رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 27
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل السابع والعشرون
وما العُمرُ إلا لحظةً،لحظةً وينتهي كلُّ شئٍ وكأنَّنا لم نكُن،نتركُ العالمَ بأسرِهِ ونُبْحِرُ عائدينَ من رِحْلتِنا الشاقَّةِ إلي ديارِنا الحقِّ،نعودُ في رحلةٍ لا يوجد بها مُسافراً سِوانا،لا جليسَ لا ونيسَ تاركين خلفَنا الجميعُ حتي من تعلًَقت بهم أرواحَنا،كما أتيْنا خاليين نرحلُ "ولكن" نتركُ أثراً يضَلُ في النفوسِ،إما بالإيجابِ أو بالسَلبِ.
بقلمي روز آمين
توقف المصعد وهرول منه وجد تجمع كبير من الأشخاص يقفون أمام مدخل الحُجرة المذكورة فركض حتي وصل وبانفاسٍ مُتقطعة بات يُبعد الجميع بيداه ليفسح المجال لحالهُ كي يصل إلي زوجتهِ وكأنهُ يسبحُ ضد التيار،إستمر هكذا حتي وجد حالهُ بالداخل،توقف بمكانهِ وكأن ساقاهُ تسمرت بأرضيهما،إتسعت عيناه بذهول وقام بوضع كفاه فوق رأسهْ وبات يهزها يميناً ويساراً والذهول وعدم التصديق والتقبُل هم سيد موقفهُ الذي لا يُحسد عليه
رأها،نعم هي زوجتهُ،ليتها تصبح شبيهتها بالملامح ولم تكُن هي بذاتها،ولكن كيف وهو الذي يحفظ ملامحها عن ظهر قلب،كانت مستلقيه فوق مقعدها كما هي،بكامل ثيابها حتي حجابها مازال مُثبتاً فوق شعر رأسها،تزحزح ففط قليلاً للخلف وظهر منهُ بعض خصلات شعرها مما أظهر أنها شقراء،ومُرتفع أيضاً للأعلي كي يُسهل عليهما عملية ذبح العُنق التي تُدمي القلوب لرؤياها
تزلزلتُ الارض من تحت قدماه وهو ينظر لمظهرها الذي تقشعرُ له الأبدان،تحرك بساقيه حتي إقترب عليها وبات ينظر لملامحها الملائكية التي وبرغم ما فعلوهُ بها إلا أنها كانت كطفلةٍ تغفو بسلام،فقد قاموا بقطع عُنقها وهي مُنومة فلم تشعر بشئ وبالتالي فلم تزعُر
إنتفض قلبهُ صارخاً وكاد أن يتلمسُ وجنتها أوقفهُ صوت الشُرطي الرادع قائلاً بصياح:
-ماذا تفعل يا رجُل،إبتعد من هُنا وأنصرف خارج الحُجرة
مازال يصوبُ نظرهُ عليها ثم حدثهُ بصوت رجُلاً بائس يلفظ أنفاسهُ الأخيرة:
-إنها زوجتي،تلك المستلقية والغارقة بدمائها الطاهرةً تكون زوجتي ذات القلبُ البريئ،والتي لا جُرم لها سوي أنها فقط قرينتي
أشار لهُ الرجل وتحدث بأسف:
-من المؤسف ما حدث لها سيدي،فلتبقي بمكانك أذاً ولكن دون لمس الضحية كي لا تُضيع أثراً من المؤكد أنهُ سيُساعدنا في الوصول السريع إلي مُرتكبي تلك الجريمةِ الشنعاء
دقق بالنظر بملامحها وتحدث إلي الشُرطي ببادرة أمل يُمني بها حاله:
-أريد فقط أن أري ما إذا كانت مازالت علي قيد الحياة لنُنقذها
هز الرجُل رأسهْ نافياً بأسي:
-مع الأسف سيدي،زوجتك فارقت روحها الحياة مُنذُ ما يُقارب من العشرةِ ساعات،وهذا ما تم توقعهُ من تصلُب جَسدها المتيبس
إستمعَ لحَديثِ الشُرطِيِّ الذي أنهي علي أخَرِ تمنِّي له ونزلَ عليهِ كصاعِقَةٍ كهربائيَّةٍ هزت كيَانَهُ وسحقت بجميعِ أمالِه،بقلبٍ يَئِنُّ من ثُقلِ ما يري ويتمزقُ لأجلِها حدَّث حالَهُ بأنينٍ:
-لما عزيزتي،لما؟
لما أسلمتي لهم حالَكِ بسهولةٍ ودعوتِهم يتفنَّنُون بذبحِي عن طريقِك بتلك الصورةِ البشعةِ؟
ألم أُحَذًِرك غاليتي،ألم أقل لكِ بألا تُعطي لهم الفرصةَ كي يُؤذوني بكم؟
وأكمل حديثه النفسي متألماً:
-الآن قولي لي،ماذا سأفعل وكيف سأُتابع حياتي حاملاً فوق عاتقي إثمُكِ العظيم
أهٍ ليالي،كيف سأواجهُ حالي وأنظر بمرآتي من جديدٍ وخطيئتِي بحقِّكِ أصبحَت كطوقٍ من حديدٍ يلتفُ حول عُنقِي ويضغطُ بقوَّتهِ فوقَهُ ويكادُ يَخرجُ بروحي؟
واسترسل متوجعاً:
-وصغاري،بما سأخبرهم إذا سألوني عنكِ؟
وابنتُكِ التي تنتظرُني وتتشوقُ لرؤياكِ،كيف سأُنبِّؤها بذاك الخبرِ المشؤومِ وانا الذي وعدتها بأن أُعيدُكِ إليها سالمةً
مال برأسهِ ورُغماً عنهْ نزلت دمعةٍ هاربةٍ واسترسل حديثَ النفسِ بتيقُن:
-رُغم حيْطَتِي كُنت أعلمُ أن ضربَتَهُم آتيةً لا محال،لكنَّ الذي لم أتوقعهُ أنها ستأتيني بتلك القوةِ المزلزلةِ لكياني،فقد ذبحوني عنكِ عزيزتي،نعم أوجعوني بكِ،لقد إستغلوا ثغرةَ برائتِك وسذاجةِ تفكيركِ وحُسنِ ظنكِ بالجميع
واسترسل مُستنكراً:
-"ولكن"كيف لهم أن يفعلوا بكِ هكذا أيتُها البريئة،يا لقساوةِ قلوبهم التي جعلتهم يقْدُمون علي قطعِ عُنقك بكُل تلك الوحشيةِ وأنتِ التي لا ذنب لها،أنا المقصودُ فما ذنبُكِ؟
" بأي ذنبٍ قُتلتي عزيزتي"
ليتني لم ارسلَكِ إلي الموتِ بيدي فقيدتي
صرخ داخلهُ واسترسل بتيهةً:
-آه ليالي،أأصبحتي حقاً فقيدتي!
أولم أراكِ بعدَ اليومِ؟
أولم تجادلينني وتجعليني أثورُ وأفور وأنا أتناقشُ معكِ؟
وصغاري،كيف لهما أن يُكملا حياتِهِما بدونكِ،حتي وإن لم تكوني لهما الأمُّ كما يجب أن تكون،لكنكِ تُبْقِين غاليتِهما والمفضلةِ من كُلِّ نساءِ العالمِ والتي لا يُمكنُهما الإستغناءُ عنْها.
وإلي هُنا لم يستطع التماسك وأنهمرت دموعهُ لتُجري فوق وجنتاه كشلالِ مياه،بكي وشهق علي مظهرها الذي يُبكي الحجر،دخل إليه أحد رجال السفارة المصرية والذي أبلغهُ رجال المخابرات بأن يذهب إلي موقع الحادث لصفته الرسمية حيث أن السفارة الجهة الرسمية الوحيدة التي يمكنها التدخل لحل مشاكل المواطن المُغترب ولا يحق لرجال المخابرات أو غيرهم بالتدخُل حيثُ أن تواجدهم بالبلاد يكون بصفة غير رسمية
وقف الرجل بجانبه وهمس بهدوء:
-حاول تتماسك يا سيادة العميد والسفارة هتخلص لسعادتك كل الإجراءات اللازمة
إستفاق لحالهُ وبتعجل جفف دموعهُ وتحدث بنبرة جادة:
-عاوز أستلم جثة مراتي في أسرع وقت يا أفندم،
واسترسل راجياً:
-أرجوك
ما تقلقش،إحنا هنتدخل بكل قوتنا وهنحاول نخليهم يسرعوا إجراءات التشريح علشان نستلم الجثة بعدها...كلمات نزلت علي قلب ياسين بمنتهي القساوة وكأنها سوطٍ جلد روحهُ فأدماها وازاد وجعاً فوق وجعها
تحدث الضابط الألماني بلغتهِ الأم عندما رأي وصول الحامل التي ستُنقل به الجثة إلي المشرحة إستعداداً لعملية التشريح ومعرفة سبب الوفاة وملابسات الحادث:
-الكُل يبتعد ويُفسح الطريق
ونظر إلي ياسين وتحدث بنبرة عملية:
-وأنتَ أيها السيد،هيا معنا إلي قسم الشرطة كي تُدلي بأقوالك وما إذا كُنت تتهم أحدهم في مقتل زوجتك
لم يستمع لكلمة واحدة مما قِيلت لتركيزهُ المباشر علي أم أطفاله التي يحملوا جسدها فوق ذاك الحامل اللعين،كان يُريد الصُراخ وبأن يقوم بنفض أياديهم اللعينةُ عنها" ولكن" أوقفهُ عقلهُ الذي مازال جزءاً منهُ مُستيقظاً
جذبهُ مسؤول السفارة من ذراعه كي يعي علي حاله ويبتعد وتحدث إلي الضابط الذي ينتظر إجابة ياسين:
-يُمكنك الإنصراف حضرة الشُرطي وأنا سأهتمُ بأمر السيد ياسين،وسنتبع سيارتك ونتحرك خلفها مباسرةً بسيارتي الخاصة
وافقهُ الشُرطي وتحركَ ياسين منساقاً خلف جُثمان زوجتهُ بقلبٍ يأنُ وجعاً ويصرخ من شدة تمزقهُ
❈-❈-❈
داخل مكتب عز المغربي المتواجد بمنزلهِ حيثُ مازالَ جالساً يترقب هاتفهُ بقلبٍ يرتجفُ خشيةً من المجهول،وهاتان المليكة والمنال مازالتا تجلستان بنفس وضعيهما والخوف والقلق ينهشان داخليهما،إنتفضت أجساد ثلاثتهم عند إستماعهم إلي رنين هاتف عز الذي صدح واخرجهم من حالة التشتُت والتيه،أجاب علي الفور عندما وجد نقش حروف إسم سيادة رئيس الجهاز وعلم أن الأسوء قد أتي بالفعل:
-أهلاً يا افندم،أنا سامع جنابك
تنهد الرئيس بأسي وتحدث:
-البقاء لله في زوجة العميد ياسين يا سيادة اللواء.
نزلت تلك الكلمة علي قلب عز زلزلته واشعرتهُ بالألم الشديد فتحدث الرجل من جديد بإعلام حين وجد الصمت من ذاك المصدوم:
-مش عاوزك تقلق علي ياسين وبنته،رجالتنا معاهم ومحاوطاهم،أنا بعت لك فرقة حراسة علي بيتك هتوصل كمان نص ساعة بالكتير علشان تأمنكم
واسترسل بنبرة عملية:
-ومحتاجك تيجي لي حالاً،فيه عندنا إجتماع عاجل لمتابعة تبعيات عملية الإغتيال،محتاجين نستفيد من خبرتك في المواضيع اللي زي دي علشان نشوف هنتصرف إزاي
نطق عز بنبرة خافتة:
-تحت أمر جنابك،مسافة السِكة وهكون في الجهاز
أغلق الهاتف وهب واقفاً بملامح وجه متألمة،سألتهُ منال التي بدأ الرُعب والشك يتسللان إلي قلبها:
-فيه إيه يا عز؟
واسترسلت بريبة:
-ليالي حصل لها حاجة؟
دقق النظر داخل عيناها المتلهفة لنطق كلماتهِ كما العطشان الذي يحتاجُ الإرتواءِ بشدة كي يضلُ علي قيد الحياة وتحدث بنبرة متألمة:
-البقاء لله يا منال،ليالي تعيشي إنتِ
أااااااه...صرخة مدوية خرجت من منال رجت بها أرجاء المنزل بأكملة وإستمع لها جميع من في المنزل وعلي أثرها هرولوا متتبعين مصدر الصرخة،أما مليكة التي أصابها الذُعر واتسعت عيناها بذهول،وضعت كفاها فوق فمها تكتم شهقاتها العالية وتحدثت بتيهة وعدم إستيعاب للخبر المشؤوم:
-لا،لا،أكيد فيه غلط
صرخت منال بكل ما أوتيت من قوة ووضعت كفاها فوق صدرها وصاحت بنبرة متوجعة:
-أه يا ليالي،أااااه يا بنتي
تحرك عز بساقان بالكاد تتحملا جسدهُ مُتخطياً كِلتا الصارختان وقام بفتح باب المكتب ليهرول إلي رئيس الجهاز لمتابعة الموقف وليطمئن علي فلذة كبدهِ وحفيدتهُ،وما أن أمسك مقبض الباب وقام بفتحهِ حتي وجد جميع ساكني المنزل بوجههُ،سألتهُ چيچي بنبرة هلعة:
-فيه إيه يا بابا؟
طنط منال بتصرخ ليه؟
لم يجب علي تسائلها وتحرك بطريقهُ تاركاً خلفهُ قلوباً تتوجعُ وتصرخ من شدة الألم وعدم التصديق هو سيد موقف الجميع،خرج من البوابة الحديدية وتحدث إلي الحرس:
-جهز لي العربية حالاً
هرول الرجل ليُجلب له السيارة في حين تحدث عز من جديد مخاطباً الحارس الآخر بنبرة حَذرة:
-فيه عربية حراسة جاية الوقت تساعدكم في حماية بيتي وبيت رائف بيه،مش عاوز نملة تعدي جوة أو تخرج من البيتين لحد الحراسة ما توصل، مفهوم
طأطأ له الرجل رأسهْ عدة مرات متتالية وسأل بارتياب:
-خير يا سعادة الباشا،هو الصويت اللي جوة ده بسبب إيه؟
مدام ليالي تعيش إنتَ يا كامل...قالها بأسي شهق الرجل وتنهد بألم،فوجئ بخروج ثُريا وهي تهرول من خارج منزلها وتتجه إليه فور إستماعها لصريخ منال بعدما أبلغت عَلية بغلق الأبواب وحماية الصغار،سألته بأنفاسٍ متقطعة:
-فيه إيه يا سيادة اللوا؟
ليالي ماتت يا ثُريا...نطقها بعيناي متألمة أثارت حُزن تلك التي نطقت بألم:
-لا حول ولاقوة إلا بالله،إنتَ مُتأكد من الخبر ده يا عز؟
بإبابة أجابها:
-رئيس الجهاز بنفسه لسة مبلغني الخبر في التليفون
ماتت إزاي؟...هكذا سألته فأجابها رافعاً منكبيه باستياء:
-ما أعرفش أي تفاصيل
بعيناي مذعورة هتفت مستفسرة بنبرة قلقة:
-وياسين والبنت فين؟
علي عجالة أجابها:
-بخير ما تقلقيش
بعيناي راجية تحدثت:
-إعمل إتصالاتك وهات ياسين والبنت في أسرع وقت يا عز،أكيد حياتهم هناك في خطر
ما تقلقيش،رجالة الجهاز معاهم وأول ما تخلص الإجراءات هيجيبوا جُثة ليالي وييجوا...قالها بتمزق ظهر بصوته فتحدثت وهي تتعمق بعيناه وتري ضعفهما وحزنيهما الذي شق صدرها لنصفين:
-إجمد يا عز وخلي بالك من نفسك،كُلنا محتاجين لك ومفيش غيرك يسند ياسين في مصيبته الكبيرة دي
أومأ لها بطمأنة ثم تحدثت بعيناي متوسلة:
-إدخلي لمنال وأقفي معاها يا ثُريا،إنتِ بنت أصول وهي في أزمة ومحتاجة لواحدة عاقلة زيك تاخد بإيدها
هتفت معاتبة إياه:
-إيه اللي إنتَ بتقوله ده يا عز،هو إنتَ فاكر إني مش هدخلها وأقف جنبها؟
عُمرك ما خيبتي أملي فيكِ يا بنت المغربي...نطقها شاكراً ثم وجدا يسرا ونرمين وسارة يهرولون إليهم بعدما وصل لديهم أصوات الصريخ التي باتت تطلقها كُلً من منال والعاملات،صُدم الثلاث بعدما استفهمن من ثريا عن سبب إطلاق الصراخ،تحرك عز إلي وجهته ودلفن جميعهُن إلي الداخل ليقفن بجانب منال والفتي،هاتف عز طارق وابلغهُ بالخبر المشؤوم وطلب منهُ العودة سريعاً إلي المنزل للوقوف بجانب أبن شقيقهُ ووالدتهُ
❈-❈-❈
بعد الظهيرة
وصلت لمار ووليد إلي حي المغربي بسيارة وليد الخاصة حيثُ ذهبت لمار معهُ بالصباح كي يذهبا إلي الميناء لإستلامهم الشُحنة وأستلماها بالفعل واطمأنا علي أنها وصلت إلي المخازن بسلام وبعدها إستقلا السيارة عائدين،وقد أوصي عز عبدالرحمن من خلال الهاتف بأن يمتنع هو وزوجته وزوجة وليد عن إخباره بوفاة ليالي،وابلغهُ أنهُ يفعل هذا لغاية في نفسه،فما كان من شقيقهُ المصدوم غير الطاعة والتنفيذ
توقف وليد بالسيارة أمام منزلهُ بعدما وجد حراسة مُشددة تحيطُ بمنزلي رائف وعز،ترجلت لمار من السيارة بساقان تهتزتان بعدما دب الرُعب داخل أوصالها حين وجدت تلك الحراسة الأمنية المُشددة وعلمت أن هناك حدثًُ جلل قد حدث،وما أرعبها هو فكرة إكتشاف حقيقتها التي سريعاً ما هاجمت تفكيرها،نظرت إلي وليد وتحدثت بارتياب:
-هو فيه إيه يا وليد؟
مش عارف،تعالي نشوف...جملة نطقها فتحدثت هي بانسحاب للخلف:
-بلاش،أنا بقول أرجع أنا الشركة أتطمن علي البضاعة واتأكد إنها وصلت للمخازن فعلاً
نظر لعيناها المذعورة وتحدث بنبرة خبيثة:
-شركة إيه اللي هترجعيها،ما انتِ سامعاني وأنا بكلم الحارس وأكد لي إن العربيات نزلت البضاعة ومشيت وإن الرجالة بتدخلها المخازن وترصها
بالكاد أنهي حديثهُ واستمعا إلي ضابط الحراسة الذي إقتربا عليهما وتسائل مستفسراً بصوتهِ الصارم وهو يوجه سلاحهُ بوجهيهما:
-إنتوا مين وواقفين هنا ليه؟
إرتعب داخل وليد وتحدث وهو يرفع يداها للأعلي في حركة إستسلامية:
-أنا وليد عبدالرحمن المغربي يا باشا،وساكن في الڤيلا اللي أنا واقف قدامها دي
وإنتِ مين؟هكذا سألها الضابط بحِدة فأجاب وليد نيابةً عنها:
-دي لمار مرات إبن عمي عُمر عز المغربي
رمقته بنظرة حارقة حيث كانت تُريد الفرار من ذاك المكان الذي أصبح كحلقة سينتهي داخلها أمرها،ولكن كيف لها الهرب وعيناي رجال كارم تحِطها من كل الجهات،تحدث الضابط وهو يُشير إليها إلي الداخل:
-إتفضلي يا هانم إدخلي الڤيلا
إبتلعت لعابها وتحدثت بنبرة جادة بصعوبة أجادت صُنعها:
-أنا عندي ميعاد شُغل مهم جداً ولازم اتحرك حالاً
واسترسلت بإبانة عِندما وجدت الضابط ينظر لها بريبة:
-أنا جيت مع وليد بيه علشان أخد عربيتي من الجراچ
تحدث الضابط بصرامة:
-مش هينفع يا أفندم،الأوامر اللي عندي بتقول إن ماحدش يخرج من البيت نهائي وده لسلامتكم
سألتهُ بنبرة حادة:
-يعني إيه مينفعش أخرج،هو كان حصل إيه للحراسة دي كلها؟
عقب علي سوالها بنبرة حادة:
-معنديش أوامر إني أتكلم،لما حضرتك تدخلي هتعرفي
واسترسل بغلاظة وهو يُشير إلي بوابة منزل عز الحديدية:
-إتفضلي قدامي يا أفندم
إدخلي يا لمار لما نشوف فيه إيه...جملة نطقها وليد نظرت عليه بيأس وتحركت أمام الضابط،دخلت إلي الداخل وجدت جمع هائل من نساء عائلة المغربي،زوجات أشقاء ثريا وزوجات أبناء عمومة عز المغربي،نظرت تتفقد الجميع وارتبكت حين وجدت منال تتوسط الأريكة وتحاوطاها ثُريا ويُسرا التي تُمسك برأسها وتضعها فوق كتفها وتحاوط كتفاها بذراعها في محاولة منها لتهدأة تلك المُنهارة ودموعها التي تنهمر فوق وجنتيها بغزارة وألم
وجدت إحدي العاملات الفلبينيات تتحرك أمامها فأوقفتها وتسائلت:
-هو إيه اللي حصل؟
أردفت العاملة بلغة ركيكة لعدم إتقانها اللغةِ العربية:
-مَدَاَم ليالي،مَات
شهقة خرجت منها وهزت رأسها بعدم تصديق وتحدثت بصوتٍ تسمعهُ أُذناها:
-ماتت،يا دي المصيبة،يا دي المُصيبة
فاقت علي حالها عندما وجدت أعيُن جميعهُن تصوب ناحيتها فهتفت بذعر موجهةً حديثها إلي منال بنبرة مُرتعبة:
-إيه الكلام اللي أنا سمعته ده يا Auntie،فعلاً ليالي إتقتلت؟
رمقتها راقية وكررت ما تفوهت به تلك اللمار:
-إتقتلت؟وإنتِ مين اللي قالك يا اختي إنها إتقتلت؟
إبتلعت لمار لُعابها واردفت بعدما أستعادت توازنها:
-يعني واحدة لسة صُغيرة في السِن وصحتها كويسة زي ليالي هتكون ماتت إزاي غير في حادثة أو قتل
لوت راقية فاهها ثم أردفت متهكة:
-طب إطلعي علي فوق يا غندورة وإلبسي لك حاجة عِدلة تقعدي بيها في عَزا سلفتك
واسترسلت وهي ترمقها بعدما حاوطت ذقنها بكف يدها:
-بدل المحزق والملزق اللي إنتِ لبساهولنا ورايحة جاية بيه ده
هرولت بالصعود إلي الأعلى وما أن إختبأت خلف باب غُرفتها وأغلقته حتي تنفست بصوتٍ عالي وكأن أنفاسها كانت مُحتبسة،دارت حول حالها بجنون ورُعب من ما هو قادم،كانت تريد مهاتفة المدعو عزيز علي عجالة،لكنها بالطبع لن تستطيع مهاتفتهُ من هُنا لوجود أجهزة التصنت،إرتدت ثوباً باللون الأسود سريعاً ونزلت من جديد إلي الاسفل لتنضم مع هؤلاء النسوة اللواتي يُبكين وينتحبن بقلوبٍ محترقة علي تلك التي غُدرت بغُربتها
❈-❈-❈
داخل قاعة الإجتماعات الخاصة بجهاز المخابرات المصرية
كان يجلس رئيس الجهاز بذاته يترأس طاولة الإجتماعات بداخل ما يُسمي بغرفة العمليات لمتابعة الوضع الراهن،وحولهُ لفيفٌُ من قامات الجهاز وعلي رأسهم اللواء السابق عز المغربي الذي دعاه رئيس الجهاز للإستفادة من خبراته السابقة في تلك المواضيع وأيضاً لوضعه في الصورة في قضية إغتيال زوجة نجلهْ
بتوقير تحدث الرئيس إلي عز المغربي لطمأنته:
-مش عاوزك تقلق يا سيادة اللواء،رجالتنا مع سيادة العميد ومحاوطاه ومش هيسبوه غير وهو في المدافن هنا في إسكندرية
واسترسل طالباً:
-أنا بس محتاج منك تتصل بيه وتوصيه بإنه لازم يرجع مع نعش مراته ويجيب بنته معاه علشان نقدر نأمنها كويس برجالتنا،وياريت توصيه يبعد عن الموضوع خالص وما يحاولش يتدخل وإحنا هنجيب له حق مراته لحد عنده
تنفس عز عالياً ثم تحدث متسائلاً:
-وتفتكر سعادتك إن سيادة العميد هيقتنع بكلامي لو قُلت له؟
واسترسل بملامح وجه حزيتة وقلبٍ مُحملاً بثُقل من الهموم:
-ما جنابك عارف هو قد إيه عنيد وخصوصاً في أخذ الحق،وده مش أي حق سعادتك،دي مراته اللي إتغدر بيها ولولا ستر ربنا كان زمان بنته هي كمان راجعة معاها في نفس النعش
تنهد رئيس الجهاز بألم وأردف قائلاً بيقين لمواساة عز:
-قدر الله وماشاء فعل يا سيادة اللواء،ياسين راجل مؤمن والمفروض يحتسب ويسيب لنا الموضوع
واستطرد بتوعُد:
-وإحنا هنجيب له العيال دي إن شالله يكونوا مستخبيين تحت الأرض،وساعتها يبقي يعمل فيهم اللي هو عاوزه
إستمع الجميع إلي صوت طُرقات فوق الباب،هتف رئيس الجهاز قائلاً للطارق بنبرة صارمة:
-إدخل
خطي بساقيهِ أحد الضباط المسؤلين عن مراقبة الجهات الإعلامية وهو يُهرول ويبدوا علي وجههِ الإنزعاج وهتف قائلاً بإحترام:
-في حاجة حصلت ولازم يكون عند سعادتك عِلم بيها يا أفندم
ضيق الرئيس إحدي عيناه وتسائل بحذر:
-حاجة إيه دي يا مُعتصم؟
بسط مُعتصم ساعديه ووضع جهار الحاسوب الذي جلبهُ معه صوب عيناي الرئيس وتحدث بنبرة قلقة:
-الموقع الإخباري إياه،نشر عن الحادثة بتاعة مرات سيادة العميد وذكره بالإسم ونزل صورته مع الخبر
إتسعت عيناي الرجُل وعز الذي نطق سريعاً متسائلاً:
-ناشرين صورة ياسين؟!
دقق الرئيس في الخبر وقرأهُ بصوتٍ عال ليُسمع المتواجدين ويُطلعهم علي الوضع:
-العثور علي جثة زوجة أحد ضباط المخابرات المصرية ويُدعي العميد ياسين عز المغربي مقـ.ـتولة بأحد الفنادق داخل دولة ألمانيا وألغاز تدور حول تواجدها بهذا الفندق في ساعة مُتأخرة من الليل،ويُذكر أن هذا العميد قام بالتخطيط وتنفيذ العديد من العمليات للقبض علي الجماعات التي يطلقون عليها بالمتطرفة
وقد تحدث لنا أحد شهود العيان من عُمال الفندق الذي شاهد الجُثة،بأن القـ.ـتل تم عن طريق الذبح بسكينٍ حاد بالرقبة
هتف أحد الرجال المسؤلون بنبرة قلقة:
-إنتشار الخبر مع صورة سيادة العميد كارثة يا أفندم وتعتبر ضربة كبيرة للجهاز
هتف عز مكملاً علي حديث ذاك المسؤول:
-ده غير إنها هتُعيق مهمة رجالتنا داخل ألمانيا وهتصعب عملية القبض علي الكـ.ـلاب دول
واسترسل بنبرة قلقة:
-كدة حياة ياسين وبنته أصبحت في خطر هناك
إستشاط داخل الرئيس لكنهُ أظهر عكس ذلك بحُكم خبرته وتحدث مُطمأناً للجميع:
-ما تقلقوش أنا هتصرف.
أشار إلي أحد الضُباط الواقفين وتحدث بنبرة جادة:
-خلي مكتب السكرتارية تطلب لي مكتب سفير... وقام بذكر البلد المتواجد به ذاك الموقع الإخباري العالمي،تحرك الضابط سريعاً ليُتابع ما كُلف به
وبعد دقائق معدودات كان الرجُل يتحدث بطريقة دبلوماسية بها بعض الحِدة واللوم بعدما ألقي التحية علي السفير:
-سعادتك شفت الخبر اللي منشور علي الموقع عندكم،يا أفندم كدة ما يصحش،الناس دي كدة بتعوق شُغلنا وبتأذينا
رد عليه الطرف الآخر محاولاً التهدئة وأبلغهُ أنهُ سيتم حذف الخبر في الحال،فتحدث الرئيس من جديد:
-ياريت الحذف يبقي بمنتهي السرعة قبل الخبر ما ينتشر،الخبر نازل من حوالي ست دقايق وعامل أكثر من عشرين ألاف مشاهدة لحد الآن
بنفس التوقيت داخل دولة ألمانيا
بوقت الظهيرة وبأحد النوادي الإجتماعية،كانت تجلس بمقعدها حول منضدة مستديرة تُراقب باهتمام من خلف نظارتها الشمسية صغيراها وهُما يعومان داخل حمام السباحة بصحبة الكابتن المسؤول عن تدريبهما،أمسكت جهاز الحاسوب الخاص بها لمتابعة سير العمل وللإطلاع أيضاً علي أخر مستجدات أخبار الحبيبة مِصر،لفت إنتباهها ذاك الخبر العاجل علي أحد المواقع الإخبارية الشهيرة،بدا علي ملامح وجهها الإنزعاج وهي تقرأ الخبر عن مقـ.ـتل زو جة العميد المِصري،دققت النظر بملامح وجه ذاك الياسين وهزت رأسها بحزن وأسي لطريقة مقتلها
وفي غضون ثواني حُذف الخبر وأختفي من أمام عيناها،ضيقت عيناها مستغربة ما حدث،ضغطت فوق زر الموقع ودخلت إليه وباتت تبحث عن الخبر من جديد لكنها لم تجد لهُ أثراً وكأنهُ سراباً وأختفي،رفعت حاجبها بإستغراب ثم أخذت نفساً عميقاً وزفرته بهدوء
رفعت بصرها لتتابع صغيراها وجدت طفلتها ذات الخمس أعوام تأتي عليها مهرولةً والماء يتساقط من ثوبها الخاص بتمرين السباحة،وضعت الحاسوب سريعاً وانتفضت واقفة،إلتقطت الرداء الخاص ( البُرنس) بلونهِ الوردي المحبب لدي صغيرتها وألبستها إياه سريعاً وهي تتحدث بترغيب:
-برافو يا حبيبتي،كُنتي هايلة النهاردة في التمرين
إعترض ذاك المُشاكس الذي تحدث من خلف شقيقتهُ متذمراً بطفولية:
-وأنا يا مامي مش برافو عليا ؟!
أمسكت الرداء الخاص به هو الآخر وتحدثت بنبرة مشجعة وابتسامة رائعة:
-إنتَ بطلي يا حبيبي وهيكون لك مستقبل كبير قوي في السباحة.
تحدثت الصغيرة إلي والدتها متسائلة بتبرم:
-هو بابي هييجي إمتي يا مامي،أنا جُعت قوي وعاوزة أكُل
حالاً يا حبيبتي،أنا طالبة الغدا وعلي ما ندخل ناخد شاور ونغير هدومنا هيكون بابي وصل.. كانت تلك جُملتها قبل ان تسيرُ بجانب صغيراها بإتجاة الحمام الخاص بالنادى