جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 42 - 2
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الثاني و الأربعون
الجزء الثاني
❈-❈-❈
تحرك الفتي داخل الرواق بقلبٍ مُشتعل حتي وصل إلي غرفة والدتهُ ودق بابها،إرتعبت اوصالها،هرولت إلي الحمام وقامت بغسل وجهها بالماء الفاتر ثم خرجت سريعاً بعدما التقطت منشفة وباتت تجفف بها وجهها،تحركت إلي الباب وقامت بفتحه،تفاجأت برجُلها الصغير يقف أمامها وبات يتطلع علي عيناها العالق بها أثار الدموع وتحدث بنبرة مرتابة:
-إنتِ كويسة يا ماما؟
إبتسامة حانية خرجت منها وتحدثت وهي تتحسس وجههُ:
-أنا بخير يا حبيبي
هتف بنبرة حادة:
-هو عمو ياسين إتخانق معاكي؟
بهدوء سألته مستفسرة:
-إيه اللي خلاك تقول كدة؟
بملامح وجه ساخطة اردف بنبرة حادة أظهرت كم الغضب الذي أصاب داخلهُ جراء رؤيتهُ لدموع غاليتهُ العزيزة:
-الدموع اللي في عيونك الحمرا هي اللي قالت لي يا ماما
أمسكت بكفهِ وسحبته إلي الداخل حين رأت بعيناه الغضب ثم قامت بغلق الباب وتحدثت بنبرة هادئة:
-عمو ياسين مازعلنيش يا مارو
نطق محتداً بطريقتهُ:
-هو ليه حضرتك بتعامليني علي إني طفل صغير هتضحكي عليه بكلمتين؟
جلست فوق الأريكة واجلست صغيرها ثم تحدثت وهي تداعب خصلات شعرهُ كي تشعره بالحنان وتمحي من داخلهُ غضبهِ العارم:
-إنتَ راجلي وسندي بعد ربنا يا مروان،ومش بس سندي لوحدي،ده إنتَ سند لإخواتك كلهم يا حبيبي
إنفرجت أسارير الفتي وشعر براحة غزت روحهُ،تنهد ثم تحدث مستفسراً:
-طب ليه مش عاوزة تقولي لي سبب دموعك؟
واستطرد بنبرة متوجسة:
-عمو ياسين زعق لك ولا قال لك حاجة ضايقتك؟
أجابتهُ نافية:
-صدقني يا حبيبي ما فيه أي حاجة
ماما...نطقها بتشكيك فأردفت الاخري موضحة:
-عمك ياسين بيحبني وعمره ما جرحني ولا في يوم فكر يأذيني نفسياً،هو بس متضايق لأن عنده شوية مشاكل في الشُغل
سألها مشككاً:
-وهي مشاكل شغله سبب يخليكي تعيطي؟!
أخذت نفساً عميقاً وزفرته بهدوء كي تضبط إنفعالاتها وتحدثت:
-بص يا حبيبي،الراجل ومراته ساعات بيحصل بينهم مشادات في الكلام وعلي اتفه الأسباب المشاكل بتتخلق،إحنا بقي كستات دموعنا قريبة
واسترسلت بدُعابة كي تخرج من عقله أية ضيق:
-وبصراحة كدة بنتلكك علشان نخرجها
يعني إنتِ كويسة يا حبيبتي...نطقها متوجساً وهو يتحسس كف يدها،فأجابتهُ بابتسامة طمأنة:
-أنا كويسة،ما تقلقش يا قلب ماما
إبتسم لها وتحرك من جديد عائداً إلي الأسفل بعدما قام بتقبيل جبهة غاليتهُ وأطمئن عليها
❈-❈-❈
تحرك بإبنه حيثُ منزل أبيه،وجد عز المغربي يجلس بداخل حديقتهُ بصحبة عبدالرحمن الذي إستمع إلي نصائح إبنة عمه وأخذها في الإعتبار ومنذُ حينها لم يترك شقيقهُ وضل ملازماً له وباتا يخرجا ويستمتعا بحياتهما سوياً
حاول ضبط النفس خشيةً إنكشاف أمر غضبه من قِبل ذاك الداهي والدهُ،هتف الصغير مُهللاً بابتهاج وهو يُشير إلي عزيز عينهْ جدهُ الذي يكن لهُ الكثير من الحب والتقدير:
-جدووووو
بحبور فتح ذراعيه لاستقبال حفيدهُ المُدلل والذي يحظي بنصيب الأسد من مكانته داخل قلبهْ،وتحدث مدللاً إياه تحت إبتسامة ياسين الذي وقف أمام والدهُ مناولاً إياه الصغير:
-يا أهلاً يا أهلاً بقلب وعقل وروح جدو
تحدث ياسين إلي عمه بعدما ألقي التحية علي والده:
-إزي صحة حضرتك يا عمي
عقب عبدالرحمن بابتسامة:
-أنا كويس الحمدلله يا ابني
إنسحب ياسين إلي الداخل في حين هرولت الفتاتان من الداخل بعدما إستمعتا لصياح ذاك المسيطر الصغير وتحدثت ساندرا باهتمام شديد:
-إنتَ جيت إمتي يا عزو،أنا كُنت هطلب من مامي تاخدني لعندك علشان ألعب معاك
إبتسم وشعر بتفاخر بحاله ثم تحدث بشموخ ورثهُ عن أبيه:
-أنا عارف إنك مش بتعرفي تلعبي من غيري علشان كدة جيت
ثم حول بصرهِ إلي تلك الليزا منتظراً مدحها واطرائها هي الاخري فإذ بها تُخيب ظنهُ وتحدثت مستفسرة بلهفة ظهرت فوق ملامحها:
-هو فين مارو يا عزو وليه مش جه معاك؟
أشاح بكفهِ وعبس قائلاً بحدة:
-مارو في البيت
بعيناي متوسلة تحدثت إلي جدها بدلال:
-جدو،أنا عاوزة أروح عند مارو
وافقها الجد وصاح بصوته مستدعياً إحدي العاملات وطلب منها إصطحاب تلك الجميلة إلي مروان تحت غضب ذاك الحانق الذي غضب من عدم اهتمام تلك الجميلة وعدم استقباله بالشكل اللائق به
اتي المساء،خرج من الحمام الخاص بليالي بعدما أخذ حماماً دافئاً بعد أن قرر الإبتعاد بعض الوقت عن مليكة كي يأخذ كلاهما هُدنه ويريح أعصابهُ بعيداً عن الآخر ليُزيلا التوتر الذي أصاب كلاهما
إرتدي ملابسهُ وتجهز ليذهب إلي مقر الجهاز لمتابعة سير التحقيقات المستمرة في قضية محاولة إغتيال إبنته تاركاً خلفهُ قلوباً تحترق،تحركت إلي غرفتهُ بعدما فقدت قدرتها علي التحمل،دقت بابهِ فسمح للطارق بالدخول، دخلت ونظرت عليه وجدته مُمسكاً بفرشاته يصفف شعرهُ كعادته بعناية،نظر لها بطرف عيناه ثم عاد إلي النظر لإنعكاس صورته لمتابعة ما يفعله وتحدث بنبرة جادة:
-فيه حاجة يا أيسل؟
تحمحمت كي تجلي صوتها وتحدثت بنبرة خافتة:
-هو حضرتك خارج؟
أجابها باقتضاب:
-آه،عندي شُغل ضروري في الجهاز
فركت كفيها ببعضيها مما أظهر توترها ثم تشجعت قائلة:
-بابي،كُنت حابة اتكلم معاك في موضوع ضروري
بعدين...نطقها مقتضباً فتحدثت الأخري باصرار:
-الموضوع ضروري وما يحتملش التأخير يا بابي
ألقي بفرشاة شعره بحِدة مما جعلها تُحدثُ صوتاً مزعجاً أدي إلي إنتفاض جسد تلك الواقفة،حول بصرهِ إليها ثم وضع كفاي يداه داخل بنطاله وسألها مضيقاً عيناه بتعجب:
-وياتري موضوع إيه ده إن شاء الله اللي ما يحتملش التأخير يا دكتورة؟!
وصلها ضيقهُ لكنها تحلت بالشجاعة واردفت مستفسرة:
-هو حضرتك عينت الضابط اللي إسمة أحمد كمال قائد الحرس بدل كارم المعداوي
بجمود أجابها باقتضاب:
-آه
إبتلعت لُعابها وتحدثت بصوتٍ مُختنق:
-من غير ما تقول لي؟!
سألها بعدما قطب جبينهُ باستغراب:
-إيه اللي يفرق كارم المعداوي عن غيره علشان أقول لك؟
واستطرد بنبرة حادة:
-ثم ده ما يخصكيش،إنتِ كُل اللي يهمك في الموضوع إني أختار لك ضابط كُفئ يقدر يحميكي
دون إدراكٍ منها هتفت:
-ومين هيقدر يحميني زي كارم يا بابي،ده ضحي بروحه علشاني وأخد الطلقة مكاني
إشتعل داخلهُ واستشاط وهتف بنبرة حادة:
-إسمه حضرة الرائد يا دكتورة ده أولاً
واسترسل بايضاح وغيرة:
-أما بخصوص الطلقة فدا شُغله واللي كان هيعمله لو إتعرض للموقف ده مع أي حد في مكانك
بعناد تحدثت:
-بس أنا مش مرتاحة مع اللي إسمه أحمد ده
واسترسلت متلبكة بتذمر طفولي:
-ده رغاي وطول الوقت بيصدعني بكلامه التافه
لو دي مُشكلتك فاعتبريها إتحلت...نطقها وهو يميل برأسهِ يميناً بعدما أخرج يداه وقام بفردهما بإشارة منه بسهولة الأمر،ثم استرسل بدهاء:
-أنا هلفت نظره وهخليه يبطل يتكلم معاكي نهائي
خرجت منه إبتسامة ساخرة وسألها بخبث:
-أظن كدة ما عندكيش مشاكل معاه تاني يا دكتورة
بسؤال ذات مغزي استرسل بعيناي حادة:
-ولا فيه؟!
إبتلعت لُعابها وصمتت وهي تنظر إليه بضيق وغضب حاد ظهر بَيِنّ داخل عيناها،فتحدث بصرامة هو من جديد بذات مغزي:
-إتفضلي علي أوضتك وياريت تركزي في مذاكرتك ومستقبلك بدل ما تشغلي نفسك بكلام فارغ
إلتمعت عيناها بفضل دموعها التي حضرت وانسحبت من أمامه مهرولة إلي غرفتها تحت ألم قلبهُ وحزنهُ عليها لكنهُ صبر حالهُ بأنهُ يفعل الصواب لأجلها
إستقل سيارتهُ وأنطلق لوجهته وتحركت أيسل إلي مليكة كي تشتكي لها والدها وتطلب منها المساعدة
بعد قليل تحدثت أيسل باستسلام بعدما سردت عليها مليكة ما دار بينها وبين والدها من حديثٍ حاد بسببها:
-أنا مش فاهمة هو بابي بيعمل كدة ليه؟
إيه الغلط في إني أحب واتحب وأتجوز الإنسان اللي إتمناه قلبي؟!
واستطردت متسائلة بتشكيك:
-هو بيعاقبني علشان ما قدرتش حبه ليكي ولومته عليه؟
هزت رأسها بنفيٍ واجابتها بتأكيد:
-أكيد لا،بابا مش بيفكر بالطريقة دي يا أيسل
بتشتُت سألتها:
-أُمال أفسر اللي بيعمله معايا بإيه؟
أخرجت تنهيدة حارة ثم تحركت إلي الشُرفة ونظرت منها علي البحر وتحدثت إلي التي تحركت خلفها وجاورتها الوقوف:
-ياسين خايف عليكي من وجع الحُب يا سيلا
وهو الحُب بيوجع يا مليكة؟...نطقتها بعيناي عاشقة ثم استرسلت بصوتٍ هائماً وهي تبتسم وتُمسك بسور الشُرفة وكأنها تبدلت لفراشة:
-أنا متأكدة من إن كارم بيحبني وهيعمل كل اللي يقدر عليه علشان يسعدني
واستطردت مؤكدة بعيناي خجلة:
-هو وعدني بكدة
بإبتسامة سعيدة سألتها:
-هو إعترف لك بحبه
ابتهج وجهها وأُنير حين مر بمخيلتها طيف حبيبها العاشق وتذكرتهُ عندما إعترف لها وصرح عن عشقه الهائل،وأومت برأسها خجلاً،ثم تذكرت رفض أبيها القاطع لهذا العِشق وذاك العَاشق
تطلعت إليها بنظرات متوسلة وأردفت:
-مليكة،أنا محتاجة مساعدتك،أنا عارفة إن بابي بيحبك قوي ومش بيقدر يرفض لك طلب،أرجوك تقفي جنبي وتطلبي منه يوافق علي خطوبتي من كارم
تنهدت باحباط وظهر اليأس داخل مقلتيها ثم تحدثت باستسلام:
-ما أنا كلمته يا سيلا،ياسين رافض الموضوع بطريقة عجيبة
تنهدت بقوة وظهر الحُزن فوق ملامحها مما ازعج مليكة وأحزنها،هتفت وهي تُمسك يدها بعدما أنير عقلها بفكرة طرأت للتو بمخيلتها:
-أنا عرفت مين اللي هيخلص لنا الموضوع ويحط ياسين قدام الأمر الواقع
بلهفة مفرطة سألتها:
-تقصدي مين؟
بإبتسامة فخر رفعت كفها للأعلي وأردفت:
-مافيش غيره طبعاً،الباشا الكبير،هو الوحيد اللي ياسين مش هيقدر يتنفس قدامه
إتسعت عيناها ونطقت متعجبة:
-جدو؟!
واستطردت بارتياب ونبرة متلبكة:
-بس أنا مش هينفع أكلمه،إتكسف يا مليكة
إبتسمت لها وتحدثت بطمأنة:
-سيبي الموضوع ده عليا وخليكي واثقة فيا،هو إسبوع واحد وهيكون خاتم خطوبتك علي حضرة الضابط منور في صُباعك
واستطردت وهي تنظر أمامها بتحدي:
-وإبقي وريني نفسك بقي قدام سيادة اللواء يا سي ياسين
إتسعت عيناي ايسل وتحدثت بمشاكسة:
-بسرعة كدة قلبتي علي بابي
بنبرة دُعابية اردفت:
-علشان يبقي يتجنن عليا تاني ويقول لي خدي لك ساتر،أهو الساتر ده هو اللي هياخده ويستخبي وراه من اللي هيعمله فيه عز باشا
ضحكت كلتاهما ثم نظرتا امامهما وباتتا تتنفسا هواء البحر باستمتاع مع استكمال حديثيهما
❈-❈-❈
عاد من عمله بعد الثانية صباحاً حيثُ استمر التحقيق لعدة ساعات،صعد الدرج بقلبٍ مهموم لما اقترفهُ من ذنبٍ عظيم بحق تلك البريئة التي أفرغ بوجهها غضبهِ العظيم الذي أصابهُ جراء ما حدث
دخل إلي جناحهُ وجدهُ مُظلماً إلا من إضائه خافتة لأجل الصغيرة الغافية داخل مهدها،نظر علي حبيبتهُ وجدها تتوسط فراشها وتغفو بسباتٍ عميق،تحرك علي أطراف أصابعه كي لا يُزعج غاليتاه ودخل الحمام،خلع عنه ثيابهُ وارتدي أخري للنوم بعدما اغتسل وتحرك عائداً إلي الغرفة من جديد
جاورها التمدد وسند ظهرهُ للخلف ثم نظر علي تلك التي تواليه ظهرها،شعر بيقظتها رغم إغلاقها لجفونها وتظاهرها بالنوم،تنهد بثُقل وتسطح علي جنبهِ الأيسر واضعاً رأسهُ فوق الوسادة الخاصة به ثم ألصق جسدهُ بها محتضناً إياها من الخلف بعد أن حاوط خصرها بتملُك،أبعدت حالها بتمرد وعناد،زفر وجذب جسدها من جديد وتحدث حانقاً:
-وبعدين معاكي بقي،ما تهدي شوية البنت هتصحي
بحركة عنيفة أبعدت جسدها عنه من جديد وتحدثت بنبرة ساخطة:
-إبعد عني لو مش عايزها تصحي
تنهد بثُقل واردف بابانة كي يستقطب حنانها ويروض شراستها:
-ما أنتِ عارفة،مابعرفش أنام غير وإنتِ في حُضني
انتفضت من رقدتها وهبت غاضبة من فراشها وتحدثت وهي تتناول وسادتها بين يديها:
-خلي لك السرير كله واشبع به
نطقتها وتحركت باتجاة الأريكة وقامت بفردها وتجهيزها للنوم،سحب جسدهِ للأعلي وجلس ينظر عليها بالتياع،اخرج زفرة حادة وتحدث بنبرة هادئة:
-تعالي نامي في سريرك وبطلي جنان علي المسا يا مليكة
وكاد أن ينزل من فوق الفراش فهتفت بشراسة وملامح وجه حادة وهي تُشير إليه بسبابتها مهددةً إياه:
-لو إتحركت خطوة واحدة من مكانك هروح أنام مع أنس وعز في أوضتهم
ده إنتِ إتجننتي رسمي...نطقها بعيناي متسعة واسترسل مهدداً كعادته كي يحثها علي التراجع عن عنادها الشرس:
-إغزي الشيطان وخدي لك ساتر وتعالي نامي علشان تتقي غضبي اللي إنتِ مش قده يا مليكة
بشراسة تحدثت بندية علي غير عادتها:
-الساتر ده إنتَ اللي هتاخده لو ما نمتش وسبتني في حالي يا سيادة العميد
جحظت عيناه وهو يتطلع عليها بعدم تصديق لما تراهُ عيناه من شكاسة جديدة عليها،لاول مرة يشعُر بالعجز أمام إصرارها وعنادها الحاد،غرس أسنانهُ بشفته من شدة غيظه وتحدث متوعداً لها:
-ماشي يا مليكة،أنا هعدي الليلة بس علشان خاطر البنت اللي نايمة،بس وحياة أمي لأحاسبك علي كل كلمة قولتيها
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها أحرقت روحه ثم تمددت فوق أريكتها تحت إستشاطة ذاك الحانق الذي ألقي بجسدهِ فوق الفراش بإهمال وهو يضغط علي شفتهِ السُفلي حتي كادت تُدمي من شدة غيظه
قضي ليلتهُ متسطحاً علي ظهره ناظراً في السقف يفكر بشرود،تارة في تلك العنيدة التي اوصلته لإشتعال روحه بقرار ابتعادها عن أحضانه وهذا الأمر بالأخص لم يقوي قلبهُ العاشق علي إحتماله،ويفكر ايضاً بوضع إبنته الذي أرق روحهُ وشتت كيانه
إنقضت الليلة وانتهت وشق الظلام نور الصباح دون أن يغمض له جفن،قام بجسدٍ مرهق بسبب عدم نومهِ ونظر علي تلك المستلقية فوق الأريكة وهي غافية باستسلام،تنهد وتحرك إلي الحمام اغتسل وتوضأ وصلي صلاة الضُحي وقام بارتداء ملابس العمل وتوجه إلي الخارج بقلبٍ حزين بائس
❈-❈-❈
فور ذهابهُ إلي العمل،تحركت مليكة إلي منزل والد زوجها كي تشتكيه وتضع لجنونهُ الذي أصابهُ حداً،طلبت الجلوس معه هو ومنال علي إنفراد بغرفة المكتب،جلست وقصت لهما كل ما حدث
فتحدثت منال بنبرة جادة مساندة قرار نجلها الأكبر:
-بس أنا شايفة إن ياسين معاه حق في اللي عمله
واستطردت باستعراض لوِجة نظرها:
-أول حاجة البنت لسة صُغيرة،ودراستها صعبة ومحتاجة تفرُغ كامل علشان تقدر تحقق حلمها وتبقي جراحة ممتازة ومميزة
ثم رفعت قامتها بكبرياء واسترسلت بتعالي كعادتها التي لم تتغير لتأصُلها داخل كيانها:
-وبعدين هو مين الولد ده أصلاً علشان يتجرأ وييجي يطلب إيد أيسل المغربي،ده مجرد ضابط صُغير من عيلة لا تُذكر قدام إسم ياسين عز المغربي
واسترسلت بسخط:
-هي الناس إتجننت ولا إيه
إتسعت عيناي مليكة بذهول،وإستشاط داخل عز من تغطرس تلك المُتكبرة وهتف بنبرة حادة:
-ولد! الولد اللي بتتكلمي عنه بالدونية دي يبقي رائد متميز في جهاز المخابرات الحربية،وليه مكانته اللي الكل بيقدرها من أصغر عامل لحد رئيس الجهاز بذات نفسه
إبتلعت لُعابها واستطرد هو بإبانة:
-وعيلة إيه اللي بتتكلمي عنها؟!
أفتكر يا مدام اللي يربوا راجل يضحي بروحه في سبيل شُغله وبلده يبقوا ناس محترمة ويستحقوا كل التقدير وإننا نتكلم عنهم بإسلوب أرقي من كدة
بنبرة واثقة تحدثت:
-انا ما قصدتش أهينه يا عز،كل الحكاية إني إستغربت من جُراته
جرأتهُ!نطقها باشمئزاز ثم استرسل بنبرة غاضبة:
-سيبك من جرأته ومن كلامك المتدني عن الطبقية والكلام اللي عفي عنه الزمن وخليكي في البيه اللي إنتِ مخلفاه
واسترسل بوجهٍ ساخط:
-إبنك يا هانم فاكر نفسه كِبر عليا وبيتصرف في البيت ولا كأن ليه أب يرجع له ويستشيره
بدفاع عن حبيبها نطقت بطلقائية ودون إدراكٍ منها متغاضية عن إحتدامهُ عليها وتوبيخها ليلة أمس:
-ياسين أكيد ما يقصدش المعني اللي وصل لحضرتك ده يا عمو،كل الحكاية إن غيرته وخوفه علي أيسل خلوه يتصرف بتشتت وعدم إتزان
ثم استرسلت بتعقُل:
-المشكلة الوقت في أيسل،البنت متعلقة بيه وشايفة إن ده الراجل المناسب اللي تقدر تكمل معاه حياتها وهي مطمنة علي نفسها
أردفت منال بلامبالاة:
-أيسل لسة صُغيرة ومتعرفش مصلحتها،بكرة تنسي
عقبت بإبانة:
-مش هتنسي يا طنط،أيسل حبت الرائد بجد، بدليل التغيير اللي كلنا لمسناه في تصرفاتها،أيسل رجعت لطبيعتها بفضل حبها ليه،
واسترسلت بتوجس:
-ولو ياسين أصر علي موقفة من السهل جداً تنتكس مرة تانية،وياعالم هتقدر تخرج من الحالة دي تاني ولا حالتها هتسوء أكتر
أردفت منال بنبرة مُشتتة:
-عندك حق يا مليكة،سيلا فعلا رجعت زي زمان واحسن كمان
تنهدت مليكة براحة وحولت بصرها إلي عز الجالس يفكر بشرود ويحك رأسهُ بأصابع يده بتفكُر:
-هتعمل إيه مع ياسين يا عمو
وبخجل استرسلت بتردُد ظهر علي وجهها:
-بصراحة كدة أيسل هي اللي بعتاني علشان أحاول أقنع حضرتك وطنط
إبتسم عز وتحدث بمشاكسة:
-سبحان مُغير الأحوال،بقي أيسل اللي ما كانتش بطيقك أخر فترة،تلجأ لك إنتِ بالذات علشان تساعديها؟
واستطرد بفُكاهتهُ المعهودة:
-بركاتك يا سيادة الرائد
ضحكت مليكة وتحدثت بفُكاهة:
-الحُب يصنع المعجزات يا عمو
سألته منال بترقُب بعدما أصابها حديث مليكة بالريبة وجعلها تفكر في أمر إرتباط حفيدتها بجدية:
-هتعمل إيه يا عز؟
تنهد بحدة وتحدث متوعداً بنبرة جادة:
-هربي لك إبنك من جديد يا منال
بتوجس أردفت مليكة:
-عمو،ممكن ما تقولش لـ ياسين إن أنا اللي قُولت لحضرتك
برغم غضبهِ الهائل منه إلا أنهُ قهقه عالياً وتحدث بمفاخرة:
-اللي بيعجبني في ياسين إبني إنه فارد عضلاته علي الكُل ومسيطر،تربية تشرف والله
ثم استطرد مطمأناً إياها:
-ما تخافيش يا حبيبتي
ثم حك ذقنهُ واسترسل متوعداً:
-بسلامته مش هيبقي عنده وقت يفكر في مين اللي قال لي أو عرفت إزاي
❈-❈-❈
خرج من غرفته مرتدياً ثياباً عصرية أنيقة للغاية جعلت منهُ وسيماً حد الجنون،وجد والدتهُ تقابلهُ حيثُ كانت تتجه إليه،شملتهُ بنظراتٍ متعجبة وتحدثت مستفسرة:
-إنتَ متشيك كدة ورايح علي فين علي الصبح؟
أجابها بنبرة هادئة:
-رايح مشوار ضروري يا ماما
اردفت بنبرة جادة:
-مشوار إيه ده كمان،إنتَ مش لسة في أجازة يا ابني؟
أردف بتملُل:
-بلاش شُغل رجالة النيابة اللي علي الصبح ده يا ماما الله يبارك لك
هتفت بنبرة حادة:
-سيبنا من رايح فين وقول لي،صحيح الكلام اللي أبوك قالهُ لي إمبارح ده؟
ضيق عيناه مستفهماً فاسترسلت هي بايضاح:
-إنتَ طلبت بنت سيادة العميد للجواز؟
إبتسم وأجابها بمداعبة:
-هو الدكتور لحق بلغك بالموضوع؟
هتفت لائمة إياه:
-يعني الكلام طلع بجد يا كارم،طب وبنت خالتك اللي متعشمة إنك تخطبها؟
عقب علي حديثها بنبرة حانقة:
-أنا راضي ذمتك يا ماما،أنا عمري جيت في يوم وقُلت لك إني حابب أخطب بنت خالتي؟!
طب ما هي كانت قدامي قبل ما اخطب ريهام ولو كنت شايفها مناسبة ليا كنت خطبتها بدالها
حاولت معهُ قائلة بإقناع:
-يا ابني بنت خالتك أولا بك،وبعدين مايان بتقولي إن بنت سيادة العميد دي مغرورة ودمها تقيل،وأنا عاوزة لك واحدة فرفوشة تدلعك ومفيش غير مايان اللي هتوريك الدلع كله،إسمع من أمك حبيبتك
أردف بوجهٍ سعيد:
-كدة نبقي متفقين يا حبيبتي
إنفرجت أسارير بثينة وبلهفة تسائلت:
-يعني هتخطب بنت خالتك؟
لا طبعاً،هخطب أيسل...نطقها بتأكيد أصاب الاخري بإحباطٍ شديد،واسترسل وهو يحاوط كتفها بحنان:
-هو أنتِ يا حبيبتي مش كل اللي يهمك إني ألاقي اللي تسعدني وتدلعني
واستتطرد مؤكداً بثقة:
-أهي أيسل دي الوحيدة اللي هلاقي علي أديها الدلع كله
بنبرة متهكمة سألته:
-وإنتَ بقي جايب الثقة دي كُلها منين إن شاء الله؟!
بمشاكسة أجابها:
-من قلبي يا روح قلبي،قلبي هو اللي قال لي إن دلعك كله يا واد يا كرومة هتلاقيه عند أيسل
سألته بإحباط ظهر بعيناها:
-يعني مفيش فايدة فيك،بردوا منشف دماغك ومش هتخطب مايان؟
واسترسلت بنبرة حائرة:
-طب أقول لخالتك إيه المرة دي كمان
بنبرة جادة أجابها:
-قولي لها إن إبني لقي اللي عاش عمره كله يدور عليها
إبتسمت بحنان وسألته بعدما رأت علامات العشق داخل عيناي صغيرها:
-بتحبها يا كارم؟
عقب بعيناي عاشقة:
-قوي يا ماما
سألته من جديد باستفسار:
-وهي بقي تستاهل حُبك ده؟
أردف بنبرة حنون وصلت إلي والدتهُ وتأثرت بها:
-أيسل طيبة وحنينة قوي،أنا متأكد إنك لو شفتيها هتحبيها وتعتبريها زي بنتك بالظبط
واستطرد بعيناي مترجية حيثُ انه لم يبلغ والدهُ برفض ياسين لعرضه،بل أبلغهُ أنهُ طلب مهلة للتفكير كتصرف أي أب:
-إدعي لي بس ربنا يهدي أبوها ويوافق
هتفت بعين الأم:
-وهو هيلاقي فين راجل أحسن منك لبنته
إبتسم لها وتحدث بانسحاب:
-أنا ماشي يا حبيبتي،مش عاوزة حاجة؟
عاوزة سلامتك يا حبيبي...نطقتها بإبتسامة حنون فقبل جبهتها وانطلق سريعاً إلي الخارج
❈-❈-❈
داخل الحرم الجامعي
كانت تتحرك بطريقها إلي مقر قاعة المحاضرات بوجهٍ عابس تأثراً بتواجدها مع ذاك المتطفل الثرثار، نظرت أمامها وبلحظة تبدل حالها وتهلل وجهها بالسعادة وامتزجت حمرة السرور مع الخجل مما أعطي لوجنتيها بريقاً حين رأت ذاك الوسيم الواقف بانتظارها بهيأة خطفت أنفاسها وهزت قلبها بعنفٍ شديد
إهتز قلبه طرباً واعترته نشوة بالغة والتمعت عيناه إغتباطاً حين تعمق بالنظر لزرقاويتاها الساحرة،تحدث بنبرة تقطرُ إشتياقاً:
-وحشتيني
كاد قلبها أن يقفز من بين أضلعها ويرمي بحاله داخل أحضانهُ،نظرت عليه وهتفت بسعادة بالغة:
-يا مجنون
قهقه عالياً وتحدثت وهي تتلفت حولها بترقُب:
-مش خايف حد يشوفك ويروح يقول لسيادة العميد؟
ما بقتش خايف غير من حاجة واحدة بس...نطقها بإبتسامة ساحرة واسترسل بعيناي تقطرُ هياماً:
-بُعدك عني يا أيسل
إنتفض قلبها عشقاً ثم تمالكت من حالها وسألته بمداعبة:
-ما كُنتش أعرف إنك متهور كدة يا حضرة الرائد
أردف بمداعبة:
-شوفتي حُبك وصلني لأيه يا بنت المغربي،بقيت ماشي بنُص عقل من ورا غرامك
إبتسمت خجلاً وتحدث هو:
-تعالي نقعد في الكافيتريا نشرب حاجة ونتكلم
إتسعت عيناها وكأنها للتو وعت علي حالها:
-يا خبر،ده أنا عندي محاضرة مهمة ولازم اتحرك حالاً
فتحدث هو باعلام:
-هستناكي في الكافيتريا علي ما تخلصي
أومات ثم سألته باستفسار علي عجالة:
-هو أنتَ دخلت الجامعة إزاي؟!
رفع أحد حاجبيه وتحدث مستنكراً:
-إنتِ بتشككي في قدرات حبيبك ولا إيه يا هانم؟
إبتسمت له فتحدث بمشاكسة:
-إوعي تتأخري عليا،علشان ماتزعليش لو جيتي لقتيني قاعد مع إحداهُن من الجميلات
بنظرات فتاكة وكأنها تحولت أجابتهُ بشراسة:
-طب إتجرأ وأعملها وإنتَ تشوف اللي هيجرا لك علي إيدي يا إبن المعداوي
أموت أنا في الشراسة...نطقها بغمزة وقحة جعلتها تخجل وتهرول هرباً إلي قاعة المحاضرات تحت حبور ذاك الذي يشعر وكأنهُ ملك
عودة إلي حي المغربي
عاد من عملهِ مبكراً وتحرك إلي منزل أبيه كي يعطي فرصة لتلك الثائرة أن تهدأ،دخل من البوابة الداخلية وجد والده يقف أمام مكتبهُ وكأنهُ ينتظر حضوره،تحدث بوجهٍ عابس ليستدعيه للداخل:
-ياسين،تعالي عاوزك
تعجب من تجهم وجه أبيه وتحرك خلفهُ داخل حُجرة المكتب ثم تحدث بانصياع بعدما أغلق الباب ونظر لذاك الواقف أمامهُ:
-تحت أمرك يا باشا
بملامح وجه ساخطة هتف بنبرة غاضبة:
-تحت أمري إيه بقي يا ياسين باشا،ده أنا اللي بقيت تحت أمر جنابك بعد ما لغيت وجودي من حياتك وبقيت تاخد قرارات مصيريه تخص العيلة من غير ما تعمل حساب لوجودي
قطب ياسين جبينهُ متعجباً ثورة والدهُ فصاح الآخر موبخاً إياه بصوتٍ حادّ:
-فاكر نفسك كِبرت عليا يا أبن منال
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية