رواية جديدة الحصان والبيدق الجزء الثاني من رواية بك أحيا لناهد خالد - الفصل 4 - 1 - الثلاثاء 27/2/2023
قراءة رواية الحصان والبيدق
الجزء الثاني من رواية بك أحيا كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية الحصان والبيدق
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ناهد خالد
الفصل الرابع
1
تم النشر يوم الثلاثاء
27/2/2024
"بداية الإجبار"
"ذُقت مرارة الاجبار، وسرتُ في طريقٍ مُظلمٍ، التهى عقلي في تلك المرارة ولم يفكر في الاهتداء للطريق، والسير بحِنكة.. فلقيت ما لاقيت.. وادركت بعدها أنه حين تجبرك الحياة على فعل ما لا ترضيه لا تلهي بالك بالتفكير في مدى الظلم الواقع عليك، بل فكِر في كيفية النجاة.."
" نــــساء الرواية"
ترجل الجميع من السيارة بعد أن القى بقنبلته المدوية، عدا هي، فباهر أصر أن يكمل طريقه لمنزله دون ايصال مراد له، ومصطفى قرر تركهما يتحدثا سويًا وسبق شقيقته لأعلى.. أما هي فربما جمدتها الصدمة، وربما لديها ما تقوله! لا يعرف، لذا بقى ساكنًا حتى لم يكلف نفسه عبء الالتفات اليها، ينتظرها أن تبدأ..
والترجيح الأصوب كان أن حديثه جمدها من الصدمة، لم تستوعب أنه يخطط للمُضي قدمًا رغم رفضها المُعلن، ربما لم يأخذ عقلها الوقت الكافي بعد ليستوعب مجمل الأحداث، فكلها اتت تِباعًا، لو سنحت لها الفرصة بالاستيعاب لكانت بلا شك طريحة الفراش الآن، فمن يصدق أنها تجلس بنفس السيارة مع شبح أحلامها! بل وكانت تتحدث معه في الساعات الماضية! "مُراد" الذي كان مجرد ذِكر اسمه كفيل بارهابها ودفعها لحالة نفسية منحدرة، بالطبع هي لم تقدر حجم الكارثة بعد!
والآن بعد أن ايقنت بواقعية كل ما حدث، بعد أن رأته يدفعها قسرًا لطريق مُظلم معه، استوعبت الأمر، وأول رد فعل ظهر من جسدها هو التجمد، والارتعاش الداخلي، فبداخلها ينتفض وهي تنظر لجانب أخر، لكن فكرة انه بالامام.. معها.. تكاد تزهق روحها، تخفت انفاسها وتأبى الخروج، شحب وجهها بشكل مخيف، وكل هذا والجالس بالأمام لم يلاحظ!
وحين طال الصمت، سأم الوضع فقرر البدء هو، فليفتح لها الطريق لاخراج ما في جبعتها لا بئس، وبالفعل اجلى حنجرته قبل أن يغمغم بنبرته الخشِنة:
_هنفضل ساكتين كتير؟ أنا عارف إنك معترضه، وعارف إنك مش طايقاني كمان، بس احنا محتاجين فرصة يا خديجة، ولازم ناخدها، لأن اللي بنا يستحق.. الي جوايا ليكِ يست...
التف لها نصف التفاته وهو يقول جملته الأخيرة، ليتجمد هو الآخر على مظهرها، ما بها؟ لِمَ تبدو كالموتى هكذا؟ ضرب القلق حجرات قلبه، واشتعلت عيناه بالذعر وهو يهمس بخوف حقيقي:
_ خديجة! مالك؟ أنتِ كويسة؟
ولم تجيب، ليس رغبة منها، بل لأنها بالأساس لا تسمعه، فقد قررت أن تهرب من واقعها بأضغاث احلامها، قررت أن تنفصل عن الواقع وتسبح في بئر مظلم من ذكريات ماضيها، والتي جلبت لها ذكرى قديمة تجمعها بشقيقتها الراحلة..
يناير عام ٢٠٠٨...
كانت تستعد للنوم حين جاورتها شقيقتها "سارة" متأفأفه بحنق جلي، فاثار انتباه الصغيرة، التي سألتها بجهل:
_ مالك يا سارة؟
حدقت بها "سارة" بأعين تموج بالغيظ الدفين الموجه لهذه المسكينة، وقالت بنبرة ضائقة:
_ أنتِ لسه بتلعبي مع مراد ليه؟ مش قولتلك متلعبيش معاه تاني؟
تجعدت ملامحها حزنًا واردفت تبرر بشفتين مزمومتين:
_ اصل هو معملش حاجه وحشة، بعدين أنا بحب العب معاه، كمان لو ملعبتش معاه هيزعل.
عقبت بغضب:
_ما يزعل، يعني خايفة على زعله ومش خايفه على زعل اختك؟
سألتها بحيرة:
- انا مش عارفه أنتِ زعلانة منه ليه؟ وليه بتقوليلي ملعبش معاه؟
زفرت بملل وهي تخبرها:
_ قولتلك مية مرة هو مش كويس، وانا خايفة عليكِ منه.
والحت "خديجة" في الاستفسار أكثر وهي تقول:
_يعني ايه مش كويس؟ بعدين أنا بشوفك بتلعبي معاه وأنتِ الي بتروحي تكلميه، ليه بقى أنا لأ؟ وهو لو مش كويس بتكلميه ليه؟
تفاقم غضبها ويئست من ايصال مرادها للصغيرة وجعلها تنصاع لرغبتها، فرمتها بنظرة قاتمة، غاضبة، وهي تقول قبل أن توليها ظهرها لتنام:
_ براحتك، بس بكرة بقى تحصلك مصيبة بسببه وبسبب مشيك وراه، ده لو قالك تولعي فينا هتعمليها، غبية.. بتسمعي كل كلمة يقولهالك، براحتك انا نصحتك عشان أنتِ اختي برضو، وخايفة عليكِ.
"خديجة" لم تلقي لها بالاً وقتها، ببساطة لأنها اعتادت على سماع ما هو اكثر من هذا من شقيقتها، وكانت تنسبه الى أن شقيقتها لا تحب وجود مراد حولهما، وقربه منها، ربما لانها تراه يأخذ مكانًا هو حقها في حياة الأخرى، ولكن كانت تعود لتسأل ذاتها، أن كان الأمر هكذا، اذًا لِمَ تسعى دومًا للتقرب منه؟ الحديث معه واللعب؟ لِمَ لا تفعل هذا معها هي؟ أليست هي بالأحق؟!
عـــــودة..
ويبدو أن "سارة" كانت على صواب، فقد زج بها في مصيبة لم تستطع الخروج منها من يومها، ليتها استمعت لها وابتعدت عنه، لِمَ عانت كل ما عانته للآن.
ترجل من سيارته حين زاد قلقه عليها وعلى صمتها وشحوبها هذا، والتف سريعًا ليفتح الباب المجاور لها، فتحه وطلَ برأسه عليها وهو يسألها بنبرة لهوفة:
_ خديجة؟ ردي عليَّ أنتِ كويسة؟
شهقت بقوة وهي تفيق من شرودها على صوته القريب جدًا منها، القريب حد الخطر! فنظرت له بأعين زائغة غير مدركة متى أصبح وجهه مقابل
لوجهها بهذا الشكل، انتفضت بجسدها تبتعد للجانب الآخر قدر استطاعتها وقد لمعت عيناها بخوف غير مبرر بالنسبة له، وهي تهتف بارتعاش:
_أنتَ عاوز ايه؟ أنتَ مقرب كده ليه؟
ضيق ما بين حاجبيهِ غاضبًا وهو لا يصدق مدى خوفها، ربما توقعه منها في أول الأمر، لكن بعد مرور ساعات من التعامل الذي كان أفضل من توقعاته بكثير ظن أن الأمر اهون مما توقعه، لكنها الآن تثبت العكس وكأنها لم تكن قد استوعبت حقيقته بعد، او لم يكن قد أخذ عقلها رد الفعل المناسبة!
_ هكون عاوز ايه؟ أنا بقالي كتير بنادي عليكِ مبترديش شكلك قلقني.
لم تجيبه ولم تعطيه أي اهتمام فقط ترجلت من السيارة من الجهة الأخرى، واسرعت في خطواتها تجاه باب المنزل ولكنه كان أسرع، فأمسك بذراعها في مدخل المنزل وهو يديرها له بنزق مرددًا:
_ ده بجد؟ أنتِ بتهربي زي العيال؟
ارتعشت تحت قبضته وخيم الرعب على ملامحها أكثر وهي تحاول انتزاع ذراعها منه مرددة بارتعاش:
_ ابعد، سبني انا عاوزه اطلع.
وتحت محاولتها للفرار ظهر اصراره وتعنته وهو يخبرها بقوة:
_ مش هسيبك، لازم تفهمي الاول، لازم نصلح علاقتنا ببعض.. خديجة في احلامك بس ممكن تحلمي إني ابعد عنك أو اطلقك، احنا عمرنا ما هنبعد، عشان كده لازم نصلح الأمور بينا.
صرخت بهِ ولم تهتم لأي شيء آخر وهي تتملص من قبضته:
_ ابعد قولتلك، انا مش عاوزه ابقى كويسة مع حد.. ابعد ارجوك أنا مش طايقة اشوفك.
_لييه؟ ليه كل ده؟ قولتلك مية مرة مقصدتش أأذيها، هفضل ابرر لامتى وأنتِ امتى هتفهمي؟ كفاية يا خديجة بقى كفـــــاية..
صرخ بها بسأم واضح، فلم يعد لديه ما يشرحه لها، وتبريراته لتلك الحادثة انتهت، وهي تصر على أفكارها ولم تتزحزح عن موقفها تجاهه، جحظت عيناه المظلمة مع صرخته الأخيرة، وتلون وجهه بحمرة الانفعال والغضب.
فزاد رعبها، ولم تعد قدميها تحملها، لم تستطع التحمل اكثر، فكل ما لاقته اليوم اكثر من قوة تحملها، زاغت عيناها بغير هدى، وارتخت اعصابها واعلنت الاستسلام.
فسقطت أمام عيناه التي جحظت أكثر ولكن بخوف هذه المرة، واسرع يحتضنها بذراعيهِ قبل أن تلامس الأرضية الصلبة، ردد اسمها اكثر من مرة ولكن لم تستجيب، فحملها بين ذراعيهِ متجهًا لسيارته، ووضعها في المقعد الأمامي برفق محيطًا اياها بحزام الأمان، وقبل أن يستقل مكانه ضرب السيارة بقبضته يسب بعنف فقد نسى شقيقها الماكث بالأعلى، أغلق الباب وركض بخطوات سريعة للمنزل صاعدًا درجاته بسرعة، حتى وصل لباب شقتها فدقه على عجالة، حتى فتح "مصطفى" الباب وعلى وجهه التعجب من قوة الدق، لم يمنحه فرصة للحديث فقط اخبره:
_ تعالى معايا.
والرغبة في اصطحابه كانت آمانًا له إن فاقت "خديجة" في أي وقت فهو يعلم جيدًا أنها ستطمئن بوجود شقيقها..
❈-❈-❈
_ حرام عليكِ ياما، أنتِ هتعملي معايا اكده ليه؟ مش بتك أنا اياك!
هتفت بها "فريال" بسأم ونفاذ صبر، فها هي منذُ ساعتان تجلس نفس الجلسة تحاول استمالة والدتها لتقف في صفها ضد ابراهيم لتكمل تعليمها، لكنها لا تُستمال، كالصخر الجامد لا تلين، تستمع لها بملامحها الجامدة دون رد فعل، حتى صرخت بها أخيرًا:
_ رُدي ياما متسكتيش اكده! رُدي الله يكرمك أنا اعصابي ممتحملاش.
تخلت عن جمودها وقد نفذ صبرها هي الأخرى وأردفت بضيق واضح:
_ وه! ماخلصنا بجى،بكفياكِ لت وعجن، حديتك لا هيجدم ولا هيأخر، ابراهيم جوزك واللي هيجوله هيمشي، لاهو بحديتي ولا بحديت غيري، فريحي نفسك يابنت بطني.
تهاوت دموعها أكثر وأكثر وهي تسألها بنبرة وجع:
_ أنتِ متوكده إني بنت بطنك؟ مابينش ياما.
رفعت حاجبها ساخرة وسألتها بفظاظة:
_ واثبتلك كيف يا حلوة، بأني اجف جدام جوزك واعارضه، وياريت هعارضه في الغلط لا ده انا هعارضه في الصوح، وجتها ابجى امك!
_ صوح! فين الصوح الي هتتحدتي عنه؟ مشيفاهوش ياما، كيف عاوزني اهمل علامي بعد سنتين، كيف يا عالم عاوزين تضيعوا سنتين من عمري اكده؟
قالتها بقهر حقيقي، وهي تشيح بذراعيها معبرة عن يأسها وقلة حيلتها، وانتفضت واقفة حين سمعت "سُرية" تقول بينما تحدقها بتحدي:
_ شكلك اتوحشك ضربي، وماله مانتي من زمان محدش جابك من شعرك.
وقبل أن تذهب من أمامها هاربة لغرفتها حدقتها بنظرة أخيرة.. نظرة خيبة، ويأس، ويزينها سؤال لِمَ؟ سؤال لن تجد اجابته.. وتكملته هو لِمَ لا تعاملها
والدتها كأم تعامل ابنتها؟ لِمَ تشعر بأن والدتها تكمن لها كرهًا حقيقيًا غير مبررًا؟
والنظرة لم تؤثر بمقدار انشٍ واحدٍ بهذا الحجر الجامد، بل بالعكس رددت بخفوت بعدما ذهبت "فريال" من أمامها:
_ ياريتني خلصت منك كيف ما سويت في الي جبلك، كان زمان راسي ارتاحت.. جال خلفة بنات جال، مبيجلبوش غير الهم والغم.
كسابقتها!!؟
❈-❈-❈
اقتربت منه ببطء تحيط عنقه بذراعيها وهي تهمس له بدلال:
_ وحشتني.
لم تلين معالم وجهه، ولم يتخلى عن جموده، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء احاطتها بذراعيهِ هو الآخر.
تنهدت بهدوء وهي تخبره بضيق مصطنع:
_ مش معقول قساوة قلبك يا طارق، بقى بقولك وحشتني وأنتَ ولا اتهزيت حتى! مستكتر تقولي أنتِ كمان؟
ابتسم ابتسامة سمِجة وهو يخبرها بغير رضا:
_ وأنتِ كمان، كويس كده؟
قالها وازال زراعيها من حوله ليتجه لأحد الكراسي وجلس فوقها بهدوء ووجوم.
زفرت بضيق بدأ يتسلل لها وهي تراه صلد الرأس هكذا، هي تعرفه، وتعرف أنه صعب الخصام، وحين يأخذ موقفًا يحتاج لوقت ومجهود كي يُصالح..
لذا اتجهت له بابتسامة صادقة قبل أن تجلس فوق قدميهِ عنوة وزادت ابتسامتها وهي تراه يشيح بوجهه للجانب رافضًا أي محاولة منها، وما يشفع له عندها أنها تعلم جيدًا أن رفضه ظاهري، وإلا لِمَ ألحت عليهِ لتراضيه..
_ طروقتي، طقطوقة..