رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 26
قراءة رواية نزيلة المصحة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية نزيلة المصحة
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل السادس والعشرون
لازال حسام سابحاً، وسط أمواج ذكريات ماضيه؛ يحاول جاهداً للوصول ألي شط حاضره؛ كي يستريح قليلاً، ويلتقط أنفاسه،
فقد أجهده العوم، لدرجة أنه اصبح خائفاً من الغرق فى بحر احزانه، وأردف مكملاً:
-معملتش حاجه لهادي ولأبنه، غير أني رحت الشركة بتاعة هادى، وبكل هدوء حكيتله الحكاية، وطلبت منه أنه يلاقيلها حل، وأنه يخلي أبنه يتجوز ود رسمي،
ودا بعد ماتوصل للسن القانوني طبعاً، أنما دلوقتي يشهر أنه متجوزها بالسنه قدام كل الناس.
لقيته ابتسم ابتسامه هاديه ورد عليا بكل هدوء:
=انا معنديش أي مانع اني أعمل اللي بتقوله دا يا... معلش قولتلي إسمك ايه؟
-حسام يابشا، قولتلك أسمي حسام.
=معلش ياحسام يابني أصلي بنسي بسرعه، المهم، احنا كنا بنقول ايه؟
أه.. كنا بنقول أني عادي اخلي شادي يعمل كده، ويتجوز بنت عمك دي؛ انما انت عارف أنا داخل علي إنتخابات دلوقتي، ووضعي حساس جداً، ومحطوط تحت الميكروسكوب ٢٤ ساعه،ولو حصلت حاجه زي دي، فالوقت دا، أنا هتضر جامد.
ومش بعيد أتسجن فيها.
ومش أنا بس؛ دا انتوا كمان قبل مني، لأن البنت علي حسب كلامك لسه موصلتش السن القانوني، ولسه تعتبر قاصر، وأنت عارف ألاشتراك في زواج القاصرات القانون بيعاقب عليه ازاي.
-يعني أفهم من كلامك دا ايه دلوقتي؟
=تفهم.. انه مش هينفع موضوع اشهار الجواز في الظروف دي أبداً.
أستنوا عليا شويه لغاية مالأمور تتم، والانتخابات تخلص علي خير، وساعتها أنا بنفسي هاجي لغاية باب بيتكم؛
وأطلب أيد البنت من أبوها واجوزها لشادي كمان.
- طيب وأيه اللي يضمنلي؛ أنك هتعمل كده فعلاً بعد مالانتخابات تخلص؟
=كلمتي هي الضمان الوحيد، انا واحد كلمتي سيف يابني وهعذرك عشان متعرفنيش، لكن الأيام هتثبتلك كلامي.
اتنهدت بقلة حيله وانا مش عارف أعمل أيه، والظاهر أن مقداميش حل غير أني اصبر، وأستني، زي ماقالي.
وقفت عشان أمشي؛ لكني قبل ماأمشي بصيتله وبنبرة تهديد قولتله:
- تمام هصبر، بس لو الموضوع دا ماتمش أنا هفضحك فكل مكان، وهشهر بيك وبأبنك، وهقول -وهحكي- كل حاجه. ولعلمك العيار حتي لو مصابش بيدوش.
قولت كلامي وانا باصصله بتحدي، ولقيته إبتسم، وهز دماغه بموافقه، وبعدها قالي:
"ووقتها هيبقي كل الحق معاك فاللي هتعمله".
خرجت من مكتبه، وانا حاسس إن مرواحي ليه زي قلته؛
وانه لا قدم ولا أخر،لكني برضوا مفيش فأيدي أي حاجه أعملها.
ورجعت تاني المستشفي؛ عشان اطمن علي عمي، ومن ساعة ماخرجت من المستشفي لغاية مارجعت وكريمه مبطلتش رن، لا علي تليفون ود ولا علي تليفون عمي، ولا عليا انا كمان.
لكني مردتش عليها من أي تليفون، وعملت كل التليفونات صامته، وسبتها تتحرق من القلق، مش بس كده، دنا أتمنيت أنها تتحرق بنار حقيقيه؛ زي ماانا اتحرق قلبي على ود،وكانت هي السبب في كل اللي جرالها.
وصلت المستشفى، ولقيت ود عامله مناحه علي باباها، وأمي بتسكت فيها. وبمجرد ماشافتني بصتلي وقالتلي بعتب:
-"ليه ياحسام تجيب بابا للشقه وتخليه يشوفني في الموقف دا!، طيب اهو مستحملش ووقع من غير مايفهم
- ولا يعرف- أن شادي جوزي؛ وإني مكنتش بعمل حاجه حرام، بابا لو جرتله حاجه هتكون إنت السبب ياحسام، ومش هسامحك ابداً" .
رديت عليها وانا مصدوم من القدره اللي عندها أنها تلفق الإتهامات وتقلب الحقايق بالشكل دا!
لكن أي صدمه بقيت بتصدمها فيها، وأي حاجه غريبه هسمعها ولا أشوفها منها بعد كده؛ خلاص مش هستغربها؛ بعد اللي شوفته بعنيا، واتأكدت بعده إن ود ممكن تطلع منها أى حاجه.
بصيتلها ومتكلمتش؛ سبتها تقول اللي تقوله؛ اصلها خلاص مبقتش فارقه معايا، لاهي، ولا كلامها.
علي بالليل اطمنا على عمي، وإن حالته استقرت، وطلبت من أمي أنها تاخد ود وتروح بيها علي بيتنا؛ عشان كريمه تفضل متعذبه أطول وقت ممكن.
أما أنا؛ ففضلت قاعد فالمستشفي مع عمي، وفي الأثناء دي مسكت تليفون ود؛ وحاولت أفتحه؛ عشان آخد رقم اللي إسمه شادي وأكلمه؛ يمكن يطلع غير أبوه وينفع معاه إني أهدده - أو أخوفه- وبعد كذا محاوله، قدرت أفتحه بتاريخ ميلادها.
وجبت الأرقام، وفضلت أدور فيها... ومتعبتش وانا بدور؛ عشان لقيته محتل سجل المكالمات، وكانت مسجلاه نبض ود!
رنيت عليه، وتوقعت إنه هيرد بلهفه؛ عشان يعرف أيه اللي حصل معاها؛ لكن اللي حصل عكس كده!
لقيته بيرد بمنتهي البرود وبيقول:
"هلا ود، كنت لسه هتصل بيكي، أيه يادودو، عمل فيكي أيه إبن عمك الهمجي هو وأبوكي، أوعي يكونوا دايقوكي والله ازعل بجد.
انا عرفتهم بعد مانزلت من الشقه، ودورت في صور عيلتك اللي كنتي باعتهالي وعرفتهم من الصور. "
-بصراحه في اللحظه دي جاهدت عشان متنزلش عليا جلطه، وفضلت أهدي فنفسي وأقول"إهدي ياحسام مادا المتوقع"،
ورديت عليه بعد ماخلص كلامه:
"لا إزعل ياحبيبي؛ إزعل عشان ابوها وإبن عمها الهمجي كسروا عضمها، وهي دلوقتي في المستشفي، ولو عايز تشوفها تعالا؛ لكن مااعتقدش إنك هتعملها لأن واضح إنك أجبن من كده.
لقيته قفل السكه، من غير حتي مايرد عليا، وفاللحظه دي قارنت بين رد فعله، ورد فعلي أنا لما ود بتحصلها اقل حاجه، أو لما بكون خايف عليها من حاجه؛ وشفت أن فرق السما من الأرض مابيني وبينه،
لكن يلا مش إشكال، نصيبها وأخدته، ومش هقول غلطتها وتتحملها؛ لأنها اصغر من إنها تتحمل نتيجة غلطه بالحجم دا؛ وكمان مش هي بس اللي هتتحمل النتايج بتاعتها، كلنا هنتحمل معاها،
وغصب عننا.
الصبح اطمنت علي عمي من الدكاتره، وروحت بعد ماقضيت ليله عصيبه، اصارع فيها إحساسي بالخذلان والكسره والقهر،
رجعت علي البيت عشان اخدلي حمام وأغير هدومي، وأبقي أرجع للمستشفي مره تانيه، وكمان عشان ود وراها إمتحان اوصلها ليه، ونزلت أخدت عربية عمي وروحت.
وصلت البيت؛ ومن علي السلم سمعت صوت كريمه مزلزل العماره كلها؛ وهي بتتخانق وتزعق.
فتحت الباب ودخلت، ولقيتها واخده ود فحضنها، وود منهاره من العياط، وكريمه مفيش علي لسانها غير:
"عملتوا فبنتي أيه انتي وإبنك، ووديتوا فين قاسم"
رديت عليها بكل قهر وانا رايح ناحيتها بكل كرهي ليها:
- ود محدش بيعمل فيها حاجه غيرك، وحتي عمي اللي جراله كله؛ من تحت راسك انتي، ياريت تكوني إرتحتي دلوقتي لما دمرتي البنت وابوها، وقضيتي علي الراجل اللي فتحلك بيته، وآمنك عليه وعلى بنته، يارب يكون ضميرك مرتاح، بعد ماخنتي الآمانه وضيعتيها وحققتي كل اللي عشتي طول عمرك تسعيله؛
أنك تكوني أنتي وبس، وتعلي علي الكل حتي لو هتحطي تحت رجليكي رقابهم وتتعلي عليها،
مبروك ياكريمه عليكي جايزة اقذر بني آدمه علي وش الأرض.
ودلوقتي قومي أخرجي من هنا؛ عشان ماارميكيش بره البيت، وخلي بالك دي آخر مره تعلي فيها صوتك علي أمي، هنا بيتها هي، ومملكتها هي وبس، مملكتك هناك، واللي بتتحكمي فيهم وحده فحضنك،
والتاني مرمي في المستشفي.
وملكيش سلطه علي أي حد غيرهم، ولا فأي مكان غير هناك.
خلصت كلامي ورحت على الباب اللي كان مفتوح شويه وفتحته علي آخره وانا بشاورلها على بره بأيدي،
لقيتها حضنت ود جامد، وود تبتت فيها والأتنين باصينلي بتحدي، بمعني إن أحنا مش هنفترق عن بعض.
رديت عالاتنين بتهكم وقولتلهم:
"اصلاً متقلقوش" مش هحاول إني افرقكم، ولا هقولك ابعدي عن ود أو ود تبعد عنك؛ جايز قبل كده أو فظروف تانيه كنت قولتها.
لكن دلوقتي ود متلزمنيش، عشان اللي كنت هخاف عليه خلاص مبقاش موجود، اطمني هوديها الامتحان وأرجعهالك علي بيتك، ولحضنك مره تانيه.
خلصت كلامي وبصيتلها بغضب عشان تمشى، لأني حرفياً مكنتش طايق اشوفها قدامي.
لقيتها بعدت ود من حضنها وبصيتلها وسألتها بقلق:
" ود ايه اللي حصل وخلي حسام يقول كده انطقي"؟
ردت عليها أمي بنبره كلها تشفي، والتشفي كان فكريمه مش فود خالص، وقالتلها:
"اللي حصل أن بنت الخمسطاشر سنه متجوزه عرفي من ورا ابوها ياكريمه؛ ومن شهور، افرحي ياكريمه بتربيتك، أفرحي بإنجازك العظيم.
بصراحه كنت شاكك أن كريمه ممكن تكون عارفه بموضوع ود؛ علي إعتبار إن ود مش بتخبي عليها أي حاجه؛
لكن رد فعل كريمه اللي شفته أثبتلي غير كده!؛
لأنها بمجرد ماامي أنهت كلامها زقت ود بعيد عنها وبصتلها بصدمه وقالتلها:
"أيه اللي بتقوله سعاد دا ياود؟ الكلام دا حقيقي"؟
ولأول مره من ساعة ماإكتشفنا الموضوع؛ أشوف ود خايفه وساكته، ومنكسه عنيها للأرض، ومش قادره ترفعهم،
كريمه عادت عليها السؤال مره تانيه بنفس الصدمه وعدم الاستيعاب، وبنبرة. صوت قويه وبتصميم أنها هتعرف.
والمرادي نجحت فأنها تخلي ود ترفع وشها وترد عليها بإنكسار:
-"أيوه ياماما حق... وقبل ماتكمل؛ كلنا اتفاجئنا بكريمه بترفع أيدها علي ود لأول مره، وتنزل علي وشها بقلم من شدته ود رجعت لورا!
وراحت عليها بعيون بتقدح نار ومسكتها من هدومها وسألتها بكل قهر:
-" ليه، وأمتا، وازاي، ومين هو، وأنا كنت فين من كل دا!
أنتي عملتي أيه فيا ياود-عملتي ايه؟
وسابتها وبعدت عنها وهي بتضرب كف بكف وتقول:
" ضيعتي نفسك وضيعتيني معاكي، اعمل أيه دلوقتي، وهقوله أيه، هقوله أيه، ضيعتيني ياود وضيعتي كل حاجه ببنيها من سنين فغمضة عين.
مفهمتش كلامها وقتها، أو كانت تقصد أيه، ومين هو دا اللي هتقوله أيه واحنا كلنا عارفين، حتى أبوها عارف!
لكني مأهتمتش، ولا دورت علي تفسير، ولغاية دلوقتي مش لاقي لكلامها دا أي تفسير، غير إنه كان هذيان من شدة الصدمه.
ونزلت من الشقه بعدها زي المضروبه علي دماغها، وود قعدت في الأرض وأنهارت أنهيار تام.
وحتي يومها رفضت تروح الإمتحان، وبصراحه أنا عشان حالتها شفت أنها متروحش أفضل.
رميتلها التليفون بتاعها، وسبتها ودخلت اخدت شاور، ونزلت من الشقه خالص، لأني بصراحه مكنتش طايق أقعد معاها فمكان واحد، ومش عارف ليه بقيت اشوفها غريبه عني! بعد ماكنت بعتبرها حته مني.
فضلت ألف في الشوارع شويه وأنا حاسس زي التايه - الغريب- اللي أخدوا بيته منه،
ومش لاقي مكان يروحه، لغاية مافي الآخر رجعت المستشفي لعمي.
أطمنت من الدكاتره إن حالته لسه مستقره، وفضلت قاعد جنبه وبدعي ربنا أنه يفوق، ويخف بسرعه؛ عشان هو اللي هيعرف يتصرف في الموضوع دا؛ اصلي إكتشفت أن الحكايه أكبر مني!
وفضلت في المستشفي ليل نهار، مش طايق أرجع البيت، ولا طايق اروح مكان أو اكلم حد، هي بس أمي تيجي تجيبلي الاكل، وتطمن علي عمي وترجع، وطبعا بلغتني إن ود رجعت كريمه أخدتها فنفس اليوم.
واليوم اللي كانت تيجي فيه ود هي وكريمه يطمنوا علي عمي، كنت اسيبلهم المستشفي كلها واخرج، ومش هكون ببالغ ابداً وانا بقول أني حرفياً مكنتش طايقهم هما الأتنين؛ دي حتي كريمه بعد اللي عملته مع ود وقولت ان ضميرها صحي وخلاص هتاعقبها، زي الأم ماالمفروض تعاقب بنتها فموقف زي دا؛
اكتشفت إن الشو اللي عملته قدامنا كان هو كل العقاب.
وخرج عمي في اليوم الرابع من العنايه المركزه، واتنقل لأوضه عاديه، وكان الكل واقف، أنا وأمي وكريمه وود،
وبمجرد ماعينه جات علي ود شاور عليها وبصلي وبضعف قالي" طلعها بره ياحسام؛ مش عايز اشوفها، وبص لكريمه وكمل، وأنتي كمان معاها.
ود جريت عليه وهي بتبكي، وميلت عليه عشان تبوسه، لكنه ودي وشه منها الناحيه التانيه، وزعق بضعف" حسام، اعمل اللي قولتلك عليه.
وانا عشان حالته، وعشان ميتعبش اكتر، شديت ود من أيدها وطلعتها بره الأوضه، ومن بعدها طلعت كريمه اللي منطقتش بكلمه وحده.
وقفلت باب الأوضه ورجعت قعدت جنبه، لقيته بصلي بنظره كلها ندم وقالي:
- طلع كان عندك حق فكل حاجه عملتها ياحسام، وكان عندك حق فخوفك علي ود، وانا طلعت أكبر غلطان؛ عشان صدقت إن إنت اللي ممكن تأذي بنت عمك، وبعدتك عنها،
وطلعت انك إنت اللي كنت طول الوقت بتحميها وتحافظ عليها.
وبسبب بعدك عنها بنتي ضاعت.
انا آسف يابني سامحني.
وبص لأمي بعيون ماليها الندم وطلب منها السماح هي كمان، وإحنا الأتنين في اللحظه دي حسينا إنه مش محتاج يطلب أي سماح مننا،
وأننا سامحناه من غير مايطلبها، وحسينا بغلاوته وقيمته عندنا بمجرد ماكنا علي وشك أننا نخسره.
عدى يوم واتنين وعمي بقاله ٣ ايام خارج من العنايه المركزه،
مسمحش لود تزوره فيهم ولا مره، وكان كل يوم يأكد عليا أني مأخليهاش تجيله. وفي اليوم الرابع أتحسن واتكتبله علي خروج.
وطلب أنه يروح معانا شقتنا، لكن أمي رفضت وقالتله بحزم :" لأ هنروح علي شقتك، وهنقعد معاهم.
وود هتفضل قدام عنينا ونحاول نشوف حل مع بعض للمصيبه اللي هي فيها دي، وهنصحح مع بعض كل الأوضاع الغلط ياقاسم.
وهو وافقها، ورجعنا كلنا علي شقة عمي، وعرفت يومها أن عندي أم أصيله، وأتمنيت أني لو هتجوز، ربنا يرزقني بوحده زيها كده، فأخلاقها،
وأصلها الطيب.
-وبمجرد مادخلنا الشقه، وشافتنا كريمه داخلين إحنا التلاته؛
أنا مسند عمى من ناحيه وأمي من الناحيه التانيه، وشها اتقلب؛
لكنها مقدرتش تتكلم، وود اللي كانت قاعده علي الكنبه وقفت، وفضلت باصه لأبوها بتردد، عايزه تيجي عليه وخايفه من رد فعله،
وهوحسم التردد بتاعها دا بأنه بص بعيد عنها، وأكدلها أنه لسه مش متقبلها، وخلاها لزمت مكانها متحركتش.
ودخلناه أوضته، ونيمناه، وأمي راحت علي المطبخ؛ عشان تعمله حاجه ياكلها، وطلبت مني أني ارجع شقتنا، اجيبلنا كام غيار وشوية حاجات ضروريه هنحتاجها.
وخرجت وجبت حاجتنا ورجعتها لشقة عمي تاني، تحت عيون كريمه، وأنفاسها اللي كانت عاليه؛ من شدة الغضب، كأنها تنين بينفث نار.
ورجعنا عشنا تاني مع بعض، ولكن فيه حاجات كتير أتغيرت دلوقتي عن الوضع القديم..
أولها أن أمي هي اللي بقت تمسك مرتب عمي كله، وتصرف هي عالبيت،
وأكتشفت أن المرتب كبير لدرجة انها كانت بتجيب كل طلبات البيت؛ ومش بتصرف نصه!
وكمان بقت هي اللي تطبخ الأكل كله، وبقت تهتم بأكل عمي، وعلاجه، وصحته، لغاية ماإتحسن. وكل دا وكريمه وود واخدين جنب ومنبوذين من الكل.
إبتدا عمي يقدر يتحرك لوحده في الشقه ، لكن بعكاز.
أو وهو متسند علي أمي؛ أمي اللي كنت حاسس أنها بقت طايره من السعادة لما عمي رجع معاها تاني زي الأول، وزال كل الزعل اللي بينهم، ورجع اندماجهم مع بعض من تاني.
لكن المعروف طبعاً إن السعادة مش بتدوم كتير، دا قانون السعادة، اللي عامله زي نسمة الهوا، مبتفضلش فمكان واحد، وبتلف علي كل أنسان، وتخليه يحس بيها لجزء من الثانيه بس.
في الفتره دي بقيت أنا العدوا اللدود الأكبر لود، والسبب الرئيسي فبعد باباها عنها، وعقابه ليها بالتجاهل، ونظرات الإحتقار اللي بقي دايماً يبصلها بيها.
وأبداً مكانتش تحمل نفسها جزء من الذنب!
وكل ماأجي التمسلها عذر واقول؛ عيله وصغيره، الاقي كلامها وتصرفاتها، وحتي عدائها ليا، مش عداء وحده فسنها ابداً، وارجع أمحي من جوايا أي ذرة شفقه أتكونت ناحيتها جوايا.
في الوقت دا، أنا، وحتي عمي؛ كنا مستنيين أي خبر من هادي وإبنه، وخصوصاً إن الإنتخابات خلصت من أسبوع، ودول ولا حس ولا خبر، ولا حتي الولد كان بيتصل بود، وكل ماتحاول تتصل بيه مكانش بيرد عليها، وكل دا أنا ملاحظه كويس، لكني مكنتش باتكلم ولا بعقب.
وفيوم قررنا أنا وعمي أننا نروح لهادي بيه الشركه بتاعته، ونتكلم معاه فالموضوع.
وفعلاً تاني أخدنا بعضنا ورحناله الشركه، وطلبنا أننا نقابله، ولما عرف أننا أحنا؛ قال للسكرتيره تقولنا انه مش فاضي،وعنده إجتماع وهيطول، لكننا قولنالها هنستناه؛ حتي لو قعد في الإجتماع بتاعه لبكره.
وفضلنا مستنيين؛ ساعه، واتنين، وتلاته، لغاية ماتعبنا من القعاد، وفي الآخر لما لقانا لسه قاعدين، ومصممين نقابله؛ دخلنا.
وأول مادخلنا إستقبلنا إستقبال بارد جداً، لدرجة إنه مرفعش وشه حتي من الأوراق اللي قدامه عشان يبصلنا!
وبعد دقايق واحنا واقفين قدامه وهو مش معبرنا، نطق أخيراً من غير مايبصلنا:
-" اقعدوا، واقفين ليه!"
قعدنا وإحنا حاسين بإهانه شديده، وخصوصاً عمي اللي وشه اتحقن بالغيظ، وبمجرد ماعمي حاول يفتح معاه الكلام،ويادوب نطق إسمه ولسه هيكمل، شاورله هادي بإنه يسكت، ومسك تليفونه وداس علي رقم وحطه علي ودنه، وثواني وقال:
-" ايوه ياشادي، هات الورقه وتعالالي عالمكتب بسرعه، إنت فين؟.. طيب كويس دانت قريب اهو، يلا طيب عشان انا مش فاضي.
وقفل مع شادي وبصلنا وبنبره حازمه قالنا:
-" شادي جاي في الطريق وكل حاجه هتتحل، ياريت تصبروا ومتعملوش صوت لحد مايوصل؛ علي بال ما اخلص الأوراق اللي قدامي دي.
قالها ورجع بص للاوراق وسابنا إحنا الأتنين بنبص لبعض، وكان نفسي في اللحظه دي امسكه من زمارة رقابته، وعمي فهم شعوري من طريقة بصتي لهادي،
واتكالي علي عنيه بمعني إني أصبر، وعشان يهديني حط أيده علي رجلي وطبطب عليها بشويش،
وأنا زفرت وسكت، وفضلنا مستنيين حوالي نص ساعه كمان علي دا الحال؛ لغاية ماشرف البيه.
دخل شادي من المكتب، وبمجرد دخوله راح علي ابوه وطلع ورقه من جيبه واداهاله، وكل دا من غير مايتكلم معانا نص كلمه!
وبصينا لهادي بيه لقيناه فتح الدرج وطلع منه دفتر شيكات وفتحه، وبص لشادي وقاله:
"أرمي اليمين ياشادي."
وشادي بص لعمي وقاله:"بنتك ود طالق، طالق، طالق."
انا وعمي بصينا لبعض بصدمه، ورجعنا بصينا لهادي، اللي رفع قدامنا ورقتين الجواز العرفي وقطعهم نصين وهو بيقولنا:"وادي الورقتين العرفي، آهه".
عمي في اللحظه دي وقف علي حيله وهجم علي هادي مسكه من هدومه، وأنا مسكت شادي اللي كان بيحاول يحوش عمي من أبوه؛ بنفس المسكه، وبعدت بيه عنهم،
وفضلت أضرب فيه بكل قوتي، وغيظي منه،
وغيظي من ود، وكسرت قلبي، وكسرة عمي،
وأبوه طول الوقت يزعق فيا ويقولي:
" سيبه ياحيوان، ياهمجي." وانا سمعت كلمة همجي دي، وزاد ضربي ليه؛ لأن الكلمه دي بكرهه بقدر كرهي لشادي، ولكريمه بالظبط.
وفضل هادي يعافر فايد عمي، لغاية ماقدر يفلت منه، وخصوصاً أنه لسه قايم من عيا وصحته علي قدها.
وبمجرد مافلت رن الجرس، وفثواني دخلت علينا السكرتيره، وهو بمجرد ماشافها زعق فيها، أطلبي الأمن بسرعه.
وهي سمعت الكلمه، وجريت علي بره.
وهما يادوب دقيقتين؛ ولقينا جيش جرار من الأمن داخل علينا.
خلصوا شادي من أيدي، ومسكوني، ومسكوا عمي، وكتفونا بأديهم عن الحركه.
هادي عدل هدومه وراح للمكتب ومسك دفتر الشيكات، وكتب شيك، وجه علينا وحطه فجيب البدله بتاعة عمي وقاله:
-" المبلغ دا كفيل بإنه يسد بوقك ويخليك تنسي كل اللي حصل، وياتاخده وتمشي بكل ذوق وأدب، يأما هتمشي من غيره، وتخرج من الشركه بطريقه؛ غايه فقلة الذوق وقلة الأدب.
الحلين فأيدك وأختار الطريقه اللي تناسبك من الطريقتين.
بصيت لعمي لقيته اتحول لبركان، وانفجر فيه وابتدا يشتمه بأقذر الألفاظ، ويشتم فأبنه ويحلفله بأنه هيفضحه فضيحة عمره، وإن حق بنته هيعرف يرجعه كويس.
وكان رد هادي علي كلام عمي، إنه إتقدم منه، ومد إيده فجيبه أخد الشيك، وهو بيقوله:
"خلاص يبقي إنت اللي أخترت."، وبص للرجاله وأمرهم بحزم:"ارموهم بره الشركه".
وراح قعد علي مكتبه، واحنا الرجاله جرونا، وطول منا بتسحب لبره، عيني منزلتش من عين شادي، وأنا بتوعدله من غير كلام، وهو فهم وحسيت أنه اترجف من الخوف.
أما عمي فكان يتوعد بعلوا صوته لهادي.
ونزلنا من الشركه، وركبنا العربيه، وفضلنا فيها شويه وإحنا مش مستوعبين اللي حصل!
وفضلنا عالحال دا دقايق؛ قبل ماأبتدى اسوق عشان نرجع للبيت بخيبة الأمل الكبيره، والعار اللي شيلهولنا هادي وإبنه، وقبل منهم ود..( وطبعاً كريمه)
وفضلنا نفكر بصوت عالي مع بعض، ياتري هنعمل أيه في المصيبه دي، وقبل مانوصل لأي حل، قطع تفكيرنا إحنا الأتنين؛
عربية نقل تقيل، طلعت فوشنا منعرفش إمتا ومنين، وكانت جايه علينا بسرعه رهيبه، وخبطت فعربيتنا خلتنا اتقلبنا في الحال.
وبعد مده معرفش قد أيه، لقيتني بفتح عيني، عشان الاقيني أنا وعمي جوا العربيه ومقلوبه بينا،
وناس بتحاول تخرجنا منها، ووضعنا إحنا الأتنين كان صعب جداً، وعمي كان واضح عليه إنه بيتألم جامد، أو بيموت بمعني أصح،
وبصلي وبصوت ضعيف همسلي :" خلي بالك من ود ياحسام ماتسيبهاش، دي بنت عمك. ولحمك ودمك، وعارك.
قالها وغمض عنيه، غمضهم للأبد، وطبعاً مكنتش الحكايه محتاجه ذكاء، عشان أعرف مين اللي ورا الحادثه، ومين المستفيد من موتنا.
وبعد معافره من الناس طلعونا أنا وعمي، أنا بكسور في كل جسمي، أديا ورجليا، وعمي ميت ومفارق الحياة.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية