-->

رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 24


قراءة رواية نزيلة المصحة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة رواية نزيلة المصحة

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل الرابع والعشرون




أفاق حسام علي ضربات صغيرة- رقيقة- فوق ساعدة؛ يعلم جيداً لمن تكون.

 فتبسم ومد يدة ليمسك بصاحبها، دون أن يفتح عيناه. 

وماأن القي القبض علي ذلك المشاغب، حتي تعالت صوت قهقاته الطفولية؛ 

وهو يجد نفسه جالساً فوق بطن ابيه الغائر؛ كقارب صغير يتسع لمؤخرة قاسم الصغيرة أن تغوص بداخلة.


ولكن قاسم توقف عن الضحك قليلا كي يتعجب مما رأي اليوم! 

فقد رأى امه تسند رأسها علي صدر أبيه في سابقة لم تحدث من قبل، 

ولم يسبق له أن رآهم بهذا القرب!؟ 


-فأنحني للأمام قليلاً، وبدأ في دفع رأس أمه من فوق صدر أبيه؛ ليصحح وضعاً من ندرة حدوثه ظن الصغير أنه وضعاً خاطئاً.


-إنفرج ثغر سمر عن ابتسامة؛ وهي تشعر بدفع قاسم لها من فوق صدر ابيه. 

وكأنه يخبرها أن وقتها السعيد قد أنتهي، وأن الليلة الجميله قد ولت. 

وحل من بعدها الصباح، وأشرقت الشمس على ذبد ماحدث بالأمس.

وعليها ان تتوقع أنه سيذوب قريباً ولن يصمد أمام شمس الواقع الحارقه. 


رفعت رأسها قليلا ثم ضغطت علي شفتها السفلي بتوعد؛ وهي تنظر لقاسم، 

وتقوم بإرجاع شعرها للخلف، 

وهو بمجرد أن رأي حركتها، ضحك واختبأ بين ذراعى ابيه؛ 

 فحركة أمه هذة تعني أن هناك موجة من الدغدغه، والعض تقترب منه. 


فواصلت سمر الأقتراب منه؛ فاختبائة في حضن أبيه لم يمنعها من فعل ذلك؛ 

فأرجله، وذراعاه، والكثير من جسدة في متناول يدها وفمها. 

وها هي تهجم عليه هجوماً ضارياً، لم يستطع هو أو أبيه صدة! 


واخذ ثلاثتهم يضحكون في سعادة ومرح لأول مرة. 

وكم تمنت سمر دوام هذا الحال عليهم.

 - ولكنها تعلم جيداً ان دوام الحال من المحال.


وخاصة وهي تري حسام ينهض من الفراش وينشق عنهم؛ تاركاً لهم الفراش ليعودا الي وحدتهم بدونه. 


اما حسام فذهب لأخذ حماماً دافئاً وهو يشعر بإرتياح عجيب اليوم! ولا يعلم سببه وأخذ يتسائل:

تري اهو بسبب الهم الذي افرغه من قلبه بالامس علي مسامع الطبيب حمزة، واشركه بأكثر اسرارة الدفينة الماً! 

 وخاصةً وانها المرة الاولي التي يفتح فيها قلبه لأحد، ويسمح له أن يعرف عنه هذا القدر من المعلومات- التي لا يعلمها احداً سواه هو وأمه. 


أم بسبب ماحدث بالأمس بينه وبين تلك السمراء الهادئه كنسمات الصباح؟! 

والتي لا يعلم لم يتبسم الآن بمجرد ذكره لاسمها؟ 


انهي حمامه ووقف أمام المرآه وأخذ ينظر الي انعكاسة. ثم بدأ يتلمس ندبته. وأغمض عيناه وهو يتذكر ملمس اصابعها الناعمه عليها بالأمس، وتعجبه من فعلتها! واكتشافه تقبلها الكامل للندبة؛

وهو من كان يتعمد كشفها امامها هي بالذات؛ كي يجعلها سبباً آخر لنفورها منه، فوق كل الاسباب التي يعطيها لها.


وأيقن أن من كان يسعي لجعلها تنفر منه؛ هي اكثر الناس منه قرباً!. 

وأن من كان يفعل المستحيل ليقربها منه؛ كانت طوال الوقت أكثرهم عنه بعداً.

ولا يعلم لما شعر اليوم، بأن بعض الغيوم بدأت تنقشع من امام عينيه، وبدأت الرؤيه تتضح؛ وينتبه الى بعض الامور التي كان غافل عنها.

انهي حمامه وخرج امامها وهو عارٍ الصدر كعادته. 

وماإن تاق عليها حتي تبسمت له بمحبة بالغه؛ وهي تتفحص جسدة بتقبل شديد. ورغبة لاحظها حسام في نظراتها له لأول مره، وتعجب لِم لم ينتبه لها من قبل! 

فقرر أن يعطيها عناقاً صباحياً- فلا ضرر من ذلك. 

وطلب من قاسم النزول الي جدته، وانتظارهم بالاسفل.

واغلق الباب خلفه؛ واخذ يقترب من التي تجلس في وسط الفراش ولا تصدق ماتراه! وتتسائل فى قرارة نفسها:


مهلاً هل حسام سيقترب منى مرة اخرى؟!


وإجابة هذا السؤال اتتها سريعاً؛ وهي تري حسام يجلس بجانبها، ويقترب منها بجسدة، ويحاوط جسدها المرتجف بكلتا يديه ،ويجذبها نحوه. 

فأغمضت عيناها استسلاماً لما يفعل وهي تهمس لنفسها؛ بأنها ليلة الحظ الماضية قدامتد مفعولها حتي اليوم. 

هذا أو أن حسام قد وقع تحت تأسير تعويذة بالمحبة ألقيت عليه عن طريق الخطأ- فجعلته يتقبلها اخيراً!؟ 

كفكفت اسئلتها وطوت الغرابة طياً؛

 فليس هذا وقت التساؤلات أو إستنتاج الاجابات.

وعليها أن تدرك انها الآن بين يديه، وهو بالقرب الذي يجعلها تتنفس أنفاسه، وهذا هو الأهم. 

ويجب أن تستمتع بقربه قدر المستطاع؛ فقد لا تتكرر هذة اللحظات المسروقه من الزمن مرة أخري. 


-اما سعاد.. فحينما اخبرها حفيدها بأن ابيه طلب منه ان ينتظرة بجوارها، 

انشرح قلبها،وشعرت بأن ابنها اخيراً بدأ يشعر بأن لديه زوجة- محبه- تستحق كل التقدير. 

وبالتأكيد فضل هذا عائداً؛ ألي إنقشاع الغمامه التي تسمي ود من أمام عينيه. ولهذا بدأ يبصر الدنيا...

ويدرك أن بها بشر سواها. 


ويال سعادتها واستغرابها؛ وقاسم يقص لها كيف كانت أمه تفترش صدر حسام اليوم كوسادة!. 

وقهقهت؛ حين وصف قاسم أمه بأنها قليلة حياء؛ لأنها اقتربت من ابيه بهذا القدر. 

فقررت سعاد الا تجعل قاسم يقتحم خلوة ابيه وأمه بعد اليوم. 

فيبدوا أن وقت البعد قد ولى وآن أوان القرب...وتبدأت تتفائل وترى ب

أن القادم أجمل بأذن الله. 


أنهت سعاد تحضير طعام الإفطار. وهاهي ترى اعزائها يهبطون درجات السلم. 

وكان حسام بالمقدمة، وسمر خلفه مباشرة. 

وهاهي جيوش الفرحة تغذوا قلب سعاد غزواً؛ وهي ترى الإرتياح الواضح علي ملامح ابنها. 

وقد تجلى هذا الارتياح ملياً بسبب  الإبتسامة الخفيفه التي رُسمت على محياه. 

وأيضاً بسبب السعادة البالغه التي كانت تشع من اعين سمر.

فدعت سعاد الله في هذة اللحظه؛

أن يديم عليهم السعادة والارتياح، وأن يبعد عنهم كل مايعكر صفوهم. 


تكلم حسام بنبرة مرحه وهو يقترب من أمه:

-ياصباح الياسمين علي عيون ست الحلوين حبيبة قلبي. 

قالها وامسك يديها يقبلهم. 


فأردفت هي رداً عليه:

-ياصباح الرضى علي عيونك ياحبيب قلبي. 

ثم نظرت الي سمر وأكملت.. ياصباح الورد عليكي يامرات ابني الجميله. 


فتبسمت سمر من هذا الوصف وردت علي سعاد وقد اخفضت عيناها ارضاً من شدة حيائها من سعاد؛ فنظراتها المتفحصة لها تخبرها بأنها تعلم كل ماحدث بينها وبين حسام.

وردت عليها الصباح بنبرة خجوله وقد بدت كعروس؛ اليوم هو يوم صباحيتها:

-صباح الفل ياماما، اخبار صحتك ايه النهاردة؟


فأجابتها سعاد:

-النهاردة انا فأحسن صحة وبقيت اسعد وحده في العالم.. يلا بقي ياحبايبي عشان تفطروا. 

فتقدم الاثنان من طاولة الطعام، وشرعا في تناول الأفطار، 

ولأول مرة اليوم سمر تكون طرفاً ثالثاً في المحادثه الصباحية وتتحدث معهم، ويعقب حسام علي كلامها!. 

فأكلت اليوم ملئ بطنها؛ وقد شعرت بأن اليوم مختلف كإختلاف ليلة الأمس، وأصبحت ترى الدنيا باللون الوردى؛ بعد أن كانت باللون الأسود القاتم. 


أنهي حسام إفطارة وحمل قاسم وخرج الي الحديقة يتفقدها، ويري أياً من براعم زهوره قد تفتحت وايهم لم تفعل. 


وكم فرح وهو يري شجرة ورد الاوركيدا وقد تفتحت اليوم أولي براعمها. 

فتبسم وهو يقترب منها ويتلمسها بعدم تصديق؛ فقد أخلفت ظنه، 

واثبتت له انها اقوي مما كان يعتقد، بعد أن أقسم لنفسه بأنها ستفارق الحياة إثر ضعفها الشديد وإصفرار اوراقها. 

ولكن مع عنايته ومراعاته لها اعطتها من القوة والإرادة ماجعلها تتمسك بالحياة لاجل أن ترد له اعتنائة بها بزهرة جميله تفتحت اليوم من أجله هو فقط.

وكأنها تكافئة علي كل الحب والإهتمام الذى اعطاه لها. 


اقتربت منه سمرائه الهادئه بحقيبته التي أمرها بأن تجلبها وتاتي خلفه فور انتهائها من لم اطباق السفرة. 


اعتدل في وقفته وهو يراها تقترب منه أكثر، وماإن أصبحت امامه مباشرة، حتي مدت لها يدها بالحقيبة،

 فمد هو لها يده بقاسم، وحدثت عملية تبادل؛ ليحمل كلً منهم من سيرافقة  لباقي يومه. 

قبل حسام قاسم فوق وجنتيه مودعاً، ونظر لها نظرة اخيره وهو يتامل الإبتسامه التي لا تفارق وجهها ابداً، ثم تحرك مبتعداً فاردفت هي:


مع السلامه ياحسام، ربنا يحفظك من كل شر ويرجعك لينا بألف سلامة. 


انهت جملتها ليتوقف حسام علي إثرها عن المشي؛ وقد رأي انه يجب أن يرد علي عبارتها الجميلة رداً مناسباً. 

ولأنه لم يتعود علي الرد عليها بالكلام المباشر... 

قرر ان يرد عليها هذة المرة ايضاَ بالطريقة المعتادة. 

ولكنه رأي أن الرد حتي وإن لم يكن مماثلاً، فيجب أن يكون مناسباً على الاقل.

فعاد ادراجه حيث كان يقف، ونظر اليها لبرهة، بنظرة جعلتها تتوتر. 

فلم تعتد أن ينظر اليها بهذة الطريقة، أو أن تنظر هي الي عينيه تحت ضوء الشمس بهذا القرب، وترى ماتراه الآن؛

فقد كانت صورتها هى وإبنه منعكسة داخل مقلتيه ومن خلفهم الازهار المتفتحه؛ 

وقدا بدا المنظر جميلاً كلوحة رسمت بيد أمهر فنان! 

أما هو فإنحني بجسدة ليقطف باكورة اوركيدته؛ وقربها الي أنفه واستنشق من عبيرها، ثم مد بها يده لإبنه وهو ينظر في عينيها مباشرة ويردف موجهاً كلاماته لقاسم :

خد دي ياقاسم اديها لماما وقولها بابا بيقولك تسلميلي. 

قالها ثم تحرك فور أن مد قاسم يده وامسكها منه؛ كانه يهرب منها خجلاً بعد الذي تفوه به

وفور أن أولي ظهرة لهم.. حتي اخذت ر

سمر ترفرف بأهدابها وهي تحاول استيعاب ماحدث وقيل تواً! 


وبحركة سريعة اختطفت الزهرة من يد قاسم، وابعدتها عن وجهها قليلاً وبدات بتفحصها من كل الزوايا؛ لتتأكد من أنها حقيقيه؟ 

ثم نظرت الي شجرة الاوركيدا لتتأكد أكثر من أن الغصن خالٍ بالفعل من الزهرة؟

ونظرت حوالها لتتأكد أن كل ماحدث تواً قد حدث بالفعل!

ثم هرولت إلي الفيلا وهي تحدث نفسها:


-ايه دا هو فعلاً حسام اداني وردة؟

وكمان قاللي تسلميلي؟ 

لأ ومش أي زهرة دي من الشجرة ألاغلي علي قلبه من بين كل اشجار الورود! 


استمرت في التحدث الي نفسها وبمجرد دخولها وضعت قاسم علي الارض وصعدت الي غرفتها مرة أخري وهي هائمة في كل ماحدث وعيناها متعلقتان طوال الوقت بالزهرة التي بيدها لا تحيدان. عنها؛

 كمن ترجوها أن تتحدث اليها و تؤكد لها أن حسام قد قطفها لها بيده بالفعل. 


أما حسام فبمجرد خروجه من بوابة الفيلا؛ 

التفت الدروع البشرية الاربع حولة وقاموا بتطويقه حتي باب السيارة، وعيونهم تتنقل هناوهناك بكل ترقب وتركيز. 

وفور صعودهم، انطلق بهم علي الفور من تطوع منهم بقيادة السيارة. 

وأمرهم حسام بالذهاب علي الشركة أولاً لإنهاء بعض الاشغال؛ 

ومن ثم الذهاب الي بيت الطبيب حمزه. 

تماماً كما حدث بالأمس. 

وما كان منهم غير الايماء والهمهمة بطاعة. فهم لا يخالفون اوامرة او رغباته ابداً؛ طالما لا تتعارض هذة الاوامر والرغبات مع سلامته وأمنه الشخصي. 


وصل الي الشركة وانهي جميع اعمالة المطلوبة منه لليوم. 

ثم غادر الشركة وهو يستعد نفسياً للعودة مرة أخري الي تلك المناطق القاحلة بداخلة؛ حيث الذكريات التي لا يراها الا كحقل الغام؛ 

لا يقف فوق إحدها؛ الا وينفجر لغماً لذكرى مؤلمة تحت اقدامة، ليمزق روحة الي اشلاء، يتعذب في لملمتها من جديد. 


وصل اخيراً الي رأس شارع الطبيب حمزة، وأمر رجالة بالتوقف فوراً؛ وهو يري متجراً لألعاب الأطفال. 

فقرر أن يأخذ بعض الهدايا لأولاد عبدالله، ليفرحهم اولاً، وثانياً كنوعٍ من رد الجميل؛ فهو أكل وشرب في بيتهم، وقد تعود الأ يأخذ شيئاً من أحد أو يتقبل أن يسدى اليه بمعروف؛ دون أن يرده له بأى طريقة، وفي أسرع وقت. 


فتأمل قليلاً ماهو معروض في الواجهة من العاب، ثم اشار لأحد رجالة علي اربعة العاب، 

وقام بإعطاءه مبلغاَ من المال كي يشتريهم. 

دلف الرجل الي المتجر وغاب لبرهة ثم عاد وهو يحمل الألعاب الأربع، وقام بوضعهم داخل السيارة بجانب حسام. 


وهم أن يصعد، ولكن حسام طلب منه أن ينتظر قليلاً. 


وأشار له علي متجر الحلويات الذي في الجهة المقابلة؛ 

وقام بتحديد إحدي قوالب الكيك المزينه الفاخرة من بين  مجموعة معروضه في فتارين العرض الزجاجية. 


وكان قالباً كبيراً مقسماً الي اربع اجزاء، وكل جزء منهم بنكهة مختلفه، ثلاثة منهم بالفواكة، والجزء الرابع بالشيكولاته. 


وأشاد حسام الي ان هذة طريقة ذكيه من صانع الكيك؛ لأنه بهذا سيرضي أكثر من ذوق في قالب واحد. 

احضر الرجل القالب وقام بوضعة بالسيارة ايضاً، وعندما قرر صعود السيارة أخيراً اكتشف انه لا يوجد له مكاناً داخلها من الالعاب وقالب الحلوي! 

فأغلق الباب، وأخبرهم بأنه سيكمل باقي المسافة مشياً علي الاقدام بمحاذاة السيارة، حتي بلوغ المنزل. 

وقد بدا هذا الحل هو الحل الامثل والوحيد. 


- توقفت السيارة امام المنزل، وترجل منها حمزة والرجال الثلاثه، 

والرابع فتح الباب وقام بإنزال الالعاب، وقالب الحلوي، وحملهم هو وواحداً آخر من الرجال، 

وصعدا الي الطابق الذي يقطن فيه الطبيب حمزة. 

ومد حسام يدة ليضرب الجرس..

ولكنه تذكر أنه لم يقم بالاتصال بحمزة اولاً ليخبرة بقدومه! 


فأولي ظهرة للباب وأخرج هاتفه وقام بالاتصال به.. 

وبمجرد أن رن هاتف حمزه.. ووجد حسام هو المتصل أجابه علي الفور؛

فقد كان ينتظر اتصاله هذا بفارغ الصبر؛ 

كي يكشف له المزيد من الحقائق، مثلما فعل بالأمس. 


فاردف حسام فور أن اتاه صوت حمزة مجيباً علي الجهة الأخري:

صباح الخير يادكتور...كنت بتصل بيك عشان استأذنك اني أجيلك لو فاضي؟


فتبسم الطبيب حسام بخجل وهو يرد علي حمزة بعد أن استمع الي رده:


-هو في الحقيقه انا واقف علي باب الشقه ومحرج منك عشان نسيت اديك خبر قبل ماأجي. 

وعشان كمان خفت تكون مشغول ولا مش فاضي، فقولت استأذنك الأول ومقولكش اني هنا؛ عشان مضغطش عليك بوجودي وتضطر تستقبلني غص... 

❈-❈-❈



وقبل أن ينهي جملته تفأجأ بباب الشقة فُتح سريعاً ووجد نفسه يُمسك من قميصه من الخلف ويسحب للداخل. 

ودون ان يري من الفاعل تبسم وهو يسمع صوت عبدالله يتحدث بعدم صبر:

يعني دا كلام يعني! 

واقف علي الباب وبتتصل وتستأذن زي الغريب!؟ 

يبني انت تضرب الباب برجلك وتدخل من غير استأذان؛ دا بقي بيتك واحنا كلنا ضيوف فيه.. ادخل ياغالي ادخل. 


وكل هذا وحسام لازال يتحرك للخلف مع أستمرار عبدالله في سحبه، 

ولايري حتي اين يضع قدماه او الي أي مسافة قد وصل، 

وعبدالله مستمر في سحبه من قميصه؛ الي ان أستغل تباطؤ عبدالله في السحب قليلاً وهو يعطى امراً لسماح زوجته، بأن تحضر ثلاث اكواب من القهوة وسيعود لأخذهم منها فور أن يقوم بإيصال حسام الي حجرة حمزه.

حينها قام حسام بتخليص نفسه من قبضة عبدالله والالتفاف سريعاً ليواجهه؛ 

وأطفأ هاتفه واعادة الي جيبه، ثم مد يده ليصافح عبدالله. 

 ومن بعد المصافحه أشار لرجاله الذين يحملون الحلوي والالعاب بالدخول. 

فتقدموا، وقاموا بوضع مامعهم فوق طاولة الطعام، وعادوا للخارج مرة أخري. 

وبمجرد أن حدث هذا.. 

هجم الأولاد علي الالعاب، وخطف كلاً منهم لعبة وتبخروا في الحال. 

فتبسم حسام لرؤية مافعلوا. 

اماعبدالله فصرخ عليهم وهو يشعر بالخجل من فعلتهم المشينه وأردف من بين اسنانه المطبقة:

-ولد.. ولد.. ولد عيب، انت ياحيوان انت وهو تعالوا هنا، انتوا ياهمج!.. طيب اصبروا عليا انا هربيكم. 

ولكنه اكتشف في النهاية انه يتحدث الي نفسه؛ وهو يتلفت من حوله ولا يرى أحداً منهم! 

وكأن لا حياة لمن ينادي! 

فأردف بكلمة اخيرة راداً بها علي نفسه بعد محاولاته الفاشلة: "اوبااااش". 

ثم توجه بالاعتذار لحسام علي مابدر من اولاده قائلاً:

-معلش ياحسام يابني متأخذنيش؛ مخلف شوية قرود. وبعدين ايه اللي أنت جايبه دا كله؟ دا كتير قوي. 

فاجابه حسام بإبتسامته الودودة:

- ولا كتير ولا حاجه دي كلها حاجات بسيطة. وبعدين دول اطفال. وكلنا كنا اطفال وعارفين الفرحة بأي لعبه جديدة بتكون عامله ازاي. 

سيبهم علي راحتهم، ربنا يحفظهملك يارب. 


فرد عليه عبدالله: آمين يارب ويحفظلك ابنك ويفرحك بأخ ولا اخت ليه...انهي جملته ثم اردف بقلة صبر.. 

-يلا بقي كفايه وقفه؛ دا حمزه زمانه اتفحم جوا من كتر ماقاعد مستنيك علي نار. 

قالها وامسك بذراع حسام كشرطي ألقي القبض علي متهم ويخشي هروبه. 

فطلب منه حسام أن ينتظر قليلا كي  يتحدث مع رجاله أولا. 


فترك عبدالله ذراعة، فاشار حسام لأحد الرجال وطلب منه أن يأخذ البقيه وينتظرونه بالأسفل وحين ينتهي سيهاتفهم ليأتون اليه. 

فأومأ له الرجل بالموافقه، وخرج علي الفور واشار للرجال بإتباعه. 


وبعدها اغلق عبدالله باب الشقه، وعاد ليمسك ذراع حسام من جديد، وقد اقسم هذة المرة بأنه لن يتركه الأ وهو جالس في غرفة الاعتراف. 


ودلف به الي غرفة حمزة وماإن اجلسه علي الاريكة حتي طلب منه عدم التحدث الا بعد أن يعود لهم بالقهوة. 


وخرج ولم يغيب الا دقائق معدودة؛ تبادل خلالهم حمزه وحسام الاطمئنان علي صحة بعضهم وعاد بالقهوة. 

واغلق الباب؛ وهو يشعر بالاطمئنان اليوم؛ لأن الاولاد الهتهم الألعاب، وحسام لا يبدوا عليه التعب والاجهاد كالمرة السابقة؛

 اذن فلا مقاطعة لهم اليوم من اي نوع اليوم. 


وشرع ثلاثتهم في تناول القهوة، واليوم ادي حمزة طقوس قهوته، وشرد بفكره وهو ينظر علي الابخرة المتصاعدة منها؛ 

تماماً ككذبات كريمه التي بدأت تتبخر منذ الأمس ويبدوا أن البقيه ستتبخر اليوم. 

واردف وهو علي نفس شرودة:

-شهادتك الجامعية طلعت سليمه ياحسام. 


فأجابه حسام بثقة بعد أن بلع مافي فمه من قهوة:

-كل اوراقي سليمه. وكل حاجه بقولهالك حقيقيه. ولو تحب ادلك علي المصادر اللي ممكن تتاكد من صحة كلامي عن طريقها. 


فأردف حمزه وهو علي نفس وضعه وشروده:

-لأ مفيش داعي؛

انا اعرف اوصل لمصادر لوحدي.. 

اهم حاجه دلوقتي خلينا نبدأ بترتيب الأثباتات والبراهين، ونعرف حكاية كل ورقه من دول.. 

 وهنبدأ بالاقدم في التواريخ. 

وأظن دي هي الورقه الأحق من بين كل الأوراق اننا نبدأ بيها؛ 

اولاً لانها الاقدم، ثانياً لانها الأغرب! 

قالها ومد يده والتقط احدي الاوراق التي أمامه وادارها لحسام كي يراها. 

والذي ابتسم بدوره وهو ينظر اليها وقد عرفها علي الفور.. 

فهي عقد شراء سيارته الأجرة؛ التي قام بشرائها وامتلاكها بعد جهد وصبر ومثابرة. وقد كانت أغلي وأحب وأقرب الأشياء لقلبه حينها...

"بعد ود بالتأكيد". 


فركب بساطة السحري وانتقل به الي ذلك اليوم الجميل؛ الذي عاد بها الي البيت بعد أن مضي عقد شرائها، وهو يشعر أنه عنتر إبن شداد؛ 

وقد عاد بالنيقان الحمر مهراً؛ كي يحظي بعبلته. 

فنظر الي حمزه واردف: 

-بس فيه شوية تفاصيل قبل الحدث دا وهي السبب فيه،ومش هينفع اتجاهلها. 


فأجابه حمزه علي الفور:

-وانا كنت لسه هلفت نظرك للنقطةدي.

لكن جميل أنك هتعمل كده من نفسك؛ عشان انا مش عايز أي تفصيله ولو صغيرة تسقط من حكايتك. 


فأومأ له حسام برأسة قبولاً. 

وقبل أن يبدأ حسام في الاسترسال في إكمال روايته أردف عبدالله معقباً علي كلام حمزه:


-لا تفاصيل ايه اللي تسقط، مفيش حاجه هتسقط فالليله دي غير عيالي؛ اللي هيضحوا بسنه من حياتهم لو مكملتش الحكاية كلها النهاردة. 

ويبقي ذنبهم وذنب ابوهم اللي هيتمرمط علي ايد سماح...فرقابتك، أنت ،وكريمه، وود ،وكل الشخصيات الرئيسيه والكومبارس بتوع الحكاية. 

وحتي البادي جارد اللي بره الباب دول مش معفيين من الذنب. 


قالها بطريقة تصف مدي تأثره؛ جعلت كلا من حمزه وحسام ضحكا. 

وقبل أن ينبث حسام ببنت شفه؛ أخرج من حقيبته سيجاراً واشعله، وأخذ أول نفس منه ونفث دخانه في الهواء، 

ثم اردف: 

- بعدت عن ود فترة عشان امتحاناتى، وقولت هي كمان هتذاكر لأمتحاناتها، ومفيش أي ضرر من شوية اشتياق، هيزولوا باللقى؛ بمجرد مانتقابل بعد مانخلص امتحاناتنا. 

لكن االي أكتشفته بعد كده أن كل الضرر حصل نتيجة غيابي عنها؛

وكل حاجه شنيعه حصلت في الفترة اللي كانت بسيطه من وجهة نظري دي. 

او كان بيحصل قبل كده لكنه اتطور ووصل لمرحلة لا يمكن كنت اتخيل أن الأمور توصل عندها. 

ودا عرفته فآخر يوم امتحانات ليا لما قررت بعد ماخلصت أمتحاني، أني أستاذن عمي وآخد موافقته اني اعدي علي ود وأوصلها للبيت فطريقي؛ 

وخصوصاً اني قريب علي مدرستها،

واقوله اني كده كده كنت رايحلهم النهاردة. 


وكلمت عمى ووافق، ورحب بيا وقالي انه مستنيني في البيت. 

ورحتلها بكل الشوق اللي جوايا ليها، وبمجرد ماقربت علي المدرسه بتاعتها، وقفت مكاني وانا شايفها قدام باب المدرسه وبتعمل آخر حاجه كنت اتوقعها.


واللي كانت سبب فدماري بالكامل، ومش بس كده، دي كانت السبب كمان فى موت عمي أبشع موته.


 يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة