رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 5 - 2 الأحد 5/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الخامس
2
تم النشر يوم الأحد
5/5/2024
وسط اﻻحتفالات ليس فقط بانتصاره الساحق على الأعداء ولكن أيضاً لحبهم الشديد له وقبولهم تتويجه ولا زال والده على قيد الحياة، هتف العامة من الشعب بفرحة وهللوا بسعادة أثناء سيره بموكب ضخم ومهيب لا يليق إﻻ بشخصه الواثق والقوي.
قفز من على فرسه وخطى داخل المعبد مطرقا رأسه قليلا ليتفادي أوراق الورود وفروع الزهور التي تُلقى عليه من قِبل عامة الشعب الملتفين حول المعبد بكثافة.
فور أن دلف للداخل وجد جميع الكهنة متراصين بجانب بعضهم البعض يستقبلوه بحفاوة وحرارة مرحبين به وبحاشيته فأومأ لهم إيماءة خفيفة ورسم ابتسامة ضيقة على وجهه وتحرك تجاه الممر المؤدي للمذبح الخاص بالمعبد.
وقف أمام الكاهن الأعظم وهو ينظر له بتدقيق لملامحه الحادة والجامدة فابتسم ذلك الرجل حليق الرأس وقال:
-مبارك عليك الإنتصار والتتويج مولاي.
انحنى فوراً أمامه فتبعه الجميع حتى والده الفرعون آثر أن ينحني هو الآخر تبجيلا له ولانجازاته فشعر بالفخر والفرح وبدأت مراسم التتويج حيث وقف رعمسيس أمامه حاملاً تاجه العالي والمكون من قطعتين دليل على سيادته للوجه البحري والقبلي و هتف عاليا:
-اليوم أتوجك أيها القائد سيتي لتكون فرعون مصر.
وضع التاج على رأس نجله وانحنى من جديد باحترام ولكن تلك المرة قام الجميع بالسجود أرضا كنوع من التبجيل والاحترام فوقف منتصبا عندما خاطبه الكاهن:
-أيها الفرعون سيتي مر إن بتاح توجناك فرعونا للبلاد فلتتخذ لنفسك اسم يليق بك وبالالهة.
رفع رأسه بشموخ ورد:
-أنا الفرعون سيتي مر إن بتاح (معناه رجل المعبود ست ومحبوب المعبود بتاح) حاكم الأرضين و مِن معت رع (وتعني خالد هو عدل رع).
صاح الجميع بسعادة لتخرج الكاهنات يحملن باقات الزهور والورود بأيديهم ويسرن بخطين مستقيمين ومتوازيين فحاوطنه والقين الزهور عليه فأغلق عينيه يرمش بفرحه حتى وقعت عينيه عليها وهي تنظر له مبتسمة وسعيده فاتسعت بسمته وظل محدقا بها بشكل كبير حتى لاحظت هي ولاحظن باقي الكاهنات تحديقه بها فتهامسن حتى انتبه هو لنفسه وأدار وجهه ينظر بغير إتجاه، ولكنه عاد ونظر لها وكأنه سُحر فور أن رآها فرسم ملامحها فوراً داخل عقله ولم ينس أن ينتهز أول فرصه للتقرب منها وسط انشغال الجميع بالاحتفال وشرب الخمر فانحنى هامسا بأذنها:
-ما اسمك؟
رفعت وجهها تنظر له بانبهار وتعجب، فهل تخلى الفرعون عن مقامه العالي وتحدث معها هي؟ فتلعثمت وترددت فإبتسم لها وسحبها بعيداً عن أعين الجميع وسألها مجدداً بعد أن تأكد أنهما بمفردهما:
-قلت لكِ ما اسمك؟
ابتلعت ما بحلقها وأجابت:
-بنترشيت يا مولاي.
اقترب منها أكثر وأمسك خصلة من شعرها وداعبها بسبابته مرددا:
-بنترشيت الجميلة، قيثارة الحب.
أطرقت رأسها بخجل فهتف بإطراء:
-وكأن اسمكِ قد خلق لكِ، قيثارة الحب تعزفين على أوتار القلوب فيقع أعتى الرجال صريع عشقكِ.
لم تتخيل بأحلامها أن تسمع مثل ذلك الغزل ومِن مَن؟ مِن الفرعون ذاته، فحقا هي تهذي أو تحلم فصرحت لنفسها بانبهار:
-يا إلهي هل يمكن أن يصنع الغزل كل هذا لمجرد سماع بضع كلمات! أم أن قائلها هو من جعل الفؤاد ينبض بشراسة ليصبح صوته صاخبا هكذا!
ظل يرمقها بنظرات متغزلة وهي ترتعش من نظراته فهمس بأذنها قبيل أن يغادر:
-سنلتقي مجدداً قيثارتي الجميلة.
❈-❈-❈
ظل محدقا بسقف الغرفة وهو ممددا على فراشه الناعم فاحتضنته قرينته وابتسمت له قائلة:
-تشعر بالأرق؟
أومأ دون تعقيب فعقبت:
-لم يتغير شيئا بتنصبك وتتويجك سيتي، فقد كنت أنت من يدير البلاد حتى قبل التتويج.
رمقها بنظرة جامدة وأغلق عينيه محاولاً الهروب من حديثها الذي يشتت تفكيره عن تلك التي سحرته بمجرد نظرة من عينيها، ولكنها لم تيأس محاولة اختلاق أى حوار بينهما؛ فبالرغم من قبولها الزواج منه وهو لا يحمل دماء ملكية عكسها هي التي تنحدر من عائلة ملكية أباً عن جد إﻻ أنها لم تشعر مطلقا أنه ممتن لموافقتها الزواج منه، فهي تعلم جيداً أن زيجتهما سياسية ولكنها أصبحت زوجته وقرينته وأم ابنته الوحيده.
وها هي تحمل بأحشائها جنين آخر قد يكون ولدا يصبح له شأنا عظيما كوالده وحتى إن شعرت هي بالمسافة التي يضعها بينهما دائماً وقد تقبلتها قديما بسبب تأملها أن تصبح بيوم من الأيام زوجة الفرعون؛ فها قد تحققت أمنيتها أخيراً ولن تدع أي شيئ يقف عائق بينهما.
سعلت سعلة صغيرة لتزيل حشرجة صوتها وداعبت صدره بأناملها ففتح عينيه ينظر لها بحدة فابتسمت بتصنع وقالت بمشاكسة:
-ألم تشتاق لي! لقد طالت غيبتك مولاي وعودتك من الحرب أعقبها التتويج فلم نجد الوقت للإختلاء ببعضنا البعض.
ابتلع ريقه وتنهد تنهيدة عميقة ورد مقتضبا:
-أشعر بالإجهاد ( تويا ) فالحرب ظلت لثلاثة أشهر كاملة.
ربتت على صدره مؤيدة حديثه بذكاء:
-معك حق.
وضعت يدها على بطنها المنتفخ قليلا وحاولت استخدام ورقة آخرى لربما تفلح فقالت برقة:
-أشعر به يتحرك.
رمقها باهتمام وسألها:
-هل أخبرتكِ العرافة أنه ولد؟
أومأت بسعادة وأضافت:
-نعم، أكدت لي أنه ولد وسوف يكون له شأنا عظيماً كوالده، هل تعلم ماذا قالت لي أيضاً؟
استمع لها بإنصات:
-ماذا؟
انتبهت أنها قد استرعت انتباهه فأطالت بالحديث تخبره بإطناب:
-فور أن وضعت يدها على بطني لمعت عيناها ونظرت لي قائلة أن اسمي سيحفر في التاريخ بجوار أسمك كقرينة أعظم فرعون لمصر وكأم لأعظم ملوك الكون وأنه سيذيع صيته بالعالم أجمع شرقا وغربا، شمالا وجنوبا وحتى بالعالم الخفي والذي لم يكشف لنا بعد وأيضا على مر العصور.
ظلت تثرثر وهو ينظر لها بفرحه واستمتاع:
-أخبرتني أنك ستشن الكثير من الحروب وسيخلفك هو ولكنه سيترك أثرا بالتاريخ لن ينس أبد الدهر.
ضحك وداعب ذقنها قائلاً:
-أتقولين أن ابني سيذاع صيته أكثر مني؟
تخوفت من شعوره بالغيره من جنينه الذي لم يولد بعد فحمت بطنها بكفيها وقالت بتخوف متلعثمة:
-اا أظن أنها عنت أنه سيكون......
قاطعها ضاحكا وقال لها بقبول:
-وأنا أتمنى أن يصبح نجلي أعظم مني وأن يتخطى صيته العالم، بل أتمنى أن يصبح كل نسلي هكذا أيتها الملكة تويا زوجة الفرعون وأم الفرعون القادم.
ابتسمت بفرحة فسألها باهتمام:
-كيف حال ابنتي تيا؟
ردت بإيجاز:
-بخير.
زم شفتيه وقال بحدة:
-اتركي لها بعض المساحة حتى لا تفتعل المشاكل فانتِ تعلمين أنها عنيدة.
شعرت بالفرع من مشاعره الصادقة وحبه الحقيقي لابناءه ولكنها قلقة فقالت بمغذى:
-أتمنى أن أعلم ممن ورثت تلك الخصال المترمدة والعنيدة يا ترى؟
ضحك عاليا وسحبها داخل حضنه قائلاً:
-أظن ورثتها من ذلك النائم أمامك ملكة تويا.
قبلها قبلة عميقة فتركت نفسها له قلبا وكيانا تشعر بالفرحة بعد أن استطاعت إخراجه من حالته المتجهمة والرتيبه التي يتركها دائما بها.
❈-❈-❈
استيقظ وهو لا يستطيع محوها من عقله فها قد مر شهر على تتويجه ولكنه لا يزال يفكر بها وقد زاد الأمر أنه أصبح يتخيلها بهيئة قرينته فزاد من لقاءاته الحميمية معها فقط ليوهم نفسه أنه مع من شغلت عقله.
خرج لحديقة منزله فوجد ابنته تلعب بالباحة فاقترب منها وناداها:
-تيا.
هرعت الأخيرة ترتمي بحضنه هاتفة:
-أبي.
انحنى بجزعه قليلاً وحاول حملها ولكنه تصنع عدم القدرة فمازحها هاتفا:
-آااه لقد أصبحتِ ثقيلة يا فتاة، أظن أنكِ قد كبرتي.
ردت الأخرى مؤكدهة:
-نعم أبي فقد اقتربت من عامي الحادي عشر.
ربت على شعرها وقال بحب:
-لكِ كل الأعوام الماضية والقادمة حبيبتي.
تركها وتحرك صوب قائده وحامي أسراره (القائد توت) فور أن أشار له باحترام فهمس له بأذنه:
-مولاي، لم أستطع فعل شيئاً مطلقا.
رمقه بنظرة حادة وسأله:
-ماذا تعني؟ ألم تستطيع أن تطلبها لخدمة ابنتي كما أمرتك!
رد موضحا:
-لقد ذهبت للكاهن الأعظم وطلبت منه كاهنة لتكون معلمة للأميرة تيا ولكن لم أجد طريقة مناسبة لاخباره باختيار كاهنة بعينها؛ فلقد رشح لي إحداهن وأنااا........
قاطعه رافعا راحته أمام وجهه ليصمت وصر على أسنانه وقال:
-أظن أن تلك المهمة أكبر منك توت لذا أترك لي الأمر.
تحرك من أمامه باحترام فعاد ينظر لابنته وجلس بجوارها وقال بهدوء:
-تيا، ألا تظنين أن الوقت قد حان من أجل تعليمك بعض الأمور الدينية يا ابنتي؟
ردت بتلقائية:
-أمي تصحبني للمعبد كلما سنحت لها الفرصة.
أومأ باستحسان وأضاف:
-نعم ، ولكن كان ذلك قبل أن أصبح أنا الفرعون الرسمي للبلاد، فاﻵن الوضع قد تغير لذلك أرى أنه من الأفضل أن تختاري كاهنة تمكث معكِ وتعلمك هنا وسيكون جيداً أن يصبح لكِ صديقة أيضاً.
رمقته بنظرة غريبة ومتعالية وقالت بغرور:
-أتريد مني مصادقة كاهنة من الفقراء وعامة الشعب وأنا ابنة الفرعون يا أبي؟
احتدت نظرته لها وقال بصرامة:
-لا تتحدثي هكذا عن عامة الشعب فقد كان أباك وجدك منهم بيوم من الأيام لذا لا أحبذ مطلقاً أن تتحدثي بذلك التعالي والغرور يا ابنتي.
أومأت باحترام وقبول لأوامر والدها فسمع نحنحه خلفه وما كانت إﻻ من زوجته التي رمقته بنظرة مستفسرة لما استمعت له فسحبها وابتعد قليلاً لينفرد بها فسألته بحيرة:
-لماذا تريد إحضار كاهنة لترافق ابنتنا؟
أجاب محاولا إظهار الجدية:
-فقط أريدها أن تعتاد التعامل مع العامة وأن تزيل الغرور والتكبر من داخلها، وتوقفي عن زرع تلك الأمور برأسها فليس كل الناس ولدوا ملوكا مثلكِ تويا.
زفرت باختناف من حديثه وابتعدت عنه فهدر بها:
-أنا لم أئذن لكِ بالمغادرة من أمامي.
عادت تنظر له برهبة فصاح بحدة:
-لا تنسي أننى الفرعون، نفذي أوامري بما يخص ابنائي ولا تجادليني بالأمر.
أطرقت رأسها بصمت تنتظره فقال بصيغة آمره:
-تجهزي حتى نذهب سويا لنجعل ابنتنا تختار مرافقتها الدائمة من المعبد.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية