة جيدة للكلام، ماذا أحضرت تفيدة من ملابس لأبنتها؟ واثاث منزلها كم هو غالي الثمن؟ والمائدة التي أقيمت في يوم العرس التي أكل وشبع منها كل أهل الحي من عجائز وشيوخ وأطفال،
وظل السؤال بين النسوة، كيف تمت الزيجة بتلك السرعة؟ وقد كانت كلمات تفيدة مختصرة
_نوال تمتلك طاقة جديدة
غير أن النسوة لم يرضي فضولهن هذا التصريح، وحاولت كل واحدة منهم استمالة تفيدة إلى الحديث وفك أسوار البوابة التي تكتم خلفها سرها، ففشلت كثيرات منهن في بداية الأمر الحصول على إجابة، والكثير منهم في سؤاله إلى زوجة الجزار كان يطمح أيضاً في نيل زيجة سريعة إلى بناتهن تحمل الخير مثل زيجة كريمة، رغم الفارق العمري بين كريمة وزوجها ولكن النسوة وجدن في المال عوض عن أي فرق بين كل منهم، وفي نهاية المطاف نجحت أحدى الجارات في صنع حيلة ومكيدة إلى تفيدة حتى تشي بها بسر زيجة كريمة التي تمت في سرعة البرق، فقالت الجارة وهي تلوك أسنانها بعلكة ذات طعم النعناع:
_الناس هنا يتهامسون عن أمر ما، ترددت كثيراً في أن أخبرك به، ولكن للعيش والملح حق، ولحق الجيرة يجب أن أفعل
تفيدة:
_لا يكف الشارع أن الهمس منذ زواج كريمة الغيرة والحقد في قلوبهن،
يطمحون أن ينالوا مثل زوجها هيهات أن يفعلوا
الجارة وهي تنكس رأسها وتدعى الشفقة:
_ولكن هناك أمر لا ينبغي السكوت عنه، الجارات يتحدثن عن :::
صمتت الجارة فجأة، ثم هبطت دمعة مزيفة من عيناها مما دفع تفيدة أن تصرخ بها:
_غن أي شيء يتحدث نساء الحارة؟ وما هذا الذي لا يجب السكوت عنه؟
أجابت الجارة في صوت سريع وهي تحاول أن تجعل عنصر المفاجأة سبب في انطلاق عقدة لسان المرأة
الجارة:
_يقولون أن هناك أمر ما قد تم بين كريمة والرجل لهذا كانت تلك الزيجة السريعة، تعلمين الخوض في الأعراض سهل التشدق به ويجب أن تسد تلك الأفواه
تفيدة:
_قطعت السنتهم، أبنتي كريمة شريفة وأشرف من ألسنتهم القذرة، أنها ذات درة وضوء ولها على القلوب طلة وتحمل كل القلوب حبها
همست الجارة في أذن تفيدة وهي تدعى النصح:
_أنا أعرف هذا تمام المعرفة، ولكن ماذا عن باقي نساء الحارة؟ يجب أن تسد أفواههم
أطرقت تفيدة دقيقة تفكر في الأمر، ثم قالت في صوت مرتفع بعض الشيء:
_هي كرامات نوال
لم تفهم الجارة أولاً كلمات تفيدة ثم سألت في حيرة:
_كرامات نوال بنت فوقية!
تمتمت تفيدة وهي تشعر بالضيق فلقد وقعت في المصيدة ولا تستطيع أن تخرج منها، ليس هذا وقت الكتمان والخوف من تعنيف النساء لها انها نالت عريس وأتممت زيجة بواسطة جلب وقرط محبة أو حجاب مودة وجذب، عليها أن تخرس الألسنة، وتضع على فوهة البركان قوة حتى تخمد نيران الكلمات التي تنال من شرف وعرض أبنتها في الخفاء، لقد فات وقت الصمت وانطلقت منها الحقيقة مثل فوران مياة :
_أجل أنها تصنع أحجبة جلب ومودة
❈-❈-❈
بعد كلمات تفيدة تغيرت نساء الحي والاحياء المجاورة، لقد كانت كلمات زوجة الجزار هي شرارة البدء في خيال كل حالمة منهم، الجميع كان ينظر إلى تفيدة وأبنتها مثال إلى إمكانية الصعود إلى المطلوب، الجميع كان ينظر لها انها التجربة الأولى التي نجحت وبرعت، بعض العقول رغم نيلها قسط متوسط من العلم، لكنها تميل إلى السير في الطريق الغير سريع، حتى إذا كان هذا الطريق هو طريق الشعو**ذة، طرقت عدة نساء باب نوال، ليس من أجل قراءة فنجان مثل السابق، ومعرفة ما بالفنجان من رسومات، لقد كانت الطرقات تلك الأيام طرقات توسل حتى تتحقق الأماني، والأحلام المؤجلة أو الاحلام التي لم يحن لها الوقت بعد، والجميع يريد أن يتشبث بمقدار ما من العطاء، يريد أن يظفر بمنحة نوال، الحجاب الدموي، حجاب نوال، جاءت الكثير من النساء إلى نوال يطلبون الحجاب، والأم فوقية في حيرة ودهشة وتعجب من أمر تلك الوفود التي ملئت الصالة الضيقة، بل لقد ركن البعض منهم إلى سلالم المنزل في أنتظار أن يفسح لأحدهم قدم وتلج إلى داخل منزل نوال، والأم تنظر إلى أبنتها وعيناها بها من نهم السؤال ما يكاد يقتل كيانها ويدمره، ونوال تتجاهل نظرة الأم، أبداً لن تنطفيء نيران الأم، التي اختلطت مشاعرها بين الفرحة والخوف، إنه ذلك الخوف من تطور الأمور خاصةً أن العجوز لا تعرف كيف أنقلب الحال بين ليلة وضحاها بتلك الصورة، هل هي صدفة سرعة زواج كريمة بنت الجزار تلك التي جعلت الجميع يقصدون بيت المرأتين؟ وهم يظنون أن نوال هي من جعلت الأمور تتم بهذا الوضع، هذا يعني أن الأمر سوف يكون مجرد زوبعة في فنجان، سوف تأخذ تلك الحشود بعض الوقت في الركض خلف نوال إلى حين تنجلي الخدعة مع اصطدامهم بأمر آخر لن يساعد الحظ به نوال، وفي هذا الوقت سوف تتمزق صورة نوال وفوقية أيضاً في أعين الجميع، هل هذا هو ما تخطط له نوال؟ عدة أيام تجمع بها ما تقدر عليه من أموال ثم يفرون من الشارع، ولكن ما تقوم به نوال لا يعطي هذا التفسير، أنها تستمع في وضوح إلى صاحبة كل مشكلة على حدى، وتعطيها فترة من الوقت مدة زمنية مقررة حتى تنهى لها حجابها، والأموال مؤجل دفعها إلى حين تجهيز الأحجبة، ونوال ترفض أن تفصح إلى الأم أي أمر أو إيضاح، وهذا ما جعل الأم تلمس بعين اليقين أن نوال تخفى أمر ما، أمر ليس جيد، والإ فلماذا تخفي هذا الأمر؟ لماذا لم تعلنه في وضوح إلى أمها ؟ لأن الأم سوف ترفض هذا الشأن، بل سوف تحاول أن تمنع ابنتها عنه، ولكن ما الذي تفعله نوال وتجهله فوقيه؟ فوقيه تبصر مقابلات نوال مع النساء، لا شيء بها كلمات وثرثرة، نوال لا تقدم على فعل شيء سوى الاستماع وأعطاء مبشرات أن كل شيء سوف ينفذ لهن، أي كانت طموحتهن، كل شيء سوف يتم، لهذا وجدت الأم في هذا الأمر حيرة، فهي لا تستطيع أن تلمس أي تغيير في تصرفات الإبنة، بل التغيير الوحيد الذي لمسته هو فقط الاستغناء عن البن والفنجان، الإبنة تقضي نهارها في معترك أمور النساء وفي المساء تنام بعد جهد وعناء، تنام في غرفتها إلى أن تقوم فوقيه على إيقاظها في تمام السادسة صباحاً، مع بدء توافد النساء إلى المنزل،
ولكن ما خفى عن فوقيه هو ساعات الليل، تلك الساعات التي تنام هي بها مجهدة وتظن أن الإبنة تفعل هذا الأمر، ما يحدث في جنح الليل و ظلامه هو إجابة سؤال فوقيه الذي لم تحصل عليه، إنها الفترة التي تغفو بها الأم بعد تعب وكد من متابعة أمور النساء مع الإبنة هي أيضاً تستمع، هي أيضاً تصاب بالصداع من كثرة الكلمات، ويرق قلبها لهذة وتلك وذاك، شكاوى النساء تجعل القلب يحزن، والحزن به طاقة من إجهاد البدن، وخاصة النفوس الكبيرة التي شاخت وهي تحمل هموم الجارات، قلب فوقيه يجزع مع كل دمعة تذرفها إحدى النساء، ويخشع وهي تشاهد عجز وقلة حيلة الجارات، لهذا في المساء حين تضع رأسها الذي أمتلأ ضجيج من الآم الآخرين، تغط في نوم يطلب راحة وبعض العافية حتى يستطيع مواصلة معارك الغد، يلتقط الأنفاس حتى يأخذ بعض من طاقة يواصل بها أمور الغد، لم تشعر بأقدام نوال وهي تسير في هدوء وثقة إلى الخارج، لقد حان وقت مقابلة زند الساحر، عليها أن تذهب في عتمة الليل حتى تكمل ما بدأته منذ أيام، عليها أن تنفذ العهد الذي بينهم
العنزات السوداء اللون استقبلت نوال منذ أول الطريق، كانت تقافزها إلى جوار نوال هو بمثابة استقبال وترحيب بها، لم تندهش نوال من الأمر، ولكنها لاحظت أن عيون العنزات تبدو مثل كتل من نار، شديدة الإحمرار، تبرقان وتعطي ضوء متوهج في الطريق، وحوافر الاقدام أيضاً تصطك بالأرض محدثة جلبة و شرر، رغم أن العنزات لا يصدرن مواء، ولكن نوال استمعت في وضوح إلى صوت همهمات مكتومة، لم تشك لحظة أنها تبدو مثل حديث بين العنزات بعضهم بعض، فور أن دلفت إلى البوابة، حتى توقفت العنزات فجأة وصمتت الهمهمات، شاهدت نوال عظام منثورة أمام أقدامها، العظام ممتدة منذ بداية البوابة وتنتهى إلى حيث غرفة الساحر زند، الذي يقف في هدوء وثقة أمام غرفته ينتظر قدومها دون أن ينبس بكلمة واحدة، سارت نوال على العظام فهي قد فهمت وأدركت أن توقف العنزات المفاجي، هو إشارة لها أن هي من عليها أن تتقدم إلى حيث سيدها وسيدهم أيضاً، لم يزعج نوال صوت تكسير العظام تحت أقدامها، ولم تبالي بأمر العنزات، هي تعلم جيداً أن العنزات هم جان، و نوال تمتلك جرأة وقوة، جرأة لا تمتلكها الكثير من الفتيات في عمرها، جرأة تحركها رغبات في نيل الأماني، فلن يتغير الحال سوى بذات قادرة على الفعل ومواجهة الامور، بالإضافة إلى صلابتها في التشبث بجعل حياتها تسير إلى الأفضل مثل ما تفكر هي، ولا جدوى من الأنتظار في قالب الفقر، فأما أن تخرج من شرنقتها أو تموت، والأمر قد حسم البقاء في شرنقتها هو موت، لهذا عليها أن تمزق الشرنقا وتخرج والإ قضى عليها ضيق الشرنقة، وعين نوال التي ناطحت زند بجرأتها جعلته يقر لها بالشجاعة والتحدي،
وهذا ما جعل زند يوافق على تدريبها، بل واعطاءها أسرار من السحر
قالت نوال وهي تقترب في خطاها من زند الساحر:
_أستقبال العنزات كان مبهر لي
ابتسم زند، ولاحظت نوال أن إبتسامتة تجعل وجهه أكثر قتامة وعيناها أيضاً تبدو مثل دوائر سوداء يغوص فيها الناظر لها يبدو الأمر مثل الوقوع في بئر عميق بلا نهاية،
قال وهو يشير إلى حيث بوابة المنزل حيث تقف العنزات :
_أنهم صغار الجان
ألقت نوال نظرة على العنزات التي تبدلت هيئتهن وظهروا في صورهن الحقيقة، يرتدون جلود بنية اللون تحمل رائحة كريهه تشبه رائحة السماد، الجلود مقسمة الى جزءين، جزء يغطي الجزء العلوي من الجسم وجزء آخر يغطي الجزء السفلي منه، في حين ظهرت منتصف أجسادهم حتى تظهر في وضوح لون أجسادهم حمراء ملتهبة وقرون حمراء في رؤوسهم، وأجساد عريضة رغم صغرهن وشعور شعثاء وعيون مشقوقة في منتصف الوجه وأفواة كبيرة وألسنة مشقوقة مثل ألسنة الثعابين، وأطراف تنتهى باظافر طويلة ملتوية، تقدمت إحداهن ثم فتحت فاها فقذفت كرة من نار صغيرة طارت إلى حيث تقف نوال إلى جوار الساحر، ثم حامت الكرة النارية فوق رأس نوال، في حين قال الساحر زند وهو يشرح الأمر إلى نوال:
_أنها كاتيا، تلك التي أحضرت لك الحجاب الدموي في المنزل تريد أن تخبرك أنها أصبحت معك رفيقة لك، يمكنك آخاتها
هزت نوال رأسها بالموافقة مما دفع كاتيا أن تطلق صياح ممزوجة بصرخة جعل صغار الجان الآخرون يتقافزون إلى جوار كاتيا في حين أشار لهم الساحر بيده مما جعل الجميع يتجمد مكانه ويوقف القفز
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية حارس للمقبرة لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية