-->

رواية جديدة كله بالحلال لأمل نصر - الفصل 3

 

قراءة رواية كله بالحلال

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية كله بالحلال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر


الفصل الثالث

- توك ما واصلة يا عين امك؟ اتأخرتي ليه يا بت؟

القت منار بكلماتها فور أن وقعت عينيها عليها، بعد عودتها من الخارج، وكان رد ليلى بتبرير معتاد:

- اتأخرت في الجامعة يا ماما، وقعدت شوية في الكافتيريا مع واحدة صاحبتي.


بالطبع لن تذكر لها اسم صديقتها في هذا اللقاء الكارثي، حمدت ربها أنها لن تزيد التحقيق عليها، بل تحركت بعملية للداخل تأمرها:

- طب اغسلي إيدك وتعالي اقعدي اتغدي معانا بالمرة.


أومأت برأسها تتلقى عرضها بكل ترحاب مع هذه الروائح الغنية للطعام الشهي، التي كانت تصل لأنفها، لتذكر معدتها بالجوع، حتى وقعت عينيها على شقيقها الذي احتل مقعده على المائدة في انتظار باقي الأصناف، فخرج صوتها إليه:

- ايه يا بشمهندس عزيز منور يا باشا.


- اهلاً يا غلطة 

تفوه بها ليغيظها كالعادة، بخصلة تجعله يستمتع بانفعالها الفوري وامتقاع وجهها حتى صرخت بطفوليه تزيده مرح:

- شايفة يا ماما برضوا بيقولي يا غلطة رغم تحذيري ليه بالألف مرة، مُصر انه يحرق دمي.


ردت منار تنهرها وهي تضع باقي الأطباق على الطاولة

- في إيه يا بت ؟ اخوكي وبيهزر معاكي .

- هي الغلاسة والاستهتار بمشاعر البشر في شرعكم بقى اسمها هزار ؟

هتفت ليزيد تسليته مرددًا خلفها بمشاكسة ضاحكًا:

- ايوة يا عين اخوكي، خصوصًا لما تبقى الغلاسة على واحدة قصيرة ومنمنة زيك كدة .


قهر، هذا ما تسميه بالقهر، والذي تشعر به دائمًا حينما يتنمر عليها أفراد اسرتها بسبب خطأ ارتكبته والدتها حينما انجبتها بالسهو او الخطأ بعد الاكتفاء بإنجاب اخوتها الثلاثة بفارق عشر سنين من أخرهم، لتظل لعبتهم من وقت ولاتها، وهذا اللقب الذي اطلق ( الغلطة) هو اسم الدلال الخاص بها بينهم .


❈-❈-❈


بعد قليل وعلى مائدة الطعام الذي كانت تلوكه بفمها بعدم شهية، رغم الجوع الذي كانت تشعر به منذ دقائق، حيث شردت بلقاءها مع رانيا التي أربكتها بفعلها، الفتاة حالمة حد الإستفزاز، ترى في شقيقها فارس الأحلام المغوار الذي أتي اليها بحصانه الأبيض كي يختطفها ويأخذها إلى مدن السعادة والخيال.


كيف كانت كانت ستخبرها بما ظلت تحفظه طوال ليلتها الفائدة؟

كيف تصدمها بالحقيقة القاسية بأن كل ما تراه بعينيها مجرد أوهام لا تمت للواقع بشيَء؟

لقد اخفقت في أول خطوات خطتها مع بسمة، تلك الشرسة والتي لا تتنازل حتى تنال ما تريده، ولن تحل عنها او تتركها بشأنها مدامت ملكت ورقة للضغط عليها، وهي إعجابها السري بممدوح.

ماذا بيدها الاَن؟ كيف لها ان تُسير الأمور للوضع الذي تريده؟ وقد تعسر من البداية وهذا الكذب المفضوح من والدتها جعل الفتاة وأهلها متيمين بشقيقها الذي عرف من النساء عدد شعيرات رأسه.


انتبهت فجأة لتخرج من شرودها، وقد ذكرها ما يحدث الاَن، بما تورطت به بسبب هذا التميز المتواصل من والدتها لهذا العزيز، فخرج صوتها باعتراض:.


- انتي بتحوطيلوا الأكل قدامه يا ماما ليه؟ هو عيل صغير ؟

نهرتها منار بتوبيخ صريح:

- وانتِ مالك يا مقصوفة الرقبة؟ ما احطلوا ولا أكله بإيدي حتى وانت مالك؟


استشاطت غيظًا لهذا التدليل المبالغ فيه، فخرجت كلماتها غير قادرة على كبح حنقها:

- تأكليه بإيدك! ليه بقى؟ مش دا ابنك الشاطر اللي بيساعدك في شغل البيت، وحنين عليا انا اخته الصغيرة ولا اكنه والدي حتى اللي مربيني .


توقف عزيز عن الطعام ليتدخل سائلًا:

- مين اللي قال الكلام دا يا بت؟

- والدتك هي اللي قالت الكلام دا لوالدة رانيا، يعني غش صريح .

- غش! هو انا لما اتكلم عن اخوكي كلام حلو قدام نسايبه، يبقى اسمه غش؟ امال عايزني اقول عليه ايه؟ اقول عليه كلام وحش، عشان افشكل الجوازة من أولها؟ دا حتى ما يشهد  للعروسة غير اهلها.


قالتها منار ليهتف عزيز من خلفها بتهليل صاخب، زاد من سخط الأخرى 

- الله عليكي يا ست الكل، دايمًا كدة مظبطاني ومروقاني.

قالها لينهض من محله طابعًا قبلة على وجنتها المكنتزة بصوت عالي، جعلته تضحك مقهقهة بمرح، قبل أن يتركها ويعود لمقعده متمتمًا:

حلو ده النظام دا يا أمي، أستمري يا غالية.


- يا حبيب امك انت.

تفوهت بها ردًا عليه قبل أن تلتف لابنتها التي تجعدت عضلات وجهها بامتعاض صريح، لهذا العرض المبالغ فيه لحنان الأم لابنها الغالي المدلل، حتى أجفلتها بسؤالها:


- وعلى كدة رانيا صاحبتك ردت بموافقتها ؟

- هاا ؟

إيه اللى هااا؟ انا بسألك صاحبتك وافقت على خطوبة اخوكي ولا لسة؟


ارتدت رأسها للخلف قليلًا بارتباك، وقد استدركت الاَن، لهذا الخطأ الذي أوقعت نفسها به، بعد ان زلف لسانها الأحمق، لتعلم والدتها بأنها التقت بسمة، والتي اخبرتها بكل براءة برغبتها الشديد في الارتباط بعزيز الفارس المغوار، أي ضياع كل ما تخطط له.


- كل دا تفكير يا ست ليلى؟ هي الإجابة صعبة أوي كدة؟

هتف عزيز بالعبارة لتنتفض تجلي رأسها من كل الأفكار بها، لتجيبه بما يقارب الإقناع:


- مش حكاية تفكير، بس هي البنت لخبطتني شوية، مرة تقولي على كلام ماما، ومرة تانية تقولي انها لسة بتفكر، 


صاحت بها والدتها بنفاذ صبر مرددة:

- يعني قالتلك ايه بالظبط؟ وافقت ولا موافقتش؟

- لسة يا ماما .. قالتلي لسة بفكر.


قالتها لتراقب بعد ذلك رد فعل المرأة التي التوى ثغرها بزاوية، ثم عادت لطعامها، تنظر في الفراغ بشرود، وعزيز الذي لم يكترث لأي شيء، وبدا ان الأمر عادي بالنسبة له


❈-❈-❈


في وقت لاحق مساءًا

وقد تجهزت ليلى للخروج نحو منزل بسمة، كي تخبرها بنتيجة اللقاء الفاشل مع رانيا، ولتواجه منها عاصفتها الساخطة، وتفعل ما تفعل، ماذا بيدها؟ والفتاة على وشك حسم امرها مع عزيز، من جانبها حاولت لتنفيذ الخطة، ولكن للأسف لا يوجد حظ، حسب ما ترى :


- رايحة فين يا ليلى؟

خرج السؤال من والدتها التي اقتحمت الغرفة فجأة، فتفاجأت بها بهيئة مختلفة عن هيئتها العادية في المنزل، وجاء رد ليلى وهي ترفع الحقيبة لأعلى كتفها:

- راحة لواحدة صحبتي يا ماما، يعني هكون رايحة فين؟


تحركت لتتخطاها ولكن الأخرى أوقافتها قائلة:

- لا يا حبيبتي، بلاها من المشوار دلوقتي، أجليه؟ وتعالي كدة معايا بلبسك الحلو ده.


احتجت توقفها عن سحبها :

- أجي فين يا ماما؟ بقولك رايحة لصاحبتي، هو في ايه بالظبط؟

جذبتها من كفها تأمرها بتحذير:

- وطي صوتك يا بت، بلاش اسلوب الشوارع ده، ابن خالتك قاعد بره، عايزاه يقول عليكي ايه؟


- امممم 

زامت بها بتفهم، ليعتلي ملامحها سخرية اختلطت بغيظها، قائلة:

- يعني انتي يا ست الكل، عايزاني اسيب مشواري مع صاحبتي، لاجل ما استقبل الغالي ابن اختك سامح، طب انا اسلم عليه واخرج، لزوموا ايه بقى يوقف حالي؟ هو جايلي انا مخصوص ولا جايلك، دا ايه التحابيك دي؟


قالتها وهمت أن تتحرك ولكن الأخرى جذبتها من طرف الكنزة اللي ترتديها في الأعلى، لتردف لها هذه المرة بتهديد ووعيد:

- أقسم بالله يا ليلي، لو ما قلعتي شنطتك دلوقتي وخرجتي استقبلي ابن خالتك معانا انا واخوكي، لا اكون منعاكي من أي خروجة بعد الكلية، تقولي بقى صاحبتك، تقولي اختك حتى، برضوا مفيش خروج، واخلصي ياللا اتبطي بدل ما انفذ اللي في دماغي


على الرغم من روح التمرد التي تسكنها، في الخروج عن سيطرة منار التي تمقتها، إلا انها دائمًا ما ترضح في النهاية لرغبتها، وذلك لعلمها جيدًا بصدق تهديدها، 


أذعنت مضطرة لتلقي بحقيبتها قبل أن تخاطبها:

- أديني اتنيلت وقعدت، بس ممكن بقى تسيبيني اتصل بصاحبتي اعتذر لها، باي حجة، ان شالله حتى اقولها، طبت علينا مصيبة في البيت..... اه.

تأوهت بالاخيرة وقد باغتتها بضربة من قبضتها على ساعدها لتزجرها بقولها:

- مصيبة لما تاخدك يا بعيدة الملافظ سعد.


بلعت ليلى باقي الكلمات لتدلك على ساعدها الذي تألم نتيجة الضربة، فتابعت منار بحزمها:

- انا خارجة دلوقتي اقعد معاه، خمس دقايق والاقيكي خارجة، بوش مبتسم، تتكلمي بأدب، تنسي الدبش اللي بيكب منك، انتي خلاص كبرتي، معدتيش الهبلة الصغيرة، يعني كل فعل منك محسوب، سامعاني؟


اومأت لها بهز رأسها بطاعة كاملة، حتى اذا اطمئنت الأخرى، لتخرج، تحركت ليلى على الفور تمسك الهاتف، كي تتصل ببسمة كي تعتذر منها. 


❈-❈-❈


- الوو... ازيك يا بسمة.

- الوو .. ازيك انت يا اَنسة ليلى ؟

وصلها صوت رجولي، غير غريب عن أسماعها، اجفلت لتبعد الهاتف عن اذنها تبصر شاشته، ربما تكون أخطأت، لكن لا، هذا هو نفسه الرقم والأسم، عادت بتردد سائلة:


- مممين معايا على ...الفون؟

- ماتخافيش يا انسة انا مش حد غريب ، انا ابقى اخوها.

كتمت على فمها، لتكبت شهقة كادت أن تخرج منها وتفضحها، ابتلعت ريقها بتوتر مهيب، تقسم أنها علمت  من اول وهلة، بسماعها لنبرة صوتهٍ الرجولية الرائعة، وهذه الذبذبات التي تخللتها، فجعلت  شعور بالدغدغة ينقر داخل عقلها فرحًا وسعادة، انه صاحب الطلة البهية والإبتسامة الرائعة، ممدووووح! .. يا إلهي هكذا من كلمتين عبر الهاتف أصبحت ترا امامها فراشات طائرة وبالونات ملونة،  ما اجمله من شعور، ولكن مهلًا، لماذا هو يجيب على هاتف شقيقته؟ 

استدركت سريعًا تستفيق من نشوتها البلهاء، لتعود إليه بعملية سائلة:


- أهلًا حضرتك يااا استاذ ممدوح.

شعرت بابتسامته وهو يرد على قولها:

- اهلًا بيكي يا ليلى، معلش لو فاجأتك بردي على مكالمة صاحبتك، بس هي بصراحة نسيت الفون على كنبة الصالون، وهي دلوقتي في أوضتها


قطبت تذوي ما بين حاجبيها باندهاش، لهذه الحجة الغير مقنعة على الإطلاق، مما اثار الشكوك بداخلها ، ولكنها تغاضت لتقول:

- ططب حضرتك ممكن توصلني بيها.

- عيوني حاضر.

قالها ليتابع معها:

- انا هوصلها الفون عشان تتكلموا براحتكم، بس انتي ايه عاملة ؟ كويسة بقى؟

رفرفت بأهدابها قليلًا باستغراب يتزايد مع كل كلمة يتفوه بها، هذه اول مرة يتحدث معها، كل المرات السابقة، كانت لقاءات عادية، بتحية عابرة يلقيها حينما كانت تزورهم، او يراها صدفة مع صديقتها، قلبها يخبرها أن بسمة لها يد في هذا الحديث اللين.


❈-❈-❈


- الوو .. يا ليلى ازيك؟

- الوو .. يا بسمة.. انتي ازاي تسمحي لاخوكي يرد على فونك ويكلم صاحبتك كمان؟

هتفت بها منفعلة بعدم تقبل، رغم الفرحة التي تغلغلت داخلها، ولكن طبعها المتحفظ دائمًا ما يغلبها، فجاء رد الأخرى ببساطة أدهشتها


- عادي يا لولا، انا كنت في الأوضة وانتي لما رنيتي قولتلوا يرد عليكي، لما قرا اسمك على الشاشة. 

صاحت بها بتشكيك:

- يا سلام! كدة بسهولة؟.... قلبي حاسس ان الحركة دي مقصودة؟

- طبعًا مقصودة ياحبيبتي، عشان تعرفي بس ان صاحبتك شغالة بجد في خطتنا، ياللا بقى طمنيني انتي كمان، عملتي ايه مع البت دي؟ سبع ولا ضبع؟


ها قد عادت لأرض الواقع واختفت الفرشات وطارت بلونات المرح، هي تخبر بجديتها في التنفيذ، وتسألها عن دورها هي الأخرى، والذي خابت فيه هكذا من البداية.


- ها يا روح قلبي، سكتي ليه؟ اتكلمي بقى وهاتي اللي عندك؟

ردت بتردد وصل صداه الى الأخرى:

- يعني عايزاني اقولك ايه؟


فتور نبرتها في الرد كان دافعًا قويًا، ليستفز بسمة حتى تصيح بها:

- نعم يا ست ليلى؟ انتي عايزة تعملي نفسك ناسية، ولا دي بداية لحاجة مطمنش؟ اسمعي اما اقول ، انتي تقولي باللي حصل بينك وبين رانيا حالًا، نفذتي يا بت اللي اتفقنا عليه وفركشتي موضوعها مع عزيز ولا لأ؟


شرسة، هذا أقل ما يقال عنها، وهي الضعيفة التي دائمًا ما يوقعها حظها العسر، مع أناس على هذه الشاكلة، وخير دليل هو والدتها، تمنت داخلها، لو كانت هي محلها، بأن تكون هي ابنة منار، الأم والفتاة بنفس الجبروت، ترى كيف سيكون التعاون بينهم؟


- ليلى .

وصلها صرخة النداء من الأخرى، لتنزعها من شرودها، تداركت وضعها معها، وخرج ردها بتلجلج:


- ما هو... ما هو.


دمدمت بسمة بغيظ :

- ماهو إيه يا غالية ؟ جيبي اللي في بطنك وخلصيني يا ليلى، شكلك كدة ما نفذتيش أي حاجة من اللي اتفقنا عليها ؟


خرج ردها سريعًا بتبرير:

- لا والله يا بسمة انا حاولت..... بس بصراحة بقة وعشان اجيبلك من الاَخر، بس اسمعيني كويس في الأول وبلاش نرفزة 


صمتت تعطيها المجال مفتوحًا للدفاع، فتابعت لها:


- شوفي بقى انا روحت وقابلتها النهاردة وكنت هكرها في إسم اخويا نفسه، بس اللي حصل بقى، إني اتفاجأت باللي عملته ماما ؟


سألتها بهدوء ما يسبق العاصفة، 

- امك عملت إيه ؟

ردت ليلى شارحة:

- أمي ظبطت والدتها يا ليلى بكلام حلو عن عزيز، يعني اعتبري كدة قالت فيه شعر، نيمت الست وبنتها، وجعلتهم يتعلقوا بيه؟


- ننننعم! يعني افهم من كدة انها وافقت ؟

- ايوة بس انا مابلغتش والدتي ولا اخويا، وقولت ابلغك انت الاول عشان تشوفي حل؟

صمتت مرة أخرى بسمة، ولكن هذه المرة بتفكير عميق ومتريث، كانت تعلم من البداية أن منار، هي أكبر عقبة تواجها، امرأة قوية وشديد الذكاء، وبنفس الوقت مسيطرة على أبنائها، حتى عزيز نفسه، بكل هيمنته، المرأة المحنكة تستطيع ترويض جنونه، ليصب في مصلحتها، هي الداعم الأساسي لرانيا الفتاة الخجول عديمة الشخصية، والتي تضمن ولاءها من قبل حتى خطبتها، ولكنها لن تجعلها تنتصر عليها ، وستفوز به، رغم كل شيء 


بعد وقت ليس بقليل، خرج قولها لصديقتها التي اصابها التوتر من رد فعلها الغير محسوب:


- تمام يا ليلى، انتي كدة عملتي اللي عليكي، وانا بقى هتصرف؟

سألتها بتوجس وقد ارعبها هذا الهدوء المفاجئ:

- يعني هتعملي إيه؟

تبسمت بثقة زادت من دهشتها مرددة:

- ما قولتلك هتصرف يا بنتي، خلاص بقى .


❈-❈-❈


بعد انتهاء المكالمة المريبة، اضطرت راضخة للخروج ألى تحية سامح ابن خالتها والذي كان جالسًا بأريحية يتحدث مع شقيقها، قبل أن ينتبه لها وينهض عن مقعده بدماثة مستفزة، ليصافحها بعد أن القت بتحيتها 

على الجميع:


- اهلا برنسس ليلى، عاملة ايه؟

تمالكت حتى لا تتلفظ بشيء تحاسب عليه بعد ذلك، فهذه الرسمية المبالغ فيها، دائمًا ما تثير غضبها.

القت بنظرة نحو منار التي تتوعدها بعينيها،  لتجامله بابتسامة صفراء:

- كويسة يا سامح والحمد لله، اتفضل اقعد.


قالتها لتنزع كفها بعنف لم يخفى عنه، وتوجهت لأبعد مقعد تحتله، متكتفة الذراعين، علق شقيقها ساخرًا:

- ما تخلي بالك لا البت تتصدق، ايه برنسيسة والكلام الفاضي ده؟ احنا معندناش الكلام ده يا عم الحج، لا تتمرع علينا واحنا مش ناقصين. 


ضحك ثلاثتهم بمزاح قابلته بنفس الابتسامة السمجة، قبل أن يلتف نحوها مرددًا بغزل لم يروق لها كالعادة، خصوصًا مع هذه النظرات المقيمة منه لها:

- لا أزاي طبعًا؟ ليلى مولودة برنسس، دي كفايه انها بنت خالتوا منار، أجمل ست في العيلة، وهي أكيد متفرقش عنها، غير بس في الحجم واللبس اللي مع شوية تطوير، هتبقى ولا عارضات الأزياء بس القصيرين. 


- هاها.

تمتمت بها بتهكم ردًا على  استظرافه الذي تقبلته منار بضحكة عالية وعزيز ايضًا، عكسها التي زاد على عبوس وجهها،

سمج ولا يطاق، نظرته المتعالية دائمًا كانت تبغضها، لا يرى من البشر سوى طبقتهم المخملية،  فوالده طبيب شهير، ذو مواصفات جسمانية قد يراها البعض مميزات ، كالطول الفارع، والجسد المتناسق، وهذه البشرة البيضاء بشدة، والأناقة المبالغ فيها، قد يكون مقارب لشقيقها ولكن لا .


فعزيز ذو طلة ساحرة تجذب النساء إليه، من اول نظرة، 

بالإضافة لطرافته رغم تسليته الدائمة باستفزازها معظم الأوفات، لكنها لا تنكر انها يضحكها معظم الاوقات بمشاكساته، وحينما يدللها بقطته الصغيرة،

متواضع في التعامل مع الجميع ، ولا يفرق بين صديق مهندس ولا عامل أجرة،  لقد رأت بنفسها والتمست ذلك، عيبه الأكبر هو النساء، لا يثبت على علاقة واحدة مع أحداهن ابدا، وهذا ما اضطر والدتهم الاَن، لحسم هذه المرحلة بتزويجه ، رغم أنها تسمع دائمًا ان الانسان الهوائي، لا يكتفي بمرأة مهما مر عليه من عمره.


استفاقت من شرودها على صوت منار وهي تستأذن:

- طب انا هروح اجيب كام طبق حلو.

تبرعت بتلهف عارضة الدعم للهرب من هذه الجلسة الثقيلة:

- اقوم انا يا ماما، وخليكي انتي قاعدة.

- خليكي مرزوعة مكانك انا جاية حالا.

هتفت بها بأمر جعل ليلى تنصاع على غير ارادتها، وذهبت منار إلى المطبخ، لتعود هي لتتكتف بيديها تنتظر انتهاء هذا الجلسة الثقيلة، حتى تفاجأت بصوت ورود رسالة على هاتف شقيقها الذي ذوى ما بين حاجبيه باستغراب وهو يقرأ نصها حتى نهض بوجه متغير مستئذنًا:


- طب معلش يا سامح، دقيقة بس وراجعلك

- استنى هنا رايح فين؟

صاحت بها ليلى وقد نهضت عن مقعدها،  فتطلع إليها بحنق، قبل ان يخطف نظرة نحو جهة المطبخ، ليأمرها بحزم:


- لازم اقولك زي ماما يعني؟ ثواني وراجع، مش هتأخر  

قالها وتحركت أقدامه بوجه متجهم، وكأنه ذاهب على غير ارادته، ليتركها مع هذا المتحذلق، والذي التف لها بابتسامة واثقة يحدثها:

- ايه يا ليلى؟ هو انتي مكسوفة مني ولا ايه؟


برقت نحوه بنظرة عدائية لملمتها سريعًا ، لتحجم نفسها عن ضربه، تدمدم داخلها:


- الصبر من عندك يارب

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر (بنت الجنوب) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة