-->

رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 33 - 1 - الأربعاء 27/12/2023

  قراءة رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثالث والثلاثون

1

تم النشر يوم الأربعاء

27/12/2023 

 


فور ان حطت قدميها داخل المنزل، اطلقت من فمها صوت زغروطة عالية لتُنبئ الجميع بعودتها من سفرتها، مع زوجها والذي كان خلفها، يضحك على فعلها ، بعد ان قطع رحلته معها مضطرًا من أجل هذا الحدث الهام،  لابن عمه وشقيق روحه روح.


- لولولولوي، لولولولوي، لولولولوي 

- بس بس يا مجنونة، جلبتي البيت وصحيتي النايمين،

هتف بها غازي من وسط الدرج الذي كان يهبط منه، ليعقب زوجها بمشاكسة له:


- ما تسبيها تجلجك وتصحيك من نومك كمان، ولا احنا جاطعين شهر عسلنا ع الفاضي  

- وه يا حنين، شهر الا كام يوم واخدهم في العسل، وكل ده مكفكش؟ 


تمتم بها غازي ردًا له، ليعقب عارف مكبرًا في وجهه بابتسامته المتوسعة:

- الله أكبر عليك، وبتنبر في وشي كمان؟ اشحال ان ما كنت محصلني على طول اها، كنت هتعمل ايه؟


- وانت دلوك اللي بتتكلم ع النبر؟!

تمتمتم بها غازي يدعي الأمتعاض، يرسم عبوسا زائفًا على ملامحه في استقباله، قبل ان يتلقف شقيقته بين ذراعيه، يضمها اليه باشتياق، وهي تهلل بالفرح؛


- يا حبيبي يا جلب اختك، فرحتلك بجد والله، دلوك بس اجول اتجوزت، اخيرًا هتطول القمر اللي يستاهل، اخيرًا هتتجوز حب عمرك؟


قطب يخرجها من حضنه، منتبهًا للعبارة التي تمتمت بها، فاسترسلت بعفويتها له:

- ايوة امال ايه؟ ما انا خلاص كشفت سرك وعرفت،  بالعيلة ام ١٢ سنة اللي علجت الكبير في هواها، وربنا اخيرًا جبر بخاطره،  وجابها لحد عنده عشان يجمعه بيها .


ضاق حاجبيه في النظر اليها باندهاش،  حتى انتقل منها إلى الاَخر باستهجان وتوعد مع انتباهه، لهذه الابتسامات المستترة، يدافع عن نفسه ببرائة:

- معلش يا واد عمي،  اختك زنانة وهي اللي فضلت تجرجر فيا لحد ما وجعتني بلساني، ما انت عارف بجى شغل الحريم.


عقب غازي بغيظ مكتوم:

- هو السبب زن حريم برضوا؟ ولا هي سهوكة رجالة؟

- لا بصراحة هي سهوكة رجالة.

اقر بها عارف سريعًا لينطلق بالضحك مرة أخرى، حتى استفز الاخر يدفع شقيقته عنه، ويهم ان يفتك به ولكنها اوقفته بقولها:


- بتلومه ليه؟ ما انت لو كنت جولتلي من زمان، كنت دليتك ع البنية من أولها، دا انا اللي مدخلاها الاسطبل بيدي .


أثارت بقولها اهتمامه، ليوجه سؤاله لها:

- بتجولي ايه انتي كمان؟ فسري .


زفرت تردف موضحة له:

- يا ناصح انا بفكرك بأول مرة شوفت فيها حبيبة الجلب، في اول سنوية لجمعة العيلة بعد وفاة ابويا الله يرحمه، انا فاكراها زي النهاردة، لما دخلت نادية الاسطبل وسيبتها تتفرج ع الخيل، بعد ما اتخنجت من زن الحريم فوج راسها وغلاستهم عليها، وساعتها انت جابلتها وشوفتها على حسب ما حكالي عارف، اهو انت بجى يا ناصح ، لو كنت ادتني فكرة في وجتها، والله ما كنت شيلتها من عجلي ابدا عشان تتجوزها وتبجى هي اول نصيبك يا غازي .


قالتها بنبرة جدية نابعة من فرط محبتها له، وشرد هو الاخر بأمنية داخله، فكم ود ان يكون، الرجل الاول والاخير في قلب محبوبته، ان تكبر أمام عينيه، يعرف طباعها وتتعرف عليه دون حواجز او أسوار صنعها القدر ، مع وجود العديد من العقبات التي تعترض طريقه الشاق في الوصول الى قلبها. 


فقطع عارف درب الأماني المستحيلة بين الشقيقان بقوله:


- لا هو بإيدك ولا بإيده يا ست روح، دا في الاول والاخر اسمه النصيب، النصيب اللي جمعهم في الاخر بعد شتات،  زي ما جمعني انا كمان في الاَخر بيكي يا ست البنات .


التفت اليه تهديه ابتسامة ممتنة، لتجاهله متعمدًا ذكر سبب شتاتها هي ايضًا عنه، يذهب لمقصده، وما يزعجه يمر عليه مرور الكرام، وكأنه قاصد طمس الماضي بكل ما فيه.


فعلق غازي متأففًا من الرسائل المبطنة التي يتبادلاها امامه بالتطلع ببعضها أمام عينيه، مع وجود ذبذبات رائقة، وفراشات ملونة تطير حوله في الأجواء، لعشق على وشك.


- انا جولت من الأول الواد ده اتعلم السهوكة، ما تتلم ياد، حتى البت علمتها البرود زيك .


❈-❈-❈


الملابس الجديدة بمختلف انواعها تملأ الفراش داخل 

الحقائب الكبيرة التي وصلت خصيصًا منه منذ بداية اليوم، انواع للخروج وأخرى للاستقبال بالإضافة إلى تلك المريحة بجرأة قصاتها وخفة القماش المصنوعة منه، اما الحقيبة الخاصة بملابس النوم، فتلك لم تفتحها على الإطلاق من الأساس .


لم يحركها الفضول لفتحها، او حتى سمحت لوالدتها بذلك، يرفض رأسها اليابس حتى القاء نظرة ،

ومع ذلك لم تقوى على منعها من فتح الاشياء الأخرى

كالهدايا المتعددة والعطور بمختلف انواعها، او العلبة المخملية الكبيرة، والتي تحمل داخلها كم المصوغات من اساور وخواتم وعُقد كبير لم تحلم في مرة بارتدائه، رغم انه من العادات الموروثة بالعائلة والبلدة بأكملها، ولكنها ابدا لم تهتم، وقد اتي به بنفسه اليها ، يخبرها انه شبكتها، وكأنها عروس بالفعل،  يحق لها ان تفرح وترى العالم من وجهة أخرى غير الوجهة التي اسست حياتها عليها منذ سنوات عديدة، رجل واحد ، ترى العالم بعينيه، مكتفيه به وبأسرتها الصغيرة عن الجميع،  ثم بموته تموت هي بمشاعرها التي دفنتها معه، غير متقبلة ان تهبها لأحد غيره، راضية بانقضاء العمر، نصف ميتة بمشاعرها، والنصف الاَخر لأمرأة على قيد الحياة،  تعيش من أجل صغيرها وفقط.


- انتي لسة واجفة مكانك يا نادية؟

هتفت جليلة وهي تدلف لداخل الغرفة، ساحبة بيدها معتز ببشرته الندية وشعر رأسه المبتل بعد أن حممته جدته، والتي تابعت بالسؤال مشاكسة لها:

- مالك يا بت ما بتروديش ليه؟ ليكون كمان سرحانة...... معلش بجى ليكي عذرك.


تجاهلت المغزى الذي قصدت به جليلة فك جمودها، واتجهت تفتح ذراعيها الاثنان لصغيرها، والذي تلقف الدعوة ليركض على الفور، يأخذ مكانه الطبيعي داخل حضنها الحنون، لتغمم:

- بلاش منه الكلام والتلميحات دي يا ام عزب، الواحد مفيهوش دماغ ليها من الاساس.


- امال دماغك راحة ف ايه كمان دلوك؟

عقبت بها جليلة ردًا لها وهي تجلس على طرف التخت المزدحم بأشياء العروس، والتي عبست تجيبها:


- اللي في دماغي، جوا حضني ياما، يعني مش محتاح ادور عليه.


- ربنا يخليه ويحفظه يارب 

تمتمت بها جليلة كغمغمة،  لتصمت بعدها، تاركة المجال لابنتها ان كانت تريد الحديث وذلك تقديرا لحالتها ، والتي شردت هي الأخرى متذكرة قول سليمة الفاصل في حوارها الأخير معها:


( - عايزاني اوافج؟ انتي اللي بتجولي الكلام ده ياما ؟

- ايوة انا اللي بجول الكلام ده، رغم انه مفيش اصعب منه عليا ، لكنك شايفة اها، جميع ما تروحي في حتة محدش سايبك في حالك، سوا رجعتي بيت ابوكي او جيتي بيتي، في كل الحالات مفيش سلام ولا امان.


- تاني برضوا هتجولي مفيش امان؟ حتى بعد الدنيا ما هديت وكل واحد راح لحاله 

- مين اللي جالك ان الدنيا هديت؟

اجفلتها بالسؤال، قبل ان تسترسل لها:

- مفيش حد راح لحاله، طول ما في ورث الهم جاعد لازم تعرفي ان اللي جطع فرامل عربية جوزك عشان يخلص منه لساتوا عايش ومش هيستريح غير لما يوصل لنتيجة، دا جدك عبد المعطي جالهالي وهو على فرشة الموت .


- ايه هو اللي جالوهولك جدي عبد المعطي؟

سألتها بانتباه شديد، وجاء رد الاخرى سريعًا:

- خبرني ان الشخص نفسه اللي عمل العملة، زاره في  المستشفي، بس للأسف مرديش يجولي الاسم  


لم تكن شهقة تلك التي خرجت منها، بل بدت وكأنها صرخة إجفال، صاعقة مدوية لا تستطيع استيعابها:


- كيف ميجولش الاسم؟ ازاي جاله جلب يخبي عليكي حاجة زي دي؟


قابلت سليمة لهفتها بقلة حيلة ترد:

- اهو اللي حصل يا نادية،  انا حاولت معاه بكل الطرق، لحد ما اترجيته، وانا نفسي اشرب من دم اللي جتل ولدي،  لكن جدك متكلمش، اكتفى بإنه يوصيني على نفسي وعلى معتز وعليكي........ عرفتي ليه بجى انا بحاول ابعدك بقدر الإمكان عني انتي وولدك؟


- عرفت ، بس دا معناه ان الخطر قائم عليكى انتي كمان وأكتر .

قالتها نادية بقلق زاد من خوفها أضعاف،  ولكن كان رد سليمة بابتسامة واثقة:

- لا انا مش هيجرالي اكتر من اللي جرا، انا موتي مات مع موت ولدي، اللي جدامك دي واحدة تانية، لا خطر ولا أي شيء في الدنيا يهزني ولا يمنعني عن تحجيج هدفي، الاهم انتي بس تحافظي ع الامانة اللي في يدك، وعسى اللي بنتمناه يكون جريب )

الصفحة التالية