-->

رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 27

 

قراءة رواية نزيلة المصحة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة رواية نزيلة المصحة

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل السابع والعشرون

وصل حسام الي حادث موت عمه.. ولم يستطع التماسك عند هذه النقطه، فتجمعت العبرات في مقلتيه، وتسابقت علي وجنتيه، لتصل الي لحيته، التى سرعان ماإبتُلت إثر الدموع.

وبينما هو كذلك؛ تفاجأ بعبدالله يهجم عليه ويقبل رأسه في حنو بالغ، وهو يهتف له من بين دموعه هو الآخر:

معلش، معلش متبكيش خلاص، ربنا يرحمه ويغفرله، خلاص هو مات من زمان يابني وشبع موت، هتعيد الحزن من تاني!


فأردف حسام معقباً علي كلامه:

عمري ماقدرت اتخطي لحظة موته أبداً ياأستاذ عبد الله؛ وخصوصاً أنه مات مقهور، أصل مش دي الموته اللي كان يستحقها عمي ابداً.

قالها وبدأ يمسح عباراته، ثم نظر الي الطبيب حمزه، الذي حدثه قائلاً:

"الله يرحمه ويغفرله، دا مات شهيد ياحسام ميتزعلش عليه".


فأطرق حسام راسه أرضاً، بعد أن أومأ لحمزه بتفهم، فهو يعلم أن لا أحد سيقدر مدي حزنه علي عمه.. ويدرك أنه باقٍ في قلبة بنفس مقداره، مهما مرت السنين.

فرك حسام رأسه ووجهه، وحاول التماسك قليلاً، حتي يستطيع تخطي هذة الذكرى المؤلمه فأردف بعد أن استعاد رباطة جأشه قليلاً:

- ومات عمي واندفن وانا رحت علي المستشفي،وحتي موقفتش علي غسله.

وطول الوقت حاسس إن ود هي اللي قتلته، حتي الكلمه دي أنا قولتهالها فوشها؛ أول ماجات تزورني بعد موت عمي بأسبوعين.. 

لقيتني بدون وعي بصرخ فيها وبقولها:

- أنتي أيه اللي جابك هنا، أمشي أخرجي بره، غوري من قدام وشي يامجرمه، ياقتاله، أنتي اللي قتلتي أبوكي بعملتك السوده، أنتي المسئوله عن موته والمفروض تتحاسبي، وأنا قسماً بالله لو قادر أتحرك كنت بعتك وراه. 

ردت عليا بعدم استيعاب:

= أنت بتقول أيه، أزاي انا اللي قتلت بابا؟ 

-لما البيه اللي سيادتك اتجوزتيه عرفي، هو وابوه، يطردونا بعد ماطلقك، ورمي لأبوكي حبة فلوس زي مايكون كلب بيرميله عضمه؛ عشان يسكت صوته.. ولما يرفض عضمته ويهدد أنه هيفضحه، يبعتله ناس وراه عشان تموته، يبقي مين السبب فموته قوليلي؟ 

-ود بعد ماسمعت الكلام دا سكتت خالص ومتكلمتش، ومن سكات مشيت، وبعد كده مرجعتش تاني المستشفى أبداً. 

وبعد شهر قضيته في المستشفي، لغاية مااغلب الإصابات اللي فيا اتحسنت، رجعت البيت، رجعت علي كل حاجه مختلفه، البيت والوشوش، وحتي القلوب. 

ود بقت معتكفه فأوضتها أغلب الوقت، مش بتخرج منها غير للحمام بس وترجع، كنت بسمع صوت بكاها احياناً بالليل، أبقي نفسي أروح اطبطب عليها وأخدها فحضني.. ماهو أصل دي مهما كان ود. 

لكن الأحساس دا مكنش بيدوم أكتر من لحظات، لأني بمجرد ما كنت ابص لصورة عمي المتعلقه في الصاله، وأحسه بيبصلي بنفس نظرة الإنكسار اللي شفتها فعنيه قبل مايموت، فوراً احساس الشفقه يتبدل لإحساس بالكره، واحس أني عايز أخلص علي ود، وقبل منها أخلص علي كريمه "راس الأفعي". 

لكن كريمه كان كفايه عليها إللي عملته أمي فيها؛ أخدت معاش عمي كله ومبقتش تمسكها أي فلوس.. وكمان الأكل اللي تعمله أمي غصب عنها تاكل منه، وملهاش حق تتصرف فأي حاجه في البيت، ولا حتي تنقل غرض من مكانه، من غير إذن أمي. 

 عملت معاها بالظبط زي ماهي سبق وعملت فيها، ردتلها القهر اللي قهرتهولها. 

وغير دا.. - ود- أمي  بقت رقيبه علي كل تصرفاتها، مراقبه تليفونها طول الوقت، وأي مكالمه تجيلها من صاحباتها، لازم تكون علي السماعه الخارجيه وهي تسمعها. 

ومكنتش تسمحلها أبداً تدخل بالتليفون الحمام، كل ماكانت تحاول تعمل كده. ودا خلي ود وكريمه وصلوا لحافة الجنون. 

أصلها صعبه علي أي حد؛ أن حياته تتحول من قمة الحريه، لقمة القمع، ومن قمة الدلع، لقمة الجد والمسائله. 

شهر تاني عدى علينا وإحنا مع بعض، كل واحد فحاله، أنا وأمي مع بعض، وكريمه وود مع بعض، كنت طول الوقت حاسس أن سكوت كريمه وخضوعها دا مش طبيعي؛ لأنه عكس شخصيتها الأبيه المتمرده ود اللي كان مخوفني، ومخليني مش قادر اصدق أنها رضيت بالوضع واستسلمت لسلطة أمي المطلقه عليها وعلى ود. 

لكن حتي لو كانت بتخطط لأي حاجه، فأللي حصل بعد كده دحض كل مخططاتها. 

ودا حصل في اليوم اللي صحينا فيه علي صوت ترجيع وعد في الحمام! 

خرجنا أنا وامي من أوضنا، وفضلنا قدام باب الحمام مستنيينها تخرج، ونشوف فيها أيه، بعد ماخبطنا، وسألناها من ورا الباب مالها ومجاوبتش، 

ولا ردت علينا.. لا هي ولا كريمه اللي كانت أكيد معاها جوا؛ لأن باب أوضتها كان مفتوح. ومجاتش علي صوت ترجيع ود زينا. 

دقايق وإتفتح باب الحمام، وخرجت ود مسنداها كريمه، والاتنين وشهم اصفر زي اللمونه، طيب ود عشان تعبانه، إنما كريمه حالتها تبقي كده ليه!؟ معقوله خوف علي ود مثلا! 

دا السؤال اللي سألته لنفسي، واللي جاوبت عليه أمي بعد كده، وفهمت منه سبب حالة كريمه، وبقت حالتي أنا كمان متقلش عنهم، وانا سامع أمي بتقول لكريمه:

"حامل ياكريمه مش كده"؟ 

لقيت كريمه نكست وشها للارض ومردتش، وأمي خبطت علي صدرها بصدمة. وهي بتقول:

" ياوقعه سوده ومنيله بنيله، يامصيبتي يامصيبتي". 

حسيت وقتها إن الدنيا لفت بيا، وأني خلاص هقع؛ حامل ازاي؟ وازاي تحمل في السن دا! 

واللي فبطنها دا مصيره أيه؛ والولد اللي كان متجوزها طلقها وقطع الورقه العرفي اللي بينهم.. واكيد هيرفض الإعتراف باللي فبطنها كمان. 

لقيتني بدون وعي هجمت عليها وأبتديت أضرب فيها بكل قوتي، أضرب فيها ضرب بحجم الحيره اللي حطت عقلي فيها، بحجم الخوف اللي خلتني أحس بيه عليها ، بحجم قهري علي موت عمي، وبحجم كسرة قلبي بسبب عملتها. 

وأمي وكريمه- الأتنين- بيحاولوا يخلصوها مني، لكن انا كنت عامل زي أسد، ومسك فريسته اللي عذبته عشان يمسكها، وكان جعان بقاله أسابيع، وكنت حاسس أن اللي هيقرب مني هاكله معاها، دانا حتي مش متأكد إذا كانت أمي وكريمه طالهم من الضرب نصيب ولا لأ، أصلي كنت بضرب بدون إدراك، كأن جسمي أتملكت منه قوي شريره. 

مسبتهاش ولا بعدت عنها غير وأمي بتركع تحت رجليا وتمسكهم بأديها الأتنين، وتحلفني بكل عزيز وغالي، أني أبطل ضرب فيها وابعد عنها، وخصوصاً أنها كانت واقعه علي الأرض زي الجثه. 

بعدت عنها وأنا بنهج، ومش قادر اتلم علي أعصابي، وأنتبهت للي عملته فيها؛ علي صرخة كريمه وهي شايفه الدم مغرق ود. وحتى أمي؛ اللي بصتلي بعتب وخوف ولقيتها بتقولي:" أيه اللي أنت عملته دا ياحسام يابني!  ليه كده بس ياحبيبي؟ ضيعت نفسك. 

مهمنيش وقتها ضيعت نفسي ولا مضيعتهاش، كل اللي همني أني شفيت غليلي منها، وحتي العيل اللي سقطته دا، موته كان هو الحل الوحيد للمصيبه اللي إحنا فيها، حتي لو ود ماتت معاه هي كمان. 


ونقلناها للمستشفي، وعملها عملية تفريغ،  لأن الهانم كانت حامل في الشهر التالت، وأنا قولت إني جوزها ومضيت علي الإقرار، وطبعاَ عشان جسمها محدش خالص شك فأنها قاصر، أو حد توقع إن سنها ميعديش ال٢٠. 

وعدت منها بالسلامه، لكن العجيب؛ أن كريمه كان موقفها غريب جداً ناحية كل اللي بيحصل دا! 

كنت حاسسها فرحانه مش عارف ليه، حتي لو كانت بتمثل الحزن، لكن الفرحه بتبان في العيون، وعنيها ونظراتها مكنتش نظرة وحده زعلانه ابداً. 

وزادت فرحتها بعد مادخلت للدكتور وخرجت من عنده، وشكلها بيقول أنها عملت انتصار! 

ورجعنا بود للبيت، وهي حالتها صعبه جداً، ودخلوها فأوضتها، ومن بعدها فضلت تتناوب أمي وكريمه علي مراعاتها، وأمي كل ماتدخلها وتخرج من عندها تفضل تعاتب فيا وتشتم وتقولي:

"هي دي الأمانه اللي أمنهالك عمك ياحسام؟ فيه حد يعمل فأمانته كده! 

وكل شويه عالحال دا، لدرجة اني أتخنقت من البيت ومن كلامها، ومن صوت ود وأهاتها، وصوت ألمها المستمر، ورحت علي الشقه القديمه بتاعتنا أنا وهي وقعدت فيها لغاية مالوضع دا ينتهي.


وأنا قاعد لوحدي فكرت فأن مش ود بس اللي لازم تتعاقب، لا دا هادي وأبنه كمان لازم يتعاقبوا، يتعاقبوا علي كل حاجه، موت عمي واللي عملوه فود، واللي عملوه فيا أنا كمان. 

فضلت أفكر في الطريقه اللي انتقم بيها منهم، وقررت أني أنتقم من شادي فالأول، ودا مش هيشفي غليلي فيه.. غير ان عضمه يتكسر زي ماعضمي أتكسر، وبعد كده اموتله أبوه وسنده؛ زي ما أبوه قتل عمي. 

وأبتديت اول جزء من خطتي، وأجرت كام بلطجي، وخليتهم قطروا شادي ومسكوه عملوا معاه الصح. 

ومش بس كده، دانا بعتله تهديد كمان علي رقمه من رقم جديد.. باني مش هسيبه فحاله، وهحول حياته جحيم. 

ودي كانت غلطتي الكبيره، اللي دفعت تمنها بعدين. 

وبعد الحكايه دي بكام يوم،اتصلت عليا أمي وقالتلي"أن ود تعبت جامد، وأخدتها هي وكريمه للدكتور، وانها نزلت تجيبلها علاج من الصيدليه الدكتور طلبه منهم، وطلبت مني أني أروحلهم علي هناك. وفكرتني بأمانة عمي.. واني لازم أخد بالي منها؛ زي ما وصاني. 

ورحتلهم واتفاجئنا أنا وأمي بالدكتور بيقول أنه هيدخل ود عمليه بسبب أن الزايده عندها أنفجرت ومحتاجه عمليه حالاً. 

ومضيت أنا علي العمليه ودخلت ود عملتها، وخرجت منها وقعدت في العيادة باقي اليوم، وباتت ومعاها كريمه وامي، وأنا روحت البيت ورجعت تاني يوم بالليل للعياده؛ أخدتهم للبيت بعد ماكلمتني أمي في التليفون؛ وقالتلي أن الدكتور كتب لود علي خروج.

ورجعت ود للبيت وبدأت في مرحله تانيه من العلاج. 

ومن يومها وابتديت أشوف ود منكسره، ودايماً بتحاول أنها تقرب مني، أو تتكلم معايا، وأنا مش هنكر أن ساعات اشتياقي ليها  كان بيخليني أرد عليها مره، لكني كنت بتجاهلها قصادها ألف مره. 

وعدت الأيام وابتدت ود تتحسن، وامتحنت الملاحق اللي طلعت بيهم، ونجحت وخلاص هتتنقل للثانوي.. لأخطر مرحله فحياة البنت أو الولد، وفضلت طول الوقت أقول لنفسي:

إن كانت مرحلة الإعداديه، اللي المفروض ود فيها طفله وعملت كده، أومال الثانويه هتعمل فيها أيه؟ 

لكني شوفت أنها أتغيرت تغيير واضح، وبقت أهدا وأرسي، وبطلت مكالمات التليفون، اللي كانت تتكلمها عمال علي بطال، وبطلت الخروجات، اللي كانت بتخرجها، ودايماً بقت قاعده في البيت. 

ومع ذلك.. كل دا مغيرش نظرتي ليها، جايز يكون طمني من ناحيتها شويه بس.. لكن مش أكتر من كده. 

في الفتره دي بقي، حصلنا اللي لا كان عالبال ولا عالخاطر، معاش عمي أتوقف، وبقينا نصرف في الفلوس اللي أمي كانت عايناها للزمن، وفضلنا نجري علي المعاش  عشان نرجعه، وفكل مره نكمل كل الاجرءآت، ونجيب كل الأوراق المطلوبه.. يتعطل الموضوع علي سبب بسيط! 

الفلوس اللي مع أمي أبتدت تخلص، لأن البيت طلباته كتيره، وخصوصاً إن ود كانت داخله علي ثانويه ومحتاجه دروس تبدأ من الأجازه وتستمر طول السنه، وكمان هدوم جديده، غير هدومها القديمه، اللي مينفعش تخرج بيها من البيت بعد النهارده، واللي أمي صممت أنها هي اللي تنزل تشتريهوملها بنفسها؛ 

عشان تنقيلها حاجات محترمه..ودا كان بآخر فلوس كانت معاها.

لكن الست ود معجبهاش ذوق أمي في الهدوم، ورمتها عالأرض وقالت أنها مش هتلبس حاجه منهم، وطلبت فلوس تشتري لنفسها، ودا كان أول احتجاج أو إعتراض منها علي حاجه من يوم العمله أياها، وأول مره صوتها يعلى! 

ولما وقفت قصادها وأمرتها توطي صوتها، وقولتلها مفيش غير الهدوم دى اللي هتتلبس.. ومفيش حاجه غيرها هتتجاب. لقيتها ابتدت تصرخ وتقول:

" أنا عايزه فلوسي أما مبشحتش منكم؛ عشان تقولولي فيه ومفيش.. 

دي فلوسي ومعاشي من بابا، وأنا عايزه الفلوس اللي بقالكم ٤ شهور بتاخدوها أنت وأمك، ومش بتدوني منها حاجه، أنا عايزه فلوسي أنا مليش دعوة." 

وطبعاً مكنش الموقف محتاج ذكاء عشان نعرف إن دا مش كلام ود، وإن راس الأفعي بخت السم في ودانها. 

ساعتها أمي فهمتها أنها كانت عاينه الفلوس دي ليها فعلاً، لكن لما المعاش اتشال بقت تصرف منهم، لغاية ماخلصوا. وقالتلها أنه بمجرد مالمعاش يرجع هترجعلها كل فلوسها. 

لكن ود رفضت وصممت أنها تاخد فلوسها في الحال. 

وماكان من أمي غير أنها تنزل تبيع الشبكه اللي جابهالها عمي.. وتدي تمنها لود. 

ساعتها شفت كريمه واقفه فزاويه وبتبتسم بإنتصار، فحلفت لأكسر فرحة. انتصارها دي بأيدي. 

تاني يوم أخدت ود وخليتها تاخد الفلوس، ونزلنا خليتها تنقي ب١٠٠٠٠ هدوم، وبال٣ التانيين شنط وجزم. 

ورجعتها البيت، من غير ولا قرش من الفلوس اللي أخدتها.. 

كل اللي رجعت بيه هدوم وحاجات وبس. وكله كان لازم أنا اوافق عليه الأول، عشان أرضي أنها تشتريه. 

ورجعنا للبيت، وأول ماكريمه شافت الحاجه مع ود، وشها انطعن بالغضب، وأتاكدت أنها طلعت من الليله، والهليله اللي خلت ود عملتها، من غير أي فايده. وساعتها بصيتلها بصة تشفي، حسيتها حرقت روحها، ووصلتلها من خلالها رساله.. أني خلاص- بقيت صاحيلها. 

وقتها دخلت كريمه أوضتها، وقفلت عليها الباب، ومخرجتش لباقي اليوم. 

أما أنا فقعدت مع أمي، وفضلنا نفكر مع بعض، هنعمل أيه فاللي جاي؟ 

وقررت أني هنزل أدور علي شغل من بكره؛أصل مش هينفع البيت يفضل من غير فلوس.. -هنعيش ازاي؟ 

ومن تاني يوم بدأت أنزل أدور على شغل، واللي يجي منه نعيش علي قده، لغاية ماربنا يحلها من عنده.. والمعاش يرجع. 


نزلت أدور علي شغل، وكل مالاقي شغلانه.. واشتغل فيها اسبوع ولا عشر ايام؛ صاحب الشغل يمشيني من غير سبب! 

وفيهم اللي بيديني أجرة أيام شغلي.. وفيهم اللي بياكل عليا نصهم.. واللي بياكلهم عليا كلهم.. وأنا مش عارف ولا لاقي سبب لكل دا! 

بالعكس دنا أول مابنزل شغلانه، بشتغل بأيدي وسناني؛ عشان اثبت نفسي وأعجب صاحب الشغل..وبكون أحسن واحد فاللي بيشتغلوا كلهم، وبعجب صاحب الشغل جداً.. 

لكن برضوا كان بيمشيني معرفش ليه؟! 

وفضلنا عالحال دا. 

ويوم يباعد يوم، ومفيش حاجه نصرف منها.. غير القرشين اللي بجيبهم من الشغلانه اللي بشتغل فيها كام يوم وأنطرد، ومن إيجار الشقه اللي أضطريت أنا وأمي نأجرها مفروش؛ عشان تجيبلنا نوايه تسند الزير. 

في الفتره دي خروجات كريمه كترت بطريقه ملحوظه، وكل يوم كانت تخرج فيه.. ترجع بعد الخروجه مبسوطه وملامحها مرتاحه، وتفضل طول اليوم تبتسم مع نفسها! 

وكنا سايبينها علي راحتها أنا وأمي فحكاية الخروج دي..

وكمان كلامها فالتليفون بقي كتير بطريقه فظيعه، وهي مكانتش تتكلم في التليفون الا نادراً قبل كده!

لغاية ماأبتديت أشك فحاجه؛ أصل خروجتها دي، بتيجي دايماً بعد ماأمسك شغلانه جديده! 

وبالظبط.. بعد ماأتكلم مع أمي قدامها، وأقول علي الشغل الجديد، ومكانه، وأتفاجأ أني تاني يوم بأنطرد من الشغل!

وعشان أتأكد من شكوكي؛ رسمت خطه وعزمت إني انفذها من بكره. 

وتاني يوم نزلت عشان أدور علي شغل زي كل يوم.. ولقيت شغلانه، 

ونزلتها تاني يوم علي طول.. ولما أمي كانت تسألني لقيت شغل ولا لأ، كنت بقولها" لسه بدور". 

ويوم ورا يوم، وأسبوع عدا، ووراه اسبوع تاني، وانا باقي فشغلي ومااترفدتش زي كل مره. 

وكل دا عشان كنت مفهم أمي علي كل حاجه، وكنت موصي أمي أنها طول الوقت تسألني قدام كريمه.. إن كنت لقيت شغل ولا لأ،وأنا اقولها لسه.. وكنت ببرر غيابي طول اليوم عن البيت، بأني بقعد علي القهوة مع اصحابي، أو بلف أدور علي شغل. 

لغاية ما الأجازه خلاص خلصت وميعاد الدراسه جه، وكده كده كنت هسيب الشغل؛ عشان هرجع للجامعه. 

لكن قبل دا مايحصل؛ كنت جامع البديل، وكنت مقرر أني هصلح عربية عمي  وأقلبها تاكسي، وأشتغل عليها بعد الكليه، وبكده، لا هيكون ليا مدير، ولا حد يرفدني. 

❈-❈-❈

وعشان كده قررت أني أكتشف سر كريمه، وأعرف بتروح فين، كل مره بتعرف فيها أني أشتغلت، وفهمت أمي عاللي ناوي أعمله، واتفقنا أننا هنقول قدامها أني لقيت شغل، وكمان هوصف عنوانه. 

وفعلاً عملت كده، وبعد ماأتكلمنا لقينا كريمه بتقول لود:

" ود انا بكره رايحه للدكتور بتاعي؛ عشان جنبي تاعبني، عايزه حاجه اجيبهالك معايا وانا راجعه"؟

ود قالتلها أنها مش عايزه حاجه، وأنا وأمي بصينا لبعض بنظرة الظافر.


وتاني يوم خرجت زي مااكون رايح لشغلي.. 

لكني فضلت في الشارع، مستني كريمه تنزل، وساعتين ولقيتها نازله من العماره، اتداريت لغاية ماشفتها وقفت تاكسي وركبت فيه، وأنا طلعت وراها بتاكسي تاني . 

وفضلت ماشي وراها لغاية ماوصلت لمكان.. ونزلت من العربيه.. 

وانصدمت وانا بشوفها داخله مكان أنا عارفه كويس ولا يمكن أنساه.. شركة الهادي للمقاولات! 

ومفيش ثواني وكانت واقفه قدام باب الشركه عربيه سوده، ونزل منها هادي. 

ودخل الشركه.. وانا خليت التاكسي أتقدم شويه، ووقف قدام باب الشركه..

ومن بعيد شفت كريمه في المدخل، واقفه مع هادي، وأتكلمت معاه كام كلمه، وبعدها حط ايده فجيبه وطلع منه فلوس واداهالها، وخرجت كريمه بعدها علي طول،

 وانا داريت وشي منها، وعرفت وقتها سر الإبتسامه، والفرحه، والنشوه، اللي كنت بشوفها علي وشها كل مره؛ لأني شفتها نفسها علي وشها وهي خارجه من الشركه. 

ودي كانت أول مره أعرف فيها كريمه قادرة أنها تعمل أيه، وكانت البدايه لحاجات افظع جايه. 


أنهي جملته، وأمسك بحقيبته، وفتحها وأخرج منها حفنة من الأوراق. ونهض وتقدم بهم ناحية الطبيب حمزه، ومدهم له، وبمجرد أن التقطهم حمزه من يد حسام، حتي استدار حسام ليعود مكانه، فأرتطم بعبدالله.. الذي كان خلفه مباشرة. 

فجفل حسام من قرب عبدالله منه لهذا الحد! 

ولكن عبدالله فسر له ذلك بأنه له الحق هو أيضاً بأن يضطلع علي هذه ألاوراق، ثم تفادي حسام وجلس بجانب حمزه، ولبس نظارته، وبدأ في قرأءة كل ورقه ينتهي حمزه من قرأئتها، ويمررها له. 

وأغمض حمزه عينيه فورانتهائة من جميع الأوراق، وقام بنزع نظارته، ورميها بجانبه علي الفراش، والضغط مابين عينيه بإصبعيه السبابة والإبهام؛

فقد شعر بألم قوي قد هاجمه مرة واحده في مقدمة رأسه، بمجرد أن إطلع علي كل الأوراق، والتي كانت عباره عن أوراق.. دخول وخروج من المشفي بتواريخ قديمه، وفواتير دفع مبالغ ماليه، وأوراق تثبت أن ود قد أُجهضت بالفعل منذ سنواتٍ عديدة. 

وها هو حسام يأتي بحجته كالمعتاد. 

والحُجة علي من إدعي، وها هي أدلة جديده تثبت ثاني.. بل عاشر كذبة لكريمه، فقد كذبت عليه حتي في تسلسل الأحداث، ولم يكن لديها أية دليل علي أياً مما تفوهت به. 

وها هو حسام، لا ينطق من قولٍ؛ الا ولديه عليه برهان ودليل. 

ولكن مع ذلك،لن يصدق حمزة سوي بعد التأكد بنفسه. 

إنتهي عبدالله أيضاً من قراءة الاوراق، وهم أن يعيدهم الي حسام، ولكن حمزه منعه بأخذهم من يده سريعاً، ووضعهم فوق باقي الأوراق التي معه.. 

فهم دليلة وقت المواجهه التي حتماً ستحدث بينه وبين ود وكريمه. 

ثم نظر الي حسام الذي أومأ له متفهماً.. وتبسم وهو ينظر الي حمزه، الذي عاد ليفعل نفس الحركه مرة أخري، ويضغط علي عصبة أنفه، وأردف له معقباً علي حالته:

عارف أنه صعب عليك، إنك تستوعب كل اللي سمعته دا يادكتور.. 

وأصلاً صعب علي أي حد أنه يستوعبه.

 إن وحده تتجوز، وتتطلق، وتحمل، وتسقط، وهي يادوب مكملتش ال١٦ سنه، طفله لسه، اللي قدها أهلهم بيأكلوهم فبوقهم..! 

ماعلينا.. المهم ياسيدي بعد ماأكتشفت اللي بتعمله كريمه، أجلت حسابها لوقت تاني، بعد ماأكون فكرتلها فنوع عقاب مناسب ليها، حاجه كده علي مقاسها بالظبط. 

أما فالوقت دا ، فكان كل تركيزي في الجامعه، وخوفي كان من ود أنها تغلط في الثانويه، أضعاف غلطها في الإعداديه.. لكني أخدت عهد علي نفسي بإني مش هسمحلها بحاجه زي دي، أو هخليها تغيب تاني عن عنيا أبداً. 

وبدأت فخطه تانيه علي كريمه، أنا وأمي، أننا نتكلم قدامها ونغريها؛ بإن المعاش لو رجع، ود هتاخد فلوسها لوحدها، وإن خلاص أمي مش هتاخد معاش ود؛ 

لأن المعاش اتشال أكيد؛ 

عشان هي عملت كده وبقت تتحكم في معاش اليتيمه، 

ومعداش علي كلامنا دا غير أسبوع، وراحت امي تسأل في الشئون علي المعاش، لقته رجع من تاني، وبكده نجحت الخطه. 

لكن عشان يفضل المعاش معانا كان لازم ود تاخد نصيبها من المعاش فأيدها، وألا اللي حصله أول مره، يحصله تاني مره، وطبعاً الحكايه واضحه، لكن مع ذلك كانت أمي بتديها الفلوس، بس بتحاسبها عليها حساب الملكين، وعلي كل قرش صرفته فين وازاي، وآخر الشهر اللي يفضل مع ود، كانت أمي تخليها تحطه في دفتر التوفير اللي فتحتهولها بإسمها، واللي كان بدون أرباح. عشان حرمانية الأرباح متشيلش وذرها أمي. 

ودي حاجه كانت مجننه كريمه، لكنها مش قادره تتكلم.. بس عرفت واتأكدت إننا قدها وحته، وإن كانت هي راس الأفعي، فأنا وامي واحد فينا الحاوي اللي هيجرجرها، والتاني الحجر اللي هيقتلها.


وهم أن يباشر حديثه، ولكن قاطعه صوت سماح المعلنه عن إنتهاء تحضير الغداء، فأشار له حمزه بالسكوت، وعدم المواصله، وكفكف بالفعل حسام كلماته، فقد تعب بالفعل من كثرة الكلام، وكان بحاجة. الي إستراحه؛ ليقوم فيها بشحن بطاريات طاقته، ليستطيع المواصلة.

 يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة