-->

رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 36

 

قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ميرا كريم


الفصل السادس والثلاثون

مَكانُكَ مِن قَلبي هُوَ القَلبُ كُلُّهُ

فَلَيسَ لِشَيءٍ فيهِ غَيرُكَ مَوضِعُ


وَحَطَّتكَ روحي بَينَ جِلدي وَأَعظُمي

فَكَيفَ تُراني إِن فَقَدتُكَ أَصنَعُ

- الحلاج

❈-❈-❈

تنهد تنهيدة حارة مُـ سهدة وهو يطالعها غافية، و خصلاتها تتناثر حولها والدثار الحريري بالكاد يغطي نصف ظـ هرها أثناء نومها على وجهها، ليمـ يل يُقبل كتـ فها العـ اري وهو مغمض العينين ويقترب يتنفس أنفاسها وكأنه يؤكد لذاته أن ما عَايشه معها ليس من نسج خياله بل واقع ملـ موس استمتع بكل تفاصيله المثـ يرة وأصاب حواسه بتخمة من السعادة والانتشاء لا مثيل لها، فكم كان يتلهف لنِيلها وإن فعلها سلبت لُبه وأدرك أن لا سبيل من الاكتفاء من فيض عشقها.


رفرفت هي بأهدابها الكثيفة حين شعرت بأنفاسه الساخـ نة تلفـ ح وجهها لترفع نظراتها تعا نق نظراته التي تهـ يم بها ثم تتسائل بصوت ناعم يحمل بقايا نومها: 

-"سليم" منمتش ليه؟


تنهد بحـ رارة وأخذت أنامله 

تتـ خلل خصلاتها ثم أجابها وعينه تهيم بها:

-خوفت انام واصحى القى اللي حصل حلم 


وعلى ذكر الذي حدث أشـ تعل وجهها وتعالى وجيب قلبها فكم كان حنون، مراعي لها، يطمأنها قبل أي خطوة يخطوا بها و رغم ذلك كان شغـ وف لأبعد حد يتلهف لعطائها، ويحفز في نهج عشقه أول خطواتها.

فكانت غارقة في حالة من 

السُـ هاد لحين جذ بها لاحضا نه وهمس بشقاوة لم تعتادها وهو يتلمـ س بشفـ اهه خـ دها

المُشـ تعل:

-سرحتي في ايه؟


نفت برأسها تخجل من الاعتراف بسبب شرودها، ليتابع هو بقلق حقيقي وقاتمتيه تهيم في فُلكها تود أن تستشعر صدقها:

-لسه موجوعة...


اغمضت عيناها ونفت مجددًا وهي تود لو تنـ شق الأرض وتبتلعها، ليهمس هو بخـ طورة ويـ ده تسير ببطء ممـ يت على

ظـ هرها:

-طيب تحبي اساعدك تاخدي شاور دافي 


برقت عيناها وشُلت حوا سها من عرضه، لتتململ بين يـ ده وتعارض بكلمة واحدة لم تجد غيرها وهي تلملم ملائة الفراش حول جـ سدها:

-لأ.

قالتها ونهضت مُسرعة في طريقها ولكن هو لحق بها و جذ بها لترتطـ م بصـ دره، وقد طوق خـ صرها هامسًا وعينه تلـ تهم تفاصيلها:

-بس انا عايز كده...


انتفض كل ما بها تحت وطأة نظراته التي رأت الرغـ بة جلية بها لتنطق بأسمه وهي بالكاد تلملم حُروفها:

-"سليم"

قالتها بنبرة راجية لعله يتفهم خجلها، ولكنه عاند و نفى برأسه وباغتها بحـ مله لها   

وسيره تحت مضضها وقد أَصر في قرارة نفسه أن يهـ دم حاجز خجلها، فبعد نيلها لن تستطيع بشتى الطرق كبح جمـ وحه بها.

❈-❈-❈ 

بعد وقت ليس بقليل كانت تقف داخل المطبخ تضع الطعام داخل الفرن الكهربائي

وإن كادت تخرج الكاسات لتضع العصير حاوط خصـ رها من الخلف و ودفـ ن وجهه داخل شعرها المُبتل ثم تسائل وهو يستنشق عبقها:

-سخنتي الأكل


أجابته بهز رأسها ليديرها ويرفـ عها يجلسها على الكُنتور الرخامي قائلًا:

-طيب اقعدي خلاص دورك انتهى انا هحضر

-بس


-هااا! 

قالها بنظرة مُحذرة من عينه جعلتها تقول بطاعة تتخوف من تبعات اعتراضها:

-خلاص مش هفتح بوقي اللي يريحك اعمله


ابتسم لطاعتها الغريبة عليه وقد اخرج الكاسات واخرج دورق العصير من المُبرد يصب بداخلهم ويحضر الأطباق والشوك تحت سكاتها وأمام نظراتها، وإن انتهى من اعداد المائدة وقف أمامها يستند بكفوفه على حافة الكنتور 

ويضـ عها في حيز يديه قائلًا:

-تعرفي بيبقى شكلك غريب اوي وانتِ هادية ببقى مش واخد على كده


-ما انا خايفة اعترض او انزل من مكاني بسببك تعمل زي ما عملت قبل كده، لتتابع مندفعة من شدة ارتباكها:

-وعلى فكرة بقى انا كمان مش واخدة عليك كده


قالتها وهي تربع يدها أمام صـ درها وتمـ ط فمها بشكل عفوي

جعله يكبت بسمته بصعوبة ويتسائل بمكر:

-كده اللي هو...كده؟


قالها بنظرات ذات مغزى جعلتها تشهر سبابتها بوجهه وكأنها قبـ ضت عليه بالجـ رم المـ شهود:

-أهو شوفت بتبصلي إزاي...


قهقه بقوة على قولها بتلك الضحكة الرجـ ولية التي تأسر قلبها وتجعلها في كل مرة تهـ يم به مُستغربة كيف لشخصه أن يملك مثلها، ليهمس هو بوله بعدما التقط نظراتها:

-اعمل ايه طيب جننتيني بكسوفك


تعانقـ ت عيناهم ليمد هو يده يخـ للها بخصلاتها ويجـ ذبها برفق لعنده ويمنحها قُبلة مُتمهلة اطـ احت بها وإن فصلها اسند جبينه على جبينها تزامنًا مع طنين الفرن ليعلن عن انتهاء الوقت، لتهمس هي: 

-"سليم" الأكل

  

وهنا انزلها حا ملًا إياها كما رفعـ ها ثم اجلسها واخرج الطعام ثم جلس جوارها فكان يتناول القليل واهتمامه الأكبر كان بها، يد س واحدة تلو آخرى من ملفوف ورق العنب ويضعها في فمها، لتلوك ببطء وتبتلع قائلة وهي تمـ سح فمها 

بالمِـ حرَمة:

-انا شبعت وانت بتأكلني ومش بتاكل وانا عملاه مخصوص علشانك


رد مادحًا صنع يدها وهو يرفع الأطباق عن الطاولة:  

-إزاي بس انا أكلت كتير...تسلم ايدك


نهضت تساعده في ضب المائدة وهي تُصر على قولها: 

-لأ ما اكلتش وقول انك خايف من الكرش


صمت لبرهة استغرقها في غسل يده و وضع الأطباق داخل المغسلة قبلها ثم بالأخير أجابها وهو يقترب منها بنبرة رغم  جديتها يكمن الكثير خلفها: 

-بصراحة اه الكرش هيأثر على لياقتي وانا محتاجها اوي دلوقتي


قالها بشقاوة لم تعتادها وبمغزي مُبطن جعل البسمة تتسلل على ثغرها فمن يصدق أن مُرعبها هو ذاته ذلك العابث الذي يجرها من يدها في طريق الغرفة ليبعثر من جديد شتاتها. 

❈-❈-❈

طرقات في الصباح الباكر على باب منزلها جعلتها تهرول بلهفة وهي تظن أن احد ما سيسأل عن أحوالها ولكن حين فتحت خابـ ت آمالها و وجدت صبي من أبناء منطقتها يقف على أعتابها قائلًا:

-ست "بسمة" الورقة دي علشانك مكتوب فيها العنوان و بيقولك عم "عماد" هو اتفق مع صاحب البيت على كل حاجة وده مفتاح الأوضه وتقدري تنقلي من النهاردة 


قالها وهو يضع المفتاح والورقة بكفها، لتطلع لهم لثوانِ قبل أن تخبر الصبي:

-قول ل "عماد"...يُشكر جميله فوق راسي

قالتها واغلقت بابها، تفتح الورقة وتقرأ العنوان الذي دُون بها ببسمة باهتة لم تصل لعينها تنم عن امتنانها. 

❈-❈-❈

ركضوا لعندها وها هي تحضنهم وتغرقـ هم بقبلاتها قائلة:

-وحشتوني اوي يا ولاد اوي 


وضع" حسن" الحقائب من يده وأخذ يتابع لهفتها عليهم بنظرة هو وحده يعرف سببها،  في حين هي رفعت رمادها له ترحب به: 

-اهلًا يا بشمهندس  

أومأ له ببسمة بسيطة في حين تابعت "رهف" وصلة ترحيبها بصغارها:

-طمنوني عاملين ايه؟


أجاب" شريف" بالنيابة عنه وعن شقيقته:

-يا مامي الحمد احنا كويسين واتبسطنا اوي عند بابي وكمان زورنا تيتا ثريا وعمو يامن ولعبنا مع غالية وحمزة ولاد عمو 


هزت "رهف" رأسها وبسمة واسعة   ترتسم على شفاهها لتتسأل "شيري" وهي تبحث عنه بعينها:

-فين"نضال" 


قبل أن تجيبها "رهف" كان هو يتدلى الدرج هاتفًا وهو يفتح يده على مصراعيها:

-انا أهو يا زئردة وحشتوني 

هرولوا إليه ليجثو أمامهم ويضع كل منهم قبلة على خده هاتفين في صوتٍ واحد:

-وانت كمان وحشتنا اوي 


وبعد سلامه عليهم اصطحبتهم "رهف "لغرفهم بينما "نضال" اعتدل يرحب ب "حسن " قائلًا:

-اهلًا يا بشمهندس نورتنا 


صافحه "حسن" وقال مبررًا:

-اهلًا بيك يا دكتور 


-اتفضل واقف ليه 


-معلش مفروض مسافر بعد كام ساعة ولسه مجهزتش


جعد "نضال" بين حاجبيه وتسائل مترقبًا:

-مسافر...طيب انت فاكر عيد ميلاد الولاد مش كده


صمت "حسن" لهنيهة يعتـ صر ذهنه ولكن فلا فائدة فتلك التفاصيل لطالما كانت مُهملة بالنسبة له  ولم يحسب حسابها وغالبًا كانت "رهف" من قبل تتولى أمرها...ورغم ذلك رد ببسمة واثقة تفهم "نضال" ماخلفها:

-اه...اه طبعًا...فاكر


هز "نضال" رأسه وهو يكبت بسمته بصعوبة بالغة واراد أن يوصل له المعلومة بشكل غير مباشر كي لا يشعره بالحرج:

-طيب كويس تصدق ولادك دول محظوظين اوي اتولدوا في يوم ٧ رقم كل الناس بتتفاىل بيه 


تفهم "حسن" ما يفعله لتحين منه بسمة مُتعجبة، في حين تابع "نضال":

-انا بس عايز اسألك ليك خطة معينة لليوم ده معاهم ولا نعمل عيد ميلاد كبير هنا ونعزم فيه كل اصحابهم


ذم" حسن" فمه مستاء من ظروف عمله: 

-غالبًا انا هرجع قبلها بيوم او يومين ومش هعرف


ليقترح "نضال" ببساطة دون تكليف: 

-خلاص نعمله هنا...ايه رأيك؟ 


راقه أنه شاوره في الأمر واخذ رأيه اولًا، لذلك لم يعترض وقال مؤيدًا: 

-مفيش مشكلة وأي مصاريف انا هتكفل بيها 

لم يعلق "نضال" على أمر المال،  فهو يُقدر محاولاته في تعويض ابنائه، فقد قال ببشاشة وبلا تعقيد: 

-اللي يريحك يا بشمهندس اعمله ولو ليك أي اقتراحات هنفذها بالنيابة عنك...تروح وترجع بالسلامة


ابتسم "حسن" بسمة جانبية بسيطة بعد حديثه الذي اشعره بأحقيته وغادر وهو حقًا مازال متعجب من شخص ذلك ال"نضال" الذي يتعمد مساعدته بطريقة غير مباشرة؛ ليكسب وِد اطفاله.

❈-❈-❈

استيقظت بوقت متأخر ولم تجده لتدرك أنه غادر ورغم إحباطها إلا أنها تتفهم طبيعة عمله، وها هي تجلس جوار "ليلى" أمام التلفاز شاردة تتذكر جمـ وحه معها وكل حين وآخر تنمو بسمة هادئة على ثغرها بلا سبب

مما جعل "ليلى" تقول: 

-اللي واخد عقلك يتهنى بيه يا "شمس"


رفعت عيناها تنتبه على حالها واستنكرت وهي تلملم غرتها خلف أُذنها: 

-هاا...مفيش حاجة واخدة عقلي انا بتفرج معاكِ 


تسائلت "ليلى" ببسمة حانية تشاكسها: 

-يعني "سليم" مش واخده معاه


ابتسمت "شمس" بخجل وهمست وهي ترتكز على ركبتيها أمامها وتـ ضع رأسها في حجرها: 

-ده واخد عقلي وقلبي وروحي معاه يا ماما ربنا ما يحرمني منه ولا منك يارب


ملـ ست "ليلى" على رأسها بحنان أمومي وأمنت: 

-اللهم آمين يا بنتي... ربنا يهنيكم وما يغير عليكم ابدًا 


همست من بين تنهيداتها: 

-يارب...يارب

قالتها ورفعت رأسها، لتقول "ليلى" وهي تتثائب: 

-طيب انا هدخل اريح شوية واخد العلاج، ولو "سليم" اتصل قوليله الحاج عبد الحميد كلمني وعايزه يروحله علشان ياخد إيجار الأرض بقاله مدة مرحش...وانا بنسى افكره 


-معلش هو بقاله فترة بيقول ان معاه قضية شغلاه واكيد غصب عنه نسى 


اجابت "ليلى" تؤيدها وتلتمس الأعذار لولدها: 

-ربنا يكون في عونه بدعيله من قلبي...يلا وصليني علشان "صباح" مجتش النهاردة 

-حاضر 

قالتها ونهضت تد فع كُرسيها المدلوب في طريق غرفتها وإن ساعدتها وناولتها ادويتها واطمأنت أنها غفت توجهت لغرفتهم وهي تتمنى أن يعود باكرًا فقـ لبها مُتـ لهف تضـ طرب خفقاته بلاه.    

❈-❈-❈

لملمت اشيائها التي قررت أن تحتفظ بها واخذت تودع بنظراتها أركان تلك الشقة التي شَهدت على تفريـ طها بعيون يتجسد القهر بها فكانت تشعر بالآونة الأخيرة أن جدرانها تضيق عليها بذكرياتها لذلك أول ما فعلته إن اغلقت بابها؛ تناولت نفسٍ عميق من الهواء يفرج عن ضيق أنفاسها، تدلت الدرج وبيدها حقيبتها تسير في طريقها وهي مطـ رقة الرأس كأن فعلتها ارتسمت على وجهها وتتخوف من كشف أمرها في تلك الاثناء كان "سلطان" يجلس على تلك المقهى المعتاد حين رأها ليعتلي وجهه بسمة ساخرة ويتهكم وهو يوجه حديثه لأحدهم ولكن بصوت جهوري متبجح يتعمد أن يصل لها:

-الدا هية اللي تودي...ياما نفسي الحارة تنضف من كل ولاد 

الحـ رام اللي شبهِونا


التقطت ما نطق به وميزت صوته لتتجمد أطرافها وتشعر بغصة مريرة تسد حلقها ودون أن تلتفت أو تصدر ردة فعل كانت تستأنف سيرها بعيون تتحجر الدمع بها  

لحين قادتها قدمها للورشة القريبة التي يعمل بها "عماد" وحينها رفعت عيناها و لمحته يقف يتابع عمله وحين التقت عيناها بخاصته تأملت لو ودعها وتمكنت من شكره على مساعدته لها لتجد مكان يأويها ولكن هو قابل نظراتها ببرود وتابعه عمله دون أن يعيرها أي اهتمام لتطـ رق من جديد رأسها وتكمل سيرها تجر أذيال خيبـ تها خلفها فلن تلومه...فهي أصبحت على دراية كاملة أن أمثالها لا يستحقون حتى الشفـ قة التي تأمل بها. 

❈-❈-❈

أما هو فكان يشعر أن روحه انسـ لتت منه حين أخرجها من احضانه وتسلل خارج الفراش فإن كان عليه يود أن يظل العمر كاملًا جوارها ولكن ماذا يفعل في العمل وتلك المهام التي

تُعـ يق راحة باله ويتوجب عليه إنجازها بذاته. 

فكان يجلس خلف مكتبه ينهي إجراءات اخلاء سبيل احدهم قائلًا بصرامة وجدية لا يعرف غيرها في العمل:

-تعالى أمضي هنا ومش عايز اشوف وشك تاني...فاهم


-لأ يا باشا توبة 

قالها المُفرج عنه بعدما وضع امضاءه وإن سمح له "سليم" غادر تزامنًا مع دلوف "أحمد" زميله الذي جالس مواجه له دون حديث، مما جعل "سليم"يضيق نظراته الثاقبة عليه متسائلًا:

-لو في جديد اتكلم 


ذم "احمد"فمه مترددًا بعض شيء ولكن في الأخير نطق:

-بصراحة يا "سليم" بيه انا قلقان حضرة اللواء ياخد خبر  عن الواد المرمي في الانفرادي 


اجابه "سليم" وهو يرتب بعض الأوراق أمامه ويضعها داخل ملف:

-متقلقش المسـ جون ده بتاعي وانا المسؤول عنه


-بس يا "سليم" بيه لما بيدخلوله الأكل بيقولوا أن حالته بتسوء وانا خايف يمـ وت ويجبلنا 

مصـ يبة 


-متقلقش هو اخره النهاردة هعرف مين اللي وراه وهجيب منه اعتراف بخط ايده وبعدين نبقى نشوف هنعمل معاه إيه 


-متأكد انك هتبهرنا كالعادة يا "سليم" بيه 


اعتلى جانب فم "سليم "بزهو من ثقته، قبل أن يفتح درج مكتبه يخرج منه كيس صغير مغلف يحوي مادة ناعمة بيضاء

ويد سها في جيبه تزامنًا مع نهوضه وتركه لمكتبه في طريقه لعند" حازم" الذي فور أن فتح العسكري زنزانته صر خ هائـ جًا وهو يحـ ك جلده:

-باشا خرجني من هنا ابوس

ايـ دك انا معملتش حاجة


قالها "حازم" بعيون غائرة محاطة بهالة قاتـ مة وبصوت واهن، وحالة يرثى لها، ليقترب "سليم" من جـ سده المتكوم قائلًا بنبرة مهيبة:

-برضو مصمم ميأستش 


-انا جبت أخري يا باشا علشان خاطر ربنا ارحمني وسيبني امشي

قالها متوسلًا، لينحني "سليم" بجذعه متسائلًا: 

-قولي مين اللي كان راكب وراك على المكنة وضـ رب نا ر


اصر "حازم" على إنكاره: 

-انا معرفش انت بتتكلم عن ايه؟


جـ ز "سليم" على نواجـ ذه 

ور فعه قليلًا من حاشية ملابسه محذرًا من بين اسـ نانه: 

-لأ عارف يا روح امك وقسم بالله لما اتكلمت لكون سايبك زي الكلـ ب كده مر مي


انحنى "حازم" يقـ بل يـ ده التي

تقـ بض على ملابسه راجيًا: 

-يا باشا الله يسترك اعتـ قني لوجه الله

نفضه "سليم "عنه ثم اعتدل في وقفته يُخرج الكيس البلاستيكي الصغير من جيبه ويرفعه أمام عينه يتأمله بنظرات ماكرة أثناء قوله: 

-انا كنت عايز مصلحتك وكنت هروقك ده غير بقى اني اقدر اخلعـ ك منها بطريقتي


كان يود أن يسايره ليس إلا حين قالها، بينما" حازم" فقد زاغت نظراته وكادت تخرج من محجرها ينظر للكيس مبتلع رمقه ببطء متأهبًا بجسده واقفًا ليحصل عليه: 

-بجد هتخلعني


اغلق "سليم" قبضته على الكيس وتابع مساومًا: 

-بس لو قولتلي مين اللي 

حـ رضك على قتـ لي 


هز "حازم"رأسه بجنون وقال دفعة واحدة يتلهف لترياقه الذي يكمن بين قبضته: 

-هقولك...هقولك 


ضاقت عين" سليم" بتركيز هادرًا: 

-اتكلم الأول


-"حوكش" يا باشا هو اللي نفذ معايا وقالي اتخلص من المكنة بس انا بغبائي قولت اصبر عليها لما حكايتها تمـ وت وابيعها وانا اولى بفلوسها أصل الطلعة كانت جدعنة بيخدم بيها معلم صاحبه


-مين المعلم ده؟


-وربنا ما اعرف يا باشا 


-القيه فين زفت ده؟


-مرافـ ق بت اسمها "فريال" وقاعد عندها في منطقة *في شارع*

ابتسم "سليم" بزهو:

-برافو عليك...

قالها تزامنًا مع تلهف الآخر لما بيده ليمنحه إياه ويلتقطه"حازم"بلهفة مبالغة وكأنه فاز بجائزته الكبرى وإن كاد 

يفـ ض محتواه على يده باغته" سليم" بقوله وهو يقف على باب زنزانته:

-على فكرة يا "حازم" دي فيتامينات حلوة اوي هتفيدك لغاية ما ننقلك لمستشفى السجن يتعملك اللازم

قالها وغادر مغلق خلفه الباب من جديد تارك الآخر يصرخ بجنون وينـ دفع نحو الباب يطرق عليه من الداخل ويتوسل له كمن فقد عقله كاملًا.

❈-❈-❈

كانت جالسة بينهم تقص احد الحكايات التي عودتهم أن تسردها قبل نومهم واثناء اندماجها دخل هو حاملًا بيده عُلب كرتونية تحوي شيء جعلهم يتأهبون ويهرولون عليه هاتفين في صوت واحد:

-Pizza 

قلبت هي عيناها وضربت جبهتها 

قائلة: 

-مفيش فايدة فيك هتجنني 


رفع هو منكبيه وادعى بطريقة درامية وهو يضع ما بيده على الطاولة وينزع سترته ويلقيها:

-سلامتك من جنان حبيبي إن شاء الله انا


-يا "نضال" انامش بحب الأكل الجاهز وانت عارف كده 

ودون أن يدافع عن ذاته ناب عنه الصغار قائلين: 

-معلش يا مامي بقى النهاردة بس علشان خاطرنا

دب الأرض يقلد صوتهم بطريقته الطريفة: 

-ايوة معلش يا مامي أخر مرة 


قهقهو الصغار على ما فعله وانتظروا أن تأذن "رهف" لهم فما كان منها غير تومأ بموافقة، ليقفزوا الصغار مهللين، بينما هو سألها:

-فين "كرملة" اومال


-ماما "كريمة" دخلت نامت من بدري وقالت علشان تعرف تصحى للصلاة بعد الساعة اتناشر


أومأ لها وحثها وهو يجلس بجوار الصغار: 

-طيب يلا حني علينا الاكل هيبرد


انضمت لهم وإن انتهوا من تناول الطعام جلسوا اربعتهم أمام التلفاز وخاصة داخل تلك الأريكة الواسعة التي بالكاد سَعتهم وبعد مرور بعض الوقت وبعد أن غفوا الصغار أثناء مشاهدتهم همس هو جوار أُذنها:

-الولاد ناموا…


هزت رأسها وهمست وهي تمـ سد على شعر "شيري" التي تستقر داخل حُضنها:

-كانوا وحشني أوي يا "نضال" وحسيت روحي رجعت ليا تاني لما رجعوا


جذ بها يضع قُـ بلة على شعرها داعيًا: 

-ربنا مايحرمكيش منهم ولا يحرمهم منك ابدًا يا "رهف"


تأملت غاباته وقالت متنهدة: 

-ويخليك لينا يا حبيبي بجد مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه


حانت منه بسمة بشوشة هادئة  وهمس والصدق يغلف حروفه: 

-انا اللي مش عارف كنت عايش إزاي قبلكم...حليتوا ايامي ومليته عليا حياتي بعد ماكنت يائس مليش هدف ولا في حاجة حلوة عايش ليها غير امي. 


حديثه لامس شغافها لتقترب واضعة قُـ بلة بجانب فكه جعلته يهمس بعبث أمام شفاهها:

-طيب ايه؟ هو مفيش حلو النهاردة...

   

ابتسمت ونفت برأسها بدلال يليق بها وهمست وهي تتأهب لكي تحمل صغيرتها:

-انت خدت نصيبك من الحلو الايام اللي فاتت بزيادة النهاردة الولاد هيناموا جنبي ويلا شيل "شريف" وحصلني

 

قالتها ونهضت حاملة "شيري" ليحاول إقناعها أنه لم ولن يكفي من روعة ربيعها:

-بقى كده ده انا حبيبك اهون عليك تحاسبيني بأثر رجعي

 

أجابت بعدما التفتت تستسمحه برمادها:

-عمرك ما تهون بس النهاردة سماح علشان خاطري


اعتلى حاجبيه بمكر و رد مشاكسًا:

-ماشي سماح بس يبقالي مليش 

دعوة

-مجنون 

قالتها ضاحكة وهي تهز رأسها بلا فائدة وتُكمل سيرها، ليلحق هو بها حامل "شريف" الذي كان مُمدد بعرض الاريكة قائلًا:

-اعملي حسابك هنام جنبكم انا بخاف انام لوحدي البعبع ياكلني 


قالها مازحًا ليشاكسها وبالفعل  اطلقت ضحكاتها ليبتسم ايضًا راضيًا فهو يتفهم تمامًا شعورها ومدى اشتياقها لاطفالها، ولكن ذلك لا يمنع أن يهنئ معهم بقربها فمنذ زواجهم وهو لا يستطيع أن تغمض له عين خارج حيز أحضانها.   

❈-❈-❈

طرقات على باب الشقة جعلته ينهض غاضـ بًا يتوعد للطارق وإن فتح بابه وجدها أمامه تلطـ م خدها، لتنكمش معالمه ويتسأل بحدة بعدها:

-في ايه يا بت إيه اللي جابك هنا

هللت "فريال" تستنجد به: 

-الحقني يا اخويا "حوكش"

اتقبـ ض عليه وقالي اجي اقع في عرضك تتصرف


احتدت عين "سلطان" وتسائل غير مستوعبًا: 

-اتقبض عليه إزاي؟ 

-جم يا اخويا عساكر ومعاهم ضابط القسم وسحله من عندي وقدام المنطقة كلها وخده معاه


ابتلع "سلطان" رمقه واهتزت نظراته قبل أن يقول حازمًا: 

-طب غوري من هنا ومتعتبيش العتبة برجليكِ ال*دي تاني فاهمة

شهقت "فريال" و قالت بعويل: 

-يا لهوي و"حوكش"


-وانا مالي كنت ولي أمره تلاقيه عمل مصـ يبة من مصايـ به بعيد عني 


-يعني ايه يا معلم هتخلى بيه ومش هتقومله محامي

كرر هازئاً وهو يرشـ قها بنظرات شيـ طانية محذرة: 

-انا مليش صلة بيه ولو فكر يورطني هيجيبه لنفسه


قالها وهو يغلق بابه بوجهها مما جعلها تنـ دب خيـ بة آمالها:

-اه يا ميلة بختك يا "فريال" يوم ما تلاقي راجل عدل

يقـ ويكِ يجي الغراب ياخده ويطير 

ظلت تنـ دب حالها وهي تنزل الدرج و تسير في طريقها.

بينما هو كان يدور حول نفسه  متخوفًا من الآخر أن يشي به، 

فإن فعلها سيفسد ما يخطط له ويسعى من اجله وهو بالطبع لا يود ذلك قط لذلك ودون اهدار وقت أكثر في التفكير كان يهرول نحو خزانة الملابس يتناول حقيبة صغيرة يضع بها قطع قليلة من الملابس وبعض الرزم المالية وسلا حه الناري الغير مُرخص وإن ضبها خرج من الشقة ولكنه لم ينزل السلم بل صعد لسطح البناية تحسبًا؛ وحين وصل اقترب من نافذة الغرفة التي يقطن بها شقيقه وطالعه أثناء نومه قائلًا بنبرة حاقدة تحمل آماله البالية في ما يعتقد أنه له:

-هرجعها يا "عماد" ومش هسيبه يتهنى بيها...لتخفت نبرته وتتهدل معالمه متابعًا بنبرة أكل وشرب اليأس منها: 

-كان نفسي تسامحني يا اخويا بس يظهر في حاجات كتير 

وجعـ تك مني هتفضل بينا


قالها وابتعد بخطواته وتوجه للسور الملاصق لبناية مجاورة بذات عدد الطوابق ودون تمهل كان يقـ فز على سطحها ومن بعده اسطح مجاورة في ذات الارتفاع أو أقل بقليل كحال المباني في المناطق الشعبية معظمها متلاصقة وفي ارتفاعات متقاربة لحين وصل لبناية مدخلها من الشارع الخلفي لينزل سُلمها ويخرج من هناك 

وهو ينوي أن يتسلل خارج المنطقة بأكملها دون أن يشعر به أحد ويتوجه لوجهة لم يتخيل يومٍ أنه سيلجأ لها.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كامل