رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 16 - 2 الخميس 23/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل السادس عشر
2
تم النشر يوم الخميس
23/5/2024
❈-❈-❈
مر أكثر من شهرين ولا زال الفرعون غائبا ولكن ما واساها هو عودة الأميرة تيا للمكوث بالقصر لحين عودة زوجها فجلستا سوياً معظم الوقت كل منهما تقص على الأخرى ما قد فعله الشوق ونار الفراق بهما، وبالطبع ظنت تيا دائماً أنها تعشق أحد الجنود .
هتفت تيا تخبرها:
-متى سينتهي خوفك من أن يعلم أحد بعلاقتك؟
ردت بحزن :
-النذور أبدية ولا يمكن محوها فلا توجد طريقة.
استنكرت تيا الأمر وقالت:
-أحزنتني كثيرا، هل تظلين عمرك كله تعيشين هكذا؟ حقا هذا ليس عدلا.
لم ترد على حديثها بل أطرقت رأسها بحزن فاستمعت لتيا تردف:
-الغريب بالأمر هو قدرة والدي على جعلك تمكثين هنا وكأنه يعلم بأمرك.
التفتت سريعا ورمقتها بنظرة فاحصه وسألتها:
-هل يعلم أبي بأمرك؟ هل يعلم بأمر عشيقك؟
لم تجيب بل توترت فضربت تيا على فخذها وكأنها فهمت لتوها:
-بالطبع يعرف وإلا لماذا أبقاك هنا، والأكيد أن عشيقك ذو شان ونفوذ حتى يهتم أبي بالأمر بنفسه.
تخوفت بنترشيت جداً من ربطها الخيوط ببعض والأخرى تكمل تفسيرها: بالتأكيد وزير، إن لم يكن قائد الجيوش.
ضحكت وهي تقول:
-لا أظنه قائد الجيوش توت أليس كذلك فهو زوجي، من إذن هيا أخبريني رجاءً؟
تهربت كعادتها محاولة تغيير مجرى الحديث ولكن تيا أصرت:
-لن أتركك حتى تعترفي ل، سنوات وأنتِ صامتة بنترشيت.
ترجتها هاتفة:
-هيا اخبريني.
همت بالحديث ولكنها شعرت بغثيان فاجئها فهرعت لتقضي ما بجوفها بعيداً عنها وعادت شاحبة ومتعبه فرمقتها تيا بخوف وقالت بحذر:
-هل تحملين طفل باحشائك قيثارة الحب؟
لمعت عينيها مدهوشة وسألتها بخوف:
-ماذا تقولين؟ لا أظن ذلك وإن حدث فلا تخبري أحد حتى أرى ما سأفعله!
أومأت لها مؤكدة:
-بالطبع لن أخبر أحد، ولكن دعينا نتأكد أولا حتى لا نظل نفكر دون داعٍ.
رفضت معللة بخوف:
-كيف سنتأكد؟ إن كان عن طريق الطبيب فممكن أن يخبر الجميع ووقتها قد أقتل، أرجوك تيا لا تخبري أحد بذلك حتى أتأكد أنا بطريقتي.
لم يمر الكثر من الوقت حتى تأكدت من حملها فجلست بحجرتها معظم الوقت وهي تشعر بنفسها لا تقوى على الحركة ليس تعبأ أو ألما ولكن خوفا من أن يعلم أحد بسرها.
ظلت تعد الأيام حتى يعود وينقذها ولكنها تفاجئت بدخول حراس المعبد ومعهم بعض من الكهنة والكاهنات لحجرتها وقاموا بتكبيلها على الفور هادرين بها بعنف وشراسة:
-أيتها المدنسة اللقيطة، فرطت بنفسك وبنذورك وعشت بعلاقة محرمة، والآن تحملين بأحشائك لقيط مُدنس مثلك.
سحبوها بعنف من حجرتها وجروها جراً وهي تتمسك بجدران المكان وتصرخ طلبا للنجدة فجاء الحارس حانوت رع على الفور وأمرهم بقوة وصرامة:
-اتركوها الآن فهي بحماية القصر والفرعون.
رمقه أحد الكهنة بنظرة غاضبة واقترب منه وقال محذرا إياه بمغذى:
-لا تقف بطريقنا وإلا اعتبرناك أنت من قمت بتدنيسها وتدنيس حرمة المعبد معها وتحال معها للمحاكمة.
تخوف حانوت رع على الفور من تنفيذهم لذلك التهديد الذي بدا جدياً وصارماً، فابتعد فوراً ولكنها نظرت له تترجاه:
-أرجوك لا تتركني، أرجوك أيها الحارس فلتخبر الاميرة تيا وارسل له رسالة أخبره بأن يعود لإنقاذي.
سحبوها فوراً ودون مقدمات خارج أسوار وأعمدة القصر حتى وصلوا لسلم المعبد وعنده ارتمت أرضا تتمسك بدرجاته وكأنه آخر شيئ ستفعله قبل أن تزهق روحها.
وصلت لداخل المعبد فأمسكها اثنين من حراسه ووقف أمامها كبير الكهنة ينظر لها بغل وكره وصرخ بها وهو يصفعها صفعة مؤلمة على وجهها:
-من فعل معك ذلك الإثم؟ قولي لنا اسمه وقد أرحمك من العذاب وأقتلك فورا، ولكن إن أخفيتي شخصيته فستذوقين وابلا من العذاب الذي لم يره أو يجربه بشرا من قبل.
بكت وارتمت أرضا تقبل قدماه وتتوسله:
-أتوسل لك أن ترحم ذلك الجنين الذي بأحشائي فهو ليس له ذنب، فقط أضعه وبعدها اقتلني كما تشاء أرجوك.
رمقها بنظرة حادة وصر على أسنانه وأمسكها من كومة شعرها رافعا إياها لأعلى وقال بتهديد:
-أنا أعلم من هو، ولكني أريد سماع صراخك تنطقين باسمه حتى أجرده من جميع ألقابه وأجعله عبرة لمن يعتبر.
بتلك اللحظة بالتحديد علمت أنها هالكة لا محاله فإما أن تهلك هي وجنينها وإما أن تُهلكه معها فقررت بداخلها إن وصل الأمر للموت ستختاره عوضاً على أن تؤذيه هو حبيبها وعشيقها الأبدي.
قاموا بإلقائها بحجرة باردة ومظلمة بعد أن عذبوها مراراً وتكراراً فقاموا بضربها بسوط من الجلد الخالص مزق عظامها وليس لحمها وبشرتها فحسب، ناهيك عن الصفعات واللكمات التي غيرت معالم وجهها وأدمته.
لم يشفع لها توسلها أمامهم ولا تألمها وانهيارها بهذا الشكل، فزادوا تعذيبها كلما سألوها عن هويته وفضلت السكوت ليتخذوها ذريعة حتى يذيقوها وابلاً من العذاب.
زادوا الأمر معها لأقصى حد حتى أنهم منعوا عنها الطعام والشراب غير مكترثين بما تحمله داخل أحشائها ولا لتوسلها لهم بالصفح أو الرحمة بالقتل السريع حتى.
حتى النوم لم يكن خياراً متاحاً لها فالنوم راحة وهم لا يريدون لها الراحة فعمدوا على استمرار تعذيبها ليلاً ونهاراً أو إلقاء المياه أسفلها ليظل جسدها مبتل فتجد صعوبة في النوم أو الجلوس بشكل مريح.
ظلت تتضرع وتتوسل بداخلها تنتظره أن يهب لنجدتها وإنقاذها من براثنهم كما وعدها دائماً أن أحداً لن يسمها طالما هو على قيد الحياة، فهمست بتعب وإجهاد:
-أين أنت يا فرعوني وحبيبي لتأت لنجدتي منهم؟
صراخها وتوسلها أصبح كل ما يسمع داخل جدران المعبد، مرت أيام وأيام وهي تُعذب حتى خرجت الدماء من كل مكان بجسدها وظلت هي بشق الأنفس تحتمل أملاً في أن يأت إليها راكضا وينجدها بعد أن أرسل لها الحارس حانوت رع ليطمأنها بأنه قد أرسل له الرسل لإخباره ولكن بُعد المسافة بهذا الشكل حال دون عودته سريعاً.
قست عليها الحياة كثيراً منذ أن كانت بالثالثة وفقدت أمها ليتركها والدها بحوزة المعبد فتربى هناك وتعامل معاملة صارمة، ولكنها كانت متقبله لحياتها حتى ظهر هو وقلب عالمها رأسا على عقب وجعلها تعيش مشاعر لم تعلم بوجودها حتى، وسعاده لم تتخيلها، وخوفا لم تعاصره من قبل.
فالمشاعر التي عاشتها كانت يانعة كعمرها الصغير، باكوره إحساسها لعذرية قلبها وجسدها، وسعادة لم تعشها قبلا؛ فمن أين لها بها وهي حبيسة المعبد منذ نعومة أظافرها، وأما الخوف الذي عاشته ليس له مثيل أيضاً فخوفها لم يقتصر على فقدانها لحياتها فحسب فقد خافت أكثر على مكانته وكره الكهنة له ولمعبوده ست ومحاولاتهم الدائمة السيطرة عليه وعلى حكمه للبلاد.
وها هي تعاصر خوفاً جديداً عليها وهو خوفها من فقدانها تلك النطفة الصغيرة التي بأحشائها وقطعة منه ومن روحها المعذبة.
دلفت الأميره تيا من جديد تحاول التحدث بشأنها مع الكهنة ترجوهم الصفح عنها، فاستقبلها تلك المرة الكاهن الأكبر وأخبرها بمكر:
-استطيع أن أعفو عنها بشرط واحد أيتها اﻻميرة تيا.
نظرت له بترقب تنتظر أن يخبرها فقال بخبث:
-أن تخبرنا عن شخصية عشيقها، وبعدها سنقدمهما للمحاكمة العادلة ونترك الشعب أن يقرر مصريهما، ولكنني لا يمكن أن أتركها هكذا دون محاكمة وكأن شيئاً لم يكن.
توسلته هاتفة:
-سأقوم بإيداع الكثير من الذهب الذي يخصني تحت إمرة المعبد والكهنة تقدمونها قرابين للمعبود آمون رع، فقط دعني أتحدث معها ربما أستطيع إقناعها.
وافق بالطبع حتى يظهر أمامها وكأنه عادل وليس صارما قد حكم عليها مسبقا، دلفت لحجرة الحبس المظلمة والرطبة فوجدتها مشوهة كلياً من إثر التعذيب فوضعت يدها على فمها تكتم شهقات بكائها والأخرى ملقاة على اﻻرض لا تستطيع الحركة أو التحدث.
اقتربت منها وترجتها بصوت هامس:
-بنترشيت، أتوسل إليكِ أن تخبريهم من هو فقد وعدني الكاهن الأكبر بأن يقدمك لمحاكمة عادلة وأنا متاكدة إن أغدقت القليل من الأموال على عامة الشعب سيكون الحكم لصالحك.
سخرت من سذاجتها وكأنها صدقت بهذه السهولة، بالطبع فهي لم تسمع تهديد الكاهن الأكبر الصريح لها ولفرعونها الذي يريد أن يطيح به، فبالنسبة لها الموت أهون على أن تضع روحه بقبضتهم هؤلاء الذين بلا شرف.
غادرت تيا ودلف الكاهن الأكبر بعد مغادرتها يستند على ركبته وانحنى يحدثها بهدوء وثير قائلاً:
-لن تستطيعي التحمل أكثر بنترشيت، لذا أنصحك أن تعترفي حتى ترتاحي من هذا العذاب.
رمقته بنظرة مغتاظة وظلت صامته فأردف بغضب جحيمي:
-استمعي لي جيداً أيتها اللقيطة المدنسة، برغبتك أو العكس تلك العلاقة ستُكشف وهو أيضاً سيُكشف أمره أمام عامة الشعب قريباً وعاجلا ، ولن يستطيع الصمود أمام نفوذي أنا وباقي الكهنة.
رفع حاجبه وهدر بها:
-لذا إن كان بكِ عقل فتحدثي حتى ترتاحين من العذاب.
أكمل مطنبا:
-أنا أعلم انكِ تماطلين حتى يعود من حربه و ينقذك وهذا تماماً ما أريده، أن يأت ويحاول إنقاذك فوقتها سيكون وقع بشباكي ولن أرحمه ولكن سيكون بعد فوات الأوان، ولكن دعينا نتفق سويا إن اعترفتي أمام الكهنة ورجال الحاشية بهويته سوف أتركك تضعين مولودك وبعدها أقوم بالحكم عليكما.
رمقها بنظرة لامعة ومحذرة وقال بنهاية حديثه قبل أن يغادر:
-سأتركك تتخذي قرارك وسأعود لكِ بعد لحظات حتى تخبريني قرارك النهائي، فإما الراحة أو العذاب المضجع.
خرج فنظرت في إثره وقد اتخذت قرارها منذ اليوم الأول وهي تعرفهم جيداً وتعرف كم قاسية قلوبهم ولا يرحمون ومتأكدة تماماً أن كل تلك الفرص ما هي إﻻ تلاعباً بها حتى يستطيعون أذية الملك، ولكنها لن تعطيهم تلك الفرصة.
وحتى فكرة تحملها حتى يأت لنجدتها قد بائت بالفشل لذا لم يتبق لها سوى أمراً واحداً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولو كان أقل القليل، أﻻ وهو إنقاذه هو بهيبته ومكانته.
انتظرت حتى دلف الحارس يسألها إن ما كانت قد اتخذت قرارها فأومات له وأخبرته بإجهاد وتعب:
-لقد اتخذت قراري وسأعترف.
ابتسم لها وأوقفها مسنداً إياها وخرج بها متجها للخارج حتى المذبح الخاص بالمعبد بعد أن أخبر الجميع بالحضور للاستماع لاعترافها.
تحركت معه ببطئ وهي تسترجع كل لحظاتها بجدران ذلك المعبد وهي صغيره وحتى تركته بعمر الرابعه عشر ، و تذكرت ذلك الحائط عندما أحضرها الفرعون سيتي ليلاً وهو يأمر بانشائه ليخفي به تلك الحجرة السرية فأدخلها للداخل وأشار لها لتلك الحلي والذهب وهو يقول لها:
-بيوم من الأيام إن حدث لي أمراً فقومي بكسر هذا الحائط واحملي من تلك الخيرات كل ما تستطيعين حمله وابتعدي لأقصي مكان تستطيعين الذهاب إليه حتى اطمئن عليكِ، فالملكة تويا لن ترحمك إن حدث لي مكروه.
أكملت سيرها بعد أن دفعها الحارس بغلظة هاتفاً:
-تحركي ولا تتلكئي.
خرجت للمذبح ونظرت لصف الكاهنات المتراصة أمامها وتذكرت يوم تتويجه ونظراته لها وتحدثه معها، فرغما عنها ابتسم وجهها لتلك الذكري الغالية والعزيزة على قلبها بالرغم من تلك النهاية المأساوية التي آلت إليها حياتها إﻻ أنه دائماً ما تكون اللحظات الأولى هى الأجمل على الإطلاق.
وقفت أمام الكهنة وكبيرهم بالمنتصف ينظر لها بترقب وهي تنظر حولها تحاول أن تقيم الأمور و الوضع الراهن لتنفيذ مخططها النهائي ولكن عدد الحاضرين أكبر مما ظنته فلعنت بداخلها فشل مخططها.
سألها الكاهن الأكبر بصوت هادر: هل أنتِ مستعدة للاعتراف أمام الكهنة بما اقترفته بحق المعبد وبحق نذورك؟
أومأت موافقة وأجابت:
-نعم، لقد أخطأت بحق المعبد ودنست حرمته وأخطأت بحق نذوري وخالفتها وأطلب الصفح من المعبود آمون رع ومن كهنته.
عاد يكمل استجوابها هاتفا: هل أنتِ مستعدة لدفع ثمن تدنيسك للمعبد وتسليمك لعذريتك التي هي ليست لك لتسلميها لأي ما كان؟
أومأت مجيبة:
-مستعدة للاعتراف ولدفع الثمن سيدي.
أكمل استجوابه وسألها بصوت عالٍ حتى يستمع له كل من بالمعبد:
-هل أنتِ مستعدة للاعتراف بهوية من قام بتدنيسك، ومن قام بلمسك دون وجه حق وافقدك عذريتك؟
نظرت حولها فوجدت جميع الأوجه مسلطة عليها تنظر لها بترقب وانتظار كالحيوان الذي ينظر لفريسته وينتظر الوقت المناسب لينقض عليها فسحبت نفسا عميقا وطردته وهمست بداخل نفسها وكأنها تحدثه و كم تمنت أن تستطيع ترك خطابا مكتوبا بخط يدها ليقرأه حينما يعود :
-حبيبي وفرعوني وملكي الذي لم أعشق غيره، اتخيلك تسمعني اﻵن وأنا أودعك مولاي الوداع الأخير، فكما أخبرتك قبيل سفرك أنني أشعر أنها المرة الأخيرة التي سأراك فيها وقد كان، لذا لا تتوقف عن حبي أبدا ولا تنساني وسأنتظرك بالحياة الأخرى.
هدر بها الكاهن الأكبر هاتفاً:
-لم تجيبي على السؤال، هل أنتِ مستعدة للاعتراف بهويته؟
حركت رأسها رافضه وقالت بصوت جهوري:
-أُفضل الموت على أن أبوح بسره لكم.
فور أن قالت تلك الكلمات هرولت للخارج حيث الشرفة العالية للمعبد ونظرت لاسفل من هذا اﻻرتفاع الشاهق وأغلقت عينيها تفتح ذراعيها بالهواء وتقول بحزن:
-أحببتك أكثر من روحي واﻵن أقدم لك روحي يا مولاي وحبيبي.
وقبل أن يستطيع الكهنة أو الحرس اللحاق بها و إبعادها عن الحافة كانت قد ألقت بنفسها من أعلى الحافة لتسقط أرضا على درجات السلم تلقى مصرعها في الحال.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية