-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 21 - 3 الأثنين 27/5/2024

  

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الواحد والعشرون

3

تم النشر يوم الأثنين

27/5/2024

❈-❈-❈

عاد من حربه بسرعة البرق ليجدها قد فارقت الحياة فلم يستطع أن يتماسك فدلف قاعة حكمه وتبعه قائدة توت وحارسة حانوت رع ليستمعا لأوامره:
-ستتقصيا الأمر وتعرفا كيف علم الكهنة بحملها ومن أخبر عنها فإن كانت من أظنها فلن أرحمها ولا حتى لخاطر ابنائي.

دلفت تويا بنفس الوقت واقتربت منه ولكنها تفاجئت بمنظره الحزين وهو مرتكز على كتف توت بشكل زرع الخوف بقلبها؛ فجعدت ملامحها واقتربت منهما بحذر وانحنت باحترام هاتفة بتسائل: 
-مولاي! هل أنت بخير؟

نظر لها بنظرة حادة فابتلعت باقي حديثها بجوفها واقتربت منه وتلمست جانب ذراعه وهمست له: 
-عودة حميدة يا مولاي.

أوقفته بنترشيت عن الاستكمال وسألته:
هل علمت تيا بعلاقتنا؟

أومأ وقص لها دخولها وهي ينتوي القصاص من الملكة عندما رأته بغرفتها وتشفت به وأخبرته أنها من بلغت عنها فعلمت تيا بعلاقته بها فبكت بنترشيت:
-احبتني كأخت لها ولابد أنها تألمت لفراقي كما أتألم أنا من فراقها.

اوما وهو يلتقط عبراتها بفمه:
-لم تصدق عندما استمعت لي اسأل توت عن مكانك حتى أقوم بتحنيطك.

التفت يسأل قائده بحزن: 
-أين هي اﻵن؟

ابتلع توت ريقه ونظر له مستفسرا، فهل يجيب عليه تسائله أمامهما ولكن هدر به سيتي: 
-أجب، أين بنترشيت؟ هل استطعت إنقاذ جسدها على الأقل لأودعها بما يليق بها!

لم يجد بدا سوى أن يجيبه فوراً: 
-نعم مولاي، هي بمنزل النيل واحضرت بعض الأطباء والمختصين بالتحنيط ليحفظوا جسدها مؤقتا حتى تعود وتودعها وتقوم بتشييع جثمانها للعالم اﻵخر بطريقتك الخاصة.


فور أن استمعت تيا لحديث زوجها دمعت عيناها فوراً وجاهدت لتصمت ولكنها لم تستطع الصمود أكثر فهتفت: 
-لم أكن لأصدق أنه أنت هو نفسه عشيقها.


قالتها وهي تنظر لوالدها بدهشة وفضول وعيناها تذرف الدمع بغزارة وأكملت ببكاء: 
-أبي! أنت نفسه من ضحت بنترشيت بحياتها لأجله.

صمت وصر على أسنانه فوضعت يدها على فمها فور أن رأت عبراته المنسابة من مقلتيه فمسح وجهه بكفه وابتلع ريقه بحزن ورد مؤكدا: 
-نعم تيا، بنترشيت كانت حبيبتي.

صرخت به فوراً دون حذر: 
-لماذا لم تبعدها عن الخطر فأنت الفرعون؟ لماذا تركتها لمصيرها لتلقى حتفها بذلك الشكل المأساوي؟

ارتمت أرضا باكية وهي تردف: 
-لقد أحبتك بجنون ولكنك تخليت عنها و سخيت بها.

حاول الرد ولكن انهيار تيا بشكل مبالغ فيه حال دون ذلك فصرخت بقهر: 
-جل ما كانت تحلم به هو العيش آمنه برفقة من أحبته، ولقد ظننته ضعيفا لا يستطيع حماتيها ولكنك الفرعون فمن يستطع الوقوف أمامك مولاي؟

اقتربت تويا تخبرها بهدوء وتفسير: 
-كهنة المعبد يستطيعون ابنتي وإن علموا بعلاقته قد.......

قاطعتها تيا بذهول وصراخ حاد: 
-كنتِ تعلمين أمي؟ كنتِ تعلمين بتلك العلاقة أليس كذلك؟

صمتت فصرخت بها ابنتها: 
-لماذا لم تفعلي شيئا وتنفذيها.

التفت ينظر لها بغضب فابتلعت تويا والتفت سيتي ينظر لابنته وسألها بضيق: 
-أخبريني كل شيئ، كل ما تعلميه وكل ما حدث منذ أن غادرت لتلك الحرب المشؤومة حتى هذه اللحظة.

قصت عليه علمها بحمل بنترشيت وطلبها مساعدة والدتها حتى تهربها بعيدا عن أعين الكهنة ولكنها تفاجئت بحضورهم وأخذهم لها وما تبعه بانتحارها رفضا منها البوح باسمه للكهنة.

استمع لها وهو يدير وجهه لتويا كل لحظة وأخرى وكأنه يعلم تمام العلم أنها من أبلغت الكهنة عنها، وتأكد أنها السبب الرئيسي لفقده حبيبته.

انتظر تيا أن تنهي حديثها قائلة: 
-انتحرت حتى لا تفشي سرك بعد أن تأكدت أنها لن تتحمل التعذيب أكثر فقد كانوا يعذبونها بشكل مبالغ فيه.

بكى رغما عنه وأردف: 
-عذبوها بذلك الشكل فقط لتقول اسمي.

سألته بحيرة: 
-وهل علم الكهنة بأنك......

قاطعها مؤكداً: ⁦
-لا أشك حتى بذلك فيبدو أن من أخبرهم بحملها قد أخبرهم بصاحب نطفتها التي زُرعت بأحشائها، و كما أراد التخلص منها أظنه أراد التخلص مني أيضاً.

ابتلعت تويا ريقها بتخوف وهو يرمقها بنظرات جافة ومتوعد فحاولت أن تجد ما تدافع به عن نفسها فردت فوراً: 
-لقد علمت بحملها وأردت إخبار الكهنة ظناً مني أنها قامت بخيانتك، فقد ظهرت عليها أعراض الحمل بعد سفرتك بأشهر كثيرة و....

قاطعتها ابنتها: 
-وهل يظهر الحمل من اليوم الأول يا أمي، بنيت اتهامك عليها على أي أساس؟

ردت تحاول طمس الحقيقة:
-أنا بالفعل لم أخبر أحد حتى أنني أحضرت لها المداوية لتؤكد لي حملها وتكلمت معها لأسألها عن والد الجنين ولكن عندما علمت أنها تحمل جنينك تخوفت من تناحره على الحكم مع رعمسيس وتغلب علي حنقي تجاهها.

أوقفته بنترشيت عن سرده لما حدث تسأله بلهفة:
-وهل صدقتها مولاي؟ هي لم تأتني بأي مداوية بل هددتني وحتى الكهنة كانوا يعلمون أنك من أفقدتني عذريتي وطالبوني بالإفصاح عن اسمك فقط ليجردوك من ألقابك وحتى مماطلتي بالتحدث كانوا يحسبون حسابها وأخبروني أنهم بانتظار عودتك لإنقاذي وهذا ما جعلني أتخذ قراري بالإنتحار قبل عودتك.

بكى لتلك الذكرى وقبلها قبلة عميقة وأومأ لها:
-أعلم حبيبتي فهي أخبرتني بالفعل قبيل دخول تويا أنها الفاعلة بتشفي وكأنها أرادت رؤيتي اتعذب أمامها لذا لم أصدق كلمة مما قالتها ولكن بعد أن هدأت قليلا جلست معهما وأحضرت توت ليشهد على قراري الذي اتخذته بحق تويا لكن ليسقبل أن اعلم كل ما يخصك وما عانيته بأشهر سفري من ابنتي.

سألته تيا باكية: 
-ألم تكن تعلم بحملها؟ كانت تحمل طفلك بأحشائها يا مولاي.

هنا توقف الزمن حوله وظل متسمرا بجمود وعبراته لا تكفي ولا تنطفئ وهو يومئ وينظر لقائده وكأنه يعاتبه على تقصيره:
-علمت لتوي منها.

أشار لتلك الجاثية على الأرض باذدراء فربت توت عليه: 
-مولاي! لم أرد إخبارك بحملها بالرسالة حتى تعود.

جلس على عرشه يستجوبها وهي مكبلة الأيدي وتيا تجبس بجواره على مقعد الملكة:
-اعترفتي لي أنك من أبلغتي عنها تشفيا وحنقا علي، فهل تنكرين هذا الحديث الآن؟

أومأت ونظرات الاستعطاف بادية على وجهها تتوسل ابنتها بعينيها:
-لم أكن اريد سوى أن تجهض الجنين حتى لا يشارك ابني بالحكم وعندما أبلغت الكهنة كنت أعلم انها لن تخبرهم بحقيقة علاقتك بها أو على الأقل تعترف بعلاقتها بأي رجل آخر، وفقط جل ما جال بخاطري أنهم سيذيقوها ضربا حتى تسقط الجنين وأنا أعلم تماماً أن رجالك سينقذوها من أيديهم.



ضحك سيتي ساخرا من سببها الواهي وقال: 
-يبدو أنكِ لم تحسبي بعقل اليمامة ذلك أنها كان من الممكن أن تعترف بعلاقتها معي بدلا من أن تعترف بخيانتها للفرعون مع غيره، أو بكلتا الحالتين لكان علم الكهنة بتدنيسي لكاهنة تتبعهم ولنتهى حكمي للبلاد على آية حال.


اقترب منها وأمسكها بعنف وصر على أسنانه وسألها بوجه غاضب وعروق بارزة: 
-هل اتفقتي معهم أن يولوك الحكم بعد أن يعزلوني حتى يصل رعمسيس لعمر يسمح له بالحكم؟ 


قوس حاجبيه وأكمل استجوابها: 
-هل ظننت أن بفعلتك تلك تؤمنين حكمك للبلاد بعد استبعادي؟ أم أردتِ فقط التخلص منها حتى لا تجلب لي وريث آخر ينافس ابنك على العرش كما تدعين؟


تنفست بخوف وأجابته: 
-جل ما أردته هو أن تبعد عن طريقك حتى تعود لحضني يا مولاي، ولم يكن أبدا بتفكيري أن استول على العرش أو ما شابه ذلك، ولقد حذرتها من البوح باسمك حتى لا تضرك وقد فعلت.


صمت وظل يرمقها بنظرة حارقة حتى استدعى قائد حرسه بصوت عالٍ وأمره بحدة: 
-ألقي القبض على الملكة تويا واتركها بالسجن حتى تتعفن أو تطلب العفو فيطيح رأسها بأكبر ميدان بالعاصمة.


صرخت تيا ترجوه: 
-أبي، أرجوك!


التفت لابنته وصر على أسنانه وأكد لها بصوت خشن: 
-إن حاولتِ الدفاع عنها فلن أرحمك وسوف أنس أنكِ ابنتي وأودعك الحبس معها بصفتك الواشية الأولى التي كشفت بنترشيت وتسببت بموتها.


بكت فابتعد عنها ناظرا لتويا من أعلى وقال بجمود: 
-حسنا تويل لكِ أن تختاري أحد الأمرين وأنا افعل ذلك فقط لخاطر ابنائي، فإما أن اقتص منك اﻵن وأعدك بأنني لن أتخذ قرينة أخرى لي ويصبح رعمسيس هو الوريث الشرعي ولى عهدي الوحيد دون الدخول بصراعات على الحكم، أو الحبس الأبدي.


توسلته ابنته تنظر له ببكاء مقلتيها:
-أبي اتوسل لك، لقد خسرت صديقتي الصدوقة والآن هل أخسر أمي أيضا؟


رمقها بنظرات حانقة وصرخ بها:
-تسببت أمك بموت حبيبتي وابني، هل تريدين مني العفو عنها؟ هي من تسببت بخسارتك لصديقتك التي تحزنين عليها.


تعلقت بذراعه تتوسله:
-أرجوك أبي، فأخوي لازالا صغيرين، أحدهما ولي عهدك والأخرى رضيعة تحتاج والدتها.


شعر بغصة من بكاء ابنته الحبيبة والعزيزة على قلبه فتنفس بعمق والتفت ناظرا لتلك الراكعة على الأرض كما هي وهتف:
-لخاطر أبنائي عفوت عنك ولكن.


ترقبت حديثه بسعادة وتعلقت عينيها به وهو يضيف:
-ستعودي للحريم وتصبحي مثلهم وأتخذ قرينة أخرى لنفسي تنجب لي وريث آخر أو السجن طيلة حياتك فما رأيك؟


اعتمد على لهفتها لتولي نجلها لمقاليد الحكم وتمسكها بأصلها الملكي فانتظر رأيها الذي يعلمه جيداً فتلك البلهاء قد تختار الموت لتتأكد أن نجلها هو من سيخلفه، ولكنه لم يعلم بعد أنه أبعد ما يكون عن معرفة ما يجول بخاطرها فإن ابتعدت عن الساحة ستترك مجالا لغيرها حتى وإن وعدها بذلك لذا ردت بخفوت: 
-أترك لك القرار مولاي، فحياتي وموتي بيدك أنت وحدك.


نظر لها بغضب فهو يريد أن يقتص منها حياة حبيبته فرمقها بنظرة كارهة وغاضبة ولكن توسل عيني تويا وهي تنظر لوالدتها الملكة راكعة أمام والدها تطلب الصفح والعفو عن حياتها فاستغلت تويا الأمر فوراً وتوسلت بانكسار زائف: 
-فقط أتوسل إليك مولاي أي ما كان قرارك أن ترأف بي لأجل ابنائي.


اغلق عينيه وسأل ابنته:
-اختاري أنت العقاب المناسب للملكة؟


ارتبكت ورمقته بنظرات متحيرة وهتفت أخيراً:
-تعيش بمهجع خاص بها برفقة ولي العهد والصغيرة حنوت مي رع وحتى إن اخترت لنفسك قرينة أخرى يا أبي فرعمسيس هو الأحق بولاية العهد ولا غيره ويكون هذا فرمانك.


هز رأسه موافقا:
-حسنا صغيرتي، رعمسيس هو ولي عهد الوحيد لا تقلقي فأنا لن أتخذ لنفسي زوجة ولا قرينة ولا عشيقة حتى فبعد قيثارة الحب قد  زهدت النساء


ابتسمت تويا بداخلها وحاولت إخفاء سعادتها بهذا القرار الذي سيجعلها الزوجة الوحيدة والملكة العظيمة والملكة الأم فيما بعد كما تنبات لها العرافة.


أكمل سيتي كلامه:
-ولكن مكوثها معي سيجعل حنقي تجاهها يزداد وقد أفقد سيطرتي وقوة تحكمي بنفسي وأقتلها لذا.


صمت والتفت ينظر لها بملامح غاضبة:
-المنفى هو مصيرك تويا ولن تعودي للعاصمة حتى أموت وبعدها يمكنك تولي الحكم برفقة ولي عهدي إن كان لا يزال صغيرا.


تضرعت تويا مبتسمة له:
-أطالت الآلهة بعمرك مولاي (استغفر الله العظيم) ولن أريد شيئاً آخر.

يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة