-->

الفصل 20 من رواية حارس المقبرة للكاتبة هالة الجمسي


رواية رعب من روايات وقصص الكاتبة

 هالة محمد الجمسي
رواية حارس المقبرة



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


 

الفصل العشرون 


خنقت ليان دمعة في احداقها، شعور بوخز رهيب في نبض قلبها، ليس ما يؤلمها هو كلمات هيثم، ولكن نظرته لها انها وجبة جاهزة إلى الألتهام وقت أراد، وتركها وقت يريد، ليس هناك اقوى من شعور كسر الفؤاد عند المرأة، حين تسكب الحب في صحراء لا تنتبت سوى شوك، تنفست في عمق وهو تطرد هذا الإحساس، والحق أنها كانت قادرة على قيادة مشاعرها والتحكم في انفعالاتها بطريقة عبقرية، إن رؤيتها إلى حياتها هي خطة ممنهجة يجب أن تستمر مهما واجهت صعوبات، لقد حصلت على وظيفة في شركة كبرى وراتب جيد وتحصل على نسبة عالية من كل صفقة وهذا الأمر يكفل لها مستوى معيشي جيد به من الرفاهية ما يسعدها،ولكنها تطمح إلى الأكثر تطمح أن تمتلك مثل تلك الشركة التي تعمل بها، ما تتمناه أن تنافس هيثم الجماري نفسه، 

تقف ند بند أمامه في عالم رجال الأعمال، وإذا كانت قد وقعت في غرامه فعلياً في فترة ما، ولكن نظرت رجل الأعمال لها جعلت قلبها يلفظه ويغلق أبوابه، ورضخت أن تظل تعمل معه، فترة مؤقته في حياتها وخطوة يجب أن تتم حتى تكتمل خريطة حياتها المرجوة، في كل الأحوال هي تعلم جيداً أن من الصعب أن يجد رجل الأعمال هيثم شخص مثلها، 

وهذا هو ما جال في فكر رجل الأعمال في ذات اللحظة وهو ينظر لها فتاة مثلها بذكاءها وجمالها وقوى شخصيتها التي تجعل كل ما يحيط بها ناجح يجعل أي رجل أعمال يرغب في وجودها إلى جواره، الفتاة في مجمل حضورها صفقة رابحة ووجودها يزيد من ارصدته بالإضافة إلى أنو ثتها الطاغية التي تظهر في كل شاردة أو واردة منها دون أن تتعمد هي ذلك، ولكن صعب أن تتم تلك المعادلة الصعبة ما تريده الفتاة زواج رسمي وهيثم لن يجرؤ على هذا الفعل، هذا يعني ضياع نصف ثروته التي تستمد قوتها ونفوذها على ثروة والد زوجته، وهو لا يجرؤ على منطاحة صهره وافتعال حرب معه، أمر زواجه من أخرى يعني هلاك له، وهو لن يضحى بكل هذا من أجلها، ولن يتقبل أن يهبط من ثروته جنيهاً واحد من أجل ليان، وهذا ما جعل الفتاة تدرك أن وجودها في وظيفة السكرتيرة يجب أن تنتهى في فترة زمنية محددة 

حتى تستطيع أن ترد له الصفعة قوية، هي تعلم جيداً أن انسحابها من الشركات سوف يحدث خلل وإرباك في حياة هيثم رجل الأعمال، سوف يشعر بفراغ في أمور عديدة وبلبلة وعدم سدادة الآراء وربما استعان بعدد من السكرتيرات حتى يلتئم هذا الفراغ، وتلك الأيام التي تعلم ليان جيداً أنها قادمة هي ما تجعلها تمضي في طريقها هي تدرك جيداً أن رد الانتقام إلى رجل الأعمال قادم ويكفيها أيام وليالي من الحيرة سوف يعيشها فتى الطاووس هذا الأمر يجبر قلبها ويرمم ذاتها ويعطي لها الكثير من الهدوء النفسي والسكينة  


❈-❈-❈



نظرت ليان إلى الرجلين ثم تحدثت باللهجة الروسية قائلة ثم قالت في لهجة تحمل بعض الحزم: 

_سيد چاك لا داعي إلى كل هذا التوتر الذي يبدو واضح في نظرتك إلى الجميع والعمال أيضاً


 أزاح جاك نظرة من أمامه ثم نظر لها چاك في هدوء ثم ابتسم في مكر وتابع: 

_أنت شديدة الذكاء والخطورة سيدتي، ومن الصواب أن أعترف لك أن غبائي قد جعلك تلاحظين أن رأسي لم يتحرك من مكانه منذ جلست في المقعد

هتفت ليان في هدوء: 

_الصفقات يجب أن تتم في هدوء التوتر يفسد كل شيء 

هز چاك رأسه علامة الموافقة ثم نظر إلى رفيقه وقال في لهجة إعجاب: 

_ليو فرنسي الجنسية تربى وعاش في فرنسا سنوات عديدة لهذا هو هاديء الطبع البيئات تختلف 

أبتسمت ليان في سخرية ثم تابعت: 

_ولكن الجينات الوراثية لكل منكم لا تنتمي إلى فرنسا أو إلى روسيا، سيدي أنا أعلم جيداً من أي أصول ينتمي كل منكم؟ 

تبادل ليو وجاك نظرات تحمل الدهشة ثم قال ليو في لهجة فرنسية سليمة لا تقبل الشك: 

_عن أي جينات تتحدثين سنيوريتا؟ مولدي في باريس وإقامتي سنوات العمر كلها هناك 

ابتسمت ليان ثم تابعت وهي تنظر إلى چاك: 

_وأنت سيد چاك مولدك في اوكرانيا ونشأتك في بلاد روسيا أليس كذلك؟ 

نظر لها چاك في عمق ثم تابع: 

_ما الذي تريدين الإفصاح عنه آنستي؟ 

هتفت ليان في هدوء وفي صوت خافت وهي تضع يد على جانب وجهها بالقرب من الفم وهي تنقل بصرها إلى كل منهم: 

_شا لو م ايديعنت عزرا، مائير ليو موشي، باحثان من علماء آثار الكيان الصهيوني سرني التعرف بكم، ولكن لا تظن أن الخدعة قد انطلت على أنا أو رجل الأعمال هيثم، في النهاية ما يجمع بيننا هو صفقة مجرد صفقة سوف يخرج منها جميع الأطراف فائزين والأمور الأخرى لا تعني لي شيء، ما أردت قوله حقاً هو أن تعرف قدرات من تعمل معه هل هذا واضح؟ 

ظهر الارتباك على وجه الرجلين في حين تجاهلت ليان النظر لهم ونظرت إلى العمال، حيث كان الجميع يحملون التراب ويقذفونه في الخارج، نظر وليد إلى ليان ثم إلى صالح المنهمك في العمل، ثم قال وهو ينظر إلى صالح: 

_انظر إلى هناك أظن الآنسة تواجه أمر سيء مع الرجال 

هتف صالح وهو يجذب يده حتى يحرك رأسه من النظر صوب ليان والرجال: 

_عليك أن تنتبه إلى عملك وليس لهم، شأنهم هم يجيدون تدابيره ونحن هنا من أجل العمل فقط وليس للتدخل بينهم 

شعر وليد بالحنق من كلمات صالح ونظر إلى الأرض في 

خجل في حين قال صالح وهو يضغ التراب داخل المقطف: 

_هناك ورقة ما هنا، سوف أقوم على القاءها في الخارج 

قال وليد وهو يلتقط الورقة من المقطف: 

_لا، سوف أذهب بها إليهم، ربما هي صك عقد البيت 

هتف صالح في خفوت: 

_لا أظن هذا، الورقة تلك رغم الأتربة التي تعلوها تكاد تطمس ملامحها لا تشبه عقود الملكية، الورقة ملفوفة بطريقة تشبه ::::::

بتر صالح عبارته حين التقط وليد الورقة وهرول بها صوب ليان، لم يكن يهتم كثيراً بالورقة سواء كانت صك ملكية أو كانت مجرد ورقة بالية لا تحمل قيمة كل ما كان يهتم له، هو وجود طريقة إلى الحديث معها، لقد كانت الورقة مجرد فرصة أو خلق فرصة حتى تنظر له ليان، وهذا ما جعله يهرول في إتجاها قائلا ً: 

_لقد وجدت تلك الورقة وأظن أنها عقد ملكية المنزل 

التقطت ليان الورقة في سرعة، لامس أصبع يدها يده وهي تلتقط الورقة في حين شعر هو بتيار كهرباء شديد يمرق في جسد*ه كله جراء تلك اللمسة، دفعه الأمر إلى التراجع إلى الخلف وهو يشعر بشعور سعادة مختلط بشعور طعم الفوز، و سرت في جوارحه مذاق فاكهة اللوز الذي لا يعرف طعمه ولكنه يعلم إنه شهي وانتشرت في وجدانه اهازيج مختلفة تضج عالياً تعرب وتعبر عن الفرح، فردت ليان الورقة في عجالة في حين نهض كل من چاك وليو وهيثم في حركة سريعة يحلقن حول الورقة وليان تنفض عنها التراب، كانوا قد شكلن حلقة حول ليان هتف ليو وهو ينظر لها: 

_أنها هي الورقة المنشودة أنا على يقين من هذا

صاح چاك في فرحة: 

_هي كذلك، ولكن ينبغي أن يكون هناك شيء قريب منها 

نظر هيثم إلى ليان نظرة ذات مغزي في حين انتبهت ليان إلى الأمر فقالت في هدوء حذر: 

_من الأفضل إلى الجميع أن يتخذ مقاعدهم في الجلوس، لا أريد أن يشعر أحد العمال بأي شيء 

نظر چاك إلى وليد وقال في لهجة روسية وهو يحدث ليان: 

_يجب سؤاله هل وجد شيء آخر؟ 

نظرت ليان إلى جاك ثم قالت: 

_سيد چاك سيد ليو ينبغي على كل منكم الجلوس في هدوء، الصفقة تتم في خطوات ناجحة ولا داعي إلى كل تلك الضجة سوف أتولى

أنا كل الأمور هنا ولا داعي لأن أعيد تكرار ما أخبرتكن به هناك آخرون يتباعون الصفقة في عدد من الأماكن، الأمر ليس هنا فقط، يجب أن يلتزم الجميع 

جلس كل من چاك وليو في هدوء في حين قال هيثم وهو يبتسم: 

_اخسنت صنعاً يا حورية الجنان 

اتجهت ليان الى وليد مباشرة ثم اتجهت به في خطوات هادئة إلى إحدى الزوايا وقالت في صوت خافت: 

_ما اسمك؟ 

قال وليد وهو يبلع ريقة من فرط المفاجأة وقال: 

_وليد 

نظرت له ليان في عمق، أنها امرأة وارتباك الشاب ونظرته قد جعلها تشعر وترى أن الشاب معجب بها، لهذا قالت في عجالة: 

_هل وجدت شيء آخر بالقرب من الورقة؟ 

هز وليد رأسه في علامة الرفض ثم تابع: 

_لا، فقط صك ملكية المنزل 

ابتسمت ليان ثم تابعت: 

_سوف تكون مكافاتك مميزة لأنك وجدت أوراق جدتي، ولكن ليس عليك أخبار الآخرين أنت سوف تختلف عنهم، لا أريد مشاحنات أو عراك هنا، عشرة ألآف جنيهاً كاملة لك 

هتف وليد في عجالة وهو ينظر لها في إعجاب واضح: 

_اريد شيء آخر

أعقبت ليان في لهجة تأكيد: 

_حسناً أي مبلغ تريده سوف تحصل عليه ولكن عليك الاحتفاظ بسرية الأمور هذا هو الاتفاق الذي أريد منك تنفيذ شروطه والإ عقابي سوف يكون قاسي كم هو المبلغ المطلوب؟ 

هتف وليد وهو ينظر في عينيها مباشرة: 

_أن اكون إلى جوارك، أريد أن أتحدث لك 

نظرت له ليان في دهشة في البداية لم تستوعب الكلمات ولكنها نظرت له دقائق شاهدت عيناه وهو يرجوها الأ تخذله فتابعت في تساؤل وهي تنظر له عن كثب: 

_هل تريد وظيفة ما؟ 

هتف وليد في سرعة: 

_هل الوظيفة إلى جوارك؟ أنا أوافق إذا كان الأمر دون عائد مادي أنا أتوق إلى هذا 

نظرت ليان الى وليد في شك الشاب مفتول العضلات يمتلك وجه يتسم بالجاذبية رغم ملامح الفقر الواضحة في ملامحه وهيئته، حاولت أن تعترض على كلماته ولكنه قال في صوت به الكثير من التوسل رغم خرصة أن يكون صوته منخفض: 

_سوف أنفذ كل أوامرك، فقط أريد أن أظل إلى جوارك 

قالت ليان في لهجة تحذيرية وهي تنظر له في هدوء: 

_ هناك أمر سوف أعطيه لك الآن عليك تنفيذه 

هز وليد رأسه علامة الموافقة قبل أن تكمل غادة كلماتها، مما جعلها تنظر له في صمت لهفة الشاب صادقة لهفة ممزوجة بحمى الهوى، هي قادرة على لمسها، ولكن عقلها يخبرها أن لا تلقى له الاحبال كاملة قالت في صوت به الكثير من اللهجة الآمرة: 

_يجب أن تكون عيناك على كل عامل هنا دون أن يشعر، إذا وجدت شيء آخر أنت أو الآخرين عليك التقاطه والإتيان به لي، هل هذا مفهوم؟ 

هز وليد رأسه علامة الموافقة وهو يقول في صوت تضج منه علامات السرور: 

_أجل أجل

هتفت ليان في لهجة تحذيرية: 

_دون أن يشعر الآخرين، هذا أول اختبار لك، الآن عليك مباشرة عملك 

انطلق وليد مباشرة إلى حيث يعمل العمال، كان صالح قد عاد للتو من الخارج ويهم بحمل كمية كبيرة من التراب وقال وهو ينظر الى وليد: 

_لقد كاد العمل أن ينتهي، سوف نحصل على المال بعد مرور ستون دقيقة على الأرجح كثرة العدد سهلت المهمة 

هز وليد رأسه علامة الموافقة دون أن يناقش صالح، ونظر في هدوء إلى العمال وهو يتذكر كلمات ليان وتظاهر بالعمل وحمل كميات من التراب، وهو يسرع الخطى بين العمال ينظر في مقاطف كل منهم، ويسرع إلى الخارج، يقلب بيده بين جبل التراب ربما عثر على شيء آخر، 

ومن ثم يعود إلى حيث تجمع العمال وينظر في هدوء إلى حركة ايادي العمال وهي تجمع التراب بيدها وتضعه في المقاطف ولم يجد حرج أو تأنيب ضمير في إدعاء عرقلته في إحدى المقاطف الذي ساوره الشك بها، واكتفى بأن جمع مع العامل صاحب المقطف حفنات التراب من جديد وهو يقبل رأس زملاءه المغبرة بالأتربة وملابسهم التي أصبحت أشبه بملابس المومياءات،  

في حين شعر صالح بان رفيقه ليس على ما يرام، وتمنى كثيراً من الله أن يمر اليوم بل تمر الستون دقيقة القادمة بسلام ولا يتم طرده، فهو يعلم جيداً أن وليد يحتاج إلى المال من أجل الانفاق على شقيقاته، وإن كان صالح قد تناسى تماما ً أمر الورقة التي عثر عليها ولم يسأل وليد ما الذي أخبره به الرجال هناك والفتاة؟ كان كل ما يفكر به أن يحصل كل منهم على المال بعد اتمام العمل حتى يعودان إلى منزلهم بالاكل والفاكهة بعد عناء اليوم


❈-❈-❈



وضعت ليان الورقة في حقيبة يدها ثم قالت وهي تنظر إلى جاك وليو : 

_إذا ظهر أي شيء آخر سوف نحصل عليه، لم يتبق الكثير 

قال هيثم وهو ينظر لها: 

_الورقة في حد ذاتها هي ما يريدون، يجب أن تتم الصفقة الآن لا داعي إلى إهدار الوقت، يجب أن نحصل على المال وهم يحصلون عليها 

هزت ليان رأسها علامة الرفض ثم قالت وهي تنظر إلى هيثم نظرة تحذير: 

_لا، هناك 

شيء آخر أيضاً،

قال هيثم وهو ينظر إلى جاك وليو نظرة ظفر ثم نظر إلى ليان: 

_هذا يعطي ثروات آخرى 

حمدت ليان الله أن الرجلين لا يفقهان اللغة العربية، كونهم قد نشأ كل منهم في بلاد مختلفة عن بلادهم الأصلية، فهذا أمر قد عاد بالنفع في تلك اللحظة، حتى لا يظهر مدى تسرع هيثم في الحكم على كل الأمور، قال هيثم وهو ينظر لها في دهشة:  

_ ولكن ماذا عن اولئك الأشخاص الذين يراقبون الأمر من الخارج 

نظرت له ليان في حيرة ثم ما لبثت أن فهمت ما الذي يرمى له، فقالت في عجالة: 

_من نتعامل معهم خائنون إلى العهود، لهذا حرصت على وجود أعين في الخارج تحمل مناصب في عدد من المحافظات، وأيضا في مداخل ومخارج البلد، إذا تمت الصفقة في رضا كل الأطراف، سوف يتم تسهيل كل الأمور، وإذا حدث أي أمر نقض أو إيذاء لنا سوف يتم سحق الرجلين هنا ودفنهم في الصحراء 

أبتسم هيثم ثم قال: 

_حقاً عزيزتي أنت نعمة من الله لي 

هزت ليان رأسها في علامة تأكيد ثم تابعت: 

_أعلم هذا يا هيثم بك 

شعر هيثم بشيء من الحنق وهي تزيل كلماتها الأخيرة، شعور أيضاً بالضيق أن الفتاة أصبحت تتعامل معه بطريقة رسمية ومشاعرها التي كان يلمسها منذ فترة قد انطفئت فجأة واختلطت بالعدم، وكأنها لم تكن موجودة من الأساس وهذا الأمر يشعره بنقص كبير وعميق   

 اتجهت ليان ببصرها إلى حيث وليد وراقبت في هدوء ما يفعل ثم قالت: 

_لقد شارف الأمر الأول على الانتهاء هي فقط بضع دقائق وتعبر السفينة عن جهتها التي تريد أن تربط مرساه عنده.


يتبع..