-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 36

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل السادس والثلاثون

البحث غالبا ما يكون خارج دائرة المتوقع، لذلك لم يخطر على ذهن "عاصم" لوهلة، أن فردًا من المتواجدين تحت سقف بيته، على علم بأحوال زوجته، وبالمكان التي تخفت به عن الأنظار. قامت "زينة" بغلق باب الغرفة الذي كان مواربًا، لم يغلقه زوجها جيدا قبل نزوله لأسفل منذ قليل، تهيؤً لتناول وجبة الفطور، وكان من الطبيعي أن تلحقه، بعدما قامت بروتينها الصباحي، من الاغتسال، وتبديل ثياب النوم، إلى أخرى تصلح للتنقل بها داخل إطار الفيلا، ولكن حال دون خروجها من الغرفة، رنين هاتفها، الذي صدح بغتة، تعجبت من السبب في اتصال أحدهم بها في ذلك الوقت المبكر في بادئ الأمر، ولكن حينما تطرق لذهنها شخص بعينه محتمل أن يكون هو المتصل، هرعت نحو موضع تركها للهاتف، وحينما أمسكته، ورأت الاسم المدون مسبقا على شاشته، تأكدت من صدق حدسها، وبعدما أغلقت الباب حتى تأمن عدم استماع أحد لها، استقبلت المكالمة، حينئذ وقع قلبها من بكاء الأخرى، الذي نفذ عبر سمعها فور أن ردت عليها، وببعض الكلمات المستفهمة، والمهدئة في نفس الآن، استطاعت أن تستشف منها سبب انهيارها، والذي رأت أنه من الجيد أنها تداركت ذنبها في ذلك الأمر قبل أن تفاتحها به، حتى لا تجد فيما بعد صعوبة إن أرادت نصحها حوله، خاصةً إن أقبلت على الارتباط بشخص آخر، أو حتى استطاع زوجها أن يستميلها للعودة إليه. وحينما وجدت أن انهيارها قد خرج عن السيطرة، أخبرتها بتنبيهٍ جاد بنبرة مرتعدة:


-داليا يا حبيبتي إهدي مش كده انتي حامل.


من بين شهقات بكائها، قالت لها بصوت مهزوز، ومتقطع:


-أنا تعبانة أوي، ومحتاحة حد جنبي، ومش عارفة أخلي رفيف تجيلي عشان زمان عاصم مراقبها.


آلمها قلبها من نبرتها الباكية، وأبلغتها بقرار سريع لا تأمن تبعاته:


-طب بطلي عياط وأنا هجيلك.


حينئذ هدأ صوت "داليا" قليلا، وأخذ طابعا متخوفا وهي تردد:


-بس عاصم ممكن..


استنبطت تخوفها من احتمالية وقوعها في دائرة شكوك "عاصم"، لذلك قاطعت كلماته، مطمئنة إياه بثقة:


-عاصم استحالة يشك إنك بتكلميني.


بنبرة ما تزال حامل للخوف بين طياتها، علقت بانتحاب:


-ممكن حد يشوفك وانتي جاية ويعرفه، أنا مش عايزه أشوفه يا زينة، مش عايزه.


مرة أخرى حاولت بعث الطمأنينة داخلها، مُردفة بهدوء:


-متقلقيش محدش هيشوفني، وأنا هنزل دلوقتي افطر عشان عز مايشكش في حاجة، وبعدها أول ما عز يروح شغله هالبس علطول وهجيلك، بس عشان خاطري لحد ماجيلك بطلي عياط كده هتتعبي وانتي حامل ومش متحملة.


رأت أنها تحاول الانصياع لتوسلها المهتم بها، ومن بين أنفاسها التي تحاول أن تسحبها إلى داخل رئتيها، لتثبط بها بكائها، امتثلت لها قائلة:


-حاضر، انا هستناكي، متتأخريش عليا عشان خاطري.


شاع الحزن بعينيها من الحالة التي آلت إليها، وردت عليها بنبرة متأثرة:


-حاضر يا حبيبتي، مع السلامة.


ضمت شفتيها بأسى وهي تنزل الهاتف عن أذنها، ولكنها حينما التفت زال ذلك البؤس من فوق قسماتها، متبدلا بصدمة ألجمتها في موضعها، من رؤيتها لزوجها، الذي كان واقفا خلفها مباشرة، قابلته بعينيه متسعتين، ورددت بربكة شديد:


-عز!


تفشى اللوم بنظراته من خداعه لهم جميعا، وتظاهرها بالقلق على أحوال الأخرى، في حين أنها على تواصل - من الواضح أنه دائم- بها، وعاتبها بغير رضاء:


-ليه كده يا زينة؟


ضمت ما بين حاجبيها في انزعاج من نظراته اللائمة، ولكنهاةحينما وجدته يستدير شارعا للتوجه نحو باب  الغرفو، ارتفع وجيب قلبها من هلع من احتمالية توجهه لأخبار أخيه بما علمه، وعلى الفور أمسكت بيده، وتوسلته في ارتياع:


-عز عشان خاطري متقولش لعاصم إني بكلم داليا ولا إني اعرف مكانها.


جذب كفه من يدها، والتفت لها كليا، وظهر على وجهه الرفض وهو يستنكر طلبها الذي رآه أنانيا، ومتجاوزا:


-ازاي بس يا زينة؟ انتي مش شايفة حالة عاصم؟


أثار حفيظتها رده، الذي أكد لها شكها حوله، وبلهجة بدت مرتعبة من فكرة اختلاطهما ببعض البعض في تلك الأثناء أخبرته:


-حالة داليا أصعب منه، ومش هينفع خالص يحصل بينهم أي تاتش وهي في الحالة دي، ممكن تروح فيها صدقني.


ضم ما بين حاجبيه بغرابة شديدة، وردد بغير تصديق:


-للدرجادي!


حينما تراءى له خبوت تصميمه على فعل ما يمليه عليه ضميره نحو أخيه، تكلمت بصوت أصبح عاديا إلى حد ما:


-وأكتر، انت متعرفش بقت عاملة ازاي.


ظهر التشتت على وجهه، والذي كان مصحوبا بالقلق على الأخرى، خاصة حينما تطرق لذهنها أمر حملها، وقتئذ ارتفع حاجباه في استرابة وهو يتمتم:


-وحملها، هي كده ممكن تسقط.


عاد الأسى في الظهور على أمارات وجهها، وهي تخبره:


-انا بحاول اهديها على قد ماقدر، بس انت مش عارف حياتهم مع بعض كانت عاملة ازاي.


انتقلت تعبيرات الأسى لوجهها، وأردف باقتضاب:


-عارف يا زينة.


استغلت معرفته بطبيعة حياتهما السابقة، وحاولت استمالة قلبه طالبة منه:


-بما إنك عارف، سيبها تحاول تتعافى من التراكمات اللي جواها من غير تدخل عاصم، على الاقل عشان متكرهوش.


اكتسب صوته طابعا متهكما بعض الشيء وهو يردد:


-أكتر من كده؟


تنفس مطولا بعد ذلك، وقد اتخذ قرارا سريعا، به حماية ل"داليا" من احتمالات تدني حالتها أكثر من ذلك إذا حدث بينها وبين الآخر أي اشتباك إن علم بمكانها، ولكنه لا ينكر شعوره بتأنيب الضمير نحو أخيه، لما يتضمنه ذلك القرار من ظلم له، ومنعه عن حقوقه، وبعدما أطلق زفيرا ضائقا، أخبرها على مضض بجدية:


-على العموم انا مش هقول لعاصم حاجة دلوقتي، بس مش هينفع نخبي عليه كتير، عشان مصلحتها قبل مصلحته، ماشي يا زينة.


هزت رأسها بانصياع وهي تشعر ببعض الراحة تخللتها، وردت عليه بموافقة غير مشروطة تلك المرة:


-ماشي.



❈-❈-❈



لم يكن نومه سوى هروبا من شعور الألم الذي يضنيه، والاشتياق الذي يلتهم قلبه، ولكن حتى أحلامه لم تترأف به، فكابوسه المعتاد تجسد في عقله الباطن مجددا، ليحدث تشنجات في جسده الذي يتصبب عرقا خلال نومه، يصحبها ارتجافة شديدة بعينيه، مع تأوهات مكتومة وهو ينازع للاستيقاظ من ذلك الحلم الشنيع، والمتكرر منذ الصغر، والذي كان راجعا إلى قتله نفسًا، شاهد خروج الروح من جسدها بعينيه، وبعد مرور مدة، كان قد أخذ كفايته من الارتعاب خلالها، حتى لم يتحمل ذهنه أكثر من ذلك، فُتحت عينيه، مع شهقة عالية غادرت حلقه، وهو ينتفض في نومته، تسارعت أنفاسه وهو يفرق نظراته في أنحاء الغرفة بهلع، عاد الإدراك تدريجيا إلى وعيه، وتنبهت مداركه بعد زوال النعاس إلى كونه الكابوس الذي يرافق نومه بين حين والآخر، عاد بجسد ليتسطح الفراش مجددا، وقد هدأ تنفسه قليلا عن ذي قبل، ولكن معالم وجهه ما تزال على ذعرها، كما إنها امتزجت بالقهر حينما ذكره ذهنه إلى عدم تواجد "داليا" قربه، ككل مرة آتاه ذلك الكابوس البشع وهي إلى جواره، وكانت حينئذ تحتضن خوفه، وتحتويه بالصورة التي كانت تجعله يخلد مجددا إلى النوم كأن شيئا لم يكن، فحنانها كان يغمره منذ بداية علاقتهما، في وقت كانت ينبغي أن تنفر منه، ويتبدل حبها إلى كره من سوء معاملته.


في يوم بعيد، قبل ما يقرب من الثلاث سنوات، لم تعود إلى غرفتها، بعدما أخذ مأربه منها، وظلت على فراشه، الملوث بعشقهما الآثم، تتمعن النظر في ملامحه الهادئة خلال نومه، والتي تحولت بغتةً للأعراض الدائمة حينما يزور أحلامه تلك الأطياف المخيفة، حاولت أن تفيقه، وأخذت تربت على ذراعه، حتى شعر بها "عاصم"، مما جعله ينجح في العودة إلى الواقع، وبعدما هدأت من روعه، سألته بخوف وهي تمسح فوق وجهه، لتجفف عرقه المتصبب بغزارة:


-مالك يا عاصم؟


حول نظره المرتعد نحوها، ابتلع ريقها حتى يرطب حلقه الجاف، وأجابها بحشرجة:


-كابوس وحش أوي.


حينئذ جال في ذهنها المرات التي ظلت جواره، وحدث خلال نومه أعراض مماثلة، كان يضاف لها في بعض الأحيان هسهسته بكلمات غير مفهومة، لذلك سألته باستشفاف:


-ده بيجيلك كتير؟


هز وجهه بخفة وأكد لها بصوت خفيض متعب:


-أيوه.


آلم قلبها هيئته الهلعى، وحاولت أن تبعث الطمأنينة إلى قلبه، حتى يكمل نومه، زينت شفتيها ببسمة حنون، وبينما تمسد فوق ذراعه برفق، قالت له بصوتها الدافئ:


-أنا جنبك، مش هروح أوضتي دلوقتي، نام تاني يا حبيبي متخافش.


لم يشعر أثناء استعادته لتلك الذكرى، بدموعه المنسابة من عينيه، فبغاضة طباعه، وقسوته المستبدة، وعنفه الغير مُحتمل، أفقدوه الشخص الأحن في حياته، حتى ندمه ليس كافيا لاستعادة وجوده الداعم، والمداوي لجراحه، انهمرت المزيد من دموعه، وأصبح لبكائه الصامت صوت، رفع يديه ليحاوط بهما وجهه، ومن بين شهقاته المحملة بأوجاع جمة، ردد بانتحاب يخالطه انكسار روحه:


-سيبتيني ليه؟



❈-❈-❈



في الموعد المحدد لتناول وجبة الفطور، التفوا حول مائدة الطعام، واليوم رغم شعوره بفقدان الشهية، إلا أنه شعر بحاجة إلى تناول الطعام، حتى يستطيع متابعة البحث عنها، خاصة وأنه أضحى يغفل عن تناول ولو وجبة واحدة في اليوم، حتى صار ضعيفا، وهذيلا، وجسده بات نحيلا. كان "عز الدين" يسترقى النظرات نحوه أثناء تناوله الفطور، والأسف المخالط للحزن على ما حاق به، يعتلي وجهه، ككل يوم يبصر انقلاب حاله، ولكن اليوم كان بخلاف جميع الأيام، فهو بات على علم بما سيعيد إليه روحه، وينير وجهه، ولكنه عاجزا عن التصريح به، زم شفتيه وهو يزفر باختناق كان مخفيا عن الجميع، باستثناء زوجته، التي كانت تناظره بعينيه توسله بها أن يبقى على وعده لها، تفشى الضيق بوجهه من تضيقها الخناق عليه، وحرك بؤبؤا عينيه عنها، وخلال ذلك لمح سيلان القهوة فوق المائدة، قد فاضت من كوب "عاصم"، الذي ما يزال يسكب به المشروب الساخن دون انتباه إلى امتلائه منذ مدة، وعندما رأى أنها ستنسدل على ساقي أخيه، هتف في تنبيه له:


-حاسب يا عاصم!


فاق من شروده على صوت أخيه، وفي تلك اللحظة انتبه إلى ما يفعله، نهض عن كرسيه قبل أن يصل سائل القهوة إليه، حينئذ خاطبه أخوه بنبرة آسفة:


-شكلك منمتش كويس.


حول عينيه الخالية من الحياة نحوه، وأومأ بهزة بسيطة من وجهه وهو يؤكده له بإيجاز:


-أه.


بعد ذلك نظر إلى الخادمة المجاورة له، وأمرها بنبرة متعبة وهو يأخذ خطواته نحو الأعلى، حيث تتواجد غرفته:


-هاتيلي القهوة أوضتي.


ردت عليه بامتثال وهي تشرع إلى تنفيذ أمره:


-أوامرك سعادتك.


تابع صعوده إلى أعلى بنفس النظرات التي يندلع من الأسى، وبعدما ابتعد عن مرمى بصره، ضوب بصره على زوجته، قال بضيق مشوب بتعمده إلقاء بعض اللوم عليها:


-شايفة حالته.


كانت عبارته تشركها في ذنب ما أصابه، لم تتحمل ذلك الشعور الخانق الذي يدفعه لداخلها سواء بنظراته، أو طريقة حديثه خلال الدقائق المنصرمة، وحاولت أن تعطي لنفسها المبررات، التي تتضمن خوفها على "داليا" من تبعات لقائهما المحفوف بالمخاطر عليها، وراحت تردد بتعبير واجم:


-يا عز والله داليا..


قاكع محاولتها لإضافة ما لن يسمن أو يغني من جوع، وحدثها بلهجة جادة:


-أنا مش هقدر أشوف أخويا بيموت قدامي وأنا عارف اللي يقدر يردله روحه وأمنعه عنه.


ضمت شفتيها للحظة، ثم طلبت منه بنفس النبرة المتوسلة بعد أن نجح في جعلها تتعاطف مع الآخر:


-طيب اصبر لحد ماروحلها النهارده، جايز احاول اقنعها إنها ترد على عاصم على الأقل.


لم يعترض على ما رآه حلا وسطا، وتنهد قبل أن يشدد عليها بغير تساهل:


-قدامك النهارده بس يا زينة، لإني مش هشاركك في أذية أخويا.


توسعت عيناها من قوله الأخير، وعلى الفور اعترضت على اتهامه:


-بس انا مش بأذيه.


رمقها بنظرة غير راضية، قبل أن يأتيها تعقيبه المستنكر:


-مخبية عنه إنك بتتواصلي مع مراته وعارفة مكانها اللي هو بقاله داخل في شهرين هيموت ويوصله، وكده مش بتئذيه؟


نكست رأسها في خجل، وعجزت عن الدفاع عن نفسها، بينما تابع هو ولكنه عمل على ألا يرتفع صوته، حتى لا تنتبه والدته -التي تطعم الصغير- لحديثهما المستتر:


-وحتى لو في دماغك إنك كده بتساعدي داليا في إنها تتعافى من أذية عاصم ليها، تفتكري هي تفكيرها صح بعد محاولتها إنها تدبح نفسها وهروبها بطفلين عندهم شهور في مكان بعيد عن أبوهم؟


لم تعلق على ما رأته كلاما منطقيا منه، في حين أكمل حديثه العقلاني مرددا:


-داليا في حالة انهيار، ومش مدركة هي بتعمل إيه أصلا، فمتحمليش نفسك مسئولية واحدة مدمرة نفسيا، وممكن في أي وقت تئذي نفسها تاني، ده غير إن كمان بتساعديها في حرمان أب من ولاده، ودي حاجة ربنا ميرضاش بيها وانتي عارفة كده كويس.


فاقم  الأخير من قوله من شعورها بالندم، وعدم تحكيما عقلها فيما فعلته، بينما هو لم يتوقف عند ذلك الحد، وأضاف بأمر لا يقبل التفاوض فيه تلك المرة:


-النهارده يا زينة حتى لو ملقتيش حل مع داليا، هتعرفي عاصم مكانها، هو جوزها وأبو ولادها وابن خالتها، يعني مهما حصل بينهم مش هتخافي عليها أكتر منه.



❈-❈-❈



تمط بجسده أثناء دخوله غرفة نومه، ومرر يده على عنقه من الخلف، حتى يفك تيبس عضلاته، ويخفف من اشتداد فقرات عنقه، فقد استمر لما يقرب الساعتين في غرفة مكتبه بالأسفل، ينهي بعد الأعمال العالقة، والذي رأه أنها لا تتطاب ذهابه إلى مقر عمله اليوم، لذلك قرر البقاء في المنزل، حتى يختلي بزوجته بعض الوقت بعدما ينهيها. كانت الغرفة خالية من وجود زوجته، وقبل أن يرجح الظن لنزولها لأسفل، استمع إلى صوت خرير الماء القادم من المرحاض، استنتج وجودها بالداخل، لذلك بدأ في أخذ خطواته نحو الفراش، وبكنه تسمر مكانه بغتة، حينما بدأ هاتف زوجته في الرنين، توجه إلى المنضدة الجانبية الموضوع عليها، وحينما أبصر اسم المتصل، فارت الدماء في عروقه، وضغط على موضع الإيجاب، وبعد أن وشع الهاتف على أذنه بحؤكة منفعلة، تشائل بعصبية ساخطة:


-ممكن افهم بترن على مراتي ليه؟


نفذ عبر سمعه سحب الآخر لنفس مطول، تبعه رده الفاتر:


-أكيد مراتك قالتلك أنا جيتلها الشركة ليه، فالباتلي أكيد هتتوقع السبب اللي مكلمها دلوقتي عشانه، يعني مش محتاج تسأل.


اكتسب وجهه لونا من الكراهية، واخشوشن صوته وهو يخبره:


-رفيف متعرفش حاجة عن مراتك، متتصلش هنا تاني.


قبل أن ينهي المكالمة، سارع "عاصم" في التكلم بلهجة واضح بها معاناته:


-أنا عارف إنك بتكرهني، ودي حاجة مش مستغرب منها لإن معروف سببها، بس كل اللي عايز أقولهولك حط نفسك مكاني، مراتي وولادي معرفش عنهم حاجة ولا قادر أوصلهم.


امتعض وجه "جاسم" وعلق بسخرية ناقمة:


-واحنا اللي هندورلك عليهم!


امتزج الغيظ برده وهو يعقب بصبر نافذ:


-أنا مش واقف مكاني ومستني حد يدورلي عليهم، ومش مكلم مراتك عشان كده، أنا متصل عليها لإني متأكد إن داليا هتكلمها، وممكن تعرفها مكانها، وأنا كل اللي طالبة إنها تعرفني، أو على الأقل تطمني عليها.


لم يأخذه به شفقة، وتعمد أن يؤثر الصمت، غير مفصحا عن أحوال زوجته، التي نجحت زوجته في التواصل معها، حتى لا يطولها أذاه بأي شكل من الأشكال، ظنا أنه بتلك الطريقة يبعدها تماما عن الاختلاط بذلك الدنيء، معدوم الضمير، وبغير تعاطف، قال له بحدة:


-متتعبش نفسك يا عاصم، رفيف متعرفش مكانها ولا داليا كلمتها، دور على مراتك بمعرفتك وبعيد عننا، وياريت متحتكش برفيف تاني ولا تستنى منها مساعدة، كفاية أوي اللي حصلها من تحت راسك.


أنهى المكالمة بعدما قذف تلك الكلمات بعصبية لم يستطع كبتها، فاقتراب طيف ذلك الشخص، الذي سبق وجعل حياة زوجته على المحك، من محيط زوجته ثانيةً، يستحيل أن يؤثر الصمت عنه، حتى وأن كلفه مخاطر الاشتباك معه، ووضعه له في دائرة أعدائه.



❈-❈-❈



الندم على اقتراف الذنب، هو أولى الخطوات التي تُسلك في طريق التوبة. جرفها خوفها من الله، بعدما علمت فداحة ما ارتكبته من ذنب شنيع، إلى الدخول في حالة هياج شديدة، عجزت "زينة" عن التحكم بها لوقت طويل، رغم محاولتها في تهدئة روعها من العقاب الذي ينتظره مرتكبو تلك الذنوب يوم القيامة، ولكنها كانت كمن تصم أذنيها عن ما تقول، لا يتردد في أذنيها سوى كلمات الشيخ، ويتجسد أمام نظريها تشكيل مرعب للجزاء المحتوم، وتابعت في بكائها وهي تردد على نفس الشاكلة الباكية بكاءً واصلا حد الانهيار:


-أنا كنت عارفة إني برتكب ذنب، كنت عارفة إني خاطية، والعلاقة اللي كانت بتحصل بينا حرام، بس مكنتش اعرف إنها بالفداحة دي، مكنتش اعرف إنها من الكبائر، مكنتش اعرف إن مكاني في قاع جهنم.


دنت منها وهي تقول لها بنبرة هادئة كسابقاتها في محاولة تهدئة انهيارها النادم:


-ربنا بيسامح يا داليا وانتي كنتي توبتي.


أومأت لها بالسلب، ونظرت لها وعيناه تفيضان دمعا، واعترفت بقهر شديد:


-لأ مكنتش توبت، حتى ندمي مكانش عشان ربنا، كان عشان عاصم.


دفنت وجهها في راحتي كفيها، وتابعت وهي تبكي بكاءً حارقا:


-ندمت إني سلمتله نفسي عشان شافني زي العاهرات اللي كان بيروحلهم، مندمتش على الذنب اللي ارتكبته واللي بسببه ربنا كرهني.


وضعت يدها فوق كتفها، وحدثتها بلهجة متأثرة، نافية ما ترسخ في ذهنها:


-ربنا مبيكرهكيش يا داليا متقوليش كده، صدقيني ربنا بيحبك عشان كده نور بصيرتك وهداكي لطريقه.


ارتكابها لذلك الذنب بصورة متكررة، وبمحض إرادتها، جعلها ترفض التصديق في احتمالية غفران الله لذنوبها، وقالت بانتحاب مشوب بالخزي:


-ربنا استحالة يسامحني، انا معملتش كده مرة ولا اتنين، أنا فضلت مع عاصم من غير جواز تلت سنين، عارفة يعني أيه تلت سنين، عارفة كام مرة، عارفة كام ذنب وكام سيئة.


استمرت "زينة" على نفس المنوال علّه يأتي بنتائج مرجوة، قائلة:


-ربنا قال في كتباه "إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا"، يعني مهما بلغت ذنوبك لو توبتي توبة نصوحة، وعملتي عمل صالح لوجه الله، ربنا هيسامحك ويغفرلك ذنوبك.


التمس قلبها الجزء الصغير من الآية القرآنية التي استرسلتها، مما أعطاها أملا في مسامحة المولى لها، وأن الزنا ليست من الذنوب التي لا يغفرها الله تعالى، فالزنا تكفره التوبة، وأن تتبع تلك التوية النصوح بالأعمال الصالحة والطاعات، هدأ بكائها تدريجيا، مما جعل "زينة" تتبسم وربتت على ظهرها وهي تضيف بحنان:


-استغفري يا داليا، وخدي نَفَسك وقومي رضعي ولادك، رائف بيعيط زمانه جاع، انتي مرضعتيوهش من الصبح.


حانت منها التفاتة نحو الرضيع الذي بدأ في البكاء منذ برهة، أومأت لها بخفة، وجففت وجنتيها بأصابع يدها وهي تقول في خنوع:


-حاضر.


سارت نحو مهده بكتفين متهدلين، وبساقين تجرجرهما، وما لبثت أن أصبحت أمامه، حتى فغرت عينيها من احمرار وجهه الواضح لها، وقتئذ قربت يدها من جبينه، متحسسة حرارته، التي شعرت بارتفاعها، من سخونة جبهته أسفل ظهر يدها، مما جعلها تصرخ في استغاثة بالأخرى:


-زينة، الحقيني.


انتفضت "زينة" في جلستها، وسألتها على الفور بقلق:


-في إيه؟


حملت نظراتها هلع شديد، وهي تقول لها بخوف جم:


-رائف وشه احمر وسخن أوي.


هبت واقفة في لحظتها، وهرولت نحوها، وهي تردد بصدمة:


-إيه ده ازاي؟ ده كان كويس.


حملت "داليا" الرضيع الذي هدأ بكائه، وبدا لها وكأنما قد فقد القدرة على التنفس بشكل طبيعي، حينئذ هتفت بارتياع وقد قاربت على البكاء خوفا:


-أنا حاسة إنه مش قادر ياخد نفسه يا زينة.


مدت يدها لها حتى تحمله من بين ذراعيها، وهي تقول لها مسرعة:


-هاتيه بسرعة.


حينما حملته، تفقدت حرارته المرتفعة، التي جعلت خوفها يتضاعف، وما جعل الرعب يدب في قلب كلتيهما إغماضه لعينيه، ولم يصدر منه أي صوت بعد ذلك، مما تسبب في خروج شهقة هلعى من حلق "داليا"، تبعها صراخها المرتعد:


-ابني بيمووت.



❈-❈-❈



كظم بصعوبة غيظه بعد المكالمة الهاتفية بصديقة زوجته، بعدما جاءه الرد عليها من زوجها الكاره له، والذي كان رده مستفزا، وجافيا من كافة الأصعدة، حينها قرر أن يزاول مهمته اليومية، المقتصرة على البحث عن زوجته، وألا يعتمد على أحد في عثوره عليها، وأثناء سيره في بهو الفيلا، قاطع خطواته المأخوذة نحو باب الفيلا، هرولة أخيه نزولا على الدرج، وهو يردد لأحدهم عبر الهاتف بعجلة ظاهر بها نوع من القلق:


-طيب طيب أنا جاي علطول، مسافة السكة.


في بادئ الأمر لم يهتم، وتابع في سيره، ولكن ما جعله يتلكع في الحركة، تكلُم أخيه مجددا إلى الطرف الآخر بصوت بدا أقرب، وهو يركض نحوه:


-إن شاء الله خير ماتقلقوش، اعمليله بس كمادات لحد ماجي، وحاولي تهدي داليا.


عندما وقع اسمها على سمعه، تسمر موضعه، وازداد وجيب قلبه، لوهلة لم يصدق أذنه، وتهدجت أنفاسه، ولكنه سريعا ما تغلب على صدمته التي ألجمته محله، والتف له على الفور، وسأله بغير تصديق بعدما أصبح جواره:


-انت قلت داليا؟


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية