رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 26
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل السادس والعشرون
في منزل العمدة
كان القلق داخل انتصار يعصف بها، تقطع المنزل ذهابًا وإيابًا، تطالع زو جها وهي تفرك بيــ ديها وتزفر من فمها بحنق صامت، وهو كذلك كرد فعل له منها، يمصمص بشفــ تيه، وهو يدخن من شيشته بصمت ايضًا، ولكن الأخرى في الاَخير قد فاض بيها لتهتف به بعصبية:
- وبعدين بجى احنا هنفضل مستنين كده لحد امتى؟
تمتم هاشم بضيق:
- وانا اعملك ايه يعنى؟ ما تصبرى شوية؟
صاحت به بانفعال وعدم احتمال:
- وهو الصبر دا مش،هيخلص؟ من الصبح كل ما اَجى اكلمك واجولك ولدي، تجولى اصبرى اصبرى اصبرى، هفضل صابرة لحد امتى؟! الدنيا ليلت ومحدش فيهم رد علينا ولا جال حاجة، خبر ايه؟! هما مش هامينهم بنتتهم؟ الناس دمها برد ولا ايه؟
سمع منها ليترك ذراع الشيشة ويغمغم بقلق اصابه هو الاَخر، بحيرة لهذا الصمت من جهة ياسين وابناءه:
- والله ما انا عارف إيه الحكاية، دا انا جولت راجح، ماهيستناش دجيجة وهيجى جرى، دا اكتر واحد فيهم جلبه خفيف .
صاحت به انتصار بسخط:
- اهو تجل جلبه يا خوي ومجاش جري ولا زاحف زى ما جولت، انا بجى هفضل كدة كتير جلبى واكلنى على ولدى؟
صاح بها هاشم وقد فاض به منها:
- يعنى هما يتجلوا جلبهم ع البنتة وانا ابو الراجل اضعف! في إيه يا ولية؟ ما تصبرى شوية بجى تاني واما نشوف آخرتها.
❈-❈-❈
توقف مدحت وبلال، وراجح وإخوته في طريق المدافن، لانتظار وصول باقي الشباب على الإتفاق بسرية مستغلين ظلام الليل وهدوء المكان حتى لا يصل أمرهم إلى العمدة أو أحد من رجاله.
حينما وصل اصدقاء بلال، كانوا يتوافدون فرد وراء الاخر لتجنب الجمعة ولفت الأنظار، رجال عرفهم ياسين ورجال لم يعرفهم، لكن المفاجأة حقًا كانت حضور عبد الرحيم، الذي ما ان رأه مدحت حتى هلل به بعدم تصديق:
- معجولة انت يا عبد الرحيم؟ الراجل العاجل الراسي، تطلع تبع صاحبنا ده، ولا يبان عليك يا اخي!
قالها بإشارة على بلال الذي تبسم صامتًا، وجاء الرد من عبد الرحيم:
- عشان هادى يعنى، لا يا سيدي ميغركش هدوئى انا برضوا راجل واعرف اسد.
بنظرة فخر طالعه ياسين يقول:
- وانا نظرتى فيك مخيبتش من الأول، وجولت عليك راجل وسيد الرجال .
رد عبد الرحيم بامتنان:
- تشكر يا حج ياسين الله يباركلك ويبارك فيك وفي صحتك، المهم احنا هنعمل ايه دلوكت؟
جاء الرد هذه المرة من صاحب الخطة الأساسية، والمدبر الرئيسي بلال:
- انا اللى هجولك يا باشا، إحنا دلوكت هنمشى بعربياتنا فى الطريق ده اللى يوصل للجبل على طول، وهنفضل ماشين كده لحد التلة الكبيرة اظن انت فاكرها، هنوجف وننزل واحد ورا التانى بهدوء ونكملها مشى لحد زراعات فدادين المخــ درات، انا خدت فكرة عنهم النهاردة الصبح، هما سادين السكة جدام الجصر الجديم اللى جاعدين فيه البنات.
سأله مدحت بتركيز:
- يعنى انت تجصد اننا هنمشى مجرفصين وسط الزراعات دي لحد اما نوصل للجصر؟
- بالظبط كدة، وهنجسم نفسنا كل فردين تلاتة فى ناحية، وبعد كدة ان شاء الله هنلاجى فرصه لدخول الجصر، انا عارفه زين وياما دخلتوا ايام الشجاوة.
قالها بلال فتدخل راجح بقوله:
- طب انا اروح معاكم بجى، عايز اطمن ع البنت.
همس له سالم يتحذير:
- وبعدين يا راجح احنا مش اتفجنا اننا هنروح وراهم بعد ما يأمنوا السكة، عاوز تبوظ الخطة ليه بس؟
اضاف محسن:
- ورحتك مش هتجدم معاهم، بل العكس، دي هتعطلهم، دول شباب صغيرة وحركتهم خفيفة، لكن انت وانا واخواتك حركتنا تجلت يا واد ابوي.
- هو كدة فعلا زي ما جالك اخوك.
قالها ياسين، ليتابع موجهًا حديثه للشباب:
- ياللا ي اشباب كفاياكم عطلة اكتر من كدة بجى اتحركوا، ربنا معاكم، واحنا فى الانتظار ..
تحركوا على الأمر يتسللون بخفة، ليغمغم عبد الحميد خلفهم بقلق:
- ربنا يستر طريجكم ويوفج خطاكم، ويحميكم من كل سوء.
❈-❈-❈
على التعليمات بدقة كان يسير الشباب في جو الصحراء المظلم والمخيف بهدوءه القاتل، لكنهم كانوا معتادين على ذلك، عكس مدحت والذي كان يعيش التجربة لأول مرة، يدفعه العشق ويقوي قلبه لاقتحام المصاعب من أجلها.
حينما وصلوا إلى التلة المقصودة، جمعهم بلال إلى ثلاث مجموعات، في طرق مختلفة، جميعها تؤدي إلى القصر، مدحت وبلال وعبد الرحيم، كانوا كمجموعة وحدهم، بهدوء شديد يخترقون فدادين الزراعات الممنوعة حتى ظهر ضوء القصر من بعيد ليتوقفوا على أمر من بلال:
- شايفين يا شباب كام فرد واجفين بسلاحهم جدام الجصر ؟
تمتم عبد الرحيم يجيبه:
- دول كتير جوى، حباية واجفين والباجين بيتسامروا فى الارض ويشربوا جــ وزه او حشــ يش دا حتى متولى غفير العمدة معاهم .
انتبه بلال نحو الجهة التي يقصدها الاَخر والموجود بها هذا الرجل، ليتمتم بتوعد:
- اه يا بن ال...... حسابك معايا عسير ماشي.
تدخل مدحت بينهما بعملية قائلًا؛
- المهم دلوك هندخل ازاى احنا في الجصر ده؟!
- انا عارف هندخل ازاى؟ المرة دى هنغير طريجنا عشان نوصل للجصر من الخلف، اكيد الحراسة خفيفة هناك.
قالها بلال وهو يتحرك ليلحقا به، ويستمر السير بتخفي حتى أصبحوا خلف القصر بالفعل، ولكن المشهد هناك هناك كان أكثر من مخيف، بل كان يقبض القلب، شجر كثير وقديم، يبدو مهملا حتى جف وانكسرت فروعة وبعض الجزوع، مع الضلمة الموحشة.
عقب عبد الرحيم على ما يراه امامه:
- يا ساتر يارب، عشان كدا محدش واجف هنا، وكل دى حيوانات ميتة، ربنا يستر ومايطلعش علينا ديب دلوك .
ردد حلفه بلال:
- على رأيك ربنا يستر، احنا مش ناجصين عطلة.
بعدم اكتراث قال مدفوعًا بحماس داخله من أجل الوصول إليها، سألهم مدحت بلهفة:
- طب احنا دلوك هندخل الجصر العجيب دا ازاى؟ مفيش وجت.
اجابه بلال:
-'انا وانت هنطلع عالشجرة المكسرة دى، هتوصلنا لشباك المطبخ وبعديها، ان شاء الله، أي اؤضه انا هعرف افتحها، وانت يا عبد الرحيم، هتكلم الشباب عشان ياخدوا بالهم من اى حركة وبعدها تحلصنا، هتلاجى شباك المطبخ مفتوح تدخل منه على طول
بعد قليل
كان مدحت مع ابن عمه داخل المنزل، بعد صعودهم للشجرة المؤدية للنافذة في المطبخ، والتي فتحها بلال، بحرفية اعتاد عليها من الصغر، ليلج هو في البداية، وبعده كان مدحت.
أمره بلال بصوت هامس، بالكاد يسمع:
- احنا دلوك هندور ع البنتة فى الاؤض بس براحة عشان محدش يحس بينا.
اومأ له مدحت بطاعة ليتبعه في السير على أطراف أصابعهم، خرجوا من المطبخ، ومع اول غرفة قابلتهم، بحثوا سريعًا، ولم يجدوا شيء، وبعدها الثانية والثالثة، حتى وقعت عينيهم على عيسى وعبد الناصر، المتربعان على الصالون المدهب بعشوائية، يدخنون السجائر الممنوعة وهم يلفونها بنفسهم، ويتسامران بانبساط وأريحية، ليستمعا إلى عيسى وهو يردد:
- اَخ يا عبده، بس لو تبطل عمايلك العبيطة دى، هتاكل الشهد معايا، انت جلبك ميت ودا اللى بيعجبنى فيك، بس جدام الحريم الحلوة بتجلب خروف.
رد عبد الناصر بعقل مغيب بفضل ما يدخنه:
- باه خروف، ممم، حتى لو كان، بس برضك يا عيسى، جوز البنتة اللى فى الاؤضه دى حاجة تانيه يا اخى .. يا بووووى، أيه الحلاوة دي؟
سمع مدحت واشتعلت رأسه، وهم ان يندفع نحوهما يريد الفتك بهما، لولا بلال الذي لحقه، ليجذبه خلف أحد الأعمدة والبعيدة عن مستوى نظر الاَخران، ليخاطبه بهمس حذر:
- إمسك نفسك شوية وحكم عجلك، المهم احنا عرفنا مكان البنتة
بصــ در يصعد وبهبط بحدة، هدر مدحت بهمس خشن:
- ماشي يا بلال معلش، اتلم ع البنات الاول وبعدين اعرفوا مجاموا ابن ال...... ده.
رد بلال ببعض الراحة:
- زين جوي، احنا دلوك نرجع مكانا، ونستنى بس يواربوا دجيجة عن الاؤضة وبعدها ندخل للبنات .
سايره مدحت ليظلا واقفين محلهم يراقبان حتى مرت اكثر من نصف ساعة، وبعد ذلك اجفلا على الصوت الغريب والذي يشبه صوت ذئب يتشاجر مع احدهم.
الصوت كان قوي لدرجة انتبه لها عيسى وعبد الناصر لينتفضا بفزع وينهضا بسلاحهم، مغمغمين:
- يا وجعة طين، دا بينه ديب!
قالها عيسى ليكمل على قوله عبد الناصر:
- كنه بيتعرك مع واحد من رجالتنا الله يخرب بيته. تعالى نشوف مين.
كتما بلال ومدحت أنفاسهما حتى خرج الاَخران، واطمأنوا لابتعادهم بمسافة كافية، ليركضا على الفور نحو الغرفة المقصودة، ليحاول بلال فتحها بطريقته المعتادة، بدون مفتاح.
في الداخل
نهال انتفضت بفزع مع شقيقتها على الحركة الغريبة في الباب، فتمتمت بدور خائفة:
- ودا مين دا اللى مش عارف يفتح الباب؟
قطبت نهال باستغراب تقول:
- مش عارفة؟ حاجة غريبة فعلًا.......
قطعت شاهقة بصوت عالي وهي تتفاجأ بابن عمها بلال المغترب من سنين وهو يدلف إلى داخل الغرفة، وبعدها كان مدحت ليزداد ذهولها، فكتمت بكفها على فمها، حتى لا تصرخ بالفرح، وانتظرت حتى اغلقا الباب خلفهما بحذر، ليخرج اسمه من بين شفتــ يها بعدم تصديق:
- مدحت!
سمع منها ليقترب بشوق المحب المفترق عن محبوبه منذ سنين، لاغيًا العقل والتريث مرددًا
- يا جلب مدحت.
لم يعطيها فرصة الإستيعاب او الإستماع جيدًا، وقد باغتها برفعها عن الأرض يضمها ، ضحكت بدور متفاجئة، أما بلال فقد صعق مجفلًا من فعله، ليغمغم بدون تركيز:
- يخرب بيت ابوك!
❈-❈-❈
في البلدة وحينما دخل حربي على والده في غرفته ليُلقي عليه التحية، كما فعل مع والدته، قد جاء المنزل كزيارة للإطمئنان على أهله بعد ان ترك معتصم في حراسة رائف وحده:
- إيه دا اللى انت ماسكه فى يدك دا يا بوى؟
قالها متفاجأً، بأبيه الذي كان ينظف السلاح ويعمل على تجهيزه، تبسم له محسن يجيبه بإجفال بعدما انتبه إليه:
- حربى! اهلا يا ولدى، إنت إيه اللى جابك؟
رد باستغراب:
- وه يا بوي، اللى جابنى انكم سيبتونى انا ورائف مع الزفت معتصم، وما سألتوش تانى فينا، خبر إيه؟ مفيش أخبار؟
نهص محسن عن مقعده وهو يرفع بندقيته ليقول بعدم تركيز:
- معلش يا ولدى هانت، ان شاء الله الليلة هتتحل كل حاجة وهترجع تنام في بيتك من تاني، بس انت جول يارب
- يارب
تمتم بها حربي يتابع والده الذي يتحرك للذهاب مغادرًا ببندقينه، تابع يوقفه بسؤاله:
- هى إيه الحكاية بالظبط؟ وانت معمر ســ لاحك ورايح فين؟
ضيق محسن عينيه بتفكير يطالعه صامتًا للحظات قبل أن يحسم قائلًا:
- طب تعالى معايا، ما احنا اكيد هنحتاجك، وانا هاجولك على اللي انت عايزه واحنا ماشين في السكة، عشان انا اتاخرت عليهم اساساً.
- اتأخرت على مين يا بوي؟.
سأله حربي بعدم فهم، والاَخر يسحبه من ذراعه مرددًا:
- ما انا بجولك اها، جر عجلك معايا وانا هجولك على كل حاجة، خلص ياللا.
❈-❈-❈
- يا بوى تعبت يا بوى، يا بوى فكونى يا بوى، حرام عليكم، حراام
كان يردد بها معتصم بصوت ضعيف بالكاد يخرج، وقد خارت قواه، ونفذت طاقته في الصراخ، ولم يتبقى له سوى النواح الضعيف، وقد اهلكه القيد، جاءه الرد من رائف بحزم:
- اسكت ياد انت متصدعنيش، انا اساسًا على اخري منك، ومش حامل، خبر إيه؟ خشمك دا ما يتجفلش واصل.
تمتم حربي بتعب:
- بجالى ليلتين مربوط وحتى الصوت مستكثره عليا! ما تموتونى احسن، انا تعبت تعبت .
بعصبية ونزق صاح به رائف:
- وانا اعملك ايه يعني؟ لما اشوف حربى هيجينى دا كمان، ولا يهج وميسألش زى جدى وعمامى، اللى حتى ما بيردوش على اتصالاتى بيهم.
توقف ليتمتم بصوت خفيض وكأنه يحدث نفسه:
- و اما اشوف انا ايه اخرتها!
❈-❈-❈
من نافذة المطبخ، دلف عبد الرحيم، وقد كانت مفتوحة بفضل بلال الذي تركها على هذا الوضع من أجله، وقد نجح في فتحها هو، نزل بأقدامه على الارض ليتمتم بكلمات الحمد والثناء، وقد نجاه الله وكتب له عمر جديد، بعد ان كان يفرقه عن الموت لحظات
قبل قليل
بعد ان صعد بلال ومدحت على الشجرة العجوز، ذات الجزوع الجافة، وكان عبد الرحيم يأمن من خلفهم، حتى لا يأتي أحد من رجال الحراسة المرتصة أمام القصر، بعد ان اطمأن بدخولهم داخل القصر، اتصل ب معروف صاحبه الاَخر، كي يأتي بمجموعته، ويقوموا بدورهم في التأمين، حتى يلحق هو الاَخر بصديقيه في الداخل، وبعد ان جاءه الرد من معروف بالموافقة.
ليتوقف قليلًا في انتظارهم، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وذلك حينما شعر بصوت غريب، يدعس على فروع الشجر الجافة والمرتمية بكثرة على الأرض من حوله، ثبت سلاحه على وضع التجهيز، ليتبين من صدق تخمينه فور أن رأى الذئب الذي كشر بأنيابه في الظلام، وهو يتقدم نحوه بخطوات بطيئة قاتلة، ابتلع ريقه بقلب على وشك التوقف وحيرة تعجزه عن التفكير السليم، سلاحه بيــ ده وهو قادر ان يرديه قتيلا برصاصة واحدة في الرأس، ولكن وقتها سيتسبب في افتضاح امرهم وفشل الخطة، فكان يرتد بأقدامه للخلف وهذا الوحش يتقدم بدوره، حتى التصق ظهر عبد الرحيم بإحدى الأشجار، قرر وقتها ان يواجه الموت لمواجهة الذئب، وليفعل الله ما يريد، ولكن ما حدث هو مجيء معروف فجأة، ولم يكن منتبهًا للذئب حينما هتف باسم الاَخر:
- خلاص يا عبد الرحيم انا وصلت والجماعه جاين اهم وراا........
لم يكمل جملته وقد باغته الذئب بأن قطع المسافة كالبرق ليهجم عليه، لتصبح ذراعه بين الأنياب الحادة للذئب وهو يقاوم، على الفور هجم عبد الرحيم بقاعدة البندقية التي في يــ ده على رأس الذئب وبقوة، ولحسن الحظ كانت قد وصلت باقي المجموعة معه، ليصبح الهجوم مضاعف، حتى خلصوا معروف بصعوبة وذراعه التي انكسرت بفضل الأنياب التي غرزت بها، بعد أن سيطرو بجمعتهم حتى اردوه قتيلًا .
خلع عبد الرحيم الشال الذي كان حول عنقه، ليلف به ذراع معروف الذي كان ينزف بغزارة والاَخر، يأن من الألم الموجع بشدة.
- احمد ربنا اللى جات على كدة، ياللا يا شباب خدوه بسرعه ع الوحده الصحية، وانت يا منعم انت و سعد امنوا المكان هنا.
على أمر عبد الرحيم ذهبت مجموعة بمعروف من أجل إنقاذه، وصعد هو الشجرة القديمة من اجل دخول القصر، تاركًا منعم وسعد يراقبان في الأسفل كما أمرهم.
❈-❈-❈
هذه اللحظة لم تكن من ضمن تخطيطه، كل ما كان يشغل رأسه، هو أن يخرجها من القصر ويذهب بها مع شقيقتها، ويعود بهن إلى المنزل، ويتمم بعدها الخطبة والزو اج بها ، لكن ما حدث وبمجرد رؤيتها، فقد السيطرة على نفسه متناسيًا الاعراف والتقاليد، وقد غلبه الأشتياق، ليضمها إليه، فنسي تعبه ونسي الظرف، في حضنها، يتنشق رائحتها وكأنها اكسير الحياة بالنسبة إليه، أو هي الجنة نفسها، والتي لو بيــ ده، ما اختار أن يخرج منها أبدًا.
أما هي فقد الجمتها الصدمة عن المقاومة وعجز لسانها عن الكلام، حينما وجدت نفسها بحضنه، واقدامها مرتفعة عن الأرض، يهمس له بصوت دافئ وعميييق في أذنها:
- وحشتينى .. وحشتييييينى جوى جوى يا عمرى .. يا كل دنيتى.
- ما خلاص يا عم، سيبها بجى .
قالها بلال ليُفقه، وزاد بالتشديد هامسًا بتحذير:
- مش وجته دلوك يا عم انت .. باه
سمع مدحت وتركها على الفور، ولكن عينيه كانت تتشرب تفاصيلها، بشوق اكتسح مشاعره، برائحتها التي ما زالت تداعب حواسه، ورؤيته لحمرة الخجل التي اكتست ملامحها، لتزيده جنونًا بها، هدر به مرة أخرى بلال بعصبية وصوت خفيض:
- فوج يا مدحت وركز معايا الله يرضى عنك .
أومأ له باستدراك للوضع ليُعطيه الانتباه كاملا هذه المرة ، فوجه بلال خطابه للفتيات:
- بسرعه يا بنات البسوا تحاجيبكم خلينا نطلع بيكم .
هللت بدور بفرحة وهي تتناول حجابها قائلة:
- يا ألف حمد الله ع السلامه يا واد عمى .
بضحكة بشوشة رد بلال :
- الله يسلمك يا بدر البدور انتي .
تكلمت نهال ايضًا وهي تلف حجابها، ولكن بخجل شديد بعد هذا الموقف الذي وضعها به مدحت:
- الحمد لله انكم جيتوا، وحمد الله على سلامتك يا بلال يا واد عمى .
قال الاَخير بمرح وعينيه تتنقل عليهن:
-- بسم الله ماشاء الله، انتوا الاتنين بجمالكم وحلاوتكم دى تفتنوا بلاد، صحيح خلفة نعمات...
توقف ليوجه خطابه لمدحت متابعًا:
- إيه بتبصلى كده ليه؟ يكونش غيران كمان؟
تبسم له الاخر ليقول مقارعًا:
- لا ياعم اغير ليه ان شاء الله؟ دول حتى كد عيالك .
تفاجأ بالرد ليلكزه بغيظ متصنعًا الغضب:
- اه يا بن ال...... معلش حسابك بعدين، المهم يا بنات .. انتو هتطلعوا معانا على طول من غير ولا صوت والحمد لله عبد الرحيم وصل حالًا، وهيأمن السكه ياللا بجى بسرعة.
قال الاَخيرة، وانظاره على الهاتف الذي اشتعل مضيئًا بورود رسالة من الاَخر تخبره بذلك.
❈-❈-❈
في جانب اخر
كان عيسى وعبد الناصر جالسان على عقبيهما، يقلبان في الذئب الميت امامهم بتفحص شديد لرأسه المهشمة.
فقال عيسى:
- تفتكر مين يا عبده اللى عملها؟ وجدر يوصل هنا من الاساس؟
اجابه الاَخر:
- ما انت سألت الرجالة وجالولك محدش فيهم ناجص يبجى مين؟
قال عيسى بتفكر متعمق:
- دا اكيد واحد جلبه ميت اللى جدر يوصل هنا وكمان يجتل ديب.
رد عبد الناصر بحدسه الإجرامي:
- ومين اكدلك انه واحد، مش يمكن اكتر !!
سمع الاخر لينتفض مفزوعًا، وينهض قائلًا:
- طب يالا بينا بسرعة، منسيبش مكان فى الجصر، من غير ما نمسحه، وتعالى معايا ننبه على الزفت اللى اسمه متولى يبعت رجالة يفتشوا عن اى حد غريب عنينا .. فى كل النواحى
❈-❈-❈
خرج بلال من غرفة الفتيات يستطلع الأمر أولًا، فوجد عبد الرحيم يقف بالقرب من المدخل بسلاحه، وأنظاره نحو الباب وعليه، اطمأن بلال ليقوم بفتح الباب فخرج مدحت وخلفه الفتيات، ليتخذ وضعه بعد ذلك في الخلف بسلاحه وابن عمه في المقدمة يسير بهم نحو السلم المؤدي إلى البدروم، فهذه الفيلا ليست غريبة عنه، ويعلم مداخلها ومخارجها، وعبد الرحيم مؤمنًا لهم من جهة أخرى،
نزل اولا بلال وخلفه الفتيات على السلم الداخلي للبدروم، وبعدها ومدحت والاَخير كان عبد الرحيم ، الذي أغلق الباب المثقل من خلفهم، ليلجا الجميع في الداخل، يسبقهم بلال الذي كان يقودهم، وعيناه تتأمل التماثيل والصناديق الأثرية المرتمية بكثرة في الانحاء حولهم:
- باه باه باه، كل دى آثار؟ خبر ايه يا هاشم ؟! دا انت بتاجر فى كله بجى؟
من خلفه قالت بدور:
- حمد لله ربنا نجانى من جرشه الحرام، هو وولده ابو دم يلطش.
قال مدحت لبلال:
- أهم حاجه دلوك، احنا هنطلع منين؟
اجاب الاخر وهو يشير بيــ ده:
- تعالى كدة.
قالها ليسبقهم في السير داخل ممر طويل يؤدي إلى باب حديدي كبير، طالع مدحت الباب الضخم ليتسائل باندهاش:
- واحنا بعد ما نطلع منه هنروح فين؟
رد بلال وهو يحاول في فتح الباب:
- احنا هنطلع من هنا وعلى سكتنا طوالى، عشان نوصل للطريج الزراعى، امال انت كنت فاكر ان حسين العربى كان بيطلع المــ خدرات والسلاح من باب الجصر الرئيسى اياك!، لا طبعًا، دا هنا السكة كان تمام وع المظلوط معاه، وصاحبك هاشم، اكيد ماشى على النظام الجديم، اااه الباب دا مزنجر جوى.
- استنى اجى اساعد معاك .
قالها مدحت وهو يتقدم بالفعل، ولكن عبد الرحيم اوقفه بقوله
- لا يا دكتور خليك انت مكانى وراجب زين .. انا هجدر مع بلال دا احنا ياما فتحناه .
عقبت نهال باندهاش:
- ليه بجى؟ مكنتوش بتخافوا من العفاريت؟
اطلق بلال ضحكة مجلجلة يرد:
- عفااريت! دا احنا نفسنا كنا عفاريت!
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية