-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 25

 

قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الخامس والعشرون

في منزل راجح 

دلفت راضية ومعها ابنتها نيرة، بصحبة هدية زو جة محسن، إلى نعمات لمواستها في المصاب الذي حل بها، وتطيب خاطرها في هذه المحنة التي تمر بها، فقد كانت حاضنة ابناءها الصغار نهلة وياسين الصغير، تبكي بصمت ودموع تنزل بلا توقف، فقالت راضية

- استهدى بالله يا نعمات، ان شاء الله ربنا هيحلها والبنته ترجع الليلة

قالت صباح والتي أتت إليها من وقت أن علمت بالأمر:

- جوليلها يا راضية، دا انا من الصبح لسانى نشف من الكلام معاها، وهى ولا اكنها سامعة. 

تدخلت هدية هي الأخرى:

- ليه كدة بس يا نعمات؟تتعبى يا بت الناس وتمرضى كمان والارض مش مهملة.

ردت صباح بعدم رضا:

- دا انتوا جيتوا فى الاخر بعد ما هديت واتهدت، امال لو شوفتوها ساعتها، وهى بتندب وتخبط فى الارض والنعمة دا انا جولت هتتلبس ولا تروح فيها، بس ربنا ستر .

قالت نيرة بإشفاق وانظارها نحو الصغار المرتعبين في حضنها:

- سيبى العيال يا مرة عمى، إنتى كده بتخاوفيهم.

خرجت نعمات عن صمتها لتهتف بحدة نحو الجميع:

- خليهم مرعوبين ، المهم يبجوا فى حُضنى وما يبعدوش عنى، يعنى مش كفايه عليا بتى الكبيرة اللى جلبى واجعنى على بعادها عنى، عشان يجى كمان العمده ويخطفلى البنتة اللى بجوا عرايس، يبجى اللى فاضل ايه كمان؟ انكم تاخدوا دول وتموتونى بالمرة، خدوهم وموتوني بالمرة.

تمتمت راضية بجوارها، تحوقل:

- لاحول ولا قوة إلا بالله، يا نعمات ارحمى نفسك، بتك بطه جاعدة مع جو زها فى مطروح، يعنى مش بره مصر والبنتة اللى اتخطفوا، هياجوا باذن الله ومش هايطول بعادهم. 

ايوه يا نعمات، خلى املك بالله كبير ووو... هو فى تلفون بيرن هنا .

قالتها هدية وهي تشعر باهتزاز وصوت مكتوم أسفلها على الكنبة التي كانت تجلس عليها، تحركت قليلًا، لتكتشف الهاتف، فقالت مخاطبة الأخرى:

- دا باينه تلفونك دا يا نعمات، اللى بيرن بجالوا لحضة،

وانتي كانك ناسياه.

بعدم اكتراث ردت نعمات بالرفض:

- يرن زي ما يرن، انا مش جادره اكلم حد اساسا.

عاتبتها هدية بضيق قائلة:

- ملكيش حج فيها دي، مش يمكن تكون بطة، اللى عاترن دلوك، خودى كده شوفى يا نيرة نمرة مين دى !!.

تناولت منها الأخيرة بتصرخ بمجرد رؤيتها لأسم المتصل وردت على الفور:

- الو يا نهال، انتي فين يا بت عمي؟

وقبل أن تجيبها انتفضت نعمات تختطف الهاتف من نيرة لتتحدث بلهفة ودموع:

- ايوه يا بتى انا أمك، عاملة ايه يا نور عيني؟

وصلها الصوت من الجهة الأخرى:

- ايوه يا أمى رايجة و الحمد لله، متجلجيش.

سمعت نعمات الصوت لتذرف الدمعات بحرقة مرددة بصوت متحشرج:

- مجلجش كيف؟ مجلجش كيف بس؟..... طب واختك يا حبيبتى .. زينة كمان ولا فيها حاجة؟

اجابتها نهال وعينيها نحو شقيقتها:

:اختى زينه والحمد لله كمان، بس اطمني ومتخافيش ياما.

بلهفة سالتها نعمات:

- طب انتى فين؟ و ليه من امبارح مش مكلمانى؟

بهمس حذر ردت نهال:

- ياما انا مش هجدر اجولك حاجة، أنا بكلمك سرجة عن طريج واحد بن حلال.

قالتها وقد ذهبت بانظارها نحو متولي الذي أعجبه الوصف، لكنه لم يغفل عن مرور الدقيقة المتفق عليها، ليباغتها بخطف الهاتف وانهاء المكالمة قبل ان تكمل جملتها مع والدتها قائلًا:

- كفايه كدة، الدجيجة خلصت، اديكى اتطمنتي وطمنتى امك عليكي، ياللا بجى جدامى انتوا الاتنين على اؤضتكم .. انا عملت اللى يرضيكم .

رضخت نهال لتتحرك على الفور بطاعة مع شقيقتها وقد تسللت بعض الراحة داخلها، عكس بدور التي عبست وتجمدت من الغيظ، لعدم تمكنها من الحديث مع والدتها.


❈-❈-❈


في منزل سالم

كان يعج بالبشر التي تأتي وتذهب، كي تطمئن على عاصم بعد عودته من مشفى المحافظة، وتتلقى والدته التهاني بخروجه، ومع كل فرد يدخل عليه كان يصاب بالأحباط، ينتظرها ولم تأتي من وقت ان وصل، فقد كان يتوقع وجودها وقت مجيئه، هي او والدتها او شقيقتها او حتى عمه، وقد اختفوا ولم يظهر منهم أحد حتى الاَن.

بمجرد خروج اخر فوج من عنده لعدد من الجيران، سأل والدته 

- اما .. هو ليه عمى راجح مجاش لحد دلوك يباركلى على طلوعى بالسلامه ؟!.

اضطربت سميحة تجيبه:

- يعنى هيكون فيه ايه بس؟! .يمكن تلاجيه مشغول ولا حاجه؟

رد عاصم بعدم تصديق 

- مشغول !! طب بدور، ولا نعمات والدتها كمان الاتنين مشغولين .

- بدوووور .. جول كده . 

قالتها سميحة بقصد المزاح لتلهيه عن إجابة السؤال، فقال هو بسأم، يما بلاش تمسكي في كلامي، دا حتى جدي مجاش، ولا عمتي صباح، ولا كمان ابويا وبلال اللي اختفوا، دول ما صدجوا حطونى على فرشتى وطلعوا على طول، هو فى اي؟!.

قالت سميحة بتوتر مضاعف:

- يعني هيكون في ايه بس؟ متشغلش نفسك انت، دلوكت تلاجيهم داخلين عليك اصبري بس

قالتها وقبل ان بهم بالمجادلة صاحت بقصد نحو الشاب الذي كان بهم بالدخول والاستئذان:

- ادخل يا ولدى، انت مش غريب .

تقدم الشاب لتحمد ربها وقد كان مجيئه نجدة لها ، حتى يرحمها مؤقتًا من وابل الأسئلة المتواصلة من ابنها، وهي فيها ما يكفيها من غصة تجرحها بكسرة فرحتها بخروج ابنها، وقلبها الذي يكاد ان يتوقف من الرعب عن مصير الفتيات، ومع ذلك تجاهد بابتسامة تغتصبها بصعوبة على ثغرها، في استقبال المهنئين 


❈-❈-❈


- إنت بتجول إيه يا عمى؟ عايزنا نطاطى لابن الفرطوس ده؟!

هتف بها بلال بصدمة، ليضيف على قوله مدحت

- لا وكمان عايز يكسر جلب بدور ويغصبها على انسان مش بتطجيه 

بصرخة المغلوب على أمره قال راجح:

- امال اعملكم إيه بس؟ وانتوا عايزين تولعوها وتجلبوها حرب، وانا مش عايز دم .. انا عايز بنتتى وبس .

هتف به ياسين:

- وانت بكده عايز بنتتك؟ دا انت كدة بترمى بتك فى النار بيــ دك .

تدخل سالم بقوله هو الاَخر:

- مش هى بس يا بوى، ولدى كمان هيضيع فيها، دا مش بعيد يهج ويسيب البلد المره دى بعد ما فرح ودفع التمن وكان هيروح فيها.

سقط راجح على كرسيه يردد بضعف وقلة حيلة:

- طب اعمل ايه بس؟ دبرونى، انا في نار يا ناس، ربنا ما يحط حد في مكاني.

بتفهم شديد ربت ياسين على كتف ابنه يدعمه، ثم قال موجهًا خطابه للجميع:

- امال انا جمعتكم ليه؟ عشان السبب ده، انا عايز الشباب يجسموا بعضهم مجموعات ويلفوا ويدورا فى كل بيت وكل حتة ويسألوا، يمكن نلاجى اثر ولا حد من البلد يكون شافهم .

- ولو ملجيناش نعمل ايه؟! مع ابن ال... اللى حاطط السكينة على رجابنا ده؟

سأل محسن فخرجت الإجابة من بلال بحماس:

- انا عارف نعمل إيه، هلم الشلة الجديمة بتاعتى، وزى ما جدرنا نسيطر على حرامية المواشى اللى كانوا راعبين الاهالى زمان، إن شاء الله هنجدر نعتر على البنته .ونعلم العمده وولده الادب . 

وقال مدحت ايضًا:

- وانا معاكم، إن شالله اسيب الدكتوراة والطب كله، مش هسكت ولا اهدى غير لما اعتر على نهال ومعاها بدور.

بتفكير وقلق عقب راجح:

- بس انتوا كده ممكن تعوجوا على البنته وانا هموت واتطمن عليهم .

رد ياسين بحكمته:

- يا ولدى افهم، هو صحيح لاوي دراعنا بخطفه للبنتة، بس هو كمان صباعه تحت درسنا وولده تحت يــ دنا، يعنى هيحافظ ع البنتة زى عنيه، عشان احنا منأذيش ولده.

اومأ راجح بهز رأسه ببعض التفهم، قبل ان يجفل على صيحة ابنته الصغري، وهي تركض بشقيقها نحوهم:

- يا بوى يا بوى، نهال اتصلت يا بوى يا بوى .

انتفض الجميع بتنبيه، وبسرعة البرق التقطها مدحت قبل أن تصل لأباها يسالها بلهفة:

- إنتي بتجولى إيه؟

بلهاث شديد، خرجت كلمات نهلة بصعوبة:

- نهال اختى اتصلت توى على تلفون امى .

وصل اليها راجح ليمسك بها مع مدحت سائلًا:

- انتى بتتكلمى صح يا بت انتى؟ ولا دى لعبة جايا تلعبيها معانا؟

- بتتكلم صح يا ابو ياسين، ايوه فعلا نهال كلمتنى .

قالتها نعمات والتي كانت تدلف خلفها بسرعة كي تبشر زو جها وتطمئنه.

- وانتى بتسمعيها، صوتها زين كده ورايجة يا مرت عمى.

قالها مدحت بلهفة محب وقلبه يكاد ان يخرج من صدره من سرعة الدقات.

بنبرة مطمئنة ردت نعمات تجيب عن سؤاله، وقد وصلها لوعته الظاهرة في عينيه.

- زينه ورايجة يا حبيبى وانا لو ما كنتش اتطمنت، كنت جيتلكم جرى دلوك .

سألها ياسين هو الاَخر:

- طب هى جالتلك على مكانها؟

تغضن وجهها تجيبه بحزن:

- لاه مجدرتش، هما كلمتنين جالتهم وبسرعة الخط جفل، بس جالت ان واحد ابن حلال ساعدها، تتكلم سرجة فى التلفون.

بسرعة بديهة سألها بلال:

-طب هى كلمتك برقمها ولا رقم غريب؟

- ايوه برقمها اللى مسجلاه انا عندى .

قالتها نعمات ليهلل الاخر بفرحة قائلًا:

- ينصر دينك يا نهال ، دى كده جصرت علينا نص السكة 

فهم عليه مدحت ليسأله بحيرة:

- أيوه بس احنا كدة عايزين مساعدة من رتبة كبيرة عشان تجصر علينا الوجت كمان.

تدخل راجح يسأل بعدم فهم:

- ما تفهمونى يا جدعان تجصدوا ايه بكلامكم ده؟

- هطمنك يا عمى، والله هطمنك، بس انت ادعيلنا بالتوفيق وجول يارب 

قالها بلال وهو يسحب مدحت من ذراعه، ليردد راجح خلفه بأمل متزايد وهو يراهم مغادرين من أمامه:

- ياااارب 

خرجا الإثنان من المنزل يسرعان بخطواتهما وقال بلال:

- انت مستعد تبجى معايا للاَخر مهما يحصل.

اجابه مدحت بكل حماس:

- طبعا معاك فى كل خطوة، بس جولى احنا رايحين فين الاول ؟!.

- هاجولك.

قالها بلال قبل أن يفاجأا بياسين الذي خرج خلفهم، بصوت عالي يوقفهم:

- استنوا يا ولاد متنسوش تخبرونى بالجديد اول باول .

اجاب الاثنان بنفس واحد:

- دا اكيد يا جدى .


❈-❈-❈


من وقت أن دلفت نهال داخل الغرفة المحتجزة بها مع شقيقتها وهي لا تكف على الدعاء إلى الله بخشوع تام، عسى ان يتقبل الله منها ويفك الكرب، حتى اذا انتهت وقعت عينيها على بدور، وهذا الوجوم الذي يعتلي وجهها، فسألتها بانتباه:

- مالك؟ شكلك مجلوب من ساعة ما دخلنا .

بنتهيدة مثقله ردت بدور وهي تشيح بوجهها عنها :

- وانتى يهمك فى إيه زعلى يعنى؟ عادي يا ستي.

قطبت نهال باستغراب شديد ترد:

- كيف ما يهمنيش؟ الله يرضى عنك يا بدور جولى اللى مزعلك منى على طول، انا مافياش دماغ .

بنظرة عاتبة ردت بدور:

- طبعا مفكيش دماغ ليا، وانا اهمك فى إيه يعنى؟ تتكلمى مع امى وتطمنى عليها، وانا ولا اكنى اختك المخطوفه معاكى، وعايزه اسمع صوت امى، حتى لو كلمة منها، عشان تردلى روحى .

قالت الاَخيرة بصوت متحشرج يرافقها دمعة ساخنة، اثرا بنهال لتجذبها من ذراعها، وتضمها إليها، تخاطبها بحنان وهي تربت بكفها عليها

- عندك حج فيها دي، انا فعلا غلطانة، بس معلش بجى سامحينى يا جلبى، انا كنت مركزة فى حتة تانية خالص لما كنت بتكلم فى التليفون وبدعى ربنا انها تحصل .

رفعت رأسها إليها بدور تسألها 

- حتة إيه اللى كنتى مركزة فيها وبتدعى ربنا تحصل ؟! .

تحمست تجيبها بصوت خفيض 

- مينفعش اتكلم دلوك، احنا مش ضامنين احسن يكونوا سامعينا، بس اللى اجدر اجولوا، ان لو حصل اللى فى بالى، إن شاء الله اهلنا ها يعتروا فينا .

بصوت هامس هس الأخرى، رغم الحماس الذي دب بقلبها:

- صح اللى انتى بتجوليه دا يا نهال ؟!.

أومات لها نهال برأسها قائلة:

- صح يا بدور بس انتى جولى يارب انه يحصل 

سمعت الأخرى لتردد من خلفها"

- يارب يارب


-❈-❈-❈


خارج الغرفة كان متولي يلتقط انفاسه، بعد تحركه السريع عقب الاتصال، لأعادة هاتف نهال إلى نفس المكان الذي وضع به في السابق، حتى لا ينكشف أمره، ليذهب بعد ذلك بالقطن والشاش والمطهر، نحو هذا المرمي على الأرض يجثو على اقدامه بجواره لرفعه، ثم محاولة أفاقته:

- إنت يا أخينا، جوم يا جزين، مش ناجصه نصايب هى .

- نصايب ايه ؟! هو ايه اللى حصل ؟!

هتف بها عيسى للذي دلف حالا لتبرق عينيه بجزع، فور ان طالع بعيناه صديقه الذي كان كجثة هامدة، ورد متولي بنزق وهو يدفع الاَخر نحو الأرض:

- اللى حصل لعبده، انا اللى اتسببت فيه عشان كسرت الزهريه دى على راسه، اللى عايزه الكسر .

هتف عيسى بانفعال:

- وبتجولها فى وشى كمان؟

لم يكترث له متولي، بل نهض عن الأرض يقابله ليرد وهو يطالعه بتحدي:

- جوم صاحبك وطهرلوا الجرح اللى فى راسه واربطها بعد كده بالشاش زين، ولو معرفتش تبجى اكبسها بشوية بن وخلاص، الأهم بجى، انه لما يفوج نبه عليه، إن اللى حصل النهاردة مع البنتة، ما يتكررش تانى يا اما هوصل للعمدة، ويشوف هو حسابه معاكم .

قالها وهو يضع القطن والشاش بكف عيسى ثم غادر على الفور، ليترك الاَخير يستوعب قليلًا بتفكير، قبل يجثو نحو عبد الناصر ليُفيقه مرددًا:

- انت عملت ايه يا جزين؟ جوم يا عبده فى سنينك الغبره معايا، هببت ايه بس؟ الله جاك الطين .


-❈-❈-❈


بعصبية شديدة وانفعال ظاهر في هز أقدامه وهو جالس في انتظار الخبر الأكيد، يشعر بمرور الدقائق وكأنها ساعات، وجه سؤاله لبلال:

- وبعدين بجى الظابط دا عوج جوى، خبر ايه ؟! هو بيحضر الذره .

رد بلال والذي كان جالسًا على الكرسي المقابل له أمام مكتب الظابط ياسر فهمي:

- خبر ايه يا واد عمى؟! هو ااراجل لحج! اصبر شوية كدة.

سأله مدحت بفضول:

- طب وانت تعرفه منين ده؟! دا احنا بجالنا وجت مستنين فى مكتبه، من جبل حتى ما نشوفه، دى بينها معرفة جوية.

ضحك بلال يجيبه بزهو:

- يعنى كدة تجدر تجول، إنه معرفه من أيام الشجاوة !

هم مدحت أن يجادله ولكن اوقفه اندفاع الباب ودخول الرجل ممسكًا بملف من الأوراق، يقول ؛

- اتأخرت عليكم .

مد كفه يصافح الاثنان مرحبًا:

- اهلا وسهلا، حمد الله عالسلامه يا عم بلال .

تبسم بلال بإشراق يقول :

- الله يسلمك يا باشا، اعرفك بواد عمى الدكتور مدحت.

- اهلا وسهلا بيك يا دكتور، اتفضلوا اقعدوا يا جماعة، انتو وااقفين ليه؟

قال الاَخيرة وهو يجلس خلف مكتبه، وعادوا هم لمقاعدهم، ليبادره مدحت على الفور

- ها يا باشا، ايه الاخبار عرفتوا مكانهم؟

بدا على وجه الاَخر التوتر وهو يدفع الأوراق أمامه على سطح المكتب قائلًا:

- فى الحقيقه انا من ساعة ما اتصل بيا بلال، وبلغنى .. بحكاية بنات عمكم، و ادانى نمرة البنت اللى كلمتكم . وانا خدت الامر بجدية شديدة، وعملت الاجراءات مع شركة الاتصالات بسرعه عشان اعرف المكان واطمنكم .. بس للاسف انا نفسي ما اطمنتش .

بقلق متعاظم سأله مدحت:

- ليه بس يا باشا ؟

فرك الاَخر بكفيه يجيبه:

- لأن المكان اللى موجودين فيه خطر جداً، يعني بحسب كدة المكالمة اللى رصدناها من تليفون بنت عمكم، ف المكان مش بعيد عن قريتكم، لكن للأسف، المكان دا يبقى فى الجبل، وتحديدا فى قصر حسين العربى اللى كان اكبر تاجر مخدرات فى التسعينات عندكم ، وكان عامل مملكه لنفسه هناك، اظن الناس في بلدكم لسة فاكراه.

رد بلال:

- ايوه احنا عارفين بالحكايه دى، بس كمان اللى نعرفه ان الحكومة جبضت عليه من زمان وعلى المجرمين اللى كانوا معاه، دى كانت معركه رهيبة بينه وبين الحكومة و لحد تاريخنا هذا، الناس بتحكى عنها، والتانيه كمان، دا محدش من الاهالى بيهوب هناك عشان القصص اللى بنسمعها وبتخوف الناس، يبجى كيف؟

ياسر وكأنه عثر على طرف الخيط قال:

- أهو دا بقى المفيد ، عشان هجران الناس للمنطقه دى، خلى مجموعة مجرمين يزرعوها بالمواد المــ خدرة ويسيطروا من تانى، مستغلين ان محدش من الأهالي بيقرب عندهم، بس اللغز بقى، مين اللى جمعهم وسيطر ع القصر المهجور!

اغمض مدحت عينيه بألم ليتمتم بصوت مبحوح:

- يعنى احنا كدة مش هنجدر نجيبهم !!

رد الظابط ياسر؛

- لا ان شاء الله هيجوا بس انا عاوزكوا تقدموا بلاغ رسمى وانا هعمل المستحيل عشان اطلع بقوة من الظباط والعساكر ونهجم عليهم .

اومأ مدحت بهز رأسه، صامتًا بدوار يلفه بالأفكار السوداء، ولكن بلال رد بتماسك غريب:

- ماشى يا سيادة المقدم، بس ممكن تسرع بالبلاغ والنبى عشان نلحج 


❈-❈-❈


خرج من القسم بصحبة ابن عمه، بذهن شارد، لا يرى أمامه جيدًا، يشعر بقلبه يكاد أن ينخلع من الرعب على حبيبته وشقيقتها، ان يكونوا وسط مجموعة من المجرمين وقطاع الطرق في منطقة مهجورة، هذا ليس بالهين على الأطلاق، بل هو أكبر من احتماله، كيف يأتيه نوم او راحة قبل العثور عليهن؟ كيف؟

على خاطره الاَخير قام بفتح باب السيارة يطلب من ابن عمه بعدم تركيز:

- ممكن يا بلال تسوج إنت، لانى مش جادر .

على الفور اتخذ بلال موقعه خلف عجلة القيادة، يخاطبه بلهجة عادية وهو ينضم بجواره في الأمام:

- ماشى يا واد عمى، المهم تبجى فايج معايا. 

خرج مدحت من شروده ليقول باستغراب:.

- هو انا ليه حاسك مستخف بالأمر ولا كانك فرحان .

رد بلال وهو يقود السيارة لتتحرك بهما:

- مش لدرجة فرحان يا عم الحج، أنا بس مكنتش اعرف ان الزمن هيعيد نفسه، وارجع لايام الشجاوه من تانى، بعد ما عجلت وبجيت مدرس محترم .

- نعم!

تفوه بها مدحت مستفهمًا، قبل أن يتابع بعدم فهم:

- شجاوة إيه بس مع المجرمين وبتوع المخــ درات دول؟ يا بلال جول كلام يُعجل ؟! 

بجدية تامة رد بلال:

- إسمع يا واد عمى، مجرمين ولا بتوع مخــ درات احنا مش هنتستنى الحكومة، احنا هنجيب البنتة بنفسنا ومبجاش راجل، لو مرجعتهمش  الليلة، وانا عارف هارجعم كيف؟

باستفاقة فورية لينتبه بتركيز شديد يسأله 

- تجدر تجولى هنعمل إيه بالظبط؟ عشان انا لازم افهم كل حاجة دلوك.


❈-❈-❈


انتفض ياسين مفزوعًا يقول بإجفال فور ان علم باَخر التطورات من مدحت:

- اه يا هاشم الكلب.. دلوجتى بس انا عرفت الفلوس اللى بيهبل اللى هلت عليه فجأه كدة، جات منين؟ 

- يعنى انت تجصد يا جدى إن هو اللى جمع ولاد الليل من تانى

قالها مدحت كسؤال وجاء الرد من ياسين:

-  دا اكيد يا ولدى ، جال وانا اللى كنت فاكره شاطر وجدر يكبر ورثه من ابوه، اتاريه !!، المهم انتوا هتتصرفوا ازاى دلوك؟

اجابه مدحت:

- بلال بيلف على اصحابه الجدام اللى كانوا واجفين معاه ضد حرامية المواشى زمان اللي كانت بتسرج  البهيمة ويطلعوا بيها الجبل .

قطب ياسين بتفكير سائلًا:

- طب وشباب العيلة يا ولدي راحوا فين ؟! دول لازم يكونوا معاكم عشان تبجوا عزوه ضد ولا ال....دول، الموضوع مش سهل.

بابتسامة ضعيفة قال مدحت:

- ما هي دى بجى مهمتك انت يا جدي، احنا هنطلع الأول زى فرجة استطلاع وبعد ما نعرف، الدنيا ظروفها إيه هناك، هنتصل بيك ونعرفك عشان تلمهم .

بابتسامة محفزة ربت ياسين على كتف الاخر يشد عليه ليقول بمزاح:

-  والله وبجيت فارس و رايح ينقذ حبيته من الاشرار ، ونسيت  الطب والدكتوراه كمان؟

بصدق ظهر جليًا في نبرة صوته، قال مدحت:

- أنا عشان نهال انسى الدنيا كلها يا جدى، مش بس الدكتوراة.

 يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة