-->

رواية جديدة البريئة والوحش لأميرة عمار - الفصل 25

 

قراءة رواية البريئة والوحش كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية البريئة والوحش 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أميرة عمار


الفصل الخامس والعشرون



إن المَفَاتِنَ فَيْ عَيْنَيْكِ مُخْمَرَةٌ  

مِنْ نَظرَةٍ مِنكِ يَغْدُوْ المَرْءُ سَكرَانَ

عَيْنَاكِ مَنْظُوْمَةٌ تَحْوِيْ قَصَائِدَهَا

كَيْ تَبْعَثُ السِّحْرَ نَتْلُوْ مِنْهُ دِيوَانَا

قُلْ لِلقَوَافِيْ إِذَا مَالَتْ بِأَحْرُفِهَا

الشَّوْقُ بَحْرٌ وَفَيْ عَيْنَيْكِ مَرسَانَ



وما هي الحياة سوى إنسان متقلب، كل دقيقة بحال...لا تعلم من سيكون معك غداً ومن سيفارقك اليوم، بين حلوها ومرها تلاعبك كحبات الشطرنج

ونحن نعيش تحت كنفها مستقبلين أفعالها بصدر رحب ظانين بالله بأن القادم أفضل 


وهذا هو حال أبطالنا في تلك السنتين  العصيبتين التي مرت على الجميع

تجاوزوها بحلوها ومرها منهم من خرج منها سالماً غانماً وآخر ما زال يبكي على الأطلال


ولكن ماذا سيفيد البكاء على اللبن المسكوب؟!!


❈-❈-❈


تغطي عيناها بقطعة من القماش وهي تركض في أرجاء المكان باحثة عن إبنها الذي يزاولها بالحديث ويفر هارباً حتى لا تمسكه


صوت ضحكاته يرج المكان وهو يرى أمه تركض يمن ويسار وهي عاجزة عن الإمساك به 


أما هي فكانت تتصنت على صوت ضحكاته حتى تعلم مكانه بالتحديد

ولكن كلما سمعت صوته الضاحك تشعر بكهرباء تقفش بقلبها، شعور لا يضاهيه أموال الدنيا


اتسعت إبتسامتها وهي تسمعه يقول بسعادة:


-ماما إنتِ طلعتي فاشلة في لعبة الإستغماية، ده بابا بيقفشني في ثواني 


لم يكمل حديثه حيث وجدها تتمسك بيده قائلة بفخر وهي ترفع القماشة من على عيناها:


-قفشتك 


رد عليها مالك بضجر طفولي وهو يقول:


- لاء انتِ بتخمي يا ماما، أنا اللي وقفت


علت ضحكاتها بالمكان وهي تأخذه بين أحضانها ومن ثم أردفت بلوم:


-في حد يقول على مامته بتخم يا مالك


هز رأسه بنفي قبل أن يطبع شفتيه على خدها الأيمن قائلاً:


-أسف يا مامي


ردت إليه القبلة بأخرى على جبينه وهي تشدد على احتضانه متمتمة:


-روح قلب مامي 


وجوده بين ذراعيها الآن يشكل لها الدنيا وما فيها، أصبح هو سبب سعادتها في هذه الدنيا

لا تشعر بالآمان ولا الراحة إلا بجواره 


حرمت نفسها من ذلك النعيم لسنوات طويلة 

يا لها من بلهاء، غيرها يتمنى شعور الأمومة وهي كانت ترفضه بكل ما فيها من عزم 


لم تخرج من حالتها النفسية السيئة إلا بفضل " مالك" بعد فضل الله بالتأكيد 

تقربت منه كثيراً في السنتين الذين مروا وعلمت أنها كانت مخطئة عندما نبذته من قبل 

فهي من كانت تحتاجه وليس العكس 


- مامي هنروح ستار باكس ولا لاء 


قالها مالك بتساؤل وهو يخرج من بين أحضانها

مخرجاً إياها من شرودها


رتبت خصلات شعره وهي تقول بهدوء: 


-خليها يوم تاني يا حبيبي لأني حاسة إني تعبانة شوية النهاردة


لوى مالك شفتيه بحزن وهو يتمتم:


-بس إنتِ وعدتيني وكمان بقالك كتير مش بتخرجيني 


لم يستحمل قلبها الضعيف عتابه لها والحزن الذي ارتسم على وجهه، فخضعت له سريعاً وهي تقول بإبتسامة:


-خلاص يا ملوكة متزعلش هنخرج النهاردة


لم يعطيها أي ردة فعل على حديثها فجعدت حاجبيها بإستغراب وهي تراه على نفس وضعيته الحزينة 


- حبيبي زعلان ليه قولتلك هنخرج النهاردة


نظر لها بغضب طفولي قبل أن يقول:


-عشان إنتِ بتقوليلي ملوكة يا مامي...هو أنا بنت


ضحكت سارة بصوت عالي بعض الشئ وهي تحمله من على الأرضية قائلة بحب بعدما قبلت وجنته اليسرى:


-لاء يا حبيبي أنا أسفة، ده أنتَ سيد الرجالة


- طالما فيها سيد الرجالة يبقى قولتيلوا يا ملوكة


قالتها لين بتخمين ضاحك وهي تظهر من العدم


نظرت إليها سارة بفزع مصطنع:


-أعوذوا بالله بيظهروا منين دول 


ثم إستكملت حديثها بتساؤل:


- كنتي فين طول النهار، طلعتلك أوضتك ملقتكيش 


-كنت في النادي


رفعت سارة حاجبها وهي تقول بعبث:


-وكنتي بتعملي إيه في النادي 


- بشم هوا يختي هو النادي بيتعمل في إيه


ضحكت سارة بصوت عالي وهي تقول:


-إنتِ زعلتي ليه طيب ده سؤال بريئ


- إنتِ هتقوليلي على برائتك يا بنت عمي 


-على طول كدهو ظلماني يا لين 


قالتها سارة وهي تلوي شفتيها ببراءة مصطنعة 

جعلت مالك ولين صوت ضحكاتهم يصدح بالمكان


أردفت لين بتساؤل موجهة حديثها لسارة:


-فارس جه ولا لسه


هزت سارة رأسها بنفي وهي تقول:


-لاء...إتصل على عمو قاله إنه هيفضل في أستراليا أسبوع كمان


جعدت لين حاجبيها وهي تقول بإستغراب:


-يعني كده مش هيحضر كتب كتاب أحمد ورقية


-لاء أحمد قال لعمو إنهم هيخلوا كتب الكتاب مع الفرح عشان فارس يقدر يحضره 


لوت لين شفتيها بحزن وهي تقول:


-يخسارة فستان كتب الكتاب 


إتسعت إبتسامة سارة وهي تقول بتلاعب:


-يا خسارة اللي كنا هنشوفه في كتب الكتاب


-أنا هدخل عشان شوية كمان وهجيبك من شعرك يا سارة 


قالتها لين وهي تغادر مكان تواجدهم متجهة لباب القصر وهي تمتم ببعض الشتائم القاصدة بهم سارة

❈-❈-❈


بمكان فخم للغاية لا يدخله سوى أصحاب الجاه والسلطات العليا بالدولة 

الموسيقى العالي تضج بالأذان والجميع يقف ناظراً لأعلى السلم العالي ليروا ظهور العروس 

الذي حظ بها رجل الأعمال "أدم القليوبي"


ظهرت العروس أخيراً بفستانها الخاطف للأنظار برغم من إحتشامه الشديد كانت 

تضع يدها اليمنى بين قبضة أخيها 

واليسرى بين خاصة أبيها 


السعادة كانت تملئ وجهها حينما نظرت لأسفل

ووجدت أدم يقف ببدلته البيضاء كبياض الثلج 

وبيده باقة ورود حمراء منتظراً نزولها حتى يعطيها أياها ويستلمها من أخاها ووالدها 


كانت السعادة طاغية على وجهه ينظر إليها وكأنه حقق أعظم إنتصاراته بالحياة 

تلمع عيناه أكثر عندما تهبط درجة وتقترب منه أكثر

حارب كثيراً حتى توافق عليه ويصل معها لذلك اليوم، وأخيراً ها هي تقف أمامه بفستانها الأبيض الملائكي ووجها الناعم كنعومة جسد الأطفال


صافح علي ومن ثم مازن عندما هبطوا درجات السلم وأصبحوا أمامه مباشرةً 


وجاء ليقترب منها ويقبل جبينها بابتسامة تملئ وجهه


شعر بإختراق رصاصة بظهره جعلته يتألم بصوت واضح، وهو يضع يده مكان إختراقها 

لثواني ومن ثم وضعها أمام عينه وجدها ملطخة بالدماء 


صرخت نغم برعب وهي تصيح بإسمه قائلة:


-أدم


ولكن لم يتحمل أدم الألم وما هي إلا ثواني معدودة وكان يفترش الأرض أسفل قدميه ليظهر فارس بوضوح للجميع وهو مازال يوجه سلاحه على أدم وعيناه بها نيران تشتعل من كثرة الغضب


خرج صوته عالياً مليئاً بالتحذير الغاضب:


-ده جزاء أي حد هيفكر يقرب لحاجة تخص فارس الهواري 


فتحت عيناها على وسعيها من غفلتها وإنتفضت من على الفراش وهي تضع يدها على صدرها تتحسس بها دقات قلبها التي تطرق بعنف من أثر هذا الكابوس المرعب الذي شاهدته بغفلتها 


استعاذت من الشيطان وهو ترفع يدها تزيح بها حبات العرق التي نبتت على وجهها ومن ثم مدت يدها لتلتقط كوب المياه الموضوع على الكوميدينو....ارتشفته على دفعه واحدة ولكن سقطتت بعض القطرات على منامتها من أثر إرتعاش يدها عندما استمعت لرنين هاتفها يدوي بالغرفة 


وضعت الكوب على الكوميدينو ومن ثم اخذت هاتفها


وفتحت مكبر الصوت وهي تضعه على الوسادة جوارها بعدما رأت من المتصل 


أتاها صوت أخيها الغاضب وهو يقول:


-إنتِ فين يا نغم 


ردت عليه بهدوء وهي تعيد تسريح شعرها بأناملها:


-في البيت يا مازن  


-وحضرتك بتعملي إيه في البيت إنتِ مش عارفه إن فيه ميتنج مهم جداً للشركة النهاردة


-حسيت إني مرهقة شوية فقولت أنام ساعة لحد ما معاد الإجتماع يجي وللأسف روحت في النوم


قالتها لين بتبرير حتى تهدء من غضبه الواصل إليها من نبرة صوته عبر الهاتف


رد عليها بتساؤل قلق عكس حالته الغاضبه منذ ثواني:


-مالك يا حبيبتي مرهقة من إيه


إبتسمت نغم بحب على تلك المشاعر الطيبة التي تتلمسها من مازن، فمازن كان كالبلسم لجروحها...هو الوحيد الذي ساعدها في أن تقف على قدميها مرة أخرى وتواجه العالم من جديد


من مسك يدها ولم يفلتها من بين خاصته أبداً

صدق الله حينما قال" سنشيد عضدك بأخيك"

فالأخ سند وسد منيع لأخته، حضن دافئ تلجئ له وقت المصائب 


محظوظ هو من ربى أبنائه على الحب والمساندة


-نغم إنتِ كويسة روحتي فين ؟


قالها مازن بقلق عندما تأخرت نغم في الإجابة على سؤاله الأول


خرجت نغم من شرودها وهي تقول بإبتسامة شغوفة:


-أنا كويسة يا حبيبي متقلقش كانوا شوية صداع والحمدلله بقيت أحسن دلوقتي

هقوم ألبس وأجي الشركة حالاً


-لو تعبانة يا نغم خلاص متجيش إرتاحي وأنا هظبط الدنيا 


هزت نغم رأسها بالنفي كما لو كان يراها وهي تقول:


-لاء يا حبيبي جاية مسافة الطريق وأكون عندك 


-ماشي يا غومي هستناكي 


أغلقت نغم المكالمة وهي تقوم من على الفراش مرتدية خفها المنزلي

قاصدة غرفة ملابسها لتنتقي ثياب تناسب إجتماع اليوم


هبطت نغم درجات السلم بنشاط بعدما إرتدت ثيابها ومن ثم إتجهت لغرفة والدها الموجودة بالأسفل حتى تطمئن عليه قبل أن تغادر الڤيلا 


طرق نغم الباب عدة طرقات حتى سمعت صوته يسمح لها بالدخول


فتحت الباب بهدوء ، وجدته يجلس على كرسيه ذو العجلتين وبيده جريدة يقرأ بها 


محت نظرت الحزن المعتادة التي تحتل عيناها عندما تنظر إليه وهو في هذه الحالة


لا تصدق أن ذلك الشخص الذي كان يفرض سيطرته على الجميع وذو مكانه مهمة أصبح الآن جليس ذلك الكرسي المزود بالعجلات 


كانت صدمة وفاة والدتها عليه صعبة للغاية

مازالت حتى الآن تتذكر ما فعله عندما أتى لهم خبر وفاتها 


حالته هو ومازن كانت مثيرة للشفقة، وبما أنها كانت أقل المتأثرين لعدم أختلاطها بشمس كانت داعم لهم هم الاثنين 

ولكن للأسف ثاني يوم من وفاتها أصيب أبيها بشلل نصفي وشخصه الأطباء بأن سببه حالته النفسية السيئة


-عامل إيه النهاردة يا بابا


قالتها نغم وهي تقبل جبينه بقبلة رقيقة كرقتها


إبتسم علي قائلاً:


- بخير يا بنتي الحمدلله... لابسة وراحة فين؟


-راحة الشركة عشان عندنا إجتماع مع الوفد الصيني


رأت الحزن بعيناه عندما أتت له بسيرة العمل الذي حُرم منه بسبب حالته 


ربطتت على كتفه وهي تقول بدعم:


-إن شاء الله يا بابا هتقف على رجليك من تاني 

وهترجع أحسن من الأول


-قعدتي على الكرسي ده علمتني كتير أوي يا نغم، موت شمس وجعني وجع عمري ما حسيت بيه في حياتي...بس لما قعدت على الكرسي ده عرفت إني وجعت أخوكي نفس الوجع لما بعدته عن سارة بنت الهواري 

قعدتي على الكرسي وحرقة قلبي على شمس ذنب ذنب أنا عملته ولو ده تكفير عنه فأنا راضي وموافق واتمنى ربنا يغفرلي 

ومش ذنب مازن بس لاء ده ذنب شمس كمان 

انا جرحتها كتير ووجعت قلبها، بس هي دبحتني بموتها 


أنهى حديثه ودمعة وحيدة تسير على خده الأيسر سارع في مسحها


-ربنا كبير يا بابا وبيسامح وإن شاء الله هيسامحك على كل اللي عملته


-أكبر دليل إن ربنا كبير هو إنك واقفة قدامي دلوقتي يا نغم، ربنا ردك ليا عشان تصبري قلبي 

رغم عصياني ليه هو أكرمني بكرم كبير 


❈-❈-❈


- كنتي هايلة النهارده يا نغم في البريزنتشين اللي عملتيه براڤو عليكي 


إبتسم نغم بهدوء لأدم وهي تقول:


-شكرا يا أستاذ أدم 


ثم أكملت بداخلها قائلة بمزاح:


-يا ترى ايه شعوره لما يعرف إنه مات في الحلم عندي 


جعد أدم حاجبيه وهو يقول:


-مين اللي مات مش فاهم حاجه


فتحت نغم عيناها على وسعها قائلة:


-هو أنا صوتي كان عالي ؟


جاء أدم ليرد عليها وجد مازن يمسك معصمها وهو يقول: 


-يلا يا نغم عشان بابا لوحده في البيت


إستأذنت نغم من أدم وغادرت مع مازن بهدوء


-انا مش الف مرة اقولك متوقفيش مع البني آدم ده


قالها مازن بتساؤل وهو يجز على أسنانه


-ماله يا مازن الراجل محترم وعلاقتي معاه في حدود الشغل 


أردف مازن بعصبية:


-قولتلك مبرتحلوش نظرته ليكي متطمنش


لوت نغم شفتيها بضيق من عصبيته قبل ان تقول:


-انا مش هناسبه يا مازن وبعدين كلامي معاه كله بحدود وهو مبدرش منه أي تصرف غلط 


لم يرد عليها مازن بل استقل سيارته منتظراً إياها ثواني وكانت تجلس بالكرسي المجاور له 


ضغط مازن على زر تشغيل المذياع ليستمع إلى أخر أخبر البرصة 


أما هي فنظرت للطريق من الشباك المجاور لها 

وهي تشرد للبعيد، حياتها تغيرت تماماً عما كانت عليه من قبل 


أصبحت فتاة يقال أنها قوية، واثقة بحالها 

تعمل والكل يشيد بذكائها رغم صغر سنها 

تجاوزت ما يؤلمها...ومحت الماضي من حياتها


ولكن الشئ الوحيد الذي لم تقدر على إزالته هو 

" فارس" ، ليس لحبها الشديد له بلا هي تشعر أن مشاعرها تجاهه ليست كالسابق، بل زادت عما كانت وتحول الحب إلى عشق


دائماً ما يثير فضولها...لم تتوقع منه ذلك الهدوء بعد إنفصالهم مما جعلها تتبع أخباره بكل دقة 


تُتابع صفحاته على وسائل التواصل الإجتماعي 

يومياً كفضول لا أكثر وهذا هو مبرررها 

فضول!!!


لم يمر يوم عليها إلا وهي تتذكر قبلة الوداع التي ودعها بها، مازالت حتى الان تتذكر ملمسه على شفتيها


خرجت من أفكارها على صوت المذيعة التي تقول:


-رجل الأعمال الشهير فارس الهواري لديه لقاء تلفزيوني اليوم في تمام العاشرة مساءً بتوقيت مصر....لقاء ينتظره الوطن العربي كله، ليعلموا أكثر عن حياة رجل الاعمال الغامض فارس الهواري 


رمشت بعيناها لتستوعب ما سمعته أذنها

ونظرت لمازن وجدته ينظر هو الآخر إليها وعلى ما يبدو أنه يرى ردة فعلها 


-غريبة يعني فارس دايماً ملوش في المديا...مرة واحدة يطلع في لقاء تلفزيوني


قالها مازن بإستغراب وهو يعيد بصره للطريق 


-ربنا يسهله 


هذا ما قالته وهي تعيد أنظارها للشباك مرة أخرى وفي ذهنها تدور الأفكار 


❈-❈-❈


يقف أمام الشرفة الموجودة داخل غرفته يتطلع على شوارع إستراليا، ينظر لقطع الثلج التي تهبط من السماء برتابة وهدوء 


فتح أحد الدُرف ومد يده للخارج لتسقط عليها بعض قطع الثلج ومن ثم أغلق الدرفة مرة أخرى بعدما أدخل يده 


نظر لقطع الثلج الموجودة بيده بدقة وهي تتحول لمياه تتساقط على السجادة الموجودة أسفل قدمه 


كان كقطعة الثلج المجمدة لم يقدر أحد على تحويله لماء رطبة لينة الجريان سواها 


أخرجت منه شئ مختلف أصبح خاص لها 

وكأنها دمغته بإسمها....مرت الأيام والشهور والسنين وهي بعيدة عنه، ولكنها لم تغيب يوم 

عن باله


يتابع كل أخبارها بشغف منذ أول يوم بفراقهم حتى يومنا هذا بعدما مر سنتين على فراقهم 

سنتين مروا ولم يتحدث معها ولو بحرف 

إبتعد تماماً عنها لم يطاردها بأي شكل من الأشكال ولم يحاول أن يحادثها فيهم ولو لمرة 


إتبع ما قالته له دكتورتها النفسية 

عاد بذاكرته للماضي وخاصة ذلك اليوم الذي طلبت فيه دكتورة نغم النفسية أن تراه شخصياً


وقتها أصابه الذهول وعقله لم يجد وقتها أي سبب كافي لتلك المقابلة...ولكن لم يستطيع أن يرفض طلبها في مقابلته فمهما كان الأمر فبالتأكيد يخص نغم...


رفض فارس وقتها أن يقابلها بعيادتها وذلك لشكله الإجتماعي كرجل أعمال بداخل عيادة للأمراض النفسية،فالصحافة ستنتهزها فرصة حتى تقول ما لا يقال 


فبعد مناوشات قرروا أن يتقابلوا بكافية هادئ 

في إحدى الأماكن 


-خير يا دكتور إيه سبب المقابلة الغريبة دي


قالها فارس بإستنكار وهو يعود بظهره للخلف 


نظرت له فريدة بتدقيق لترى ماذا أحبت نغم بذلك الشخص الذي أقل ما يقال عنه أنه لوح ثلج، غير أنه عنجهي وهذا يظهر من جلسته 

وبما أنها تقرأ الإنسان من هيئته فعلمت أن الغرور يجري بدمائه لدرجه أنه الآن مشمئز من نفسه لأنه يجلس معها 


ولكن إحقاقاً للحق هو على درجة عالية من الوسامة تغفر له عنجهيته، فمن الممكن أن يكون هذا الشئ الذي لفت نظرها وجعلها تقع صريعة في حب هذا البارد


رفع لها حاجبيه وهو يقول بتساؤل هادئ:


-شايفك مبحلقة في وشي خير في حاجة؟


إضافة على ذلك فهو قليل الذوق، إحمر وجهها من الإحراج...بلعت ريقها بتوتر حتى تُخرج الحديث الذي رتبته حتى تخبره إياه 

ولكن جملته التي ألقاها جعلتها تنصهر من الإحراج 


ليس سهلاً إطلاقاً فهي دكتورة نفسية وهي من تبث الطمأنينة في قلوب مرضاها جعلها بكلمة 

تهتز من الداخل وتنسى ما ستقوله 


إبتسم فارس إبتسامة جانية عندما لاحظ انقلاب وجهها قبل أن يقول بجدية:


-أنا سامعك يا دكتورة، طلبتي مقابلتي ليه


عادت فريدة لثباتها مرة أخرى وهي تشبك أناملها ببعضها قبل أن تقول بهدوء:


-انا طلبت مقابلة حضرتك النهاردة بخصوص حالة نغم


-مالها نغم


كلمتين خرجوا من بين شفتيه بتساؤل 


اخذت نفساً عميقاً قبل أن تقول بجدية:


-نغم محتاجة تعيش من أول وجديد، ومستحيل تقدر تعيش حياة جديدة قبل ما تتخطى القديمة

وعشان كده أنا قدام حضرتك النهاردة

حبيت أعرفك حالة نغم النفسية 


رأت بعيناه إنصات وتركيز كبير لحديثها  

على ما يبدو أن أمرها يعنيه كثيراً


أسترسلت حديثها وهي تقول:


-نغم مستحيل تقدر ترجع ليك على الأقل دلوقتي، ولو حصل ورجعت ليك ده هيعملها خلل كبير في شخصيتها....انا شغالة مع نغم دلوقتي على بناء شخصية جديدة وسليمة 

بس طول ما حضرتك محاوط ليها أو بتحاول توصلها وتكلمها ده بيهد كل اللي أنا بعمله لأن ده بيعملها نوع من أنواع التشتت

يعني مثلاً تقولك إنها بتكرهك بس في صوت من جواها يقولها لاء بتحبيه 

وده طبعا غلط جد في حالتها لأنه بيديها ايحاء بضعفها وبعدم ثقتها في نفسها


إبتعلت ما بجوفها ونظرت بعيناه لترى تأثير حديثها عليه وجدته كما هو جامد وجهه لا يظهر عليه شئ يستمع إليها فقط 


-فطلبي من حضرتك النهاردة لو إنتَ فعلاً بتحب نغم إبعد،ابعد عنها وسيبها تبني حياة تكون هي راضية عنها 

سيبها تتخطاك وتعيش حياة صحية 

وقتها اظهر قدامها زي ما إنتَ عاوز، ولو ليكوا نصيب في بعض وقدرت تخليها تحبك من تاني 

ساعتها هتقدروا تعيشوا مع بعض حياة سعيدة 


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أميرة عمار من رواية البريئة والوحش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة