رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 11 - 2 الأحد 12/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الحادي عشر
2
تم النشر يوم الأحد
12/5/2024
أومأ له الكهل وتحرك بخطا بطيئة بعد أن أشار لهما:
-اتبعاني.
مشيا ورائه فهمس توت لفرعونه قائلا:
-دعني أحملها عنك مولاي.
نظر لها بحدة وهمس بدوره:
-لا تناديني هكذا، وانسى أنني الفرعون حتى نخرج من تلك القرية.
انتبه توت لذلة لسانه وأومأ له باحترام وسار صامتا حتى وصلا لاعتاب ذلك المنزل الطيني البسيط وسمعا لصوت خبطات ذلك الكهل وصوته الضعيف:
-أيها الكاهن آخيا، افتح رجاءاً.
فور أن استمع له سيتي صرخ بغضب:
-طلبنا منك طبيبا وليس كاهناً.
رد الكهل مبتسما:
-تلك قرية صغيرة والجميع يعملون بأكثر من عمل في آن واحد، يبدو أنك من سكان العواصم حيث الطبيب يعمل طبيبا والكاهن متواجد فقط للتعبد، ولكننا هنا تجد الكاهن طبيباً وحانوتيا والمزارع تاجراً وحارس ليلاً.
تضايق وارتعد قليلاً خوفاً عليها وتحرك رافضاً:
-لا أريد كاهنا، أريد طبيبا.
وقف فور أن استمع له يقول:
-لا تقلق فأنا طبيب قبل أن أهدي نفسي لخدمة المعبد، هاتها حتى أداويها.
اضطر مرغما على الخضوع له عندما شعر بوهن جسدها الذي زاد وهو يحملها فدلف لمنزله المتواضع ووضعها على فراش أرضي بسيط فاقتربت زوجة الكاهن وبدأت بتحريرها من الحلى التى ترتديها فنظر لها سيتي بتعجب وسأل الكاهن:
-زوجتك ؟
أومأ مبتسماً فسأله الأول:
-كيف؟ أليس من المفترض أنك كاهن ونذورك تعني عدم امتلاكك زوجة ولا ابناء!
رد الكاهن موضحا:
-قلت لك أنتي طبيب قبل أن أكون كاهن وهي زوجتي قبل أن أصبح كاهنا أيضاً ولا تزال زوجتي ولكن دون ابناء فأنت تعلم لا يحق لي مضاجعتها بعد أن قمت بنذوري.
تعجب سيتي وسأله بحيرة:
-ولماذا تفعل ذلك بنفسك وبها؟ زوجتك أمامك ولا تعاشرها!
ابتسم الكاهن ورد مجيباً:
-تلك رغبتي وهي احترمتها وأرادت أن تستمر بالعيش معي بالرغم من ذلك.
سأله باهتمام:
-ما رأي المعبد والكهنة بذلك؟
أجابه موضحاً:
-طالما لا يوجد ما يثبت التزامي أو لا بنذوري لا يستطيعون فعل شيئ، فقط إن أصبحت أبا يستطيعون الحكم علي وعليها بما يريدون.
انحنى أرضا بعد أن انتهت زوجته من تجرديها من حليها وبعضا من ملابسها وتلك العباءة الملكية التي كانت تدثرها فنظر الكاهن لها وقال بمغذى:
-يبدو أنك من علية القوم، ماذا تعمل؟
رد توت مجيبا عنه:
-إنه تاجر حلى ذهبية.
ابتسمت زوجة الكاهن وقالت:
-لهذا ترتدي زوجته كل هذه الحلى الغالية الثمن.
رمقها آخيا بنظرة بمعنى اصمتي وعاد يتفحص تلك الفاقدة لوعيها ووقف يخبره:
-ضربة شمس لا أكثر، تحتاج للراحة ولماء يوضع على جسدها لإنزال حرارته وستكون بخير بالصباح.
تنفس سيتي براحة وقال بتسائل:
-متى تفيق؟
رد موضحاً:
-فقط بعد إنزال حرارتها وستساعدك زوجتي بذلك.
خرج مصطحباً معه توت ليترك سيتي برفقة زوجة الكاهن والتي هتفت تخبره:
-لا بد أن نجردها من ملابسها حتى نغمر جسدها بالماء.
سألها باهتمام:
-وأين سنغمر جسدها بالضبط؟
ردت موضحة:
-لا تقلق، هناك بئر خلف المنزل وليس عميقا تستطيع اسنادها معي حتى تغمر مياهه جسدها بالكامل.
وافق وفعل ما أخبرته به وحملها عارية وفتحت الأخرى البئر وأسندتها معه وأنزلها برفق داخل البئر ولكنها لاحظت ذلك الوشم الموضوع بجانب كتفها والمخصص للكهنة فهي تعلمه جيداً، ولكنها لم تتحدث واستأذنت تاركة إياه جالسا يسند حبيبته وخرجت متجهة للخارج حيث زوجها والقائد توت فأشارت له بالاقتراب ففعل وهتف بسرعة:
-جهزي بعض الطعام لهم فأظنهم لم يقتاتوا شيئاً فمتاعهم لا يحتوي حتى على قطرة ماء.
أومأت وتحركت لفعل ما أمرها به وعادت بعد أن جهزت الطعام ووضعته على الأرض فدعاه آخيا هاتفاً:
-هيا إلى الطعام وسأجعل زوجتى تجلس برفقة المريضة حتى يأكل رفيقك شيئاً.
أومأ توت وانتظر فرعونه فدلفت زوجته قائلة:
-آخيا وصديقك بالخارج ينتظرونك على الطعام، تفضل وأنا سأظل برفقتها.
تركها لتسندها هي ولكنه عاد وقبل رأس حبيبته وهمس بصوت مسموع للأخرى:
-عودي إلى حضني حبيبتي فأنا أحترق دونكِ.
نظر للزوجة وسألها:
-لماذا لم تفق إلى الآن؟
ردت مؤكدة:
-لا تقلق عليها.
خرج سيتي ولملم أطراف ثوبه وجلس على الأرض وبدأ الأكل بشرود فقال آخيا ببسمة:
-يبدو أنك تحبها كثيراً.
أجاب بحزن:
-نعم، هي كل حياتي.
ابتسم الآخر وعقب عليه:
-لم أرى هذا العشق منذ زمن طويل، فالحياة صعبة بما فيه الكفاية دون العشق فيكفي تعقيدا.
تعجب واندهش من حديثه وسأله:
-الحب هو الدافع للحياة وبدونه كيف نفرق بين الإنسان والدابة التي لا تفعل شيئاً سوى العمل والتعب؟
حاوره آخيا موضحاً:
-أنت من سكان العواصم، تاجر وتعيش حياة رغدا فلا أظنك ستعلم معاناة العامة من الناس ومن لا يجدون قوط يومهم.
سأله بحيرة:
-وهل يوجد من لا يجد قوط يومه بظل حكم الفرعون سيتي؟
رد الآخر ممتعضا:
-بالطبع، فهو يهتم فقط بالحروب وتوسيع مملكته ولا ينظر للفقراء من العامة.
هتف توت مدافعاً:
-بلى يهتم فهو الملك الوحيد الذي لم يقم برفع الضرائب بل......
قاطعه آخيا معقباً:
-لم يقم برفعها ولكنه ترك التجار يفعلون ما يروه مناسباً فزادت أسعار السلع بشكل مبالغ فيه وأين هو ووزراؤه؟ في قصورهم يتنعمون بالخيرات.
تضايق سيتي من حديثه وهتف بحدة:
-أظنه سيفعل الكثير إن علم بتلك التجاوزات وسأحرص على أن يعلم بذلك.
سأله آخيا:
-هل تعرفه وتتقابل معه؟ الفرعون ذاته!
أومأ سيتي مؤكدا:
-نعم فهو دائما ما يشتري مني الحلى لقرينته وابنته.
قطع حديثهم صوت زوجة الكاهن تناديه فستأذن وخرج فتشجع توت قليلاً للتحدث معه بشأن أمره الخاص والمؤجل فانحنى هامسا له:
-مولاي، اظنك ستقوم بحملة على التجار عند عودتنا إن كان كلامه صحيحا؟
أومأ له وقال بغضب:
-بالطبع استغل التجار غيابي وفعلوا ما يحلو لهم ولكنني لن أصمت من الآن وسترى.
سحب نفسا عميقا وطرده بتمهل وقال بتوتر:
-هل لي بطلب يا مولاي؟
ابتسم له سيتي وقال:
-بالطبع، لك ما تشاء أيها القائد توت.
بلل شفته بطرف لسانه وهتف بتلعثم:
-أريد الزواج.
اتسعت بسمة سيتي وأومأ له موافقا وقال:
-اختر من تريد وهي لك، عبدة كانت أو حرة.
زاغت عينه بتوتر جلل وقال وهو يبتلع ريقه ويتصبب عرقاً:
-أنا أريد واحدة بعينها يا مولاي، إنها الأميرة تيا.
❈-❈-❈
وقف أمام زوجته يسألها بقلق:
-ماذا هنالك يا امرأة؟
ردت عليه تخبره بتوتر:
-هناك أمرا غريبا بهؤلاء وأظن أنه سيئ.
ضحك على حديثها وقال بسخرية:
-ماذا يمكن أن يكونوا؟ قطاع طريق مثلاً!
رفضت محركة رأسها برفض وقالت موضحة:
-أترغب بسماع ما أظنه؟
أومأ لها فأضافت:
-تلك السيدة بالداخل هي كاهنة هاربة من المعبد وأظنه عشيقها وليس زوجها.
تعجب واندهش آخيا ورمقها بنظرة حائرة وسألها:
-ماذا ؟ ما مصدر اتهامك هذا؟
سحبته من ذراعه نحوها بعد أن وضعتها على الفراش الأرضي ودثرتها فأظهرت كتفها وذلك الوشم الخاص بالكهنة فتعرف عليه فورا وهتف بعدم تصديق:
-ما هذا؟ إنها كاهنة؟
ابتلع ريقه بتوتر ونظر لزوجته وهي تقول له:
-أرأيت؟
لم يعلم ماذا يفعل فقال بحيرة:
-ما المفترض بي أن افعله الآن؟
أجابته دون تفكير:
-تخبر المعبد.
نظر لها بدهشة وقال:
-لماذا؟ أنتِ تعلمين ماذا سيكون مصيرهما.
أومأت له بتأكيد:
-أليس من المفترض أن يكون هذا رأيك أنت! لما التردد؟
استمعا لصوتها الوهن وهي تقول بتوسل:
-أتوسل إليكما لا تفعلا.
التفتا لها فوجداها تنظر لهما برهبة وذعر وترجتهما:
-سأُقُتل إن فعلتما، أرجوكما لا تخبرا المعبد.
سألتها الزوجة بغضب:
-لماذا فعلتي ذلك وقمتي بالهرب من المعبد؟
أجابت كذباً:
-تعبت من الحياة الصارمة وإن علموا الكهنة بمكاني فقد يقتلونني.
سألها آخيا:
-وماذا عن زوجك بالخارج؟
أجابت باكية:
-هو لا يعلم أنني كاهنة وأريد أن أبقي الأمر هكذا حتى لا يتوتر، رجاءاً ارئفا بي.
شعرت الزوجة بغصة حزينة فاقتربت منها وقالت: انتِ صغيره جدا على تلك الحياة، وأنا إن كنت انجبت لكانت لي ابنة بعمرك اﻵن.
نظرت لزوجها وهتفت:
-تكتم على الأمر آخيا فهي تبدو خائفة جداً.
حرك كتفه باستسلام وخرج لذلك الذي بالخارج يصرخ بمن معه بحدة:
-من تظن نفسك لتطلب مني هكذا طلب؟ أجننت يا هذا؟
أطرق توت رأسه فورا ولكنه حاول تصنع اللامبالاة عندما خرج آخيا وقال بصوت قلق:
-هل كل شيئ على ما يرام؟
أومأ سيتي بضيق وغضب وسأله:
-هل فاقت زوجتي؟
أومأ له الآخر وابتسم معقبا:
-هي بخير حال.
انطلق سيتي فورا نحو الحجرة الأخرى ودلف بسرعه ناحيتها وجلس أرضا بجوارها واحتضنها هاتفا بحب:
-حبيبتي، قيثارتي.
بادلته العناق وقالت برقة:
-أنا بخير لا تقلق.
ابعدها عن حضنه وهمس لها بخوف:
-كدت أن أموت خوفا ورعبا، لا تفعليها مجددا وتجعليني خائف من فقدانك هكذا قيثارة الحب.
وضعت أناملها على وجهه تتحسس بشرته بحب وقالت:
-لا تخف، أنا بخير.
اعتدلت قليلاً بجسدها عندما وجدت أصحاب البيت قد خرجا وتركاهما وحدهما فهمست بحب:
-مولاي، أنا أحبك.
قبلها بحب وعقب:
-وأنا أعشقك قيثارتي.
سألته بحيرة:
-لماذا كنت تصيح ولمن؟
أجابها بحنق: القائد توت، أراد شيئا وأنا.........
قاطعته بلهفة:
-رفضت طلبه؟
تعجب من حديثها رافعا حاجبه وسألها:
-أتعلمين عن ماذا كان يتحدث معي؟
أومأت ببسمة خجل فسألها معقدا حاجبيه بضيق:
-كيف علمتِ؟
ردت مجيبة بحذر:
-هل تعدني بأن لا تغضب؟
أومأ لها بتحفظ فأخبرته:
-تيا أخبرتني أنه سيطلبها للزواج.
تنهد متعجبا وسألها:
-تيا تعلم بطلبه؟
أجابت مؤكدة:
-وموافقة أيضاً.
سأل بضيق:
-هل تحبه؟
أومأت له فصر على أسنانه فقبلته فورا وقالت بهيام:
-أنا أحبك وأنت تحبني وما العيب من الوقوع بالحب؟
رد بشراسة:
-العيب أن تقع ابنتي الأميرة تيا ابنة الفرعون سيتي مرنبتاح بحب قائد جيوشي دون علمي.
تضايقت من حديثه وردت بحدة:
-وهل يطرق الحب الباب وينتظر أن تسمح له بالدخول؟ لقد اأحببتني من أول نظرة ولم تستأذن لتدخل حياتي بل اقتحمتها هكذا فقط لأنك أحببت، والآن تحاسب ابنتك أنها وقعت بالحب مثلك تماماً! أنا لا أصدق ما أسمعه منك.
زفر بأنفاس ثائرة وقال:
-هي أميرة ويجب أن تنتبه أكثر.....
قاطعته بضيق:
-ولأنها أميرة لا يجب أن تقع بالحب؟ أم عليها اختيار من هو أفضل من قائد جيوشك وحارسك الأمين وأقرب المقربين إليك؟ اتسمع نفسك!
تضايقت من حديثه فأضافت:
-إذن أنا لا أسمو لحبك مولاي وفقط لأنك الفرعون اعتبرتني ملك لك أليس كذلك؟
احتدت أكثر تقول:
-تعطي نفسك الحق باشياء وتحرمها على غيرك، أين العدل بتصرفك هذا أيها الملك العادل؟
زفر بضيق وقال متذمرا:
-تحامينها وتحابين لتوت، لماذا؟
ردت مبتسمة:
-لأني أحبها وأنت تعلم ذلك، ولأنها تستحق أن تعيش مع من اختاره قلبها ولأني لا أرى خطئ بحبهما ولأني أرى أنه جدير بها وبحبها فعلى الأقل لم يخف وظل بعلاقة سرية معها وعرض كلامها للخطر.
استنبط من حديثها أنها تقصده فرفع حاجبه الأيسر هاتفا بضيق:
-اتقصديني بهذا الحديث؟
ردت بجرأة:
-نعم، أتعلم أن ذلك الكاهن وزوجته قد علما أنني كاهنة وأرادا إبلاغ المعبد ولكنني توسلتهما كي لا يفعلا وكذبت بشأنك أنك لا تعلم حقيقتي، فقط لترى أن الخطر يحيط بي من كل جانب وأنت لا تراه أو تتجاهله.
زغر بعينه وصاح بها:
-لن يجرؤ أحد على مسك بسوء ما حييت، لن أكرر حديثي هذا مجددا وتوقفي عن إثارة غضبي.
أشاحت بوجهها بعيداً عنه بحزن فخرج غاضبا ووقف بالخارج ينظر لقائده وأمره بغلظة:
-جهز الأحصنة حتى نغادر مع أول نور بالصباح.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية