رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 20 - 2 الأحد 26/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل العشرون
2
تم النشر يوم الأحد
26/5/2024
مرت أيام وهي تحاول اﻻستقرار ببيئتها الجديدة برفقة عائلة إمام وطلبها المستمر له بزيارة جنوب مصر وبالأخص المعبد الجنائزي بأبيدوس، ولكن إمام رمقها بنظرة غاضبة وسألها بحدة:
-ما لكِ تصرين على الذهاب لهذا المكان؟ هل عُدتِ لهرائك القديم هذا؟
حاولت طمس الحقيقة أمامه، الحقيقة أنها هي كانت وما زالت نفس الفتاة أو بالأحرى الكاهنة بنترشيت فردت بكذب:
-بالطبع لا، ولكنك تعلم شغفي بالتاريخ المصري القديم وآثاره الرائعة وكم أود رؤيته على الواقع.
ابتسم لها وانحنى هامسا بجانب أذنها:
-حسنا حبيبتي، ولكن انظري لأسفل.
غمز بعينه لها مبتسما فنظرت وعادت تنظر له بحيرة فضحك عاليا وربت على بطنها التي بدأت بالبروز أكثر للخارج وقال:
-أظن أن الوقت غير مناسب لذلك اﻵن لذا أعد باصطحابك بعد وضعك لجنينك.
زفرت بضيق وحاولت إخفاء غضبها ودلفت لغرفتها الضيقة وجلست تفكر فعادت بذاكرتها لتلك الزيارة للعاصمة برفقة فرعونها وحبيبها فاصابتها غصة اشتياق.
فكرت و فكرت وأغلقت عينيها وتحدثت بالهيروغليفية هامسة:
-ليتك هنا مولاي وحبيبي لكنت ساعدتني بمسعاي.
استمعت لنحنحة أخت زوجها بجانبها فنظرت لها دورثي مبتسمة فاقتربت الأخرى وجلست بجوارها وربتت على قدمها فتعجبت دورثي لأنها تعلم أن لا أحد بهذا المنزل يتحدث الإنجليزية، لذا بالأيام القليلة التي مرت بها بذلك المنزل كانت وسيلة التواصل بينها وبين عائلة إمام إما هو نفسه أو اﻻبتسام وربما الإشارة.
استمعت لصوت تنفس أخت زوجها العميق فنظرت لها بحيرة فماذا تريد منها حتى استمعت لها تقول بصوت عميق ولغة هيروغليفية:
-اشتقت لكِ قيثارتي.
لمعت عينيها بدهشة وتعجب ولهفة بآن واحد والتفتت تنظر لتلك الفتاة الصغيرة وهي تبتسم وهمست:
-مولاي سيتي؟
أومأت لها فحاولت دورثي كتم شهقتها بوضع كفها أعلى فمها فنظرت لها نظرات فاحصة وسألتها بصوت خشن:
-تحملين طفله؟ وبنفس الوقت تقومين باستدعائي!
حركت رأسها نافية فقالت الفتاة بغضب:
-تضاجعينه وتحملين منه يا وضيعة.
حاولت منعه من التكلم أكثر فوضعت يدها على فم أخت زوجها ورمقتها بنظرة راجية حتى يستمع لها ذلك الذي يسكن جسدها وأمسكت بكفها وضعته على بطنها وقالت بتأكيد:
-طفلك مولاي، إنه طفلك الذي ينمو بأحشائي وليس منه ولهذا السبب أتيت لمصر حتى...
صمتت فجأة عندما وجدت والدته تدخل عليهما الغرفة تتحدث بلغتها الغير مفهومه لها ويبدو عليها اﻻبتسام:
-بتعملوا إيه انتو اﻻتنين؟ اوعي تقولي يا بت يا آﻻء إنك فاهمه كلامها!
ابتلعت دورثي فوراً من أن تكشف أمرها فنظرت بعين فرعونها الذي ابتسم ورد بصوت الفتاة وبلغة عربية:
-بتسلي يا ماما.
تحركت عزيزة ببطئ للخارج وهي تقول:
-طيب يا بنتي تعالي جهزي معايا الغدا أخوكي زمانه جاي من الشغل.
فور خروجها ظلت دورثي تنظر أمامها فالتف سيتي متلبسا جسدها وسحبها داخل حضنه فاندهشت وتسائلت:
-تتحدث اللغة العربية مولاي؟
ضحك وأجاب:
-والإنجليزية وكل اللغات، فمن السهل تعلم أي لغة وبسهولة ولكن الغريب أنكِ لم تسألينني عندما تحدثت معكِ الإنجليزية قبلاً.
أجابت مبتسمة:
-اعتقدت أنك تعلمتها بسبب مرافقتك الدائمة لي منذ أن كنت بالثالثة من عمري.
مسح على وجهها وقال بتعجل:
-لا يوجد وقت، فاخبريني الحقيقة هل فعلاً ما ينمو بأحشائك هو ابني؟
أومأت له والعبرات محبوسة بمقلتيها فاقترب وقبل عينها هامساً:
-لا تقلقي حبيبتي، فأنا هنا.
ضحكت من غزله ونظرت لملامحه الأنثوية وقالت مازحة:
-لم أتخيل بأحلامي أن أراك كفتاة يا مولاي، والمضحك إن رأنا أحداً سيظن أننا نفعل شيئا منافيا للأخلاق.
ضحك كاتماً صوته حتى لا يخرج وتسمعه والدة إمام وقال بجدية:
-استمعي لي، أنا هنا قوي وأستطيع أن أظل جانبك......
قاطعته مؤكدة:
-أنا أريدك لي، فلنفعلها مولاي.
نظر لها بتدقيق فأوضحت:
-تنتقل لجسد إمام بالكامل، لقد تعلمت الطريقة من ذلك المعالج الروحاني وأنا على أتم استعداد لفعلها، ولكنني فقط لا أجد طريقة حتى أقنعه بالذهاب لمعبد أبيدوس.
مسح على طول ذراعها وقال بتأكيد:
-لا تهتمي حبيبتي، سوف أجعله يتوسلك حتى تسافرين برفقته لمعبدي وهناك نتمم طقوسنا حتى نكون سويا من جديد.
قبلها فابتعدت فورا رافضة تهمس بانهيار ضاحك:
-لا لا مولاي، لا أريد تذوق شفتي تلك الفتاة أرجوك.
ضحك هو الآخر وغمز لها بطرف عينه وغادر جسد الفتاة ففتحت عينيها تنظر لدورثي بتعجب وظلت تفكر متى أتت إلى هنا وماذا تفعل، ولكن قطع عليها تفكيرها صوت والدتها العالي:
-يلا يا أﻻء، بقولك أخوكي زمانه راجع من الشغل.
ردت باحترام:
-حاضر يا امه.
❈-❈-❈
ظلت تتحرك بجسدها يمينا ويسارا تشعر بالأرق فاستمعت لذلك النائم بجوارها وهو يقول:
-ما بكِ؟
اعتدلت بجسدها ورمقته بنظرة متوترة فهي شائت أم أبت تشعر بغصة تجاهه فردت:
-لا أعلم فقط لا أستطيع النوم.
ابتسم لها واقترب من أذنها هامسا بحب:
-ما رأيك بمطارحتى الغرام ربما وقتها تشعرين بالنعاس.
ضحكت باقتضاب وعادت تتهرب قائلة:
-أشعر بالتعب و......
صر على أسنانه وقاطعها بضيق:
-نفس الحديث المهترئ ونفس الأسباب.
دمعت عينيها ولكنها وجدت يده تمتد لوجهها فحاولت أن تبعدها وفتحت عينيها فوجدت لون حدقتيه قد تغيرا فعلمت أنه فرعونها فبكت وهو يسحبها داخل حضنه هامسا لها:
-لا تحزني حبيبتي، ولولا ترددك لكنا معاً الآن، ولكننا سننهي هذا الأمر سويا.
ارتبكت فشعر بها فاحتدت نظرته ورمقها بتحذير هاتفا بصوت أجش:
-إياك وتغيير رأيك للمرة التي لا أعلم عددها.
حركت رأسها برفض وأوضحت:
-لا حبيبي، ولكنني قلقة فهو سيعلم بالتأكيد أنك........
قاطعها مؤكداً:
-حبيبتي، أنتِ لن تريه مجدداً منذ تلك اللحظة.
❈-❈-❈
مع أولى خيوط النهار تحركا للخارج فكانت عزيزة تصلي الفجر فسلمت يمينا ويسارا ونظرت لهما متسائلة بحيرة:
-رايح فين يا بني وش الفجر كده؟
رد سيتي بإيجاز:
-عندنا سفر يومين وراجعين.
وقفت من مكانها واتجهت نحوهما ورمقته بنظرة متفحصة فتعجبت وسألته:
-أنت متغير ليه كده؟
ارتبك فوراً وقال بتهرب:
-مالي يا امه، ما أنا زي الفل أهو.
شعرت دورثي بتخوف من شكله المتوتر فسألته بالإنجليزية:
-ما بها؟
أجابها فوراً:
-لا تهتمي حبيبتي.
أمسك راحتها وتحرك صوب الباب وعزيزة متجهمة الوجه وتضرب كفها باﻵخر متمتمة:
-هو عشان عاش في بلاد بره عينه لونها يتغير كده، الواد كأنه اتبدل وبقى واحد تاني.
أما هما فقد استقلا سيارة الأجرة التي اتفق معها وبدأت رحلتهما صوب مدينتهما ومسقط رأسهما بأبيدوس، وظلت هي طوال الطريق تنظر له مبتسمه وسعيدة تتأبط ذراعه كأنه عالمها الوحيد وتهمس له بالكلمات العاشقة، حتى وصلا لمكان المعبد الجنائزي.
وقفت أمام المعبد تنظر له بحنين واشتياق فتذكرت آخر لحظاتها بتلك البقعة تحديداً ولكنها تعجبت من شكله فنظرت لفرعونها وسألته:
-أين الحديقة، ولماذا تهدم المعبد بهذا الشكل؟
أجابها وهو يربت على كتفها:
-لقد مرت آلاف الأعوام حبيبتي وهذا ما فعله الزمن، واﻵن هيا حتى نسترح بالداخل قليلاً فقد أخذت الرحلة أكثر من عشرين ساعة ولابد أن نستريح وبعدها نبدأ بالشعائر سوياً.
أومأت له بطاعه وخضوع وقبل أن تدلف خلعت حذائها وأمسكته بيدها كعادتها القديمة فنظر لها مبتسما واحتضنها بحب.
نظرت للمذبح الذي أمامها وأشارت للحائط البعيد وسألته:
-أليس هو هذا المكان؟
أومأ مؤكداً:
-نعم ولكننا لن نحتاج إليه، فقط عليك أن تقيدينني هنا على ذلك النصب الحجري وبعدها نبدأ الشعائر.
تسائلت بحيرة وخوف:
-ولما أقيدك مولاي؟ ما السبب؟
رد موضحا:
-قد يظهر إمام وقت التلبس الكامل وقد يفتعل مشاكل.
نظرتها الواهنة والمرتعدة جعلته يقول بضيق:
-أنت معي بنترشيت أليس كذلك؟ لن تترددي أو تشعري بالأسى تجاهه!
سقط كلامه على قلبها كالصاعقة وبللت شفتيها بطرف لسانها وسألت بتوتر:
-هل يمكنني سؤالك عن أمر؟
وافق بحركة من رأسه وزم شفتيه منتظرا سؤالها وهو يعلم كم أنها مترددة ومتخبطة بآرائها ولا يمكنها الثبات على رأي واحد فسألته بتلعثم:
-أين إمام اﻵن؟ وأين سيكون بعد أن....
صمتت وعادت تكمل برهبة:
-هل سيموت؟
أجاب سيتي وهو زاما شفتيه بضيق:
-أظنه سيحُبس ما بين العالمين كما أنا اﻵن، ولكن الفرق الوحيد انه ليس لديه قوة لتحرير نفسه.
عادت تسأله بتوتر:
-هل سيتألم أو يشعر بتلك الطقوس؟
أجاب سيتي بفروغ صبر:
-ربما، لست متأكداً.
تخبطت أكثر فنظر للخارج وهتف بحدة:
-لابد ان ننتهي من تلك الطقوس قبل طلوع الشمس، أي ما بين الليل والنهار وبالتحديد نفس الوقت الذي يفصل بين المساء والصباح هو نفسه الوقت الأمثل لفتح بوابة ما بين العالمين.
أومأت وهي مترددة ومتخوفة ولكن سبق السيف العزل ولا رجعة بعد اﻵن، أخرج من الحقيبة بعض الحبال وناولها إياهم وقال مازحاً:
-قيديني بقوة وتأكدي من إحكامك للعقدة حتى لا أهرب منك قيثارتي، فربما أفعلها.
ابتسمت بحب وبدأت بتنفيذ أمره وقيدته جيداً بذلك النصب الحجري ووقفت بجواره تنظر له وهو ممد عليه ويبتسم لها ويقول:
-منظري المفضل وأنا انظر لكِ هكذا، لا أكاد أشبع من النظر لكِ ولا من عشقك بنترشيت حبيبتي وأم ابني.
مسحت بيدها على رأسه فقال مؤكدا:
-تأكدي أن تبدأي الطقوس مع ذلك الحد الفاصل بين الليل والنهار.
ردت مجيبة:
-لا تقلق، كل شيئ تحت السيطرة.
وبالفعل لم يمر الكثير من الوقت حتى لاحت خيوط النور قليلاً بالسماء فأخرجت بنترشيت الكتاب السميك وبدأت بترديد كلمات تلك الطقوس مراراً وتكرارا حتى استمعت لصوت الرعد بل ورأت البرق بالسماء فابتلعت ريقها بخوف وعادت تكمل ترديد الطقوس وهو ثابت لا يتحرك حتى خرج صوته:
-أكملي بنترشيت، إياكِ والتوقف مهما حدث ومهما رأيت.
أومأت بإيمائة طفيفة وعادت تردد تلك الكلمات وهي ترى التغيرات المناخية بالجو، ولكن فجأة تشنجت أطرافه وتقوس جسده وخرج صوته أجشاً غاضباً:
-أخرجيني من هنا عليكِ اللعنة.
ارتد جسدها للوراء ولكنها تذكرت حديث ملكها فأكملت تعويذتها واﻵخر يصرخ عاليا وبحرقة يحاول الخلاص من القيود التي بيده ولكنها كانت محكمة فهدر بها:
-أيتها اللعينة، أخرجيني من هنا.
حاولت سد أذنيها عن صياحه وأشاحت بوجهها عنه وعادت تكمل ترديدها لكلمات التعويذه حتى صرخ صرخة عالية وتقوس جسده عالياً لدرجة أن تقطعت كل الحبال من على جسده وارتفع قليلاً في الهواء ونزل بسرعة على النصب الحجري وسكن فوراً لتعود تلك الغيوم باﻻبتعاد ومعها تصفو السماء لتظهر أشعتها الأولى ونورها الصابح.
ظلت هي بعيدة ولكن بعد مدة من الوقت تحركت بخطوات بطيئة ونظرت لوجهه فكان كما هو دائماً، إمام عبد المجيد المصري الذي تزوجته.
تشجعت أكثر لتمد ساعدها وتدفعه برقة في كتفه فلم يجب، فاقتربت أكثر بجسدها تتفحص تنفسه فما كان إﻻ أن فتح عينيه ونظر لها بجمود فابتعدت فورا ولم تتحدث.
اعتدل بجسده جالسا بعد أن تفككت كل الأربطة والقيود من على جسده فأنزل قدميه للأرض وسحب نفسا عميقا وهي واقفة من بعيد بترقب ومتحيرة فهل استطاع أن يفعلها كما أخبرها أم لا زال هو إمام؟
التفت ينظر لها مبتسما فتوترت وهو يقترب منها وحاولت التحدث فقالت بتلعثم:
-إمام، أقصد سيتي أو....... من أنت؟
اتسعت بسمته ورد بحبور ولغته الهيروغليفية:
-أنا سيتي مر إن بتاح حاكم الأرضين، وقائد جيوش مصر، وثاني فرعون من أسرتي، وحبيبك وأبو ابنك القاطن ببطنك.
فرحت وابتسمت وهرعت ناحيته ترتمي بحضنه فاحتضنها وقبلها عميقاً وابتعد لاهثا وقال بغزل:
-حبيبتي وجميلتي بنترشيت، اشتقت لكِ يا حياتي وسعادتي.
ردت هي بلهفة ولوعة:
-وأنا أيضاً اشتقت لك مولاي وعشيقي وكل حياتي، أحبك سيتي.
قبلها قبلة مؤججة للمشاعر وهمس بأذنها:
-إن ظللنا هنا سنحول ذلك المكان المقدس لحجرة نوم حبيبتي، لذلك أظن أنه من الأفضل أن نترك المكان ونبحث عن مكان لنبيت فيه مؤقتاً.
ضحكت بعفوية وخجل من حديثه فسحبها داخل حضنه وقال:
-أحبك قيثارة الحب.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية