-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 43


رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الثالث و الأربعون



كمْ هوَ مُؤْلمٌ مُؤْذِي شُعورَ الحبيبِ من الحبيبِ بالإهانةِ،حقاً مذَاقهُ مُرٌّ كالعلقمِ،وماذا لو أتاكَ الخذلانِ من المُتَيَّمِ،كم أنهُ لشعورٍ مُوجعٍ حين يؤْلمُك ولا يَعِي حجمُ ما فعلَ بكَ من إنهياراتٍ عَصَفتْ بكلِّ ما كان يُشعرُك بالسلامِ الدَّاخِلِي والسكونِ اللذانِ كانا يجتاحَا عالمُكَ في حضرتِه


خواطر مليكة عثمان

بقلمي روز أمين   



قطب ياسين جبينهُ مستغرباً حِدة والدهُ،هو أكيداً من أنهُ لم يفعل شئ يُغضبهُ لهذا الحد!

إذاً لما كل تلك الثورة العارمة وما سببها يا تُري؟!



ضيق عيناه مستغرباً ثورته والتي يجهل سببها فصاح عز مؤبخاً إياه بلهجة حادّة:

-فاكر نفسك كِبرت عليا يا أبن منال 


برجاحة تحدث إلي أبيه موقراً إياه:

-إهدي يا باشا أرجوك وفهمني إيه اللي مزعل جنابك مني بالشكل ده؟


رمقهُ بعيناي غاضبة كحدة الصقر ثم هتف متسائلاً بسخط: 

-يعني مش عارف بجد يا سيادة العميد؟

ولا بقيت معتمد علي إن أبوك بقي راجل مُغفل وقاعد في البيت مش داري باللي بيحصل حواليه؟


بنظراتٍ حائرة تائهة كان يتطلع علي ثورة أبيه ولأول مرة لا يُدرك مقصد والدهُ،بفطانته فهم الآخر عدم إدراك نجلهُ فاراد كشف غايته واردف بايضاحٍ متهكم: 

-إلا قول لي يا ياسين بيه،إيه حكاية العريس اللي متقدم لـ سيلا ده؟!  


الآن وفقط إستوعب إنفعال والدهُ وغضبه العارم،أخذ نفساً عميقاً وبمنتهي الهدوء زفره إستعداداً لمجابهة ذاك الفطن،وقبل أن يبدأ مواجهتهُ الشرسة مع خصمهِ الجبار الذي لا يُستهان به،أراد أن يستعلم عن من قام بإبلاغ أبيه وقام بالوقيعةِ بينهما وتسبب بإغضاب غاليه منه إلي هذا الحد


فتسائل مستفسراً بهدوء:

-ممكن أعرف مين اللي بلغ حضرتك بالموضوع ده يا باشا؟! 


بفطانة أراد أن يغلق عليه هذا الطريق فقرر اللعب مع ذاك الداهي بدهاءٍ أقوي،جحظت عيناه بتصنُع وصاح بنبرة حادة أربكت الآخر وجعلته يلتهي ويُصبح شُغلهُ الشاغل هو إرضاء غاليه وفقط: 

-هو ده كُل اللي لفت نظرك من كلامي يا بيه؟!


إنزعج حين رأي استياء والدهُ وعلي عُجالة أردف بايضاح:

-إهدي يا باشا أرجوك وانا هوضح لجنابك كُل حاجة 


بغضبٍ عارم صاح قائلاً: 

-هتوضح لي بعد إيه وتنيل لي يا باشا،بعد ما حسستني إني ماليش أي لزمة في حياتك ولا ليا الحق في إني أشاركك في مناقشة موضوع مصيري بيخص مستقبل حفيدتي؟


بنبرة هادئة ونظرات أسفة تحدث بإبانة:

-الموضوع مش كدة خالص يا باشا،أنا هحكي لك اللي حصل كله ومتأكد من إن سعادتك هتقدر تفهمني


رمقهُ عز بنظرات حادة قابلها ياسين بأخري مستعطفة وترجاه بأن يجلس وأن يستدعي هدوئهُ كي يستطيع إيضاح الأمر له،بالفعل تحرك عز إلي الأريكة المتواجدة بمنتصف الحُجرة وتجاورا الجلوس وبدأ ياسين بسرد جُل ما حدث بالتفصيل،بدءاً من ملاحظتهُ لنظرات الهلع علي الحبيب التي تبادلها كُلاً من العاشقان أثناء وقوع حادثة الإغتيال مروراً بلهفة كارم وسؤالهُ المتشوق علي أيسل بعد إفاقتهُ وخروجهُ من غرفة العمليات مباشرةً وصولاً إلي طلبهِ المباشر بالزواج من إبنته



تنهد عز بعدما هدأ بفضل إستعطاف ياسين وإلحاحهُ علي مسامحة والدهُ له علي هذا الخطأ العظيم الغير مقصود،أردف عز متسائلاً إياه بتعجُب: 

-أنا مش قادر أفهم ولا أستوعب سبب رفضك للموضوع،المفروض إنك أكتر واحد عارف ومقدر اللي هما فيه،وواجب عليك إنك تحاول تساعدهم مش تحاربهم وتقتل إحساسهم؟! 


ده انتَ أكتر حد إتوجع من بُعد حبيبه عنه يا ياسين...نطقها بعيناي متألمة لمست قلب الأخر الذي أردف باقناع جاد:

-وعلشان أنا زي ما حضرتك بتقول كدة،مش عاوز بنتي تتوجع زيي ولا تدوق المُر اللي أنا دوقته 


وبعيناي متألمة أكمل مسترسلاً بذعر أب يخشي جرح صغيرتهُ: 

-مش حابب أشوفها بتنطفي قدام عيوني 


قطب جبينهُ بعدم استيعاب لحديثهُ الغامض وتسائل مستفسراً:

-وهي إيه اللي هيطفيها لما تتجوز اللي بتحبه؟! 


بصوتٍ صارخ متألماً أردف بتأكيد: 

-مش هتتجوزه يا بابا،كارم مش هيقبل بتجوز أيسل وهيرفضها زي ما حصل مع خطيبته الأولي 


ضيق عز عيناه غير مُدركٍ حديث نجلهُ فاسترسل الأخر شارحاً:

-أيسل وكارم زي الليل والنهار عمرهم في يوم ما هيتقابلوا

واستطرد مادحاً: 

-كارم شخصية ناضجة وقوية وحازم في قراراته وقد المسؤلية بجد،وما بيقبلش غير بالكمال في حياته،راجل بجد وتربية أبوه


أرجع ظهرهُ للخلف ثم استطرد بنبرة مهمومة: 

-وأيسل زي ما حضرتك عارف،رقيقة ومتدلعة،مش واخدة علي تحمل المسؤلية وأكتر حاجة بتكرهها هي إن حد يفرض رأيه عليها أو يوجهها،وكارم راجل عسكري حاسم واخد علي الأوامر والطاعة،الدنيا عنده لونين ما فيش غيرهم،أبيض وإسود،واللون الرمادي مالهوش أي وجود في حياته


بنبرة هادئة تحدث بحصافة: 

-خلاص محلولة،خليهم هما اللي يقرروا ده بنفسهم ويعرفوا إنهم مش هيقدروا يكملوا ويسيبوا بعض بإرادتهم

واسترسل بايضاح: 

-بدل ما يعيشوا عمرهم كله يحملوك ذنب بعدهم عن بعض


إتسعت عيناه وبدا علي ملامحهِ الهلع من مجرد تخيُلهُ للفكرة: 

-عاوزني أجازف بقلب بنتي وادخلها تجربة وأنا متأكد من فشلها؟! 


عقب متسائلاً بتعجُب: 

-وإنتَ إيه اللي مخليك واثق قوي كدة من فشل قصتهم؟!

مش يمكن يكونوا بيحبوا بعض بجد وتكون بقرارك المُتعسف برفضه بتقضي علي قلوبهم؟ 



عقب بتأكيد: 

-أنا متأكد من إن أيسل ما بتحبهوش


إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمه وتحدث بما أشعل روح ذاك الغيور: 

-طب إيه رأيك إن بنتك بذات نفسها اللي طلبت إني أتدخل وأتوسط له عندك علشان توافق علي الخطوبة


بمداعبة استطرد بإبانة: 

-بنتك بتحب يا باشا،الواد قدر في وقت قصير يوصل لقلبها ويملكه لدرجة إنها تخرج عن المألوف وتتخلي عن خجلها وتلجئ للي يتوسط له عندنا



إشتعل قلبهُ بنار الغيرة علي صغيرتهُ جراء حديث والدهُ ثم جحظت عيناه وتحدث وهو يجزُ علي أنيابهِ: 

-حضرتك متأكد من الكلام ده يا باشا؟ 

أيسل فعلاً جت لها الجُرأة وأتكلمت في الموضوع ده؟


أرجع عز رأسهُ للخلف وأنطلق مُقهقها وهو يتطلع علي وجه إبنهِ المحتقن بنار الغيرة،أما ياسين فكان ينظر عليه بغيظ،حاول كظم ضحكاته قدر الإمكان كي لا يثير حفيظتهُ،وبصعوبة أردف مستفسراً بعدما استطاع بالأخير السيطرة علي حالة : 

-هو الباشا غيران علي بنته ولا إيه؟ 


بعيناي متأثرة أردف مترجياً: 

-يا باشا حاول تفهم وتقدر خوفي علي بنتي،أيسل لسة صُغيرة 


بنبرة متعجبة صاح عز بابانة: 

-يادي صُغيرة اللي إنتَ ماسك لنا فيها دي كمان، بنتك داخلة علي إتنين وعشرين سنة يا ياسين،يعني بقت أنثي مكتملة وتقدر تختار بعقلها قبل قلبها الإنسان اللي هي شيفاه مناسب علشان تكمل معاه حياتها


نظرة إنهزامية سكنت عين ياسين لمحها عز فأمسك كفهُ وتحدث بحصَافة لإزالة ألمهُ وتشتت عقله:

-أنا فاهم خوفك وقلقك علي بنتك لأني مريت بنفس إحساسك لما حسام إتقدم لشيرين أختك،إحساس صعب أنا عارف،بس هي دي سُنة الحياة ولازم نتبعها 


بنبرة خافتة أردف بانهزامية مما جعل قلب عز يتوجع لأجل صغيرهُ:

-حضرتك ليه مش قادر تفهمني؟،سيلا لسة ما استقرتش نفسياً يا بابا وده اللي راعبني 


شدد من مسكة يداه واردف بابتسامة حنون مؤازراً صغيرهُ الأقرب إلي قلبه: 

-مين بس اللي قال لك الكلام ده يا حبيبي،صدقني يا ابني كُل دي هواجس جواك مش أكتر


واستطرد موضحاً برصانة: 

-ما تغالطش نفسك يا ياسين،بنتك معنوياتها مؤخراً بقت مرتفعة وفي السما،وكلنا ملاحظين رجوع سيلا بتاعت زمان


واستطرد موصياً إياه بتعقُل: 

-روح أقعد مع الدكتور بتاع بنتك وأتكلم معاه، وأفهم منه قبل ما تخاف وتحكم علي بنتك وتظلمها


واسترسل بإرشادٍ بنبرة حنون: 

-خليك سند لبنتك وروح أقعد معاها،خدها في حُضنك وأسألها وأفهمها يا ياسين وما تنساش إنها فقدت أمها،يعني سيادتك لازم تقوم معاها بدور الأب والأم مع بعض


أغمض عيناه وبات يهز رأسهُ تطابقاً مع رؤية حديث والدهُ العقلاني،ضيق عز عيناه بتدبر ثم أردف بدهاءٍ متبعاً سياسة الأمر الواقع كي لا يعطي الفرصة لـ نجلهُ بالتملُص: 

-أطلب لي الدكتور فيديو كول حالاً علشان نكلمه ونتطمن منه علي حالة البنت


بعدين يا باشا...نطقها بعيناي مُتهربة فتحدث الأخر بإصرار واضعاً إياه تحت الإجبار: 

-خير البر عاجله يا حبيبي،إتصل إتصل


كظم غيظه وبقلبٍ مستشاط أمسك هاتفهُ وقام باجراء مكالمة عبر تطبيق مكالمات الفيديو،وبدأ عز بطرح الأسئلة عليه  سؤالاً يلو الآخر حتي تأكدا كلاهُما أن الفتاة أصبحت بحالة رائعة وبلا حاجة إلي زيارة الطبيب من جديد،أغلق ياسين بعدما شكر الطبيب وأثني علي مجهودهُ في المساعدة لإعادة إبنته إلي طبيعتها 


إبتسامة خَبيثة ظهرت فوق ثغر ذاك الذي رفع كفاه في الهواء وتحدث بمشاكسة: 

-أظن كدة إطمنت واتأكدت إنها بتحبه بجد


واستطرد بتكليف: 

-كلم الرائد وقول له إنك راجعت نفسك وخليه ييجي يطلبها رسمي. 


إتسعت عيناه بذهول وتحدث باعتراضٍ مُستاء: 

-كلام إيه اللي بتقوله ده يا باشا؟! 

حضرتك عاوزني اتصل بيه وأقوله هات أبوك وتعالي أخطب بنتي؟! 


واستطرد متهكماً بنبرة حادة: 

-ما أتأسف له بالمرة وأترجاه يسامحني


إتكأ عز بساعدهُ علي حافة الأريكة ثم ضيق عيناه وبات يتطلع إلي ولده مدققاً النظر داخل مقلتاه،تنفس ياسين بانهزام وازاح بصرهُ مُنسحباً بعيناه ثم تحدث مُتهرباً: 

-لو بيحبها بجد هيرجع يفاتحني تاني في الموضوع،وساعتها هبقي أبلغه بموافقتي المبدئية


واستطرد بنبرة حزينة: 

-السناوية بتاعت ليالي الله يرحمها بعد عشر أيام،وكدة كدة مكانش هينفع نعمل خطوبة اوي اي حاجة قبل مرور سنة علي وفاة أمها 


تنهد عز ثم تحدث مستفسراً كي يطمئن عليه: 

-مالك يا ياسين،فيه حاجة تانية مضايقاك غير موضوع سيلا؟


أخرج من صدرهِ تنهيدة حارة أوحت إلي كم الهموم التي يحملها داخل صدره،ثم نظر إلي أبيه وكأنهُ كان ينتظر سؤالهُ كي يُخرج ما يضيقُ به صدره علهُ يشعُر ولو ببعضاً من الراحة:

-إتخانقت أنا ومليكة بسبب أيسل وقولت لها كلام ما كانش ينفع أقوله


رفع منكبيه باستكانه وبنبرة تقطرُ ندماً تحدثَ شارحاً:

-في لحظة غباء وتهور مني خرجت فيها كُل غضبي لدرجة إني إتهمتها إن مصلحة أيسل ماتهمهاش،وإنها مجرد مرات أب لأولادي


بقلبٍ حزين كان يستمع إلي صرخات قلبه لا فقط لكلماته،تحدث بنبرة هادئة ليبث داخل روحهُ الطمأنينة:

-مليكة بنت أصول وبتحبك،وأكيد هتعذر خوفك علي أيسل

واستطرد بابانة: 

-هات لها بوكية ورد شيك وروح إعتذر لها وحب علي راسها وراضيها،وهي أكيد هتسامحك 


هز رأسهُ واردف بيأسٍ: 

-مش قابلة مني أي كلام يا باشا وقافلة دماغها علي الآخر 

واستطرد بايضاح: 

-أول مرة تعاملني وتقسي عليا بالطريقة دي


واسترسل بعيناي حائرة: 

-دي هددتني لو قربت منها هتسبني وتروح تنام في أوضة الأولاد



بإبتسامة ساخرة تحدث: 

-بنت سالم عثمان رفعت عليك راية العصيان يا باشا،قابل بقي وأشرب يا حبيبي


سألهُ مترقباً ردهُ بتشوق: 

-دبرني يا باشا،أحلها إزاي معاليك  


غمز له وتحدث:

-أنا بردوا اللي هدبرك يا روميو عصرك


تنهد ثم أرجع رأسهُ سانداً إياها للوراء ثم أغمض عيناه،بسط عز يدهُ باتجاه ولدهُ وربت علي كتفه واسترسل ليبث داخلهُ السكون:

-كُل حاجة بتتحل وتتعالج مع الوقت


أحني رأسهُ بإيماءة بسيطة وهب واقفاً واستأذن والدهُ وصعد إلي الأعلى،خلع عنه ثيابهُ وحصل علي حماماً دافئاً أزال بهِ بعضاً من عناء يومه وأرقهُ وتحرك حتي وصل لتختهِ وقام بإلقاء جسدهِ المنهك عليه وبغصون عدة دقائق كان يغط في سباتٍ عميق وكأنهُ يريد الهرب بالتوغل بالنوم 


❈-❈-❈



داخل الكافيتريا المتواجدة بجامعة القاهرة

جلس يحتسي قهوتهُ منتظراً حضور من أصبحت تستحوذُ علي لُبّه لتأتي إليه بعد إنتهاء محاضرتها،رأته مايان حيثُ كانت تدخل المكان بصُحبة صديقتيها لتناول بعض الشطائر الخفيفة والمشروبات الغازية،إرتجف قلبها فرحاً حين رأته جالساً حول إحدي الطاولات وعلي الفور إعتذرت من صديقتيها وهرولت منطلقة إليه،وقفت أمامهُ تتطلع عليه بنظرات ولهة لعاشقة صغيرة وتحدثت بحبورٍ: 

-كارم،إيه المفاجأة الحلوة دي؟


رفع قامته ناظراً عليها وأردف بإبتسامتهُ الساحرة:

-إزيك يا مايا


أنا ببقي كويسة لما بشوفك...نطقتها بإبتسامة سعيدة وقلبٍ يتراقص مما أحزن قلب هذا الفارس الذي طالما ما رأها إلا كـ شقيقتهِ ويكن لها شعوراً طيباً بداخل قلبه


إبتسم لها بهدوء ثم أردفت هي باستئذان مُتلهفاً: 

-ممكن لو ما فيهاش إزعاج أقعد معاك؟


وبرغم عدم رغبتهِ بجلوسها تجنباً لإثارة غيرة حبيبتهُ المتمردة عليه،إلا أنهُ عقب علي حديثها قائلاً بترحاب كي لا يُحزنها: 

-أكيد طبعاً،إنتِ بتستأذني!



بلهفة سحبت مقعدها وجلست وأشار هو بيدهِ يستدعي النادل الذي حضر علي الفور وتحدث بإيماءة بسيطة: 

-تحت أمرك يا أفندم 


حول بصرهُ إليها وتحدث متسائلاً باحترام: 

-تاخدي إيه يا مايا؟ 


وضعت سبابتها علي طرف فكها وضيقت عيناها بتفكُر ثم أردفت تُملي طلباتها إلي النادل بنبرة حماسية: 

-عاوزة ساندوتش برجر بالبيض ومعاه كولا لايت


مال بعيناه في إشارة منه إلي النادل بجلب ما طلبت فاسترسلت متسائلة بدلال: 

-إنتَ مش هتاكل معايا؟ 


أكلت وأنا جاي في الطريق...نطقها بهدوء كي لا تحزن فابتسمت وباتت تتحدث إليه بحماسة إلي أن جلب لها النادل شطيرتها وبدأت بتناولها تحت سعادتها وفتح أحاديثاً تستقطب بها إهتمام ذاك الذي يمتلكُ قلبها ودائماً ما تسعي إلي أن يمتلك هو الآخر خاصتها



دخلت تلك الحالمة من البوابة تتطلع بقلبٍ شغوف وعيناي عاشقة علي من ملك الفؤادِ وتملكَ،تسمرت بمكانها عندما وجدته يجلس بصُحبة تلك الغليظة،إستشاط داخلها وكادت أن تتحرك لتعود إلى الخارج لولا ذاك الذي لمحها وبسُرعة تحرك إليها وتحدث بنبرة حنون لعيناي هائمة:

-رايحة فين يا أيسل؟


رمقته بنظرة غاضبة ثم حولت بصرها وتحدثت وهي تحدق تلك التي تطلعت عليها بحِقد:

-مش عاوزة أكون عزول وأضيع لكم جمال اللحظة 


بنظرات لائمة أردف بنبرة جادة:

-بطلي جنان وتعالي علشان أعرفك علي بنت خالتي


حدقته بحِدة فاستطرد لائماً عيناها: 

-وبعدين معاكي،ما ينفعش تخرجي من غير ما تسلمي عليها


واسترسل بمشاكسة كي يُزيل ما أصابها من توتُر: 

-إنتِ كدة هتبقي بتعلني عن دق طبول الحرب بينك وبين خالتي بدري،وطبعاً أمي هتاخد صف أختها وكدة البداية مش هتبقي مُبشرة،وأنا اللي هتفرم في وسطيكم 


غضبت من أسلوبه الساخر المتغاضي عن غيرتها التي أشتعلت بجسدها بفضل وجودهُ مع تلك المنافسة،فتحدث هو بنبرة جادة أشبه بأمرة بعدما فقد إقناعها بالعقل: 

-أدخلي سلمي علي مايا يا أيسل


كادت أن تُغادر تاركة إياه وليكن ما يكون لكنها تراجعت باللحظة الأخيرة لسببان،أهمهما هو عشقها الحقيقي لذاك الحبيب،والاخر هو رفضها لفكرة الإنسحاب والتخلي عن حقها في الحبيب أمام تلك المايان


نظرت أمامها بتحدي وتحركت بعدما إنتوت المواجهة تحت أرتياح قلب كارم الذي تحرك بجانها بهدوء،وقفا كلاهما أمام الطاولة وأشار إلي ميان وهو ينظر إلي أيسل:

-دي مايان بنت خالتي،طالبة في الفرقة التالتة وبعتبرها زي أختي الصغيرة بالظبط


نزلت كلماته الهادمة علي قلبها شطرته لنصفين وطاحت بأحلامها البريئة التي عاشت تشيدها بخيالها الحالم


نظرت إليه بعيناي حزينة تحت ارتياح قلب أيسل وهدوئها النسبي،حول بصره ناظراً علي مايان واشار بيده إلي حبيبتهُ وتحدث وهو يتناقل النظرات بين كِلتاهما:

-ودي دكتور أيسل المغربي يا مايان


تطلعت إليه منتظرة بتأمل كي تستمع بما سيُسعد قلبها ويجعلها تحوم بالهواء كـ فراشة طائرة،فاسترسل بمداعبة هادئة:

-دي بقي تبقي الهدف اللي أنا مسؤل عن حمايته


تطلعت إليه بخزلان لاحظهُ هو وتلاشاه كي لا يلفت نظر الأخري إليهما،قام بسحب مقعداً مجاوراً له وتحدث وهو يُشير لها: 

-إتفضلي أقعدي يا دكتورة


نظرت عليه بعيناي لائمة بادلها بأخري مستسمحة وأشار إليها مؤكداً: 

-اقعدي يا أيسل


تمالكت من حالها ثم نظرت علي تلك الجالسة وجدت علي ثغرها إبتسامة شامتة مما أثار حِنقها وحثها علي الإصرار في البقاء وعدم المغادرة،رفعت قامتها للأعلي وجلست ثم نظرت علي تلك الجالسة وتحدث بكبرياء:

-أهلاً


أهلاً بيكِ...نطقتها وهي تقذفها بنظرات حارقة مما أثار حفيظة الأخري وجعلها تبادلها إياها بنظراتٍ فتاكة جعلت ذاك الذي يتوسطهما يبتلع لعابهُ طالباً العون من الله والنجاة سالماً من ما هو آتْ 


تحدث كارم كي يكسر حاجز الصمت الذي أصاب الجميع: 

-هتشربي إيه يا دكتورة؟ 


ميرسي...نطقتها بغلاظة أثارت حفيظته لكنهُ عذرها وتحدث بإصرار: 

-لازم تطلبي حاجة،أنا هاخد ليمون فريش بالنعناع


واستطرد بعيناي مستعطفة أثارت غضب مايان: 

-إيه رأيك أطلب لك زيي؟ 


لان قلبها قليلاً واومات له بملامح وجه جادة،أشار للنادل الذي أتي واملي عليه ما يريداه ثم استطرد متسائلاً مايان التي مازالت تتناول شطيرتها: 

-تحبي أطلب لك حاجة تاني يا مايا؟ 


بابتسامة سعيدة إستدعتها نِكَايةً في تلك الغريمة وتحدثت مدللتاً إياه تحت تعجب كارم:

-ميرسي يا كرومة


ضيق عيناه مستغرباً طريقة حديثها الجديدة عليه،أما أيسل فشعرت بناراً تسري بكامل جسدها وتقتحم قلبها بقوة أفحمته،تمنت لو أن باستطاعتها إنتشال عبوة المشروب الغازي الموضوعة فوق الطاولة وسكبها بالكامل فوق شعر رأس تلك المايان كي يهدأ فوران قلبها،لكنها سُرعان ما نفضت وأبعدت تلك الافكار الشاذة من مخيلتها


هتفت إحدي الفتيات تستدعيها كي يتحركن إلي قاعة المحاضرات كي يلحقن بمحاضرتهُن،تجهم وجهها ثم وقفت وتحدثت بابتسامة زائفة: 

-كان نفسي أتعرف عليكي أكتر،لكن مضرة أتحرك علشان ألحق محاضرتي


وقبل إنصرافها استرسلت بمكرٍ قاصدة بما أحرق  روح تلك العاشقة وهي تنظر إلى كارم بعيناي هائمة:

-هستناك بكرة علي الغدا يا كارم،وهعمل لك بنفسي طاجن ورق العنب بالموزة اللي بتحبه


نطقت بكلماتها التي جعلت من قلب أيسل محترق واسترسلت وهي تنظر علي الاخري بمكرٍ:

-باي


وقبل أن تتحرك أردفت ذات القلب المحترق بنبرة باردة في مبادرة منها بحرق روح تلك المايان: 

-أنا شايفة إنك ما تتعبيش نفسك لأن سيادة الرائد وراه ميعاد مُهم بكرة،وما أظنش إنه هيسيبه

واستطردت بابتسامة ساخرة:

-علشان طاجن ورق العنب بتاعك


رفع أحد حاجبيه باستنكار لحديثها الغير مقبول بالنسبة له،ثم تحدث لتلك التي تعجبت من جُرأتها بالحديث متجاهلاً ما تفوهت به أيسل منذُ القليل: 

-وصلي سلامي لـ خالتو وجدتي علي ما أشوفهم بكرة إن شاء


بتجاهل مماثل عقبت مايان بعيناي تشعُ سعادة: 

-أكيد هبلغهم


واستطردت وهي تتطلع إلى أيسل بنظرة إنتصار: 

-باي باي يا دكتورة


نظر علي تلك المحترقة وعلم من ملامح وجهها المحتقنة بالغضب أن إعصار إبنة المغربي قادماً لا مُحال،رمقته بنظراتٍ حَانِقة وبنبرة شديدة اللهجة هتفت بتبكيت: 

-إنتَ إزاي يا سيادة الرائد تسمح لنفسك تهيني بالطريقة دي قدام بنت خالتك؟ 


رمقها بنظرات مُتعجبة جراء حديثها المنافي لما حدث: 

-أنا اللي هينتك ولا أنتِ اللي خليتي شكلنا زي الزفت قدام البنت يا دكتورة؟! 


واسترسل مُبكتاً إياها بنبرة حادة: 

-وبعدين تعالي هِنا،إنتِ علي أي أساس بتقولي لها إني مش هروح عندهم بكرة وتحطيني وتحطي نفسك في الموقف البايخ ده؟! 


رفعت قامتها للأعلي ثم نظرت عليه وتحدثت بثقة عالية لا تعلم من أين أتت بها:

-قولته علي أساس إنك فعلاً مش هتروح يا كارم


أفندم؟!...نطقها بذهول ثم استرسل مستفهماً: 

-هو إنتِ بتتكلمي جد؟ 


وتسائل: 

-ثم بغض النظر عن رفضي لتدخلك بالشكل ده، بس إنتِ عارفة أنا رايح هناك ليه؟ 


نظرت إليه وأردفت بكثيراً من الغيرة:

-مهما كانت الأسباب أنا من حقي أغير عليك وامنعك تروح عند واحدة بتكراش وهتموت عليك 


برغم إرتياحهُ لإعلانها الصريح عن مدي وصولها في درجة عشقه وغيرتها عليه إلا أنهُ نطق بتجهم واعتراض لاستيائه من نطقها لكلمة بعينها: 

-أمنعك! 

وبرغم إعتراضه علي إسلوبها المستفز إلا أنهُ استطرد موضحاً بهدوء كي لا يُحزنها:

-هو أنا ما أقدرش أنكر إني إنبسطت من شعورك بالغيرة عليا واللي أكد لي إنك فعلاً بتحبيني وإني أفرق معاكى


واسترسل باعتراضٍ صارم: 

-لكن مع تحفظي الشديد علي إسلوبك في الكلام وطريقة الأمر اللي بتتكلمي بيها واللي لا تناسب ولا تتنَاسب مع شخصية زيي


رفعت أحد حاجبيها بعدم إستيعاب لما نطق به،فاردفت مستفسرة: 

-تقصد إيه بكلامك ده يا كارم؟ 


نطق موضحاً بنبرة جادة لملامح وجه صارمة: 

-أقصد إن ياريت اللي حصل من شوية ده ما يتكررش تاني،لأن رد فعلي ممكن ما يعجبكيش وقتها


بنظرات جادة سألته: 

-أفهم من كلامك إنك هتروح عزومة بُكرة؟ 


تنهد بضيق من طريقتها الحادة المرفوضة بالنسبة له شكلاً وموضوعاً وتحدث بنبرة جادة: 

-هو مش المفروض أول حاجة كنتي تعمليها هو إنك تسأليني عن سبب زيارتي لبيت خالتي يا أيسل؟ 


صمتت واكتفت بنظراتها اللائمة له،تنهد هو وأردف مسترسلاً بايضاح كي تكتمل الصورة أمامها علها تُدرك حقيقة الأمر وتهدأ ثورتها:

-جدتي أم ماما عايشة مع خالتي في بيتها لأن جدتي تبقي عمة جوز خالتي،وهو أخدها تعيش معاه بعد وفاة جدي الله يرحمه وسفر خالي للسعودية


واسترسل بإبانة: 

-وماما لازم تسافر القاهرة كل شهر  مرة علشان تطمن علي جدتي وتقعد معاها يومين،وبما إن أنا اللي عايش مع ماما وإلتزاماتي أقل من إخواتي المتجوزين،فمن الطبيعي إن أنا اللي بوصلها بعربيتي،وبروح لها بعد يومين أجيبها 



واسترسل بعيناي معاتبة: 

-يعني أنا لا رايح علشان اتأنس وانبسط بقعدتي مع مايان،ولا هموت وأكل من إديها طاجن ورق العنب زي ما خيالك صور لك

أنا رايح أودي أمي تشوف أمها وأصل رحمي اللي ربنا أمرنا بيه يا دكتورة

واستطرد معاتباً: 

-يعني ما كانش ليه أي داعي اللي عملتيه ده كله


بنبرة حزينة سألتهْ بنظرة عِتاب: 

-طب ده بالنسبة للعزومة يا كارم،تقدر تقول لي ليه ما قولتش لـ بنت خالتك علي طبيعة علاقتنا وإنتَ بتقدمني ليها؟! 


عقب متسائلاً باندهاش: 

-اللي هي إيه طبيعة علاقتنا يا أيسل؟!

ممكن توضحي لي شكل علاقتنا الرسمية اللي كُنت هقدمك بيها لـ مايان؟ 


واستطرد مُستنكراً: 

-ولا كُنتي عاوزاني أقول لها دي أيسل حبيبتي اللي إتقدمت لها وأبوها رفضني وحذرني من إني أقرب منها أو أحاول اتصل بيها،وكمان أعفاني من مهمة قائد الحراسة الخاصة بيها؟! 


إتسعت عيناها بشدة واحتدمت ملامحها بالغضب بعدما استمعت لتهكماتهِ بالحديث علي تفكيرها واتهامها بضيق أفقها لنظرتها للأمور،فهتفت بعيناي حادة:

-الظاهر إني رخصت نفسي معاك قوي يا حضرة الرائد لدرجة إنك قاعد تتريق عليا من غير ما تراعي شعوري،بس وعد مني مش هتتكرر


ثم هبت واقفة وبدأت بلملمة أشيائها تحت غضب كارم الذي هتف بنبرة صارمة: 

-إقعدي وخلينا نكمل كلامنا زي الناس وبلاش تصرفات الأطفال بتاعتك دي


واستطرد بإبانة: 

-ومش معني إني بلفت نظرك لتصرف غلط عملتيه تقومي تغضبي وتقرري تنسحبي

واسترسل بايضاح: 

-أنا عملت كدة علشان من الأول نفهم طباع بعض وكل واحد فينا يحاول يعرف إيه اللي بيضايق الطرف التاني،ويحاول يتجنبه علشان نقرب من بعض بطريقة صحية وصحيحة


بكبرياء عقبت: 

-بس أنا مش شايفة نفسي عملت حاجة غلط،وعلي فكرة،اللي بيحب حد بيتقبله زي ما هو،مش من أولها يقعد ينتقد في تصرفاته ويطلب منه يتغير


ثم رفعت رأسها بكبرياء وحدثت ذاك الذي مازال جاساً فوق مقعدهُ ينظر لها بعيناى مترقبة لكلماتها وردات فعلها:

-ومن الآخر كدة أنا ما بتغيرش علشان حد يا سيادة الرائد


برافوا يا دكتورة،إتفضلي علشان ما تتأخريش...هكذا نطق بملامح وجه مُبهمة وبكل برود وهو يُشير لها بكف يده إلي الخارج،مما جعل جسدها يستشيطُ غضباً بعدما كانت تتأمل وقوفهُ وأعتذارهُ لها ومحاولة إرضائها التي كانت ستحدث بالتأكيد وتستكمل معه جلستها واحاديث العشاق الخاصة بهما،لكنهُ حطم أمالها،رمقتهُ بنظرة مخيبة للأمال واندفعت خارجة من المكان كالإعصار حتي وصلت إلي ضابط الحراسة ثم استقلت السيارة متجهين إلي القاهرة تاركة ذاك المشتعل من حديثها