رواية بعد الاحتراق After Burn لغادة حازم - الفصل 23 الجزء 2 - السبت 9/3/2024
تم النشر السبت
9/3/2024
الفصل الثالث والعشرون
الجزء الثاني
أكره أنا أكون باردة لحظة انهياري..
كما لو كنت صخرة رُميّـت وسط البحر،
وظلت ساكنة وهي تغرق!!
❀❀❀
مضى قرابة الاسبوعان على ذلك اليوم صبيحة
عقد القران وقد تلاه الكثير.. بعد زيارة قصيرة معه، تم إغلاق كامل القضايا العالقة
وإنهاء كافة الإجراءات القانونية الواجبة عليهما.. وخلال ذلك الوقت، ولأجل سلامة
الجميع، لم تتوقف فريدة يومًا عن تعاطي عقاقير الفاليوم، لم تسمح لعقلها قط أن
يعمل ولو دقيقة، أن يكون متصلًا بالواقع ولو للحظة.. وعليه، اختفت الكوابيس، نوبات
الهلع والانفعال، وكل ذكرى لعينة تكدر حياتها.. كل ذلك اختفى وحل الهدوء والسكينة أو
بمعنى أدق..
البرود وتسطح المشاعر!!
لكن لا بأس..
فذلك نفعها كثيرًا في التعامل مع
معاكسات 'ريم' التي لا تنتهي ورغبتها المتفانية في استفزازها وجرها لمشاجرة لسببٍ
لا تعلمه، لم يكن لديها رغبه للتعامل مع مشاكل المراهقة الخاصة بها.. أما سمر،
فكان من المحير تجنبها الواضح لها في كل مرة يجتمعوا حتى لم تعد توجه لها أي حديث،
وهي لم تنزعج من ذلك بالطبع ولكن كان فقط غريب عن طباع سمر كما عهدتها.. إلا أنه
كان جيد، كانت مكتفية من المضايقات وبلغت حدها من زوجها السيد 'مصطفى'، حماها
العزيز الذي لا يفوت أي فرصة في غياب أدهم لتهديدها وإلقاء بعض التلميحات على غرار؛
أنه يعلم ما تخطط له وأنه لن ينخدع بهدوئها وسيتصدى لها في حال أصاب ابنه أي خطر،
حتى لو لم تكن هي السبب!!
لكن لا بأس..
صدقًا لا تعرف كيف صمتت في كل مرة يتعرض
لها بمثل هذه التجاوزات؟!.. وللغرابة، قد جذبها خوفه الصادق على أدهم رغم كل ما
يشوب علاقتهما من ماضٍ متعكر، إلا أنه لهجة الأب الملتاع أكثر ما أثار انتباهها..
لهجة أب مستعد تماما للتضحية بحياته من أجل ابنه.. والاكثر غرابة، أنها استقبلت
هذا بتفهم جارف وافتقار شديد لذلك الشعور، حماية الأب والسند!!
شيئًا في هذا كسرها، أعادها ذلك
الشعور المرير باليُتم وكل ما صاحبه عبر سنوات من مشاعر ضعف!! كطفلة صغيره يؤنبها
والد زميلتها على فعلٍ أحمق قد ارتكبته في حق ابنته، في حين أنها لا تملك أب يدافع
عنها! رباه.. ذلك الشعور المقيت لازال هنا، يقبع داخلها.. ودون أن تدري، وجدت
نفسها تحقد على أدهم لأنه -ورغم كل ما ارتكبه من بشائع- إلا أنه لازال يمتلك السند
والأب الذي يكترث لأمره، والداعم له حتى ولو كان هو المخطئ!! في حين كانت هي
الضحية، وفي كل مرة تجد أهلها أول المتخاذلين عنها!! وهذا ما فعلوه هذه المرة
أيضًا، منذ عقد قرانها، لم يحاول أحدهم الاتصال بها، حتى والدتها!!
كانت تشعر بمزيج غريب بين السخرية
والحقد والقهر..
في كل السيناريوهات، كان أدهم يتفوق
عليها ويفوز بكل شيء!!
لكن لا بأس..
فكل ذلك يهون أمام غياب أدهم الشبه
دائم، كانت ممتنه كثيرا لعدم تقربه منها فهذا أكثر ما خشيته خاصة بعد كلامه صبيحه
زواجهما، لم تكن تضمن نفسها، ظنت انه لن يتركها بعد تصميمه الواضح على جعل ذلك الرباط
دائم لكنه فاجئها بتغيبه فيما بعد وتجنبها تمامًا.. كان جليًا أنه يعمل
ليل نهار من أجل إنهاء كل شيء والعودة لعالمه المظلم.. منذ ذلك اليوم الذي أخذها
فيه لمبنى النيابة العامة لتُدلي بأقوالها، وهي بالكاد تراه، حتى طاولة الطعام لم يجتمعوا عليها سوى
مرتين وكان في عجالة من أمره للرحيل واللحاق بموعد ما.. اما هي
فكانت أغلب اليوم إما نائمة أو تمضي وقتها مع كلبها بلوتو او تحاول التنفس بعيدا
عن النطاق الخانق لدائرة السوء تلك، لكن هيهات فهي بالكاد تخطو خطوه الا وتجد ذلك
الوغد ماتيو يحلق عليها كالدجاجة أينما ذهبت، الامر الذي دفعها للعدول عن لخروج
مرات عديدة والاكتفاء بالنوم خير جليس.. حتى اليوم، فقط اكتفى بترك رسالة شفوية مع
مريم يخبرها فيها بأنه سيسافرون فجر غد وعليها أن تكون جاهزة حين يعود مساءً!!
لكن لا بأس..
لا بأس إطلاقًا طالما هي مواظبة على مهدئاتها
التي تثبط داخلها أي مخاوف تثور بمجرد ذكر العودة لذلك الجحيم، وطالما بحوزتها ما
يكفيها لفترة طويلة لا بأس في شيء.. لا بأس فيما يفعله وفيما سيحدث، طالما لن تكون
واعية بالكامل له.. لا بأس، فليفعل ما يريد، لن تسوء الأمور أكثر مما هي عليه!!
مساءًا، وحينما عاد أدهم، دخل جناحهما
ليُفاجئ بالظلمة المحيطة به وأصوات خافته للتلفاز تتبين كلما توغل للداخل.. للوهلة
الأولى، اعتقد أنها متيقظة وتشاهد التلفاز في انتظاره من أجل السفر لكن على النقيض،
كانت فريدة متسطحة على معدتها فالفراش، تغط نومًا بشكل مبعثر فوضوي، تحتضن كلبها
بلوتو في حميمية شديدة، وفي الخلفية كان التلفاز مشغل على أحد البرامج الوثائقية لقناة
(ناشونال جيوغرافيك) والريموت مُلقى في إهمال بجوارها، وثمة بقايا أطعمة سريعة
ومقرمشات ملقاه بعشوائية على الكومود والارضية حتى أنه تعثر في أحدهم وكاد يسقط،
وهذا ما أشعل فتيلة غضبه.. تبا، لقد اكتفى من هذا العبث وتلك الحالة المريعة، في
حياته لو كان يكرهه شيء فستكون الفوضى عدم التنظيم وعدم النظافة كفيل بان تجعله
كالتنين الثائر ينفث نيرانه في أي أحد وهو في كل مرة يدخل الجناح بالصدفة يجدها
على نفس الحالة، لتغتم نِفسه ويقرر تجاهلها ريثما ينتهي ويتفرغ لها.. لكن حسابها
قد ثقل كثيرًا وفاق الاحتمال، أفكلما جاء بالصدفة هذا ما يراه؟!.. بدى له الأمر وكأنها
تتحداه بتعاطيها لذلك المخدر اللعين ببجاحه وتضرب بكلامه عرض الحائط، غير مكترثة لردة
فعله!!
فور أن عصفت تلك الفكرة رأسه حتى اسودت
عيناه بغيمة غضب واندفع يفتش بفوضوية في أغراضها في أدراج الكومود من الجهتين
منتهزًا فرصة نومها، لربما وجد ما تخبأه من عقاقير الفاليوم.. ألقى نظرة اخرى
ساخطة عليها عندما لم يجد شيء، كان يعلم ان فريدة ليست بتلك السذاجة لتترك شيئا
كهذا على مرئ منه.. تستغفله، تظن انه أعمى لا يرى حالتها المريعة تلك.. تبا، حتى
الأعمى يراها..
صبرًا فريدة، صبرًا
فقط لنكن وحدنا!!
اتجه لغرفة الملابس وراحت يده تعبث
في كل ما يخصها دون فائدة، كاد يجن، أين تخبئهم؟.. هو متأكد انها تملك الكثير، ولكن
أين؟.. لقد تركها الأيام الماضية تعبث في غيابه كما شاءت، لديه الأهم في ترتيب
أوضاعهما بالخارج من جديد، والتأكد أولًا من استعادة مكانته داخل المنظمة، خاصة
وهو لن يسافر معها فقط، بل سيصطحب اخته ريم أيضًا والتي أصرت عليه اليوم التالي لعقد
القران أن تسافر معه واضطر للموافقة على طلبها بعدما شعر بتقصيره معها الفترة
المنصرمة وقرر تعويضها والاهتمام بها من جديد، لذلك يجب ان يكون يقظًا كفاية.. إلى
هنا، وقد بلغ حده من ادعاء تلك السخافات كمراعاة حالتها النفسية وإبداء الشعور
بالذنب دائمًا وطلب الصفح والغفران ومحايلتها وكسب رضاها.. تبا منذ متى وهو يهتم
لشعور أحد؟، طالما كان وحشًا لا يعبأ بأخذ، ولابد ان يظل هكذا إن أراد ان يحيى في
عالمه.. اللعنة، هو لا يعلم ما ينتظره هناك، يكفيه الاعمال التي تراكمت فوق عاتقه
في المدة التي كان يركض فيها خلفها.. لا مزيد من الركض بعد الآن؛ فقد وضع قبضته
عليها أخيرًا ولن يضيعها..
أخطأ؟!.. بلى، أخطأ، وها هو يسعى لإصلاح الأمر وهذا كافيًا بالنسبة له..
كان لديه قاعدة تريحه؛ وهي أن طالما الأمر يمكن إصلاحه، فلا داعٍ للنحيب!.. ألم
ترتضي العيش معه وقبلت بشروطه وحياته كما هي هذه المرة؟!.. إذًا لن يسمح لها
بالتمادي في مثل هذا الهراء والعيش بدور الضحية طويلًا..
لن نظل نبكي على الاطلال طوال حياتنا
يا فريدة!!
صوت نباح كلبها جعل يديه تتوقف عما
كان يفعله، يبدو انه قد شعر بوجوده أخيرًا وفاق من نومه الثقيل كصاحبته.. خرج ليجد
فريدة بالكاد تفتح عينيها المنتفخة من كثرة النوم رافعه رأسها بصعوبة لتلفظ اسمه ببحة
أنثوية أطفأت كل أجيج غضبه:
- أدهم..
مسحت وجهها عدة مرات علها تستفيق وغمغمت
فيما يعني أنها قد غفت أكثر من اللازم وأنها ستستعد حالًا.. في حين أكتفى أدهم
بمراقبتها بأعين ثاقبه تزداد ظلامًا مع كل حركة تصدر منها وهي تنهض بصعوبة وتتعثر
في الفراش وتكافح لتوازن خطواتها، بينما لازلت عينيها شبه مغلقة.. ما إن مرت
بجانبه حتى اعتصر قبضتيه كيلا يجعلها تستفيق بطريقته.. هدر من بين اسنانه وهو بالكاد
يكف نفسه عنها:
- أسرعي.. لا وقت لدينا!
لم تعقب فريدة من الذهول، رأسها
الثقيل لا يسعفها في ترجمة ما قاله، حرقة عينيها كانت تُغَبّش من الصورة أمامها،
وغرتها تزيد الوضع صعوبة.. ثمة جفاف شديد بحلقها؛ لذلك اكتفت بإيماء خافته وسرعت
نحو الحمام لتختبئ فيه من مظهره المخيف ذلك.. الوقت الذي احتاجته لتزيل الضبابية
عن ذهنها قبل عينيها كان أكثر من اللازم، الحقيقة أن فريدة تعمدت المماطلة في
الاستحمام لتأخير المواجهة معه قدر الإمكان، تعكير مزاجها لم يكن من ضمن خططها هذه
الفترة.. لكن في النهاية اضطرت للخروج واستكمال باقي تحضيراتها في الخارج، فلم تكن
قد اصطحبت معها شيء أثناء دخولها للحمام..
في تلك الأثناء، ظل أدهم جالسًا بتحفز يترقب خروجها، كقاتل متسلسل
ينتظر ضحيته القادمة تخرج على أحرّ من الجمر.. اشتدت عينيه قتامة حينما لمح فريدة تدلف
برداء الحمام وتتجاوزه في سلاسة صوب غرفة الملابس وكأنها لا تراه.. أخدت كامل
وقتها في تجهيز ملابسها متجاهلة عن عمد ذلك الذي يكاد يقسمها نصفين بنظرات السفاح
خاصته.. جلست أمام المرآة لتبدأ في تصفيف شعرها مستمرة في الضغط على أعصاب أدهم
ببرودها اللامتناهي، غير عالمه انها بذلك تشحذ غضبه أكثر وأكثر.. حتى شعرت به يقف
خلفها من العدم، وبدون مقدمات، تناول منها مجفف الشعر والفرشاة ليستكمل هو تصفيف
شعرها!!
تركته.. في غمرة دهشتها استسلمت
لسواد عينيه ونظرته الآسرة في المرآة.. نظرة متسلطة لعينه تمنعها من قطع التواصل والتواري
عنه بأي طريقة، هالته الرجولية المهيمنة نوّمتها مغناطسيًا فلم تستطع حتى أن ترمش!!..
مسحورة مسلوبة الإرادة، لا تفعل شيء سوى تتبع ما يفعله بفضول..
ما هذا!!
تمتمت بها بصوتٍ خفيض ولكنه التقطها..
الحقيقة أنها لم تكن تسأله، بل كانت تستعجب من الطريقة التي استحوذ عليها بها، فقط
بنظراته!!
- ماذا؟؟..
أهتم بزوجتي.. تمامًا كالأيام الخوالي، أتذكرين؟؟
كالأيام الخوالي..
قالها بتلك الطريقة الآسرة دون أن يحيد بعينه عنها، وكأنما يُلقي عليها تعويذة عشقه
الخاصة التي سرعان ما أتى مفعولها واغمضت فريدة عينيها بسُكرٍ ما إن لامست أصابعه
الساحرة فروة شعرها.. رباه، ماذا يحدث لها؟.. إنه ذلك الشعور الذي تألفه خلاياها
ولازالت تذكره.. تلك اللمسة التي تجعلها كالمخدرة في حضوره!!
أرجع شعرها
للخلف بخفه ومهارة مستمتعًا بملمسه الحريري، ابعد غرتها عن عنينيها ويتسنى له
رؤيتها عن كثب.. ببطء، يختبر تأثير ما يفعله عليها.. ليبدأ بعدها في جَمعهُ في
جديلة سمكية اخذًا كامل وقته في هذا، وكأنه يقوم بصنع عملية جراحية شديدة الدقة،
لا يصفف لها شعرها.. ولم يتوانى عن بعض اللمسات الخالية من البراءة والمداعبة الخاطفة
كريشه لظهرها وعنقها كلما سنحت له الفرصة.. تابعت فريدة ما يفعله بذهول وارتباك
فاقدة السيطرة على كل ما يثور داخلها من فوضى هو مُحدثها.. الأمر حقا كان غريبًا
لدرجة فاقت الوصف، كشيء ضائع منها ووجدته صدفة!!.. بالأعين، ثمة لغة مُشفرة بينهما
لا يفهمها عداهما.. قربه، لمساته، رائحته، كلها أشياء لم تكن تعرف حتى الآن أنها
جائعه لها.. جسدها، روحها، كل ما بها مفتقد لذلك القرب الحميمي الثائر.. كانت
تتابعه، عطشه للمزيد، ومترقبه للقادم، لا تعرف متى تثور الأعاصير المتمردة بينهما
لتهدم تلك اللحظة الجميلة..
جميلة؟!
كرر عقلها الكلمة
في استنكار لوقعها، لتعترف في النهاية انها بالفعل حلوةٌ المذاق، ومن حلاوتها تُبدد
كل مُـرٍ داخلها..
ولوهله،
تساءلت، لما لا تدوم للأبد؟؟
فقط هي وهو..
وتلك
الحميمة الساحرة التي يحتضنها فيها، دون ان يحتضنها..!
وذابت أكثر
مع أصابعه الماكرة، التي تسللت خلسه تغزو جسدها، وتتفقد منحنياته شيئًا فشيء.. وهي
كما هي، على حالها، مغمضة العينان، لاهيه عما حولها، عدا هذا الشعور اللذيذ.. فطد
أعطت لنفسها فرصة الذوبان في تلك اللحظة الفريدة، وتمديد اجلها وكأنها تملك ذلك،
موهمه نفسها كذبًا أنها لحظة حقيقية ومن حقها.. انهما زواجان عاشقان، وما يحدث
بينهما ما هو الا شيء طبيعي من حقها.. فقط من حقها!!.. ظلت تردد تلك الكلمة داخل
نفسها كثيرًا مُسكته بها أي ضجيج يحاول ان يعكر صفوها.. وحينما انتهى، لم تدرك
ذلك حتى استشعرت الخواء من حولها وذلك الدفيء اللذيذ يختفي لتحل بداله برودة قاتلة
وقد ايقظتها نظراته التي ظفرت بها بينما يمسك بين اصابعه علبه الدواء التي كانت بحوزتها!!
المخادع..
لقد نوّمها بلمساته حتى سرقها!
سرق الدواء
بخفه لص من جيب رداءها!
- ماذا أفعل بكِ صغيرتي؟؟
قالها بشيءٍ
من الغيظ والتسلية بينما لازال واقفًا خلفها، يحاصرها بذراعيه في الكرسي وبالمثل
عينيه في المرآه.. لا ينكر أنه لا يقل عنها دهشه من حالة الخنوع التي كانت عليها
بمجرد لمسات حانية منه، وكذلك لا ينكر أيضًا مدى خيبته لأن ما توقعه كان صحيحًا
وطوال تلك المدة كانت تحتفظ بالمهدئ في ملابسها أينما ذهبت!!
ما إن أدركت
ما حدث حتى هبت واقفه تلتفت له في محاولة للاسترداد ما سرقه.. على ما يبدو أننا لن
ننتهي أبدًا!!
- لا أدهم، هاتهِ!!
هتفت فريدة بلوعة
متشبثة بذراعه الذي يرفعه عاليًا، أعلى مما قد تصل له.. تبا، لما يتعمد أن يستخدم
قدراته الجسدية عليها، هذا ليس عدلًا!.. ضربته في صدره بقوة حينما يئست أن تحصل عليه،
ليفلت منه تأوه موجوع متبوع بسبه بذيئة، وقد اصابت جرحه دون قصد.. انحني أدهم على
نفسه في محاولة لاستيعاب الألم الذي لمّ به فجأة حابسًا أنفاسه بين اسنانه وهو يرمقها
بنظرة لا تنوي إلا كل شر.. هلعت من منظره مبتعدة في خشيةً من بطشه، وهذا ما حدث؛ فسرعان
ما استعاد وضعه ليطيح بها صادمًا ظهرها في أحد خزانات الملابس بقوة، وقد فاق عبثها
قدرته على التحمل..!!
- اللعنة، ماذا أفعل بكِ؟!
صوته.. كان كالإعصار،
زلزل كيانها.. للحظة لم تسمع سوى صفير مستفز في اُذنها.. ضرب بقبضته الخزانة
كالمختلين، فارتج صدى الضربة في جسدها، وتخيلت لو كانت نالت راسها هذه الضربة،
لانتهت!!
مرحبًا بالنسخة
الحقيقية من أدهم الشاذلي!!
- ماذا أخبرتك بشأن تعاطي تلك القمامة؟.. اللعنة، ماذا أخبرتك
جاوبيني؟!
مجددًا، صوته
الجهوري رجّ روحها، ولم تتحمل اعصابها وغلبتها نوبة بكاء فزعه إلا أن ذلك حتى لم
يشفع لها، وراح يهزها بجنون مستكملًا تعنيفها:
- كُفي عن البكاء وجاوبيني!.. ألم أخبرك أنني لو اكتشفت تعاطيكِ
لها لن أتردد بحجزك في مصحة؟.. هل تستهيني بلعنتي، فريدة؟!.. أتظنين انني لن
افعلها، هاه؟؟
- توقف.. ارجوك!!
بالكاد خرج
صوتها لتستجيده ولازالت تعتصر عينيها في رعب هائل..
ما بال هذا
الثور الهائج؟! أيريد اصابتها بنوبة قلبية؟!
نفث دخان
غضبه في وجهها ليتركها وهو يكافح لالتقاط أنفاسه من فرط الغضب.. تبا، لو كانت
فريدة بارعة في شيء، فهي بارعة في استخراج وحوشه!! .. مسح على وجهه أكثر من مرة ليلتفت
لها، وهو لازال يعتصر العلبة بين قبضته.. وضعها صوبه أعينها وبلهجه مميته آمره مخبطًا
مرتين على طاولة الزينة:
- هاتي كل ما معك الآن، وضعيه هنا!!
احتاجت بعض الوقت لتتمالك اعصابها
التي اندثرت في الثواني الماضية، وأخذت كامل حذرها في عدم الاقتراب من دائرة تهديده..
بينما أدهم لا يتوقف عن بثها نظرات السفاح خاصته..
تبا، ألن ننتهي أبدًا، أي مأساة
إغريقية تعيشها!!
- تحركي،
لن انتظر الليل كله!!
لم
تفكر مرتين، بل هرعت إلى إحدى الحقائب التي سبق وأعدتها مع مريم صباحًا للسفر،
فتحتها لتزيح بعض الملابس الخاصة بها جابنًا مكشفه عن الجيب السري للحقيبة.. وعند
تلك النقطة ازاحها أدهم وتولى هو التفتيش في أغراضها كمفتش جمارك، يبعثر كل شيء ويطلق
السباب هنا وهناك، حتى عثر على ثلاثة علب أخرى من الدواء التي لم تستعمل بعد..
- اللعنة،
هل تتعاطينه أم تتاجرين به؟؟.. من أين لكِ بكل تلك الكمية؟.. انطقي!!
شعرت باختناق متعاظم من ضغطه على اعصابها ومحاصرته لها لتصيح بانفعال:
- كفى
تهديدًا!!.. ألم تأخذها، ماذا تريد لعنتي الآن؟!
ترك
أدهم ما كل وجذبها من ذراعها في
عنف لتواجهه ويتبين لها وجهها المربد بحمرة الانفعال والغضب.. تمتم في حدة لم يخفي
استياءه فيها:
- أريدك أن
تكفي عن تدمير نفسك!!
- وما شأنك
بي.. نَفسيّ وانا حُرّة بها!!
- لسـتِ
حُـرّة!!
يا
الله..
مجددًا
النبرة ذاتها..
تلك
النبرة التي يكبلها فيها بطوقٍ من حديد..
ثمة
أمور لن ننتهي منها ابدًا!!
رمقته
بنظره تعلقت على شفيرها دمعة يأس تأبى النزول والاعتراف بخيبتها بينما تسمعه
يستكمل حصته في تحديد ملكيته لها:
- اخبرتك
من قبل، انتِ كلّك شأني!!.. ملكي، أتسمعين؟!.. شئتِ أم أبيتِ!.. تبا لكِ فريدة، ما
كل هذه الانانية؟!.. أهذا هو انتقامك مني؟!.. إذًا أنتِ تنتقمين من نفسكِ أيضًا،
لأنكِ واللعنة لازلتِ تحبينني رغمًا عنكِ والدليل استسلامك لي قبل قليل.. كفى عنادًا،
لقد سئمت!!
الغضب،
الخزي، الكراهية، الخيبة.. مشاعر عديدة ضج صدرها بها وصَعُبَ عليها احتواءها معًا..
كيف يمكن ان تفسر ما بها الان.. الكلمات وحدها لا تسعفها.. خنقة بكاء قوية حضرتها
وأضاقت عليها أنفاسها.. دفعته بقوة في صدره لينزاح عنها وبيدها الأخرى كممت فمها
لتحبس بكائها.. انزوت على نفسها في أحد المقاعد الصغيرة موليه ظهرها له وكأنه لن
يراها مغمغمه بكلمات مريرة بصعوبة تبينها من بين شهقات بكاءها:
- مثيرة
للشفقة، أليس كذلك؟!.. يا إلهي، كيف ظننت أنك حقا تحبني؟!.. لا ألومك؛ بالأساس مَن يحب شخصا
مثلي بكل هذه البشاعة والتشوهات التي تملأ جسمي.. يا لغبائي!!..
- انت بالفعل أغبى ما عرفت!!
قطم آخر حروفه بين شفتيها.. فبطريقة
غاشمه، اختطفها أدهم من مقعدها لترتمي بين احضانه في هجوم مباغت وضاري على شفتيها..
قبلها وكأن حياته تعتمد على ذلك، أراد أن يبثها كامل افتقاده وغضبه معًا.. كيف
تفكر هكذا بحق الجحيم أهذا ما فهمته من كل ما قاله!.. تبا لها من امرأة غبية، حُبها يلتهم
قلبه كالمرض وهي تقول (شفقة)!!.. فلتشفق هي عليه وتتوقف عن تعذيبه!!.. أرادها ان
تعرف، تبا، تفهم كم أن روحه معلقه بها، وكم تعذب في بُعدها تلك الغبية!!.. فعلى ما
يبدو أنها لا تفهم بالكلام وحان وقت الفعل!!
يتبع....
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة غادة حازم، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية