رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 32
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الثاني والثلاثون
- مييين؟
هتف بها ياسين بعدم تصديق وهو يكذب ما التقطته إذنيه، ولكن الاَخر أكدها باستنكاره:
- وه، بجولك نسمة يا جدى، هو انت ما عرفهاش؟
صاح به ياسين:
- لا يا سيدى عارفها، بس لا مصدق ولا مستوعب لكن انت متأكد من اختيارك ده؟
- طبعاً امال ايه؟ .هو الكلام دا فيه هزار؟
قالها بثقة اللجمت ياسين، ليظل عدة لحظات يضرب بعصاه على الأرض، يرمقه بنظرات غير مفهومة أثارت استياء الاَخر ليقول
- مالك يا جدى سكت ليه؟ ما ترد عليا ولا ريحني بكلمة.
بوضع لم يتغير سأله ياسين:
- يعنى عايزنى اجولك إيه؟
رد حربي بحماس:
- جولى انك موافج يا جدى؟ عشان تجف معايا .
وتقنع امى وابويا .
رد ياسين مضيقًا عينيه بتفكير عميق:
- طب جولى انت الأول يا حربي، ليه عايز تتجوز نسمة وانت عارف انها عزبة؟ وانت فتى ومن الطبيعي انك تاخد واحدة زيك، لا جربت جواز ولا شافت واحد غيرك.
بحماس غريب لم يقتنع به ياسين رد حربي:
- وه يا جدى، إنت هتعمل زى امى وكلام الجهل دا كمان عن العزبة والفتاية، ايه يعنى ان كانت عزبه ولا مطلجة؟ دا غير ان انا مش اول واحد فتى يتجوز واحدة عزبة.
- خلصت كلامك!
قالها ياسين بحدة اربكت حربي حتى وضحت في سؤاله:
- يعنى إيه يا جدي؟
اقترب ياسين ليميل برأسه نحوه يقول :
- طب لو جولتلك انها مخطوبة، وبس تخلص عدتها هتتجوز على طول .
اجفل حربي يقول مذهولا؛
- وه، ايه اللي بتجولوا دا يا جدي؟ هى لحجت ؟ ثم مين دا كمان اللى خطبها بالسرعه دى ؟ .
فرد ياسين كفيه أمامه بقلة حيلة قائلًا:
- هو دا اللي حصل يا ولدي، هى اتخطبت وخلاص، لمين بجى؟ ملكش دعوة، وعشان تعرف، انا متأكد من كلامي ، لأني جايبه من المصدر نفسه، ها ايه رأيك بجى ؟ .
تدلت رأس حربي يقول بضعف:
- يعنى هجول ايه بس؟ كل شئ نصيب، وانا باينى ماليش نصيب .
صاح به ياسين منفعلًا:
- بس يا زفت انت بطل كلامك ده لأديك على بوزك، ليه ملكش نصيب ان شاءالله؟ إيه اللي يعيبك؟ يا واد دا انت مكملتش ٢٤ سنه يعنى اللى زيك يدوبك متخرجين من كلياتهم، ليه تضيجها على نفسك؟ والبنته ماليا الدنيا؟ ولو بصيت حواليك هتلاجى كتير .
رد حربي بيأس متعاظم:
-،الاَجى فين يا جدى بس؟.وانا كل ما اختار واحده تروح لصاحب نصيبها .
- عشان بتبص ع الحلاوة وبس، مش بتدور ع اللى جلبك يتشعلج بيها .
قالها بعصبية لم يقبلها حربي، ليرد باستنكار:
- عشج إيه يا جدى والكلام الفاضى دى؟ أنا عايز اتجوز واحدة وخلاص وابني بيت، مش عايز واحب واتمعشج .
ردد ياسين بإصرار:
- عشان اهبل وبتبص تحت رجلك وبس، يا واد متجفلش على نفسك، سيب جلبك هو اللى يختار لك .
❈-❈-❈
بعد ما انهت المكالمة وقد حفظت التعليمات منه جيدًا،
تحركت بخطوات خفيفة حتى لا تصدر ازعاجًا يتسبب في أيقاظ الأخرى، تقدمت بخطواتها حتى دلفت لداخل غرفة النوم التي لم يسبق لها الدخول بها إلا بمرافقة العقربة كما تطلق عليها بداخلها، وهي تأمر وتتحكم بها،
وقعت عينيها على أول شيء يثير دائمًا فضولها وهو خزانة الملابس، فكل شبر هنا كان مسموحًا بترتبته وتنظيفه إلا هو، فقد كان الشي الوحيد الذي كانت انتصار تنظفه وترتبه بيــ دها، وغير مسموح لها هي الاقتراب منه على الإطلاق.
- اما شوف بجى اللي جواك إيه؟ وهل هو يستاهل ولا لأ؟
غمغمت بها فوقية وهي تفتحه بيــ ديها الاثنتين، أول الشيء انتبهت على الملابس الفاخرة ملك انتصار والتي تملأه عن اَخره، تسمرت بانبهار، لتتلمسهم بكفيها بحالمية وهي تتمتم لنفسها:
- اه يا ناري لو اجدر بس اخدهم كلهم، لكن معلش خلينى دلوك اركز فى اللى جياله .
بحثت حولهم بداخل الضلفة الوسطى الواسعة، وحينما لم تجد شيء، اتجهت للضلفة الأخرى، ذات الأرفف، وكانت المفاجأة، حينما وجدت أمامها الصندوق الكبير، وفوقه صندوق أصغر، في أعلى رف، التقطت على الفور الأصغر، لتشهق جاحظة العينين بشدة، بعد أن انفتح أمامها بدون مجهود وظهرت محتوياتها من المصوغات الذهبية لانتصار، والتي لطالما أكلتها الحسرة، والرغبة القاتلة لارتداء احدهن ولو لمرة واحدة في عمرها، الأساور الغليظة، السلسلاسل الطويلة وقلوبها المختلفة، الخاتم المثقل بفصه الألماظ، وغيره وغيره وغيره، من الأشياء التي كادت أن تودي بعقلها وهي تتفحصهم بضحك هستيري مرددة:
- يخرب بيت أبوكي يا انتصار، كل دا دهب؟ كل دا دهب الله جاكي الطين؟ اخيرًا هيروحوا للي تستاهلهم، انا الصغيرة اللي حجي اللبسهم واتمتع ببهم، دول حجي أنا.
ظلت بهذيانها حتى صدح صوت الهاتف والتقطته لتجيب المتصل على الفور بضحكاتها الغريبة:
- انا لجيت الدهب يا زكى، لقيته في دلاب الحيزبونة، وجاعد فى يدى دلوك، كتير، كتير جوى .
استشعر من محله زكي الجنون الذي تلبسها فهدر يجفلها بحدته:
- انت يا بت ال.... اصحى وفوقى ياما مش وقت عبطك دلوقت، دورى ع الفلوس واخلصلى قبل ما تصحي انتصار، واخلصي ياللا.
اذعنت بخوف توميء برأسها عدة مرات وكأنه يقف أمامها، تقول:
- حاضر يا زكى حاضر، انا فاهمة زين، بس انت متعصبش نفسك، عشان الصندوج الكبير اللى هنا دا باين عليه فيه الفلوس .
سمع ليستشيط غضبًا منها يردد بصوت اعلى من سابقه:
- ولما في صندوق كبير، مستنيه ايه يا غبية؟ اخلصى افتحيه وطلعى اللى فيه.
ردت بارتباك:
- أيوة بس دا مجفول بالجفل يا زكى.
مسح بكفه الخشنة على صفحة وجهه يحاول السيطرة على انفعاله منها ليقول؛
- اتصرفى يا نيلة النيلة، دورى على مفتاحه او اكسريه، اعملي حاجة، المهم انك تخلصى بسرعة قبل مفعول المنوم ما يروح وتصحى انتصار وتعلقك بعديها.
رددت خلفه بارتياع لمجرد الفكرة؛
- ايييه؟ تصحى عشان تمرمرني واترزع فى الفجر من تانى، لا يمكن دا يحصل، انا حالاً هخلص وجيالك على طول يا زكى.
أنهت المكالمة بروح جديدة دبت بها الحماس والصحوة للقادم، خشية استيقاظ انتصار، ويحدث ما لا يحمد عقباه، تحركت نحو أدراج التسريحة لتبحث بها، واحد تلو الاَخر، حتى وجدت مبتغاها بالدرج الاَخير، وقد كان مفتاحًا يناسب قفل الصندوق، خمنت داخلها، أن يكون هو، لتنهض على الفور، وتحاول به.
دخل المفتاح داخل القفل لتشهق مهللة فور ان انفتح أمامها الصندوق الكبير، وظهرت محتوياته من نقود لا حصر لها، كبتت على فمها صرخة الفرح، وهي تعد نفسها بالرقص احتفالا بعد ذلك، بعد انتهاء مهمنها، ارتدت لتتناول حقيبة الملابس الصغرى من خلف الخزانة، لتضغها على الأرض أسفلها، حتى تضع النقود الورقية جمعيها به، ثم الصندوق الأصغر افرغت محتوياته من الذهب والمصوغات، لتغلقها بعد ذلك، وتناولت عباءة خارجية من ملابس انتصار، لترتديها سريعًا وتخرج من الغرفة، وجدتها على نفس وضعها، مستلقاة كالجثة الهامدة على أريكتها، دنت منها، لتنزع الخاتمين التي كانت تضعهم بإصبعيها، والأسورة من رسغها، ثم هذا العقد الصغير حول عنقها، بفرحة تغمرها ارتدهم هي ثم نهضت تنوي المغادرة، ولكنها وقبل أن تتحرك انتبهت على الهاتف الذي وقع ارضًا من انتصار، تناولته مرددة:
- يا حلاوتك، طب انا كده اخاف عليك لا تتبهدل فى الشنطة يا جميل، اجولك، انت غالي وخسارة بهدلتك، تعالي أحسن.
قالت الأخيرة وهي تضعها في جيب صــ درها في الأعلى، لتنهض بعد ذلك بتمايل وتخايل لخطواتها، وكأنها ترقص من الفرحة،وقد حققت مبتغاها، ولكي لا يكتشف امرها فرد ما، في هذا المنزل الذي خلى عليهن فقط منذ ذهاب العمودية منه، وكره الناس زيارة صاحبته المتعجرفة
❈-❈-❈
خرج حربي من غرفة جده بعد انتهاء الجلسة بينهما داخلها، بحيرة ازدادت بعقله أضعاف، وقد تشتت فكره في عدة اتجاهات مختلفة لم يحسب حسابها من قبل، وقعت عينيه على من تقترب من الباب الخارجي تعطيها ظهرها باتجاه فتحه، هتف بها بصوت جهوري كالصياح:
- طالعة ورايحة فين دلوك يا بت؟
استدرات إليه نيرة مجفلة لتتطلع اليه بخضة قبل ان تتدارك ويغلبها طبعها العنيد معه:
- بتزعج عليا ليه؟ وايه بت دى كمان؟
اقترب بغضبه نحوها ليهدر بأعين تطلق شررًا:
- بت ولا مبتش، لكن انا مش منبه عليكى جبل كدة وجايل، مفيش طلوع فى الليل واصل.
بعند اشد تخصرت لترد بشجاعة مزيفة:
- وانت مالك بجى ان شاء الله؟ ان كنت اطلع ولا ما اطلعش؟ عشان تحكم وتتحكم.
صاح بها بغضب اشد يرفع قبضته في الهواء ملوحًا بتهديد:
- اتعدلى يا نيرة، بدل ما اعدلك، وبلاش تستفزيني عشان على اَخري
- ننننعم، لا انت عايز تضربني؟ ليه ان شاء الله؟ مليش ناس ولا أهل يردولك؟
صاحت بها بصوت عالي جعل بدور تأتي عليه، وتهبط من الدرج بجزع، تصرخ قبل ان يزداد الوضع سوءا ويتشاجرا الاثنان.
'- جات عشان تاخد مني المذكرة يا واد عمى، بكرة علينا امتحان والله.
خرج ياسين على الصوت أيضًا كما فعلت نعمات وصباح، وهتف اَمرًا بهما: .
- فى ايه انت وهي؟ ايه اللى حصل؟
ردت نيرة بانفعال؛
- تعالى يا جدى وشوف سي حربى دا كمان، بيزعجلى من غير سبب.
حدجها حربي بنظرة غاضبة قبل ان يلتفت نحو ياسين قائلًا بعصبية:
- اسمع يا جدى، البت دى انا منبه عليها جبل كدة، مفيش طلوع فى الليلالى و.....
قاطعته نيرة تقول بحدة:
- بت لما تبتك يا حربي.
هذه المرة كانت الصرخة من ياسين الذي هدر بها
- لمى لسانك يا نيرة وخلي بالك من كلامك، واد عمك عنده حج، وانتي كان واجب تجدمى شوية ، لو قبل العشا حتى!
اضاف على قوله حربي:
- ولا حتى جبل العشا يا جدي، بعد المغرب اساسا مينفعش، المسافة هنا لبيت عمى طويلة.
ردت بدور ملطفة:
- معلش يا جدي، معلش يا واد عمى، أنا لو ابويا جاعد كان وصلها دلوك.
رد على قولها حربي:
- خلاص يا بدور، هوصلها انا اخلصى يا بت مدى جدامى .
سمعت منه لتعترض بسخط:
- تانى برضو بتجول يا بت، طب مش مجدمه يا حربى ولا ماشيه معاك نهائى بس .
هم حربي أن يرد ولكن ياسين كان لها بالمرصاد:
- تبعى واد عمك يا نيرة وانت يا حربى بلاش تجولها بت وياللا بجى اطلعوا انتو الاتنين وفوضوها .
دبت نيرة بقدميها لعلى الأرض بغيظ ، قبل أن تلتف وتخرج أمامه، لف هو شاله الصوف حول عنقه، ولحق بها صامتًا:
توجهت صباح نحو أبيها سائلة بعدم فهم:
- هو ايه اللى حصل يا بوى؟ انا مش فاهمة حاجة.
تبسم ياسين بخبث، ليجيبها بغموض وهو يعود لغرفته مرة أخرى
- خير يا بتى خير .
.❈-❈-❈
متابعًا معها عبر الهاتف خط سيرها من وقت ان خرجت من البلدة واستقلت الميكروباص الجماعي، وهو ينتظرها على رأس الطريق الزراعي، بهيئة طبيعة هادئة اقترب من الميكروباص فور ان توقف لتترجل منه، تناول كف يــ دها ليساعدها، وبعدها الحقيبة ليعلقها على كتف ذراعه، حتى وطئت قدميها الأرض وغادرت السيارة بركابها.
قبض على كفها لتسير معه بصمت بدون أي كلمة، حتى استدار بها في زاوية مختصرة بعض الشيء عن الطريق وأعين المارة لينزل بالحقيبة يفتح بلهفة جزء منها، ويرى بعض محتوياتها، وقد كان كفيلا أن يصيبه الجنون لرؤية الذهب الذي لمع أمامه ليضيء النقود المتواصة اسفله، برقت عينيه وحاول بصعوبة السيطرة على شعور البهجة بداخله، وبسعاده غامرة، أغلق السحاب يلتقط أنفاس طويلة، وهو يعتدل بجذعه يعيد تعليق الحقيبة مرة أخرى، بابتسامة يخاطبها:
- حمد لله ع السلامة يا قلبى .
- الله يسلمك.
قالتها فوقية وقد كانت تنتظر رد فعله هذا، لتبتسم بزهو وتفاخر تتابع:
- اطمنت يا زكي وجلبك فرح؟
عاد ليقبض على كفها بابتسامة متوسعة ليعود للسير بها قائلًا"
- انا فرحتى بيكي انتي أكتر يا قمر .
ردت فوقية بلهجة معاتبة:
- بس الشنطه كانت تجيلة جوي ووجعتلي يدي يا زكي، وانا كنت عايزاك تيجي تساعدنى فى شيلها .
رد يجيبها بتبرير:
- عايزاني ادخل بلدكم والناس تعرفنى عشان اتحبس يا فوفة، لا يا حبيبتي انا لازم ابقى حريص، مش عشاني انا وبس، لا وعشانك انتي كمان، ولا انتي مش عارفة اني لو وقعت، هتقعي انتي كمان معايا؟
- لا طبعا بعد الشر عليك يا زكي
قالتها وتوقفت فجأة سائلة باستدراك:
- استني هنا يا زكي، دا مش طريجنا .
جذبها ليسحبها مرة الأخرى مرددًا:
- لا هو طريقتنا بس باختلاف بسيط.
قطبت تحاول نزع يدها والاعتراض وهي تراه يحيد بها عن الطريق المستقيم الذي تقطعه دائما في الذهاب نحو عشته وشعر هو بذلك فتابع لها:
- يا حبيبتي ميبقاش قلبك خفيف، انا غيرت النهاردة عشان المصلحة .
- مصلحة ايه؟ وهو حد عارف باللي احنا شايلينه؟
قالتها بانفعال قابله بدراما قائلًا
- يا نهار اسود يا فوفة، يعني انتى عايزه شلة العيال اللى بتشرب كل يوم عند الترعة، يغلسوا عليا زي ما بيعملوا معايا وانا شايل بضاعة جديدة او شاريها، عشان المرة دي يكتشفوا الحقيقية وياخدوا مننا الفلوس والدهب وساعتها يرمونا انا وانتى فى الترعة.
خفت مقاومتها مع بصيص اقتناع بسيط، لتقول بخوف وقلق:
- بس الطريج دا ضلمة يا زكى، وانا بخاف جوي من الضلمة.
رد بلهجة مقنعة
- ما تخافيش يا قلبى وانا معاكي، بس انتى شغلى كشاف تليفونك وانا كمان هشغل كشاف تليفونى، وان شاء الله نوصل بسرعة، وكل القلق دا يروح.
اذعنت مضطرة لأمره، لتشعل ضوء كشاف هاتفها القديم، مع ضوء هاتفه، وهو يسامرها بالكلمات الجميلة حتى يلهيها، وهي تكاد أن تموت من الرعب، وعقلها يدور في الف حكاية بزعر يتملكها، تتمنى الإنتهاء بسرعة لتتخلص من شك يقبض على قلبها بعنف، ولكنها تكذب نفسها وتكابر، حتى توقف بها في زاوية ما وقد ابتعادا عن الطريق العمومي بمسافة كبيرة قائلًا:
- بس كدة، اوقفى بقى هنا دقيقة يا فوفتى .
سألته مندهشة:
- وجفت ليه؟ فى حاجة يا زكى؟
رفع نور الكشاف على وجهها ليقول برومانسية ورقة يدعيها:
- فيه يا فوقية، عشان بصراحة انا نفسى اشكرك اوى ع اللى عملتيه معايا .
بابتسامة شقت ثغرها ردت بخجل:
- تشكرنى ليه؟ وعل إيه يعني يا زكي؟ هو انت مش جولت ان انا وانت واحد.
بابتسامة غامضة وغريبة لم تفهمها رد زكي:
- فعلا واحد يا قلبي، بس الواحد بيقبلش القسمة على اتنين.
طالعته بعدم فهم، قبل أن يباغتها بطعنة حادة أسفل البطن، بسكين صغير، كان يخفيها في جيب البنطال الخلفي، شهقت بألم قاتل وكفها ذهبت على موضع الطعنة، وأعينها تفيض بالعتب والتساؤل، تجاهل هو ليعيد الكرة بعدة طعنات على أماكن مختلفة وهي لاحول لا ولا قوة، وقد خارت قواها، حتى سقطت على الأرض أسفل قدميه، تردد بكلمات غير مترابطة
- ليه كدة؟ ليه؟ ليه؟
- ليه إيه؟
قالها وهو يمسح بمنديل ورقي الدم الذي يغطي السكين، قبل أن يعيدها لجيبه، ليجثو على ركبتيه يراقب احتضارها بقلب ميت، فخرج صوتها بصعوبة مع ألم نفسي وجسدي عنيف:
- حرام عليك يا زكي، حرام.
تبسم ببلادة غير اَبهًا ليتناول كفيها، يخلع عنها خاتم انتصار، واسورة وضعتها ايضًا حول رسغها، وهاتفها الذي وقع معها ليردد لها:
- معلش بقى يا فوفتي، اصلك كنتى هتبقى شوكة فى ضهرى، وانا بقى عايز اتنقل لمستوى تانى، انتى مالكيش مكان فيه، أو ميلقش عليكي بمعنى أصح..... سلام بقى يا فوفه .
قالها وانتفض واقفا ليذهب ويتركها مرتمية كالجثة على النجيلة الخضراء وسط المزروعات، بعدما سحب الهاتف والنقود وكل شيء، وأفقدها القدرة على الوقوف على قدميها، بهذه الطعنات العديدة،
لتظل على حالها تتوجع وتحتضر تنتظر اللحظة الحاسمة، في قرب الأجل، لتموت كالبهمية هنا ولا يشعر بها أحد، الا يكفي أنها عاشت لقيطة، ليكون مصيرها أيضًا بهذا البؤس المقيت، نزلت دمعة ساخنة منها تبكي حظها وقدرها الذي أودى بها لهذه النتيجة، وما ينتظرها من حساب ايصًا لما فعلته في حياتها، لتذرف بدل الدموع دمًا.
وفي وسط افكارها السوداء وشعورها بقرب الأجل، تذكرت فجأة ما أخفته أو بالأصح تناسته في جيب صــ درها في الأعلى، فتحاملت حتى التقطته، هاتف انتصار بعد تأكدت انه ابتعد وغادر، عل هذا يكون أملها الوحيد، حمدت ربها انها تحفظ العلامة السهلة لفتحه، لتبحث بألمها على رقم يستطيع مساعدتها الاَن في محنتها.
❈-❈-❈
عادت بدور للاتصال بعاصم بعد ما قاطعت نيرة المكالمة بزيارتها المفاجئة، استجاب عاصم على الفور ليرد بعتب:
- اخيرا يا بدور، كل دى حكاوى مع نيرة؟
هتفت بدور تجيبه بحماس:
- حكاوى دا إيه؟ دا كان فى عركة مغفلجه هنا .
- مين اللى اتعرك عنديكم؟ .
- نيره وحربى
- نيره وحربي! ليه ؟!
- والله ما انا عارفة ايه اللي حصل بالظبط وخلى حربي يتعصب كدة على نيرة، جال ايه؟ عشان جات متأخرة هنا، وانتي عارف بيت عمي بعيد عن هنا.
- ما هو عنده حج برضوا، الوجت صح متأخر.
- وجت ايه اللي متأخر؟ الساعة متمتش تسعة يا عاصم، وهي اساسًا كان لازم تاخد المذكرة.
- برضوا كان جدمت شوية، اسمعي الكلام ومتراجعيش معايا في الحديت، مش كفاية لطعتيني عشان خاطرها انتظرك بالساعة.
قالها بجدية جعلت بدور تضحك بالفعل قبل أن تجفل على اتصال وارد اثناء المكالمة، نظرت في الشاشة لتصعق باسم المتصل قائلة:
- اللحج يا عاصم، انتصار بترن عليا !
سمع الاَخير لينتفض بجذعه عن الفراش يرد بعصبية:
- بترن عليكى ليه العجربه دي؟ وهى تعرف نمرتك منين ؟؟
ردت بخوف:
- معرفش يا عاصم، بس انا اساساً نمرتى عنديها من ساعة خطوبة ولدها و، حمد لله الرنة خلصت.
قالتها بارتياح، فقال عاصم بغضب:
- وانتى ايه اللى يخليكى تخافى منها؟
- مش حكاية خوف، بس انا مستغربة، اصلها اول مره تعملها من ساعت ما فركشنا الخطوبه و .... ... يامرى يا عاصم، دى بترن تانى.
قالتها وهي تري اسم المتصل الذي عاود الاتصال مرة أخرى، لتزيد من اشتعال الاَخر، فهدر بغضب وعصبية
- افتحى عليها وانا معاكى ع السكة، عشان لو غلطت بحرف واحد اكون مربيها .
ردت بتردد:
- لكن يا عاصم...
قاطعها بأمر لا يحتمل النقاش:
- إخلصى يا بدور.
أذعنت مضطرة لتفتح الهاتف وهو معها ع الخط لتجعلها مكالمة مشتركة، وجسرت نفسها تدعي القوة قائلة:
- الوو.. انتى عايزه ايه ؟!....
جاءها رد الطرف الثاني بصوت ضعيف بالكاد يكون مسموع
- ايوه يا ست بدور، انا فوقية تعالي اللحجيني.
قطبت بدور بعدم فهم لتعيد النظر في الرقم مرة أخرى لتقول باستغراب:
- انتى مين؟
جاءها الرد برجاء وصوت باكي:
- أنا فوقية خدامة انتصار، اللحجينى الله يخليكي انا بموت، وجولى لاهلك يلحجوا زكي جبل ما يهرب بفلوس ابوكى والدهب اللى سرجهم لما حرق البيت .
كتمت بدور شهقتها بوضع كفها على فمها، وجاء الرد من عاصم، الذي تحفزت كل خلية من جســ ده، وانتفخت أوداجه، ليهدر بصوت عالي بينهن:
- زكى مين يا بت؟ فهمينا الحكاية بالظبط.
اضافت بزور ايضًا :
- جولى يا فوقية وتكلمي، دا عاصم اللى معايا ع الخط، يبجى مين زكي ده ؟!.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية