-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 36 - 2

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل السادس والثلاثون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈




في تمام الساعة التاسعة صباحاً،تحركت خارج المنزل متجهة إلي الحديقة وذلك لتستقل السيارة المجهزة بالحراسة التي أبلغها عنها والدها كي تقِلها إلي جامعتها الجديدة داخل القاهرة،وجدت من يقف وهو ينظر عليها بترقُب ويبدوا أنهُ كان بإنتظارها،نظرت عليه وجدتهُ شاب يبدوا أنهُ بأواخر العِشرينات من عمرهِ،فارع الطول يمتلك جَـ.ـسداً رياضي قوي البُنيان ويرجع هذا لنتيجة تدريباته القوية الخاصة بعمله كضابط داخل جهاز المخابرات الحَربية، شملته بنظرة إستخفافية وتحركت بإتجاه وقوفهُ


أماء لها برأسهِ بخفة وتحدث بإحترام وهو ينظر إليها من خلف نظارته الشمسية التي يرتديها وتُزيدهُ وسامة فوق وسامته: 

-صباح الخير يا دكتورة،مع حضرتك الرائد كارم المعداوي،قائد الحِراسة المُكلف من جهاز المخابرات بحمايتك 


وأكمل بإستفاضة تمللت منها تلك السَاخطة: 

-من النهاردة هكون معاكِ في كل خطوة هتخطيها خارج البيت،هوصلك القاهرة يومياً وهستناكي خارج الكُلية لحد ما تخلصي محاضراتك،وهرجعك لحد هنا تاني بنفسي 


وأكمل وهو يُشير إلي سيارة الحراسة التي تتبعهُ: 

-ودول رجَالة الحِراسة اللي هيمشوا ورانا


رمقته بنظرة مُتعالية مُقللة من شأنهِ وتحدثت بنبرة خالية من أُصول الأدب والإحترام للذات قبل الغير مما أثار غضبهُ: 

-إنتِ بتحـ.ـرق كلام كتير ليه كدة!  

وأكملت بإستخفاف: 

-كُل الرّغي والمقدمات دي علشان تقولي إنك الbody guard  اللي هتمشي ورايا؟ 


خَلـ.ـع عنه نظارتهُ الشَمسية وقطب جبينهُ بإستغراب وهو ينظر إليها مُدققاً في نظراتها المُتعالية وأردف قائلاً بنبرة هادئة في ظاهرها،مُحتقنة بالغضـ.ـب في باطنها: 

-مبدأياً كده وعلشان نبدأ مع بعض بداية صَح ومن غير مشـ.ـاكل،لازم أوضح لك شوية أمور علشان نحط النُقط علي الحروف من أولها 


رفعت حاجبها وترقبت فاسترسل بنبرة مُتعالية كي يرُد لها تحيتها:

-أول حاجة لازم حضرتك تتعلمي إزاي تتكلمي معايا بالطريقة اللي تتناسب مع منصبي كرائد ليه وضعه في جهاز المخابرات المصرية 


وابتسم بجانب فمه بطريقة ساخرة وتحدث متهكماً: 

-ثانياً يا أستاذة أنا مش body guard ولا مهمتي أمشي ورا جناب معالي سعادتك كبرواز يجَمل صورتك قُدام صحباتك 


وأكمل شارحاً بنبرة جادة وملامح وجه صارمة وكأنهُ تحول لأخر: 

-أنا هنا في مهمة رسمية مكلف بيها من الجهاز بناءاً علي طلب رسمي مقدم من سيادة العميد ياسين المغربي شخصياً،وده يرجع لعلمه بمدي كفائتي في شغلي كظابط مُحترف وليا وضعي 


كانت تستمع إليه وهي تُقلب عيناها بضَجَر بطريقة توحي بتملُلها وعدم تقبُلها لما يقال من ذاك الغَليظ التي لم تتقبل شخصيته من أول ولهة،ألقت عليه بسؤالها الساخر: 

-ياتري خَلصت وصلة مدح حضرتك لجلالتك ولمهنة عظمتك ولا لسه يا حضرة الظابط؟ 


رمقها بنظرة نارية وأردف بنبرة حادّة: 

-أنا مش بمدح في نفسي علي فكرة


واسترسل بتعالي كي يَردَع غرورها: 

-لأني لو قعدت أسرد في إنجازاتي يبقي مش هنتحرك من مكانا هِنا قبل يومين علي الأقل 


واستطرد شارحاً لوضع حدود صارمة بينهما: 

-أنا حبيت بس أعرفك على الشخص اللي هتتعاملي معاه من النهاردة علشان تختاري الإسلوب الصَح اللي يليق بشخصِى 


نظرت إليه وابتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت بتهكم: 

-واضح إن سيادة العميد إختار لي الشخص المناسب. 


إبتسم بطريقة ساخرة وأشار بيـ.ـده وهو يفتح لها باب السيارة الأمامي المجاور لمقعده دون حديث،رمقته بنظرة متعالية وتحركت إلي الباب الخلفي وقامت بفتحه وصَعدت إلى السيارة ثم قامت بغلق الباب مما جعل الدِمَاء تصعد لرأسه سريعاً،لكنه تمالك من غضـ.ـبه وقام بغلق الباب بحِـ.ـده وتحرك مَتجهً للجهةِ الأُخرى وفتح باب السيارة،ثم أشار بكف يـ.ـده إلي سيارة الحِراسة التي ستُرافقهُما الطريق مما جعل السائق في وضع التأهُب،إستقل كارم السيارة وجلس خلف مقود القيادة وقادها مُتحركاً إلي خارج المنزل ليتجه إلي الطريق المُؤدي إلي القاهرة   


بعد مرور بضعة دقائق من تحركهما،كانت تجلس بالخلف وعدم الراحة والإمتعاض تظهران فوق ملامح وجهها الصَارمة،أمسكت حقيبة يـ.ـدها واخرجت هاتفها الجوال وبدأت بفتحه،ثم نظرت عليه بتعالى وتحدثت إليه بنبرة أمّرة:

-قول لي إسم الـ  bluetooth علشان عاوزة أشغل أغاني علي الكاسيت بدل الملل ده. 


رفع حاجبيه متعجباً من إسلوبها المُستفز والذي يدُل علي عدم لباقتها وحُسن تعاملها مع الآخر واستغربها حقاً،وتسائل بين حالهِ متعجباً كيف لتلك السيئة الطِباع أن تكون إبنة رجُل حكيم وراقي مثل ياسين المغربي 


نظر لها من خلال إنعكاس صورتها بالمِرأة وتحدث بنبرة باردة أشعلت داخلها:

-أسف يا أنسة،مش هينفع


هو إيه ده اللي مش هينفع؟..جُملة حادّة تفوهت بها أيسل بطريقة غاضـ.ـبة وهي ترمقهُ بحِدة


أجابها ببرودٍ حَادّ ليُصيبها بالغضـ.ـب أكثر علهُ يثأر لكرامته من تلك المتعالية: 

-طبيعة عملى بتتطلب مِنى الهدوء التام علشان أقدر أركز في شُغلى واعملهْ على أكمل وجه،علشان كدة ممنوع أشغل أى صوت ممكن يشتت ذهنى ويفقدني تركيزي 


تنفست بصوتٍ مُرتفع وهتفت بنبرة حادّة وكأنها تأمرهُ: 

-وأنا بقول لك تديني الإسم وحالاً. 


هتف بنبرة أكثر حِدّة لملامح وجه صارمة وهو يرمقها بنظراتٍ حـ.ـارقة أشعلت روحها: 

-أولاً أنا ما أسمحش لحضرتك إنك تكلميني بالإسلوب ده، 

واسترسل بنفس الحِدة: 

-هعيد عليكي الكلام اللي قلتهُ لك من شوية وياريت ما تضطرنيش أعيده تالت لأن خُلقي ضيق ومبتحملش المناهدة والكلام الكتير


واستطرد بإبانة مكرراً حديثهُ علها تستوعبهُ: 

-أنا في مُهمة رسمية مُكلف بيها من رؤسائى اللي وضعوا فيا كُل ثقتهم،وأنا هِنا اللي بحط القواعد والقوانين اللي همشى عليها واللي مطلوب من حضرتك تنفيذها وبدون نقاش


واسترسل بنبرة متهكمة على تفكيرها: 

-إحنا مش طالعين رحلة مدرسية علشان أشغل لك الكاسيت ونقعد نسَقف وناكل السَندوِتشات ونشرب الكُولا 


إحتدمَت غيظاً واتستعت عيناها بذهول من حديثهُ المُهين المُقلل من شخصِها فصاحت بنبرة غاضـ.ـبة توحي لمدي إستشاطتها التي أصابتها من حديثهُ المقلل من شأنها: 

-إنتَ إزاي تسمح لنفسك تكلمني بالطريقة دي؟!


أجابها بنبرة جادة: 

-السؤال ده حضرتك توجهيه لنفسِك الأول لأن سِيادتك اللي تخطيتي حدودك فى الكلام معايا وده كان ردي المناسب لتعديكى على شَخصِى 


واسترسل بإيضاح: 

-ده ردي عليكي بالنسبة للجزئية التانية من كلامي اللي زعلك وعَصبك أوي كدة


واسترسل موضحاً بنبرة زائفة: 

-أما بقي بالنسبة لرفضى لموضوع الأغانى فدا شئ يرجع لقواعد شُغلي الثابتة اللي أنا نفسى ما أقدرش أكسَـ.ـرها،ولو مش مصدقة كلامي تقدرى تسألى في النقطة دي سيادة العميد.


كانت تستمع إليه وكُل ذرة بجـ.ـسدها تنتفضُ من شِدة غَضـ.ـبها من ذاك البارد الذي عاملها بطريقة غير لائقة والتي ولأول مرة تتعرض لهكذا معاملة،نعم كان إيهاب صارماً في تنفيذهُ للأوامر لكنهُ لم يتخطي معها حدود الأدب مهما بلغ إستفزازها له،وطالما إحترم شخصها طيلة الوقت 


وبرغم وصولها بفضلهِ للمنتهي من حالة الإحتدام،إلا أنها فضلت الصمت لتيقُنها أنهُ يقول الحقيقة وذلك ما أستطاعت أن تستشفهُ من خِلال نبرة صوته الثابتة ونظرات عيناهْ الواثقة وهو ينظر إليها من الحِين للأخر في إنعكاس صورتها بالمِرأه حين كان يُحدثها 


دون أن تُعيرهُ حق الرد،رفعت قامتها بتعالىّ ثم أمسكت هاتفها وأوصلته بسماعة الأذن الخاصة بالهاتف التي وضعتها داخل آذنها من تحت حِجابها،وبدأت بالإستماع إلي إحدي الأغانى الأجنبية وباتت تُردد بعض كلماتها بنبرة خافتة وصلت لأذن ذاك الكارم مما جعلهُ يبتسم سَعيداً بأول إنتصار قد حققهُ أمام تلك المستبدة والتي ومن الواضح أنهُ سيُعاني معها من خلال عملهِ،لكنهُ سيصمُد بالتأكيد بل وانتوىّ داخل سَريرَتهُ أنهُ سيتفنن في إستـ.ـشاطتها ووصولها للمنتهي. 


بعد مرور بعضاً من الوقت،توقف كارم بسيارته أمام مبني جامعة القاهرة وترجل منها وتوجه إليها وفتح لها باب السيارة وتحدث بصوتٍ أجش: 

-وصلنا يا دكتورة،إتفضلي



نزلت من السيارة وباتت تنظر بألم علي ذاك الصرح العظيم بعيناي حزينة متألمة رافضة لواقعها المرير،نظر عليها ورأي كم الألم الذي سكن عيناها واستغربهُ،تحدث إليها من جديد كي تعي علي حالها: 

-دكتورة،إدخلي الجامعة لو سمحتي علشان وقفتك برة كدة غلط


وعت علي حالها أثر كلماته،أخذت نفساً عميقاً إستعداداً لما ستقبل عليه ودلفت إلي الداخل تحت نظرات كارم الذي همس لحاله بصوتٍ مسموع: 

-دي باينها مجنونة وإنتَ شكلك لبست في حيط يا كارم باشا



ليلاً 

عاد كارم إلي منزله بعد يوماً شاقاً،فتح باب مسكنهُ وجد والدتهُ تجلس بالأريكة المتواجدة داخل البهو دون والدهُ،فتحدث علي عُجالة: 

-مساء الفل يا بوسبس



واسترسل وكأن احدهم يطاردهُ: 

-جهزي لي الغدا علشان هموت من الجوع،علي ما أدخل أخد شاور تكوني جهزتيه،تمام



قال كلماتهُ وانصرف سريعاً تحت نظرات تلك المتعجبة والتي صاحت بنبرة عالية كي يصل صوتها إليه: 

-إمتي وربنا يكرمني وتلاقي بنت الحلال اللي تخلصني منك بقي 


وأهون عليكي يا بُسبُس...قالها من داخل غرفته مما جعلها تبتسم وتتحدث بصوتٍ خافت وهي تنسحب إلي المطبخ:

-ربنا يهديك يا كارم يا ابني ويرزقك ببنت الحلال اللي تخليني أموت وأنا مطمنة عليك


❈-❈-❈


ليلاً داخل منزل رائف


كانت مليكة تحمل صغيرتها وتجاور ثريا الجلوس وهما تتناولتان مشروباً بارداً،يجلسُ جميع الأطفال أرضاً يلهون بألعابهم عدا مروان القابع بغرفته يراجع دروسهُ،وقفت ليزا واقتربت من مليكة التي أصبحت تُناديها بأمي تمثلاً بمروان حيثُ باتت تقلد جميع تصرفاتهُ دون إدراك،وتحدثت بتملُل:

-مامي،أنا عاوزة مروان علشان يلاعبني


وضعت مليكة كفها فوق وجنتها وحركتها برقة ثم تحدثت بإيضاح:

-مروان بيذاكر يا قلبي ومش هينفع ينزل،بكرة هخليه يلعب معاكي



تأففت الصغيرة وعادت لتجلس من جديد،فتحدث إليها عز الذي تملل من إهتمامها الزائد بمروان:

-قولت لك مش هينزل،مروان كبير وبيذاكر وإنتِ صُغيرة وأنا كمان صُغير،إلعبي معايا أنا وأنس


ربعت ساعديها ومطت شفتاها بحزن ثم أردفت بحِدة تنم عن إستيائها:

-بس أنا مش بحب ألعب غير مع مروان،هو بيحبني ومش بيزعلني ولا بياخد ألعابي زيك يا عزو 


بنبرة نادمة تحدث إليها بملامح وجه أسفة: 

-خلاص يا ليزا مش هاخد ألعابك تاني،بس حبيني زي مارو ويلا إلعبي معايا 


سألته بتمني: 

-يعني مش هتاخد مني ألعابي تاني يا عزو؟ 

  

مش هاخدها يا ليزا أوعدك...هكذا نطق بوعد فابتسمت وعادت للهو معهُ وأنس تحت سعادة ذاك الصغير الذي وما أن إستمع إلي صوت أبيه الذي حضر للتو حتي وقف وأسرع عليه ليحملهُ ياسين ويُدخلهُ داخل ضمة أحضانهُ فتحدث الصغير بدلال:

-حبيبي يا بابي 



يا قلب بابي من جوة إنتَ...نطقها ياسين الذي تحرك به إلي الداخل وجلس بعدما إحتضن أنس وقبل صغيرتهُ وأيضاً ليزا التي باتت تعشق تواجده بالمنزل


تحدثت ليزا متسائلة عن جدها التي تعلقت روحها به من شدة حنانهُ الذي يغمرها به في محاولة منه لتعويضها عن أبيها الحاضرُ الغائب:

-جدو مش جه معاك ليه يا عمو؟


أجابها بنبرة حنون: 

-جدو عز خرج مع جدو عبدالرحمن يا ليزا 



أفلت الصغير حالهُ من فوق ساقاي والده وعاد ليمرح مع أنس وليزا،وجهت ثُريا حديثها إليه: 

-أخلي عَلية تجهز لك العشا يا ياسين؟ 


أجابها بعيناي شاكرة: 

-لا يا حبيبتي،أنا أكلت من شوية مع الباشا والأولاد  



أما تلك المُحبة فنظرت إلي معشوقها وتحدثت بنبرة حنون:

-شربت قهوتك ولا أعمل لك فنجان يا ياسين؟ 


ما أنا جيت مخصوص علشان أشربها مع ماما من أديكي...نطقها بنظرات دافئة فهبت واقفة ثم تحركت إليه وقامت بوضع صغيرتهُ بين ذراعاه وتحدثت وهي تتأهب للذهاب إلي المطبخ:

-طب خد بنتك وأنا هدخل أعملها لكم حالاً



إنسحبت ونظر ياسين لصغيرته التي تنظر له بعيناي سعيدة وبات يزيدها من قُبلاتهِ النهمة وكلما قبلها إشتاق لتناول المزيد 



بنبرة بائسة سألتهُ ثريا بإهتمام: 

-وبعدين في عُمر يا ياسين،هتفضلوا سايبينه كدة يا ابني؟ 

حرام عليه بنته اللي بتتربي وكأنها يتيمة دي،مش كفاية اللي حصل لها علي إيدين أمها اللي ما يجوزش عليها غير الرحمة،كمان هتخسر أبوها وهو لسة علي وش الدنيا



بأسي أجابها مُعقباً بإبانة: 

-والله يا عمتي أنا تعبت من الكلام معاه أنا والباشا وماما،وهو كُل اللي طالع عليه سيبوني براحتي ولما أحس إني قدرت أسامح وقابل وجودها في حياتي أنا بنفسي هروح وأجيبها


 أومأت قائلة بتفهُم:

-ربنا يهديه وينور بصيرته يا ابني


يارب يا حبيبتي...نطقها ثم نظر إلي صغيرته التي باتت تناغشهُ بعدما لاحظت عدم إهتمامهُ بها واستياء ملامحهُ،فبدأت بوضع كفها الصغير فوق وجنتهُ وبدأت بهمهمة غير مفهومة وكأنها تُذكرهُ بوجودها،إحساساً رائعاً إجتاح داخلهُ من مشاكستها له 


تعمق بزرقاويتها وتحدث بملامح وجه يكسوها الحنان الطاغي: 

-إيه يا مِسك ياسين،هو دلع بابي لحبيبة قلبه واحشك قوي كدة؟ 


تهلل وجه الصغيرة وباتت تتراقصُ وتُعبر بحركاتها الحماسية عن سعادتها بدلال أبيها لها، فتحدثت ثريا بإبتسامة حنون: 

-ربنا يخليك ليهم يا حبيبي وما يتحرمومش منك أبداً 


تسلمي لي يا أمي ويبارك لنا في عُمرك...نطقها بعيناي شاكرة،إقتربت مليكة عليهم وقدمت لثريا قهوتها ثم قامت بوضع ما بيدها فوق الطاولة وتحدثت بتبيان وهي تلتقط صغيرتها: 

-هات مِسك علشان تعرف تشرب قهوتك


صرخت الصغيرة وكأنها تُعلن إعتراضها عن الإبتعاد عن أحضان غاليها،تحدث إليها ياسين وهو يُعيدها من جديد إلي مسكنها الأمن: 

-متزعليش يا حبيبي وخليكي في حُضن بابي


ناولتهُ قهوتهُ وتحدثت إلي إبنتها بدُعابة: 

-اللي يلاقي دلع ولا يدلعش يبقي حرام عليه يا مِسك هانم 


إبتسم لها وعادت تجلس لمكانها وبدأ هو بارتشاف قهوتهْ،ثم تحدث قاصداً كِلتاهما بنبرة جادة:

-الجهاز عندنا منزل طرح لقطع أراضي في أماكن مميزة وأسعار معقولة هتتبني ڤيلل فيما بعد،وأنا إن شاء الله نويت أحجز لحمزة وعز وسيلا ومِسك،وكنت حابب أحجز لمروان وانس علشان يبقوا جنب إخواتهم


واسترسل متسائلاً إياهما: 

-إيه رأيكم


أردفت ثريا بموافقة لثقتها بياسين: 

-اللي تشوفه مناسب ليهم إعمله يا ابني،والفلوس موجودة في البنك وتحت أمرك



نظر إلي مليكة وتحدث مستفسراً: 

-وإنتِ إيه رأيك يا مليكة؟ 


بنبرة هادئة عقبت: 

-أنا واثقة في إختياراتك يا ياسين وموافقة علي أي حاجة تشوفها مناسبة لمستقبل الولاد



أومأ لهما وتابعا سهرتهما،بعد مرور حوالي الساعتان،كانت تخرج من الحمام بعدما أخذت حماماً دافئاً وارتدت ثوباً شفافاً ليصلح للنوم،وجدته يقف أمام مرأته يُصفف شعر رأسهُ بعناية بعدما وضع صغيرتهُ داخل مهدها ووضع قبلة فوق وجنتها الناعمة


نظر علي إنعكاس صورتها في المرأة وألتقط قنينة عِطرهُ الرجولي وبات ينثر منه بسخاء علي جسدهِ،ثم تحرك إلي تلك الواقفة تتطلع عليه وبدون سابق إنذار قام بسحبها وأدخلها إلي أحضانه وبات يشدد من ضمتها،ثم تنهد براحة وتحدث بنبرة أوحت إلي كم إشتياقهِ لها: 

-حبيب جوزه اللي وحش جوزه قوي 


إبتسمت وتحدثت بمداعبة كي تحصل علي المزيد من غزله الذي ينثرها به بغزارة ويجعلها تهيمُ عِشقاً به: 

-هو أنا بلحق أوحشك يا ياسين،ده أنا كل يوم معاك 


ولو كل ثانية في حُضني،بردوا هتوحشي حبيبك...هكذا تحدث قبل أن يحملها بين ذراعيه ويتحرك بها بإتجاه تختيهما ليحيا معاً لحظات تعيد لهما رونق عشقهما وتحيي قلبيهما وتنعشهُ



❈-❈-❈


كان يجلس داخل مكتبه الخاص بعمله بشركة الإلكترونيات،دلفت إليه إحدي الفتيات الجميلات ويبدوا علي هيأتها الغضب،وقفت أمامهُ وتحدثت مستفسرة بنبرة حادة: 

-ممكن أعرف ليه حضرتك رفضت تنفيذ فكرة المشروع بتاعي؟ 



ضيق عمر عيناه ثم سألها متعجباً: 

-مشروع إيه ده اللي بتتكلمي عنه حضرتك،ثم إنتِ مين أصلاً؟ 


هتفت تلك الحانقة قائلة: 

-أنا الباشمهندسة تارا مجدي اللي إدارة الشركة إختارت حضرتك لكفائتك علشان تساعدني في تنفيذ مشروعي اللي قدمته للشركة


واسترسلت بخيبة أمل: 

-بس الإدارة بلغتني من شوية إنك رفضت تشاركني في تنفيذ فكرة المشروع 


واستطردت بنبرة إنهزامية وعيناي لائمة: 

-ضيعت لي حلمي بكل بساطة


أجابها بنبرة باردة ويرجع ذلك لقوانينهُ الذي وضعها لحاله وهي عدم السماح لأي أنثي بالتقرب منه بأي شكلٍ من الاشكال: 

-أنا رفضت مشاركتك للمشروع وأظن ده حقي وليا مطلق الحرية فيه،وبالنسبة لمشروعك تقدري تبلغيهم يسندوه لأي مهندس غيري



إبتسمت ساخرة وتحدثت متهكمة علي جهله بأمور شركته:

-يظهر إنك ما تعرفش معلومات كتير عن الشركة اللي إنتَ شغال فيها يا باشمهندس


 

 واسترسلت بإيضاح:

-حضرتك الوحيد الموجود في الشركة في المجال ده،علشان كدة لما أنتَ رفضت تساعدني في تنفيذه،الشركة رفضت المشروع كله


واسترسلت بنبرة متألمة وهي تتأهب للخروج: 

-ربنا يسامحك،أنا كنت بانية أمال كبيرة قوي علي تنفيذ المشروع بتاعي وخروجه للشمس والإعلان عنه من خلال شركة كبيرة زي دي


واسترسلت بإحباط:

-بس كالعادة كلها إنهدت قبل ما تظهر للنور


قالت كلماتها المحبطة وكادت أن تخرج أوقفها صوتهُ الذي تأثر بحالة الألم الذي شعر به من خلال صوتها المحبط: 

-إستني يا باشمهندسة



إلتفتت ونظرت عليه فاسترسل بعدما حسم أمرهُ وأنتوي مشاركتها: 

-أنا هبلغ الإدارة إني تراجعت وهنفذ معاكي المشروع


حضرتك بتتكلم جد؟...جُملة نطقتها بتلهف فأجابها بهدوء: 

-القرارات اللي بتخص الشغل ما ينفعش فيها الهزار يا باشمهندسة  


شكرته بشدة وانسحبت تحت رضاهُ عن حاله 


  


باليوم التالي وقت الغروب

وقف داخل شرفة غرفتهِ كعادتهِ ككل غروب ليختلس النظر من تلك التي باتت تتحرك بإتجاهها بعضاً من مشاعر الأبوة بداخلهُ لكنهُ مازال يعاند حالهُ أو بالأدق كان يريد إعطاء حالهُ الوقت الكافي لتقبلها داخل حياته


كانت تهرول بخفة خلف عز وساندرا طارق ورائف وهي تلهو معهم تحت أنظار مليكة وثُريا ونرمين الجالسات تراقبن الأطفال،كان يراقب خفة تحركاتها وإنطلاقها بترقُب شديد،إنتفاضة ورعشات كانت تزلزلُ قلبهُ مع كل ضحكة تطلقها تلك البريئة،أسرعت الصغيرة وهي تهرول خلف عز لتلحق به وتُمسكه في إطار خطوات اللُعبة وبدون مقدمات تعثرت قدم الصغيرة وألتوي كاحلها وعلي أثرها انبطحت أرضاً تحت صرخاتها التي صدحت بالمكان والتي أطلقتها من شدة ما شعرت به من ألم،وقفن النساء وهرولن عليها بقلوبٍ متلهفة 



ما وعي علي حاله إلا وهو يصرخ منادياً بإسمها بكل صوتهِ بعدما إقتحم قلبهُ شعوراً ولأول مرة يُصيبهُ: 

-ليزااااا


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة