-->

رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 15 - 1 - الأربعاء 22/5/2024

  

قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية اليمامة والطاووس (روقة)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منى الفولي


الفصل الخامس عشر

1

تم النشر يوم الأربعاء

22/5/2024



تشاحنات عدة أفكار شتى برأسها لتحسم أمرها وهي تراه يغادر مع الطبيب للإطلاع على التقارير الطبية، فاستوقفته هاتفة: دكتور ياسين.

توقف متوترا وهو يراقب صديقه الذي سبقه لمكتبه، ليلتفت لها متوجسا، ولكن انبسطت أساريره وهي تعطيه صك غفران استعظمت رغبته به: شكرا يا دكتور، أنا مسامحاك.

شكرها ممتنا، معاودا اللحاق بزميله وهو يشكر الله، وعلى فك قيد ذنبه نحوها متعهدا بمزيد من الصدقات تمحو ذنبه المقيت، وقبل كل هذا طبعا، عهد بعدم تكراره مهما كانت الظروف.

❈-❈-❈

وقفت سلوى بالمطبخ تنظف أثر الوليمة اليومية التي تصر زوجة أبيها على أقامتها منذ مجيئهما على الرغم من الرضوخ لرغبتها و موافقتها على الزواج من ذلك العجوز لترحم هي وشقيقتها من هذا العذاب

{عايز أشرب}

ارتجف جسدها لتلك الكلمات البسيطة، ليس لفحواها ولكن لأنها كانت بصوت ذلك الذي سكن قلبها يوما، ليسقط ذلك الصحن من بين يديها باضطراب، لتحاول التظاهر برباطة الجأش، وهي تتناول أحد الأكواب تناوله إياه بعد أن ملأته بالماء: اتفضل.

 ارتشف قطرات صغيرة، دليلا على أن ظمأه ماهو إلا حيلة واهية للحديث معها، حديثا لم يصبر عليه كثيرا وهو يندفع قائلا: مبروك، عرفت أنك اتخطبتي للشيخ وهدان.

غص حلقها بمرارة، ولكنها حاولت التظاهر باللامبالاة: شكرا.

استفزته تلك المكابرة من قبلها ليخبرها متهكما وهو يبتعد رامقا ملابسها الملطخة برذاذ الطعام بإزدراء: زما ن قولتيلي أن أمك مش موافقة على جوازنا عشان أنا مش مناسب ليكي، كان عندك حق، على فكرة أنت متلقيش بيا، أنت يليق بيكي الشيخ.

فغرت فاهها بصدمة، تنظر له وكأنها تراه لأول مرة، هل هذا الذي عاشت تندب حظها على ضياعه، وتلوم على ياسين الحول بينهما، انفطر قلبها وهي تكتشف بخس ما تمنت، وثمانة ما أضاعت، لم تبالي بانصرافه، ولأول مرة ينصرف فكرها عنه لياسين الذي تمنت أن يرد عليها، فقد امتنع عن الرد على أي رقم غريب بعد حظره لرقمها الجديد، حتى أنها اتصلت بجارتهما بشقة مطروح لتخبرها بمغادرة الشقة بلا رجعة.

❈-❈-❈

جلس ياسر بصحبة رجل وقور بمكتب الإدارة بالمزرعة، حيث يخبره الوقور: وغير الفيلا وسكن العمال في كمان عمارة خمس شقق، على حظك الدور الأول لسه فاضي من يومين، كان ساكن فيه واحد قريبي مسافر ولسه مراته مسافرله أول امبارح.

ابتسم ياسر سعيدا للاطمئنان على فاتن، ولكن الرجل فسر ابتسامته بأنها رضا لوجود شقة خاليه فاستطرد بحماس: ومش بس كده الشقة اللي فوقيها كمان هتفضى أخر الشهر، هي كانت سكن الدكتور البيطري بس هو أصلا من البلد هنا وقرر ينقل بيت العيلة، بس لسه بيوضب شقته هناك.

اتسعت ابتسامة ياسر وقد اطمئن على فاطمة التي لم يشك أبدا برجاحة عقلها ولكنه كان يخشي عليها من تأثير شوقية.

أكمل الرجل بصوت أكثر خفوتا وأقل حماسا: التلات شقق الباقيين فيهم المهندس الزراعي، والمحاسب، ومسئول المخازن، وفي أوضة على السطح... ليقطع حديثهما دخول ثلاث رجال ألقى كلا منهم التحية بتهذيب، وبرغم تعرف ياسر إليهم عن طريق أصواتهم، ألا أنه تظاهر بالاهتمام ومرافقه يعرفهم إليه باحترام، مشيرا لأول الرجال: ده أستاذ غسان المحاسب المسئول عن المزرعة، من أكفأ وأأمن الناس اللي ممكن تتعامل معهم.

مشيرا لذلك الضخم خلفه: وده أستاذ فضل مسئول المخازن، ومفيش بيضة ولا لتر لبن تدخل ولا تخرج من غير ما يسجلها.

ناظرا للرجل الأخير: وحضرته بقى دكتورنا الهمام الدكتور يوسف الدكتور البيطري للمزرعة.

ثم مواجها حديثه لثلاثتهم: وحضرته أستاذ ياسر، المشتري الجديد للمزرعة هو وأخوه.

سرت همهمات خفية بينهم، ثم تقدم كل منهم بالتهنئة وتمنياته بالتوفيق، كانت تهنئات روتينية لا أختلاف بينها ولكن ياسر رأى بكلا منها انعكاس لمشاعر صاحبها، كان صاحب المزرعة سعيدا جدا لنجاحه في بيع المزرعة بسعر مناسب، بينما يوسف غير مبالايا فلا فارق لديه فمن يملك المزرعة، أما فضل فقد كان حائرا مابين تمنيه أن يستغنى عنه المالك الجديد لتجد زوجته نفسها أمام أمر واقع يجنبه جدال لا قبل له به معها ومن خوفه أن يحدث ذلك وبنفس الوقت تفشل مساعي والدته لإعادته لعمله السابق، أما غسان فقد كان بعالم أخر من المخاوف المتعددة ولكنه حاول تجاهلها متوكلا على خالقه، وبرغم علمه بأن استنتاجه هذا قائم على معلوماته السابقة عنهم، وبرغم أن التوقيت غير مناسب فمازال اتفاق الشراء مبدأيا، ألا أنه اندفع يحاول تهدأة خواطر غسان و وأد مخاوفه بمهدها، مردفا: احنا هنخلص إجراءات التسجيل في خلال أسبوع، وأنا معتمد عليك يا أستاذ غسان أنك في الفترة دي تكون حطيت خطة جريئة لتوسعة وزيادة نشاط المزرعة.

وبرغم كرهه لاندفاعه الدائم وأخذ العهود على نفسه بكبح جماحه، إلا أن زفرة غسان براحة وتلك اللمعة بعينيه، جعلته ممتنا لاندفاعه هذه المرة.

❈-❈-❈

هرول ياسر يتبعه ياسين بأروقة إحدى المستشفيات، حتى رأيا والدا دعاء أمام أحد الأبواب، فاتجه ياسر نحوهما متسائلا بلهفة: هي فين وعاملة أيه دلوقتي.

قبل أن يجيبه أحدهما فتح الباب لتخرج منه طبيبة شابة تبتسم لهم مطمئنة: اطمنوا يا جماعة ، لسه قدامنا مش أقل من أربع خمس ساعات، دي بكرية.

لم يحتمل ياسر الانتظار واندفع داخل الغرفة ليجدها مستلقية فوق الفراش برهبة، ليهتف اسمها بلهفة: دعاء.

حاولت أن يبدو صوتها جامدا ولكنه بدا كاستغاثة مرتعشة: ياسر.

اقترب يمسد بطنها بحب: اطمني يا حبيبتي متخافيش، الدكتورة طمنتنا.

أزاحت كفه عن بطنها وهي تزجره بلهجة أقرب للرجاء، لكنه العند حين يتملك من نفس أحدهم: متستهبلش يا ياسر، وعامة هانت كلها ساعات وهينفع تاخد ابنك في حضنك من غير حركاتك دي.

نظر لها للحظات غير واعي لمعنى كلماتها، لتضرب تلك الحقيقة الصادمة عقله، هي مجرد ساعات وتنفصم عقدتهما معا، ساعات قليلة ويفقد كل حقا له بها وعليها، لم يحتمل مجرد الفكرة فصاح منفعلا: مش هينفع يا دعاء، مش هينفع تولدي ومخدكيش في حضني اباركلك، مش هينفع تنامي أنت وابننا أول يوم ليه في الدنيا بعيد عن حضني.

التمعت عينيها بأمل بينما تسائل لسانها بشك: يعني أيه؟

 هتف باندفاعه المعهود: يعني أنا رديتك يا دعاء وهأخرج حالا أشهد كل اللي بره قبل ماتولدي وتضيعي أجمل لحظة في عمرنا بسبب عنادك الغبي وفي الأخر برضو هترجعيلي يعني هترجعيلي، بس بعد ما نكون احنا الاتنين خسرنا أجمل أيام حياتنا.

قرن قوله بالفعل وهو يهرول خارجا وهو يصرخ بأعلى صوته: يا ناس أشهدوا أنا رديت الست دي قبل ما تولد، يعني هي دلوقتي على ذمتي.

هرول حماه باحراج بعيدا باتجاه المصلى، وتلقى مباركة حماته السعيدة، بينما ارتفعت ضحكات ياسين لأول مرة منذ ما حدث وهو يقول من بين ضحكاته: أنا هتصل بالمأذون عشان تحضن بأوراق رسمية، الله يفضحك فضحتنا.

التفت حوله ليجد العديد من الناس ينظرون له بعضهم بدهشة والبعض الأخر بابتسامة، ليتراجع لغرفتها بحرج، ليجدها تبتسم بسعادة وهي تربت على بطنها برفق، لتتبدل ملامحها للتجهم فور ملاحظتها لعودته، وهي تصيح مستهجنة: أنت هتفضل متهور كده علطول، أيه اللي عملته ده.

ضحك غامزا بعينيه بوقاحة: يتمنعن وهن الراغبات.

  كتمت ابتسامة خجلة لم تستطع أخفاءها كثيرا فاهو حبيبها الذي ملك قلبها بجنونه، وسعيه المندفع نحوها دائما، أتتها إحدى نوبات الألم فصرخت، ولكنها كانت صرخة تنبض بالحياة.

❈-❈-❈

تحرك زينهم حزينا متثاقلا في طريقه لمكتب الإدارة، فهو على علم ببيع المزرعة منذ أسبوعين وتسليمها لمالكها الجديد، الذي كان يأمل أن يكون خافيا بالنسبة له، فلا ينتبه لوجوده فيصرفه عن عمله، ولكن طلب المالك لمقابلته حطم كل رجاءا له بالبقاء فما علاقته بالإدارة ليقابله فكل معاملته مع المخازن، دلف المكتب المفتوح ليجد الجميع ملتف حول بعض الأوراق حيث غسان ويوسف بمواجهته ووفضل وأخر يوليانه ظهرهما، القى التحية بخفوت غير راغب بلفت الانتباه أو أزعاج غسان الذي كان يسترسل بحماس: مبدأيا كده في فكرة لزيادة الانتاج و تنوعه وفكرة تانية للتسويق، مثلا في حتة أرض صغيرة دي لو جبنا فيها كام خلية نحل هنبقى دخلنا منتج جديد بالنسبة للمزرعة، ده غير الاهتمام بنوع التغذية والعلف اللي هيزود أنتاج وجودة الأنواع الموجودة فعليا.

ازدرد ريقه مكملا بنفس الحماس: بالنسبة للتسويق، نفتح منافذ بيع في كل المحافظات، وكمان ممكن نحول جزء من المزرعة لمنتزه يعني العائلات يجوا يفطروا فطار ريفي من خير المزرعة، وممكن يجمعوا البيض بنفسهم أو يشوفوا الأبقار وهي بتتحلب، ويشتروا وهما ماشين كل اللي عايزينه من منتجاتنا.

كذب زينهم أذنيه وهو يستمع لذلك الصوت المتحمس: برافو عليك يا أستاذ غسان، بجد أفكارك ممتازة، بس أنا بافضل نتدرج بتنفيذها.

رفع رأسه مصدوما يتفحص ظهر ذلك المتحدث الذي التفت إليه باسما تحمل عينيه مشاكسة لم يصرح بها صوته الجاد: أتفضل يا أستاذ زينهم.

اتسعت عينيه بصدمة، قبل ان يتنحنح متغلبا على صدمته وهو يتجه للانضمام لهم متوترا، لينتبه لصوت ياسر المهني الجاد: مبدأيا كده بالنسبة لخلايا النحل فأنا موافق جدا، وطبعا موضوع الاهتمام بنوع التغذية والعلف ده أمر بديهي.

عاد بظهره للخلف مستندا على خلفية كرسيه: أما بالنسبة لموضوع التسويق أنا موافق على موضوع المنتزه والبيع المباشر، لكن موضوع فتح منافذ بيع في كل المحافظات، فده هيتأجل حاليا وهنكتفي بفتح منفذ بيع بمركز المحافظة هنا. 

رحب الجميع بفكرته ليستطرد مكملا: طيب، أمور أنشأ المنحل والمنتزه هيتولاها أستاذ غسان، وطبعا التغذية والأعلاف دي أختصاصك يا دكتور.

رحب كلا منهما بتولي مهامه، لينظر لفضل مردفا: أما تأسيس منفذ البيع بالمركز، وتوليه والإشراف عليه هيكون مسئوليتك أنت يا أستاذ فضل.

غمغم فضل بعدم تصديق: المركز، حضرتك أنا هاروح المركز.

أمأ له مبتسما وهو يدرك سر فرحته مستطردا: وبما أني سمعت أن حضرتك من المركز أصلا فمرتب حضرتك هيزيد عليه بدل سكن لو مش هنحتاج نوفرك سكن.

هتف فضل بحماس: أنا عندي بيت كبير هناك، وأكيد مش هاكون محتاج سكن.

ابتسم مرحبا: يبقى خير أن شاء الله، بس ده مش هيتم قبل ما تسلم المخازن وتدرب مسئولها الجديد الأستاذ زينهم. 

التفتت الأنظار كلها باتجاه زينهم، الذي ارتبك وتعرقت يديه بشدة تحت أعين ياسر المراقبة، ارتفعت الأصوات مهنئة، بينما يرد عليهم بهمهمات غير مفهومة، ليشفق ياسر عليه ويرفع عنه الحرج فضا هذا الاجتماع: طيب اتفضلوا انتوا يا جماعة دلوقتي، وأنا هاتابع مع كل واحد الخطوات خطوة بخطوة.

تحرك الجميع بهمة بينما استبقى هو زينهم، الذي صاح معترضا بمجرد مغادرتهم: ليه؟

أجابه ببساطة: ليه أيه.

صاح زينهم غاضبا: أستاذ ياسر أنت عارف قصدي كويس، ولو ده قصاد اللي عملته معاك، فأنا...

ابتسم ياسر مشاكسا: ده أنت طيب قوي، يعني أنا بعت اللي حيلتي أنا وأخويا وحطيته هنا في المزرعة، وأنت فاكر أني هاضحي بكل ده عشان أرد لحضرتك جميل أنك كنت بتعذبني بشخيرك.

أشاح وجهه خزيا: متهزرش، أنت عارف أن واحد بظروفي مينفعش يمسك شغلانة زي دي، وأنك ممكن تلاقي ميت واحد أحسن مني يمسكها. 

اختفت مشاكسته وهو يستطرد بفخر: ممكن تقولي هلاقي فين حد ممكن أأمنه على مالي وأثق فيه أكتر منك، ممكن ألاقي فين واحد بيأكل ضيوفه فول وطعمية وهو شغال في مخازن مليانة زبدة ولبن وبيض.

وضع يده على كتفه يشد عليه بتقدير: واحد كان عنده استعداد يقتل واحد جاي من طرف ظابط لما شك أنه ممكن يكون بص على الحريم ومعتبرهم مسئوليته رغم أنهم مجرد جيران، واحد صاحب صاحبه بيحفظ المعروف ويصون الجميلة، وبيخاف من ربنا في كل خطوة بيخطيها. 

عجز لسان زينهم عن الرد والتمعت الدموع بعينيه، فأردف ياسر بجدية منهيا ذلك الجدال: المهم دلوقتي أني طالب منك خدمة بصفة شخصية.

أجابه زينهم بدون تردد ودون معرفة الطلب: رقبتي سدادة.

أردف ياسر بجدية: أنا مضطر أرجع القاهرة، عشان ابتدي في اجراءات نقلي لأقرب فرع للبنك هنا، فممكن أول ما فضل يخلي الشقة، تتابع مع مهندس الديكور اللي هيجي عشان يوضب شقة الدور الأول عيادة لياسين أخويا، والسطح وشقة فضل هيكونوا دوبلكس بجنينة بالرووف ليا أنا.  

تمتم بصدمة، لا يعرف أين سيذهب ولكنه لا يصدق بأن ياسر سيطرده: السطح؟!

ابتسم له ياسر بود: طبعا أكيد مسئول المخازن مش هيسكن فوق السطوح، والطبيعي أنك تسكن مكان شقة فضل بس بما أني استوليت عليها فأنت هتسكن في الشقة اللي كان ساكن فيها دكتور يوسف.

غمغم زينهم بعدم استيعاب: بس ده كتير قوي.

مكملا بلهجة غامضة: مفيش حاجة تكتر عليك، وسيبك من الموضوع ده بقى عشان عايزك في موضوع أهم.

أجابه بانتباه وقد شعر بأهمية ما ينوي قوله: سامعك.

نظر بوجهه يراقب ردة فعله وهو يردف بحزم: أنا لاقيت آية.

ردد بصدمة: آية، آية؟


الصفحة التالية