-->

رواية جديدة جوازة ابريل 2 لنورهان محسن - الفصل 10 - 1 - السبت 2/3/2024

  

قراءة رواية جوازة ابريل الجزء الثاني  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة رواية جوازة ابريل

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر 

من روايات وقصص 

الكاتبة نورهان محسن

الفصل العاشر

1

تم النشر يوم السبت

2/3/2024

 (مستحيل اثق بك) 



هناك قلوب تميل ، والإقتراب منها مستحيل ، هل علي أن أذكرك مرارا وتكرارا أن قلبي جريح ، رغم أنني أشتاق يوما ما إلى استريح على راحة يدك الدافئة ، لكني أفتقد الأمان وأخشى أن تخدعني مثلك مثلهم ، أخاف أن أثق فيك ، وأتلقى طعنة جديدة تسكن صدري الذي ينزف بشدة ، فدعني وأرحل بعيداً ، لأن المشاعر ستبقى ضائعة بيننا كالطير المهاجر الذي ترك ملجأه وهرب ، بحثاً عن وطن جديد ، تاركاً عشه القديم مثقلاً بألم الخذلان ، ويشعر بكمية هائلة من الفراغ بعد الغدر ، دعني أجلس وحدي تأنسني خفقاتى المتألمة في الطرقات ، وأنا أنظر إلى خيبات قلبي المنكسر على يد طائري الذي تركني مشتتًا بلا مأوى ولا أمان ، ارحل سريعاً قبل أن أراك أملاً جديداً ، وبكل ضعفي وغبائي ، أتشبث بك.


هذه مجرد شرارة حب صغيرة قدحت للتو بين امرأة عنيدة ورجل ذو كبرياء. 


لمتى سينتظر كل منهم من يبدأ برفع راية السلام ، ولمن النصر؟


❈-❈-❈


في غرفة فهمي


ولجت سلمي إلى الداخل ، ورأت زوجها جالسًا على السرير وظهره منحنيًا أثناء عقده لرباط حذائه ، فهتفت بنبرة منذهلة : ايه يا حبيبي .. انت لحقت تصحي وتلبس كمان مش عوايدك!!


_مفيش وقت للشرح يلا البسي بسرعة وحصليني علي تحت


أنهى كلامه بسرعة ملحوظة ، ثم نهض من مجلسه ، وخرج من الغرفة تحت نظراتها القلقة من عجلته ، فتبعته على الفور ، وهي تصيح من خلفه بلا فهم : في ايه يا فهمي مالك قلقتني؟!


نزل فهمي الدرج ، وهو يتأكد من أن ساعته الفضية مثبتة بإحكام على معصمه الأيسر ، بينما يجيبها بإختصار لم يشبع فضولها : لازم حالا نروح المستشفي


❈-❈-❈


في المستشفي


عند عز


_انا طلقت مني


شهقت المرأتان بإنصعاق من وقع كلماته الصادمة ، ثم هتفت دعاء باستنكار وعدم فهم : ايه الجنان دا .. يعني ايه طلقتها يا عز .. امتي الكلام دا وازاي ماتقو...


قاطعها عز بانفعال شديد ونفاذ صبر ، بسبب فرط توتر أعصابه التالفة : ماما .. لو سمحتي كفاية نطمن عليها في الاول .. انا مش ناقص ولا قادر علي تحقيقاتك دي خالص


ابتلعت دعاء صدمتها بعبوس ، وظلت صامتة على مضض ، لكن سوسن لم تستطع الصمت لتتساءل بنبرة محتدة : ولما انت خايف اوي كدا عليها كنت بتطلقها ليه يا عز .. بنتي كانت عملتلك ايه عشان تطلقها


زفر عز بقوة ، وأغمض عينيه محاولا السيطرة على انفعالاته ، لكن قدرة هذا العز على الحفاظ على هدوئه والتوازن غير مجدى ، خاصة أن ما يحدث يدفعه إلى الجنون ، فبدأ يزرع الأرض ذهابا وإيابا ، يقتله شعوره بالذنب والألم فى قلبه ، وهو يقول بصوت معذب : كل حاجة حصلت في لحظة نرفزة .. اتخانقنا وزعقنا مع بعض .. ومعرفش ازاي طلعت مني الكلمة دي غصب عني..


إعتصر الحزن قلب دعاء على حالة وحيدها الذي تراه على وشك الانهيار ، لينخر عذاب الضمير خلاياها ، لأنها السبب الأكبر فيما وصل إليه ، فنظرت إلى سوسن ، لتقول بهدوء وجدية : دي اكيد كانت ساعة شيطان بتحصل بين اي اتنين متجوزين يا سوسن احنا المفروض نحل بينهم براحة


تنهدت سوسن بحرقة تعتمر قلبها ، والدموع تتجمع في عينيها ، ثم تحدثت بنبرة حزينة : من حرقة قلبي علي بنتي اللي كانت كل مناها في الدنيا تجيب منك عيل


_المريضة فاقت تقدروا تتفضلو عندها


قالتها إحدى الممرضات بابتسامة هادئة ، ثم ذهبت إلى عملها ، لتنتعش روحه متلهفة لرؤية معشوقته ، وتفوقت على شعور التردد الذي اجتاح ذهنه المحذر له ، فوجد خطواته تقوده نحو غرفتها ، لكنه استوقفه سماع صوت والدتها التي تناديه بهدوء لا يخلو من الصرامة النابعة من شعورها الأمومي الغريزي الذي دفعها إلى إبعاد هذا العاشق الضارى عن ابنتها ولو مؤقتا : معلش يا عز اعذرني في اللي هقوله .. بس انا شايفة انك تأجل مقابلتك بمني لحد ما يوصل اخوها .. ونفهم سبب طلاقك ليها كان عشان ايه وليه عملت كدا في روحها طالما مش عايز تقولنا؟!


رفع عز حاجبيه مستنكرا منعها له من الدخول على زوجته التي لا يريد إلا أن يشبع عينيه المشتاقتين لرؤيتها والاطمئنان عليها ، حتى يهدأ ذلك الثائر داخل ضلوعه ، طالبا القرب منها بإلحاح ، ليرد بإنفعال حارق : وانا عايز اشوفها مش مضطر استنيـ...


دعاء بمقاطعة حتى تحد من توتر الأجواء بينهم : خلاص يا عز سيبها تدخل تطمن عليها في الاول معلش اديها فرصة تستوعب اللي حصلها.. الخبر اكيد هيبقي صعب عليها وهتكون محتاجة امها اكتر 


أطلق زفرة قوية عبرت عن مدى استيائه قبل أن يهز رأسه بالموافقة في استسلام متوتر لهم ، وذهب ليجلس على أقرب مقعد ، وعيناه لم تفارق سوسن التي إتجهت إلى غرفة ابنتها وأغلقت الباب خلفها. 


أحنى عز رأسه ، ووضعه بين كفيه ، وأغمض عينيه بألم حاد يدق كالطبول في خلايا عقله ، ليتمتم بصوت مختنق مليء بالندم ، وكأنه يتحدث مع نفسه ، فوصل إلى أذني دعاء : جرحتها اوي بكلامي .. معرفش اذا حتي هتبص في وشي تاني ولا هتقولي ايه؟


حاولت دعاء أن تنقل له كلمات تمده بالقوة والصبر ، بصوت هادئ حنون : اسمع ايا كان اللي قولته ووصل الامور بينكم للمرحلة دي .. افضل وراها لحد ما تسامحك يا عز وخليك صبور وهادي فهمني يا عز .. ماتنفعلش من اول ردة فعل ليها هي اكيد مجروحة وتعبانة يا حبيبي


ابتلع عز غصة الألم العالقة في حلقه بصعوبة ، وامتلأت عيناه بالعبرات الحارقة ، يحاول بكل طاقته أن يتمالك نفسه ويستجمع الرد على لسانه ، لكن عينيه المحتقنتين  منعته ، وأعرب عن أسفه لخسارته : خايف عليها .. وخايف منها .. مش عارف هتسامحني ازاي بعد اللي عملته معاها .. تفتكري ممكن تسامحني بعد ما خسرت الحاجة الوحيدة للي كانت هتشفعلي عندها خايف تكرهني وماترضاش تديني فرصة وتسامحني


انهمرت دموعها على خديها بأسف ، وهي ترفع يدها المرتعشه بتردد على راسه المنحني ، وتمسح على شعره بحنان ، وهي تقول بهمس حزين : اللي يحب مابيقدرش غير انه يسامح ويغفر لحبيبه ومهما عمل مابيعرفش يكرهه ممكن يقسي عليه بس مابيقدرش يمحي معزته وحبه من جواه


همس عز بصوت أجش نابع من قلبه المفطور ، وشعور مظلم بالألم ومرارة القهر تجتاح روحه بمنتهى القسوة ، مما زاد من وخز قلب أمه عليه دون أن يدرك عذاب الضمير الذى إنتابها متأثرة بشدة بعبارته التالية : مش عارف ليه حاسس اوي اني محتاج بابا في اللحظة دي .. محتاج يكون جنبي ويقف معايا .. ومحتاجلو ينصحني يوجهني او حتي يضربني .. عايزو يقولي اعمل ايه .. حاسس اني تايه اوي من غيرو


كانت دموعه تتساقط الواحدة تلو الأخرى مع كل كلمة تخرج من شفتيه من شدة الألم والإحتياج ، لم تحتمل دعاء رؤيته على هذه الحالة الضعيفة ، فازدادت تعابيرها بالحزن والخزى ، وهي تحتضنه بذراعيها المرتجفتين بحنان بالغ ، ولا تدري هل تواسيه أم تواسى نفسها بهذه اللحظات القريبة فيها منه ، وهى تخشى بشدة من عدم غفرانه لها ، حينما يعلم الحقيقة المستترة حتى الآن.

❈-❈-❈


خلال ذلك الوقت


عند ابريل

نطقت بالكلمة الأخيرة بتلعثم مصدوم ، وهي في وسط أفكارها المتضاربة تميل بجسدها نحوه أكثر ، محدقة به بعينيها الفيروزيتين المذهولتين اللتين تشبهان عيون القطط ، ولم تكن منتبهة إلى كف يدها التي وضعتها بعفوية فوق يده على السرير دون سابق إنذار ، مما أدى إلى تصلبه كالتمثال في مكانه جراء إحساسه بملمس بشرتها الناعمة ، بالطبع لم تكن المرة الأولى التي تتودد إليه امرأة وتمسك يده ، لكن عنصر المفاجأة من تلك القطة الغامضة المزاجية أثار حب الإستطلاع لديه حتى يكتشفها على المهل.



الصفحة التالية