-->

رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 34

 

قراءة رواية نزيلة المصحة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة رواية نزيلة المصحة

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل الرابع والثلاثون



أكمل حسام، بعد أن اخذ نفساً عميقاً وزفره:

- سمر خلصت كلامها وهي باصالي بنظره عمري ماشفتها فعيون ود ليا.. حتي فأكتر أوقاتنا قرب وسعادة!

وقطع النظره دي الجارسون وهو بيحط الأكل علي الطربيزه.. خلص الجرسون ومشي وأنا أبتديت أكل، أو خليني أقول هربت من اللحظه، ومن الموقف كله بالأكل.

شويه وبصيتلها عشان أقولها تاكل، أصلي مش سامعلها أي صوت، ولا حركه، ولا كانها موجوده!.. لكني لقيتها بتاكل فعلاً.. لكن بتاكل بمنتهي الهدوء، لدرجة إني محستش بيها.

إبتسمتلها بمجامله لما عيني جات فعينها، وبصيت فطبقي تاني، وسألتها سؤال،  هو مكانش سؤال بالظبط.. قد ما كان تذكير ولفت نظر:

سمر هو أنتي عارفه أنتي داخله علي أيه؟ يعني قصدي فاهمه كويس وضعك معايا هيكون أيه؟ وقبل ماتقولي أي حاجه.. عايزك تعرفي إني بحب ود..ومش هقدر أستغني عنها.. ولا حد هياخد مكانها جوايا، ولا مكانتها فقلبي.

لقيتها إبتسمت، وردت عليا وهي باصه فطبقها مرفعتش عينها:

-عارفه الكلام دا كويس ياحسام، وعارفه وضعي معاك وفي حياتك هيكون أيه.. أنا مش هكون أكتر من كومبارس.. حد ورا الكواليس.. وعارفه كمان ود أيه بالنسبالك.. أنا مش هتجوزك عشان ازاحمها فيك ياحسام، ولا هطالبك بحاجه فوق طاقتك، وعارفه كمان إن ود هيكونلها كل الصلاحيات عندك، لكن برضوا أنا راضيه بكل دا.. وراضيه باللي هتديهوني إنت ياحسام، برضاك، وبطيب خاطر، حتي لو قليل؛ لان الحاجه الغصب عمرها مابيكونلها طعم أو فرحه.


رديت عليها وأنا متعجب من كلامها جداً! أصل مفيش حد يكون بدرجة الرضى

 دي.. الأ لو وصل في الحب لمرحلة السموا.. أو الجنون! وسمر مأظنش إنها واصله لأي مرحله من دول.. وأكيد كل اللي بتقوله دا تمثيل، وكلام ليها من وراه غرض.

فإبتسمت إبتسامه جانبيه لما تقريباً فهمت السبب ورا كلامها دا، ومحبتها اللي ظهرت من العدم وقولتلها:

-سمر إنتي عارفه إن الشركه والعربيه، وحتي الفيلا بإسم ود ولا مش عارفه؟


إبتسمت وهي بترد عليا بثقه كبيره:

-عارفه ياحسام إن كل حاجه بإسم ود .. وعارفه إن إنت مش معاك أي حاجه..وأنا مش بقولك كده عشان حاجه، ولا بتجوزك عشان طمعانه فحاجه.. أنا مش عايزه أي حاجه مقابل جوازي منك ياحسام، غير حاجه وحده بس.. "إنت"

وتعرف ياحسام..انا حتي دول كمان مش عايزاهم.. خدهم ياحسام؛ عشان تتأكد أكتر إني مش عايزه أي حاجه.

خلصت جملتها وهي بتقلع من ايدها الأسوره والخواتم، وتحطهم علي الطربيزه قدامها.. ووصلت للسلسله ولسه هتحاول تفكها وتقلعها.. همستلها من بين سناني:

- طيب خلاص بطلي اللي بتعمليه دا الناس إبتدت تتفرج علينا..البسي شبكتك دي.

خلصت كلامي ورجعت آكل تاني من غير ماأقول ولا كلمه زياده، بعد تصرفها الغريب دا.. واللي فاق كلامها غرابه!

لكنها كملت كلامها، وأنابصتلها بطرف عيني لقيتها بتلعب في الدهب اللي قلعته وهي بتقولي:

-"عارف ياحسام.. الشبكه دي بتكون غاليه جدا علي قلب الوحده، ولما بتضطر إنها تستغني عنها لأي سبب من الأسباب، بيكون السبب أقوي منها، وأنها دورت فكل البدايل وملقتش بديل.. غير إنها تبيعها. بس دا لما يكون خطيبها، أو جوزها هو اللي مختارها معاها حته حته، وجايبهالها بحب.. وقتها الحاجه دي بتكون في معزة الروح.

رديت عليها بتهكم من كلامها:

-سامعه نفسك بتقولي أيه دلوقتي؟ ياتري لاحظتي التناقض اللي فكلامك! 

منين مفيش من ثواني.. بتقولي مش عايزه منك حاجه وراضيه باللي هتديهوني، ومنين دلوقتي بتطالبي بحقك بطريقه غير مباشره!.. سمر أنا أسلوب تلوين الكلام دا مش هيمشي معايا.. بقولك. كده عشان نكون علي نور من أولها، يعني لا تتعبي نفسك بعد كده فإستعطافي عليكي، ولا تحاولي تحسسيني بإني ظالمك.. عشان دا ملوش عندي غير حل واحد.. وهو إني أحررك من ظلمي وقسوتي بأني أطلقك.

هزت دماغها برفض، وكانت علي وشك إنها تتكلم، لكني كملت كلامي وقطعت عليها فرصتها في الكلام.

سمر علي فكره لسه قدامك وقت تفكري.. خديلك كام يوم راجعي نفسك فيهم..

إتكلمي مع خالتي، وإسمعي وجهة نظرها، وخليكي فاكره إن الكبار دايماً بيكون رأيهم صايب عننا؛ بحكم خبرتهم في الحياة.

ردت عليا بثبات وتصميم:

مش هسمع لكلام غير كلام قلبي ياحسام.. وإن كان علي خبرة الناس الكبيرة..فأنا أخدت رأي بنت خالتي، اللي هي أمك وأظن انها كبيره بما فيه الكفايه؛ عشان تقدر تدي نصيحه، وعندها الخبره الكافيه برضوا لده.


-أيوه بس مفيش حد في الدنيا هيخاف علي مصلحتك زي أمك.. تبقي غلطانه لو إفتكرتي إن أمي هتحط مصلحتك فوق مصلحتي.. كل أم ياسمر لو تعلق الأمر بمصلحة إبنها بتحط الناس كلها تحت رجليه؛ عشان تنجيه من أي خطر.. ولو تطول تسحبله السعاده من قلوب الناس وتحطها فقلبه هو بس هتعملها. 

لقيتها إبتسمت وردت علي كلامي بسؤال:

حتي الأب بيعمل كده عشان أولاده ياحسام؟ 

رديت علي سؤالها الغريب: أكيد طبعاً.. الأم والأب مفيش خوف يضاهي خوفهم علي أولادهم! 

فضلت بصالي شويه، وبنفس الإبتسامه، رجعت تكمل أكل، وهمست وهي بتودي الشوكه علي بوقها:

علي فكره إنت هتكون أب ممتاز ياحسام. 


❈-❈-❈


خلصت جملتها وأكلت اللي فأيدها، وسابتني مع تأثير الكلمه.. اللي صداها خلي رعشه جميله سرت فكل جسمي.. "أب".. قد أيه للكلمه دي رهبه، ووقع جميل علي الودن، والنفس، والروح! 

كملت أكل من غير ماأتكلم ولا أنطق بحرف بعد كلمتها دي.. اللي أظن انها قالتها؛ عشان تضربني علي الوتر الحساس؛ اللي متأكده إنه هيشل كل تفكيري. 


خلصنا أكل وحاسبت، وقمنا عشان نروح، ركبنا العربيه، وطلعت بيها، ووصلنا تقريباً لنص الطريق وكل شويه أبصلها، والاقي ابتسامتها برضوا علي وشها بنفس الأتساع مقلتش.. وفي محاوله مني إني اكدر صفوها، وأمحي الإبتسامه دي بشوية قلق قولتلها:

-بكره تاخدي أي حد وتروحي تكشفي عند دكتورة نسا؛ عشان تشوفي نفسك بتخلفي ولا لأ.. ماهو إحنا مش هنعمل كل دا، وفى الاخر تطلعي مبتخلفيش زيك زيها! 

خلصت جملتي وبصيتلها، وأنا متوقع إن إبتسامتها هتتبدل لتكشيره وديقه.. لكن بالعكس.. فضلت محتفظه بيها للنهايه، وهزت دماغها وهي بتقولي:


-حاضر هروح بكره.. وإنت كمان أبقي روح لدكتور عشان تشوف لو فيه موانع.. مع إني متأكده إن مفيش حاجه فيا ولا فيك.. لكن عشان تكون مطمن أكتر. 

وبعد الكلمتين دول سكتنا إحنا الاتنين، لغاية ماوصلنا البيت.. وقفت بالعربيه، ونزلت هي، وقولتلها تبعتلي أمي من جوه.. ودخلت البيت، وبعدها بدقايق طلعت أمي، وجات عليا، وركبت العربيه، وبصتلي برضى، ولفيت وطلعت بالعربيه، وأنا ماشي شفتها في المرايه.. كانت واقفه علي الباب وبتبص علي العربيه وهي بتبعد. 

وبمجرد ماطلعنا من المنطقه، لقيت أمي بتحط أيدها علي ايدي اللي علي الدريكسيون، وطبطبت عليها بحنيه وهي بتهمسلي:

روح. يابني ربنا يرضي عليك ويراضيك.. زي مارضيتني وفرحت قلبي.. صدقني ياحسام سماره هي اللي هتريحك من هموم الدنيا كلها.. وهتعرف معاها إنك مكنتش عايش ولا متجوز قبل كده. 


إبتسمت بتهكم وانا بقولها:

- سماره مين ياأمي اللي هعرف بيها إني مكنتش متجوز قبل كده! طب بذمتك هو فيه أي وجه مقارنه بينها وبين ود!؟ 

دي حاجه ياأمي، وود حاجه تانيه خالص.. وبينهم فرق السما من الأرض،وطبعاً مش محتاج أقول مين فيهم اللي فالسما، ومين اللي فالأرض. 

لقيتها ضحكت ضحكه خفيفه قبل ماترد عليا وتقولي:

-مش مهم مين فيهم اللي فالسما ولا مين اللي فالأرض.. المهم إن مين فيهم اللي هتقدر تخليك إنت في السما.. ود فعلا في السما، وطول عمرها قاعده فوق سحابه ومش مدياك فرصه تطلع معاها للسما.. لكن سمر أنا متأكده إنها هتطلعك للسما، حتي لو هتشيلك فوق كتافها. 


-أخدت نفس وزفرته بديق، وأنا مش عارف أيه اللي شايفاه أمي فسمر دي أنا مش شايفه.. ولا جايبه منين الثقه اللي بتتكلم بيها عنها دي! 

وصلنا الفيلا، ونزلنا من العربيه، ولسه هندخل.. لقينا راجل طالع من الفيلا.. وقفت وأنا مصدوم!.. إن فيه راجل غريب طالع من بيتي وأنا معرفهوش!

وهو كمان لما شافني وقف في مكانه مصدوم وملخوم، كأنه حرامي وإتمسك من أهل البيت! 

قربت منه بسرعه وبمجرد ماوصلت قدامه. سألته:

إنت مين ياعم إنت، وإيه اللي جايبك هنا؟ 

خلصت سؤالي وأمعنت النظر فيه؛ لأن وشه كان مألوف بالنسبالي..وإفتكرته..أيوه هو نفس الشخص اللي جه لكريمه قبل كده في الشقه.. جوز صاحبتها العيانه،اللي قالتله كريمه ميجيلهاش مره تانيه..غريبه ايه اللي جابه تاني، وعرف عنوان الفيلا هنا ازي! 

كل دي أسئله دارت جوايا فثواني.. قبل مايرد عليا ويقولي:

سلام عليكم يابيه، أني أجيت للست كريمه؛ عشان آخد مساعده لأم العيال والعيال من الست كريمه.. بصراحه الحال ضايق يابيه، والدنيا بقت غلا وبلا..ولما اتقفلت قدامي كل الابواب، مش لقيت غير باب الست كريمه اخبط عليه، واطلب منها المساعده..بعد إذنك يابيه يادوبك اروح؛عشان لو إتأخرت أكتر مش الاقي قطر يروحني.

خلص كلامه وإتحرك من قدامي بالخطوه السريعه، وبصيت لقيت كريمه واقفه بعيد وبتفرك فأديها بتوتر.. كأنها عامله عمله! 

بصراحه مهتمتش بيها، ولا ببلدياتها؛ لأن اللي كان حاصل معايا في اليوم دا؛ مكنش مخلي فيا دماغ لأي حاجه غير الورطه اللي أنا فيها. 

دخلت الفيلا، ويادوبك قعدت علي الكنبه، وباخد نفسي، لقيت ود داخله عليا هي ومى، ومعاهم ورق، وإسكتشات، وحاجات شغل، الظاهر إنهم قرروا يخلصوه في الفيلا.. وخصوصاً إن فيه ميعاد لإيفينت جديد كمان كام يوم، شركتنا هتشارك فيه. 


طلعت أوضتنا، ودخلت تاخد شاور، وأنا طلعت وراها وفضلت مستنيها لغاية ماخلصت.. خرجت وإبتدت تلبس هدومها البيتي، وكل دا وانا مراقبها، وحاسس إني خنتها، وإنها متستاهلش مني كده. 

قمت وقربت منها وحضنتها جامد، ودفنت وشي فشعرها وأخدت نفس عميق من ريحته اللي بترد روحي.. وبعدت وشي وبصيتلها وأنا بتأمل كل إنش فوشها، وهمستلها بحجم الحب اللي ليها فقلبي،وبحجم إحساسي بالذنب من ناحيتها: 

-ود أنا بحبك.

لقيتها إبتسمت وهي بتبص فعنيا وردت عليا بثقه:

-"عارفه" .. "وأنا كمان بحبك.. أوووي". قالتها وشبت، وطبعت بوسه علي خدي، وبعدت عني، وكملت لبس هدومها، واتحركت بسرعه من قدامي علي باب الأوضه وهي بتقولي:

-حسام معلش يابيبي هنزل؛ عشان ورايا شغل كتييير أاااد الدنيا، بس هحاول اخلصه عشان نقعد مع بعض شويه النهارده عشان إنت واحشني كتييير.. خلصت جملتها، ومعاها وصلت للباب، فتحته وخرجت منه بسرعه، وسابتني إحساسي بالذنب هيقتلني، وخصوصاً بعد كلامها دا. 

دخلت أنا كمان أخدت شاور، وغيرت هدومي، ونزلت تحت.. لقيت ود ومي غرقانين في الشغل.. قعدت علي الكنبه قصادهم، وفضلت متجاهل نظرات مي ليا، وكل تفكيري كانت شاغلاه اللي باصه للأوراق قدامها بتركيز، وعماله تخطط وترسم.. وبسأل نفسي وأنا مراقب كل حركه منها:

ياتري هقدر أبعد عنها لو صممت علي البعد؛ بعد ماتعرف اللي هعمله؟ طيب ياتري اللي بينا هيشفعلي عندها ساعتها، ويخليها تسامحني، وممكن تفضل معايا؟ 

لكن الإجابه إتنطقت بصوت عقلي، وسَمَعت فكل كياني:

-لأ.. مستحيل طبعاً، ود مش طبعها السماح، ولا الغفران،ولا النسيان، وخصوصاً لو الجرح كبير، بحجم الجرح اللي هجرحهولها. 

فضلت ود تشتغل، وانا فضلت اراقبها، لغاية ماخلصت شغل فى ساعه متأخره من الليل، وطلبت مني إني اوصل مي بعربيتي؛ لأنهم جم فعربية واحده صاحبتهم، ومعهاش حاجه تروح بيها. 

بصيت في ساعتي، وبعدين نقلت عيوني بين ود ومي، ولما شوفت إبتسامه علي وش مي بتحاول تداريها، برسم الجديه علي ملامحها، وفهمت اللي ورا الإبتسامه دي.. بصيت لود وقولتلها:

-ود إنتي شايفه الوقت متأخر إزاي؟ دي الساعه ٢ الصبح.. أظن مينفعش إنها ترجع لبيتها في الساعه دي.. أنا بقول تفضل بايته هنا للصبح، وهي أكيد مستأذنه وأهلها عارفين أنها معاكي.. ومش هيتكلموا فحاجه..وأصلا علي مااعتقد أهلها مش بيكلموها على اي تأخير. 

جملة أهلها دي قولتها بإستهزاء، وكنت قاصد أوصلها من خلالها رساله.. 

إن أهلها معرفوش يربوها، أو مش هما الأهل اللي بيدوروا علي بناتهم. 

وشفت الغيظ فعنيها بعد كلامي، ولقيتها خطفت شنطتها خطف من علي الطربيزه، وخرجت بسرعه وهي بتقول لود:

لا ياود مفيش داعي إنه يوصلني، أنا هرجع لوحدي..وأصلاً أهلي مش هيوافقوا إني أبات فبيت غريب. 

خلصت كلامها وكانت وصلت لباب الفيلا، وخلاص هتخرج منه، وود جات عليا، وإبتدت تشاورلي عليها؛ عشان اروح معاها وأوصلها.. بصراحه مكنتش حابب أعمل كدا ، لكن ود أصرت، وأنا كمان برغم رفضي للموضوع.. الا إن أخلاقي مسمحتليش إني أسيبها تروح لوحدها فساعه زي دي، دا مهما كان طريق، والطرق متضمنش. 

خرجت وراها، وشغلت عربيتي وطلعت بيها، وكانت مي بتتمشي في الطريق، وبتتلفت فكل إتجاه بتدور علي تاكسي.. لكن المنطقه اللي كنا فيها لايمكن تلاقي فيها تاكسي في النهار، فأكيد مش هتلاقي فيها بالليل! 

وقفت قصادها بالعربيه ، وبنبره آمره قولتلها :"إركبي" . 

بصتلي ومردتش، وفضلت ماشيه.. إستنيت لما بعدت كام خطوه، وإتقدمت عليها بالعربيه مره تانيه وقولتلها بعصبيه:

-بصي دي آخر مره هطلب منك فيها تركبي العربيه.. ثواني لو مركبتيش هرجع تاني، ٠وإنتي حره، خدي الطريق كله مشي بقي. 

❈-❈-❈


بعدت خطوه وحده بعد كلامي، ولقيتها وقفت بعدها ولفت، وجات علي العربيه، فتحت الباب ودخلت ورزعت الباب وراها بعنف.. أنا شفتها عملت كده وإتجننت؛ لأني مبحبش حد يتعامل مع عربيتي بالطريقه دي.. فمسكت علبة المناديل اللي علي التابلوه ورزعتها تاني بعنف خليتها إتخضت، وفهمت إنها لو عملت حاجه تاني مش هعديهالها. 

وطلعت بالعربيه، وسألتها بعد ماطلعنا من المنطقه بتاعتنا: ساكنه فين؟ 

ردت عليا من غير ماتبصلي: ساكنه في المعادي،في شارع 9. 

فضلت سايق لغاية ماوصلتها، ودخلت الشارع، ووقفت قدام العماره اللي شاورتلي عليها،ونزلت وأنا كنت هتحرك بالعربيه، لكنها إتحركت بسرعه ووقفت قدام العربيه، ولفت جات ناحيتي، ووقفت قصاد الباب بتاعي، ووطت لغاية ماوشها بقي قصاد وشي وهمستلي بنبره واثقه:

علي فكره مش هتقدر تقاوم كتير،

وهبقي أفكرك.

أنهت جملتها وبعدت عني وهي باصالي بثقه، وأنا ضحكت عليها بعلوا صوتي.. وطلعت بالعربيه من جنبها بأقسي سرعه، وأنا لسه مستمر في الضحك علي الثقه اللي كانت بتتكلم بيها دي، 

ومستغرب هي جايباها منين!..وبعدين قلت لنفسي:

- اكيد جايباها من عدد اللي مقاوموهاش قبل كده. 

ورجعت الفيلا، وطلعت لود لقيتها نايمه علي السرير، وخلاص عنيها بتقفل، أخدتها فحضني ونمت وأنا بعتذرلها في سري ألف إعتذار عاللي عملته النهارده. 

تاني يوم صحينا ونزلنا.. لقينا أمي محضرالنا الفطار، فطرنا وخلاص كل واحد فينا مسك شنطته، وخارجين علي الشركه لقيت أمي بتنادي عليا بصوتها العالي: 

-حسام إستني عايزاك. 

هي نادت عليا بالطريقه دي، وأنا أعصابي باظت وحيلي باد، وقلت خلاص أمي هتقول قدام ود كل حاجه وتضيعني. 

لكنها قالتلي وهي باصه فعنيا ومركزه عشان أفهمها:

حسام أنا قررت إني اروح الحج السنادي.. قدملي علي الحج فأي مكتب، وإعمل حسابك هتسافر معايا محرم.. وتعالا النهارده من الشركه علي بعد الضهر عشان هنروح للدكتور أنا وإنت.. زي ماطلبت إمبارح. 

اتنهدت بعد مافهمت قصدها أيه من ورا كلامها دا، وعرفت إن خلاص أمي بدأت في تدابير الجواز بجد، وإن مبقاش فيه مفر خلاص. 

هزيتلها دماغي بطاعه، وخرجت انا وود، وطول ماأحنا ماشيين في الجنينه، عيني كانت باصه عليها، وهي ماشيه جنبي ومش حاسه بالمؤامره اللي بتتم من ورا ضهرها.

ركبنا العربيه، ورحنا علي الشركه، وخلصت الشغل اللي معايا قوام قوام، ورحت علي مكتب ود، ودعتها وشوفتها قبل ماأمشي محتاجه مني حاجه ولا لأ.

وخرجت بعد كده رحت لأمي علي الفيلا، أخدتها ورحنا لسمر اللي كانت مستنيانا عشان نروح للدكتور إحنا الأتنين زي ماقولنا إمبارح. 

ورحنا لمركز، وأنا كشفت عند دكتور خصوبه، وود كشفت عند دكتورة نسا.. وبعد الكشف والتحاليل.. إحنا الاتنين طلعنا سلام، ومعندناش أي موانع للخلفه. 

وروحنا علي بيت خالتي، وهناك لقيناهم محضرين غدا واتغدينا، وبعدها أمي إتفقت علي ميعاد الجواز بعد ١٥ يوم من اليوم اللي كنا فيه.. 

والكل وافق بالميعاد، وأمي كانت واخده فلوس معاها، ادتها لخالتها؛ عشان تجيب لسمر اللي ناقصها، 

ورجعنا الفيلا، وأنا حاسس إني بتخنق، كل ماأفكر فإن خلاص بتفصلني ايام، وأضطر إني اقرب من وحده تانيه غير ود. 

وإبتدت الأيام تمر، وكل يوم يعدي يقرب فيه ميعاد جوازي من سمر.. بلاقي خنقتي بتزيد، وبقيت دايماً قاعد مع ود، وبحاول بكل الطرق إني أشبع منها بأكبر قدر ممكن، لأني خايف من بعدها عني. 

وحتي هي لاحظت دا وسألتني كام مره مالي.. وانا اقولها" مفيش" .. لكن سكوتي، وشربي للسجاير اللي زاد عن حده، كانو يأكدولها إني فيا حاجه مهما أنكرت. 

وفيوم صحيت الصبح ولقيت ود سبقتني في الصحيان علي غير عادتها.. وكمان بتلبس وقربت تخلص.. وبمجرد ماحست إني صحيت بصتلي، وإبتسمت إبتسامه جميله، وجات قعدت جنبي علي السرير، ومسكت أيدي وخللت صوابعها بين صوابعي وقالتلي: 

-"حبيبي الكسلان ممكن يصحصح بقي عشان النهارده أنا عملاله مفاجأه." 

قالتها ومسكت أرنبة مناخيري بين صوابعها؛ في مداعبه نادره منها، وقامت وراحت علي الدولاب طلعتلي طقم ألبسه، وغير كده مسكت شنطة سفر كتف صغيره وبدأت تحط فيها هدوم! 

سألتها وأنا بقوم من السرير:

أيه دا ياود هو انتي مسافرة؟ هي دي بقي المفاجأة اللي محضرهالي! 

لقيتها ردت عليا وهي بتهز دماغها بتأكيد: أيييوه عليك نور، أنا مسافره.. بس مش لوحدي، هسافر أنا وإنت، يومين في الغردقه، يومين سبت فيهم كل حاجه؛ عشان أكون معاك، أنا وإنت وبس ياحسام، من غير شغل ولا مسؤليات. 

بصيتلها بإستغراب، ولقيتها قربت مني وحضنت وسطي وبصت فعنيا وهمست بصوت حنون:

أنا حاسه بيك ياحسام، وعارفه إنك. متدايق من وضعنا، ومن إنشغالي عنك.. وعارفه إننا بعدنا قوي في الفتره اللي فاتت دي.. لكن كل دا كان غصب عني صدقني، 

وإنت عارف.. لكن لما توصل ديقتك لأنك تفضل ساكت طول الوقت، وأشوفك  بتنطفي قدام عنيا.. لأ ساعتها يغور في داهيه الشغل، وتغور كل حاجه،ونخطف من الزمن وقت جميل، نرجع فيه ضحكة. حبايبنا من تاني. 

إبتسمت وبوست جبينها، ودخلت أخدت شاور ولبست، ونزلنا بلغنا أمي بسفرنا، وطلعنا أنا وهي علي الغردقه. 


نظر الطبيب حمزه الي حسام في هذه اللحظه.. وهذا لأنه توقف عن الكلام، فوجد إبتسامة لاحت علي أفق شفاهه، ويحاول حسام جاهداً إجهاضها؛ قبل أن تكتمل، لكنه فشل في هذا، وغزت ثغره إبتسامة واسعه، وغرب سواد عيناه، وقد بدا جلياً.. إنه الآن قد إنتقل بكيانه وروحه، من هذا المكان، الي حيث المكان الذي قصده هو وود. 

فإنتظر حمزه أن يعود حسام بروحه من هناك، لكي يكمل لهم باقي الحكايه.. ولكن يبدوا أن سحر ذلك الوقت مفعوله أقوي من ان يتغلب عليه حسام، ويغادر بخياله ماقد حدث هناك، بينه وبين ود بهذه السهوله.

فأعطاه كل الوقت؛ ليبقي هناك قدر المستطاع؛ لعل ذلك يريح صدره من تنهيداته الحاره، التي يطلقها بين كل كلمة وكلمه. 

كان هذا موقف حمزه من سكوت حسام.. ولكن كان لعبدالله رأي آخر.. حينما صفق بيداه صفقة قويه، اعاد علي اثرها سفينة حسام التي ابحرت في بحر ذكرياته، فأفاق حسام من شروده، وأخذ يتلفت من حوله؛ كي يكتشف مصدر الصوت الذي سمعه تواً! 

فقاطع عبدالله إستغرابه قائلاً:

أنا أنا.. أنا اللي جبتك من هناك، كمل يابا.. الليل هيليل وخايف يكبس عليك النوم قبل ماتخلص، وغلاوة الغوالي دا لو حصل، دا أنا ساعتها أخليك تحلم بالباقي وتحكيلي وإنت نايم.. ومش هتروح إعمل حسابك علي كده. 

فتبسم حسام علي مايقوله عبدالله، أما حمزه فهز رأسه إعتراضاً علي فعلة عبدالله، لكن عقله من الداخل كان يهتف بإسم عبدالله مشجعاً له.. كمن أحرز هدفاً في كأس العالم.. فالفضول يجعله هو الآخر يتقلب داخل رأسه، علي جمر ساخن، كدجاجة في سيخ الشوى. 


فأردف حسام مكملاً من حيث توقف، ولاتزال إبتسامته علي وجهه، تأبي الرحيل وقد راقه هو أيضاً أن تظل:

-وصلنا الغردقه، ونزلنا في الفندق اللي حجزتلنا فيه مي بالتليفون، وقضينا هناك يومين من الجنه. 

فيهم ود عرفتني معني السعاده الحقيقيه، وشكلها بيكون أزاي..كانت وحده تانيه مختلفه عن ود اللي أعرفها.. حنيتها مختلفه، وحبها مختلف،وحتي بصتها ليا كانت مختلفه، كلامها، همسها، إبتسامتها. 

ولو أقول إني في اليومين دول شفت الجنه بعيوني، مش هكون ببالغ. 

وحقيقي إكتشفت إن ود زي ماوصفتها أمي، تقدر تطلعني للسما، وتخليني أطير فوق السحاب، لكنها كانت مخلياني علي الأرض دايماً، وبمذاجها.. مفيش حاجه تعبتني فحياتي قدها.. طول عمرها حطاني فمرجيحه، وثانيه المرجيحه تعلي، وفي الثانيه اللي بعدها تهبط، وهي عماله تزق فيها مش مدياني فرصه أستقر واعرف راسي من رجلي..

مره أحسها بتحبني، وإني أهم حد عندها في الدنيا، وإنها متقدرش تستغني عني، ولا تبعد عن حضني،ومره تانيه أحس إني آخر إهتماماتها، وآخر حد بتفكر فيه.. وإني حاطاني فآخر قائمة أولوياتها.. 

ود لو هشبهها هشبهها بالدنيا فتقلبها وعدم ثباتها علي حال. 

وهنا أردف عبدالله بأسي واضح وهو يهز راسه:

ود زي المرجيحه يوم تحت وفوق.. وحسام بيتمرجح فيها من تحت لفوق.. وأكمل وهو يبكي بتمثي: ياقلب أمك. ياحسام يابني، دنا إتمرمطتلك وأنا قاعد فمكاني هنا أقسم بالله. 

فشعر حسام بإن عيناه إمتلأت بالدموع، وهو يري شفقة عبدالله عليه، وحاول أن يبعد وجهه عنه، كي يتغلب علي إحساسه بالرغبه في البكاء علي حاله في هذه اللحظه.

 وشعر حمزه ماهو هو علي وشك الحدوث، وأن عبدالله وحسام يستعدان لمدمعة جماعيه،فأردف مشتتاً لهرمون النكد الذي إرتفع لديهم: 

حسام هو إسم الفندق اللي نزلتوا فيه أيه؟ 

فأجابه حسام علي الفور: هيلتون بلازا. 

وها هو الطبيب حمزه يحرز نجاحاً في محاولته، فقد عادت الإبتسامه علي وجه حسام حين نطق إسم الفندق، ونجى من من نوبة حزن كانت وشيكه جداااً.


يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة