رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 23 - 3 السبت 1/6/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الثالث والعشرون
3
تم النشر يوم السبت
1/6/2024
❈-❈-❈
تفقدت رضيعها فوجدته نائماً فاتبعت جارتها لمنزلها حتى غرفة صغيرها ونظرت لجسده الهزيل واسمرار ما تحت عينيه وحرارته المرتفعة وقالت بالإنجليزية:
-اظنه يعاني من ضعف مناعة شديد مع سوء تغذية.
رمقتها أميرة بحيرة وسألتها:
-أنا مش فاهمه انتي بتقولي ايه؟
أجابتها بالعربية:
-يعني أكل كويس وأعشاب حلو وابنك يكون كويس أميرة.
ابتسمت ودعت لها:
-ربنا يكرمك يا بلبل ويخليكي لنا يا حبيبتي.
ربتت على كتفها وتوجهت للخارج وهي تقول:
-أنا هجهز أعشاب حلو واديه لابنك أميرة، شويه بس كده.
وافقتها وفتحت الباب لتتفاجئ بأفعى كبيره أمام باب المنزل فصرخت أميرة بفزع تضرب على صدرها وتعود للوراء بخوف:
-يا لهوي، تعبان!
عادت بجسدها وصرخت بصوت عال:
-حد يلحقنا يا ناس تعبان.
ثم نظرت لبنترشيت وحذرتها بصوت قلق وملهوف:
-خلي بالك يا بلبل، ارجعي يا اختي لورا احسن يعضك.
نظرت بنترشيت خلفها لجارتها وقالت بهدوء:
-مش تخاف أميرة.
اجتمع السكان على الفور كلٌ أمام باب منزله خوفا من تلك الأفعى التي تقف أمام باب منزل جارتهم وبنترشيت لا تزال تقف أمامها تنظر لعين الأفعى بقوة فهي نوع معروف لها جيداً وهي نوع الكوبرا والذي تواجد بكثرة بمعبدها وكان الكهنة يبجلونها ويهتمون بها لأهميتها الكبرى لمعتقداتهم واستخدامها بالسحر.
همست بنترشيت للأفعى بصوت منخفض بلغة هيروغليفية:
-ابتعدي ولا تؤذيني أيتها الأفعى المبجلة.
اخفضت الأفعى رأسها قليلا ولكن صراخ النساء جعلها تعود لحالة التحفز التي كانت بها، فرفعت بنترشيت نظرها صوبهن وترجتهن بصوت حذر:
-اسكت شويه، أنا عارف كويس.
صمتن جميعا بعد حديثها فعادت تهمس للأفعى بصوت هادئ:
-أيتها الأفعى المبجلة، هنا منزلي ولا يسمح للأفاعي أن تقطن به فرجاءً غادري حتى لا يطالك أذى من العامة.
عادت الأفعى لخفض رأسها ورفعه لأعلى وكأنها مترددة بأخذ قرارها فأضافت بنترشيت موضحة:
-أنا الكاهنة بنترشيت كاهنة من كهنة المعبود آمون رع وحارسة معبد أبيدوس، أنا الكاهنة المبجلة رفيقة الأميرة تيا اﻻبنة الكبرى للملك سيتي مر إن بتاح حاكم مصر وملك الأرضين، أنا الكاهنة بنترشيت زوجة الفرعون وام ابنه ويقطن هنا بالداخل وريثه ورضيعي وأنتِ غير مرغوب بكِ هنا أيتها الأفعى المبجلة.
شهقات التفاجئ التي اعتلت وجوه النسوة اللاتي شاهدن ما حدث بأم أعينهن جعلتها حديث الشارع لأيام وأيام، والنساء تقص على البقية كيف تحدثت بلبل (الزوجة الأجنبية للشاب المصري نجل جارتهن العزيزة) إلى الأفعى الكبيرة بلغة غير مفهومة، وكيف انصاعت الأفعى لها وغادرت البناية بهدوء.
أطلق السكان وجيرانهم على بنترشيت لقب سيدة الثعابين، وتخيل البعض اتقانها للعلاج بالأعشاب بسبب استخدامها سحر الثعابين مما جعل جميع سكان المنطقة يهرعوا إليها كلما احتاجوا لطبيب لمساعدة أحبائهم.
لم يكن صيتها الذي ذاع بالبلد ليخفى عن الدجالين وأصحاب السحر والشعوذة، فحاولوا التواصل معها كلٍ لسبب ما يضمره لنفسه، فمنهم من فكر بتجنيدها للعمل لصالحه بإغراءات مادية ومنهم من فكر بالتعاون معها فقط ليتعلم منها لغة الثعابين أو كما ظن أنها لغة الثعابين، ومنهم من حاول معرفة إن كانت حقيقة أو مخادعة ودجاله مثلهم.
محاولات كل هؤلاء للتواصل معها جعلت صيتها يذيع أكثر وأكثر مما أثار حنق سيتي الذي حاول التواري واﻻنخراط بالمجتمع منذ مجيئه لمصر حتى يستطيع استكمال مخططه للعيش مع حبيبته بعيداً عن المشاكل وعن الجميع بحياة مريحة وهنيئة.
دلف كالثور الغاضب والهائج يصيح بها دون انتباه لمن معها هاتفاً بلغته الفرعونية التي دائما ما يتحدث بها معها عندما يكونا بمفردهما:
-هل تمزحين معي بنترشيت، ما كل هذا الهراء والضجة التي لا داع لها؟
انتبه أثناء صياحه لوالدي إمام الجالسان بجوارها وهي تنظر له نظرة محذرة فصمت فورا واقترب منهما وانحنى يقبل راحة عزيزة قائلاً بصوت هادئ:
-أهلا يا امه منوره بيت ابنك.
فعل بالمثل مع عبد المجيد وقبل راحته قائلاً:
-ازيك يابا؟
لم يجب أي منهما فرمقهما بنظرة حذرة محاولاً استنباط الأمر ولكن صمتهما ونظراتهما لبعضهما البعض جعلته يهتف كمحاولة منه لتخفيف الأجواء المشحونة قليلا:
-ما تقومي تضايفي أمي وابويا يا بلبل، وقدمي لهم حاجه حلوه مع الشاي.
ابتسمت له بنترشيت وتحركت لداخل المطبخ، فنظر سيتي لهما وسألهما بصوت منخفض:
-انتو لسه زعلانين مني من اليوم إياه ده؟
لم يجيبا أيضاً فأضاف متسائلاً بحدة طفيفة:
-يعني زعلانين لدرجة متردوش عليا! معقول هي كده يعني؟
تنهد عبد المجيد وظل يقضم شفته السفلى وعلى العكس منه لم تتمالك عزيزة نفسها وسألته بصوت حاد وغاضب:
-أنت مين؟
رسم التعجب والدهشة على ملامحه وردد متسائلاً:
-أنا مين؟ هتتبري مني يا امه؟
ردت بغضب:
-ما أنت يا تقول لي أنت مين يا إما قسما بالله لهعمل اللي ما يتعمل وكمان هخلي الجيران كلها تمسكك وتكتفك لحد ما تقر وتقول انت مين وابني فين؟
التفت سيتي لعبد المجيد مستعطفا إياه بنظراته وسأله بحيرة زائفة:
-ايه الكلام اللي امي بتقوله ده يابا؟ هو ايه اللي حصل لكل ده؟ بس عشان اتنرفزت مره عليكم؟
ابتسم عبد المجيد ورد نافيا:
-لا يا بني الحكايه مش كده.
سأله باهتمام:
-اومال ايه الحكايه؟
أجابه بتوتر:
-امك....
صمت ونظر لها وأكمل:
-ام إمام بتحلم كل يوم بابنها بيطلب منها تلحقه وجاتني تقولي انك مش ابنها عشان لون عنيك و طريقتك بس....
قاطعه سيتى محاولا توضيح الأمر:
-منا قولتلك بيني وبينك إن جاتني ميه على عنيا وده أثر العلاج و مردتش أقول لامي عشان متزعلش و....
قاطعه عبد المجيد مؤكداً:
-وأنا صدقتك وجيت عليها و قولت لها بطلي تخاريف لحد ما إمام جالها في الحلم تاني....
عاد سيتي لمقاطعته هاتفا بضيق:
-برده هتقولي إمام جالها في الحلم! اومال أنا مين بس؟
رد عليه وهو صارا على أسنانه:
-ده هنعرفه بعدين.
ابتسم سيتي ساخراً وبدأ ينسج بعقله كل الاحتمالات لنهاية هذا الحوار الغير شيق ونتائجه التي ستترتب عليه.
فهو إن استطاع إقناعهما كالسابق بأنه ابنهما، فسيمر الأمر مرور الكرام وبهدوء دون إحداث جلبة حتى يقترب خطوات أكثر وأكثر من تحقيق هدفه بتجميع أموال كافية لفتح الحجرة السرية الخاصه به ليهرب بعدها معها هي زوجته وحبيبته الوحيدة برفقة رضيعهما الوحيد.
أو لا يستطيعا إثبات أي تخاريف من تلك التي يقولاها أمامه، وأنها مجرد تكهنات أو حدس اأومي وليس دليلاً ملموساً يستطعيا فعل اي شيئ به، وأيضاً بهذا قد يكسب بعض الوقت، ربما وقتا أقل من الاحتمال الأول ولكنه كافٍ حتى يأخذها ويهرب بها بعيداً عنهما وعن جميع من يعرفهما حتى يظل يحاول الوصول لطريقة لفتح تلك الحجرة المملؤة بكنزه الثمين.
وأما الاحتمال الثالث أنهما آتيان اليوم لإثبات شيئا ما برأسيهما وهو فكرة تلبسه لجسد ابنهما بعد معرفته بزيارة إمام لوالدته بالحلم بتأكيد منها، وهو يعلم تمام العلم انه ليس بحلم ولكنه تواصل من نوع خاص استطاع إمام استخدامه من محبسه بالعالم الوسيط مقر محبسه الدائم كما كان يفعل هو مع حبيبته بوقت مضى، لذلك ربما يمكنهما استخدام الوسائل المعروفة بطرد المس والتلبس الجسدي كما حدث مع دورثي لسنوات كانت تؤدي لإضعاف قوتها لولا ان تلبس بنترشيت لها كان متمكنا لحدوثه من الصغر بل وبعد وفاة الأولى وذهاب روحها للعالم الآخر وليست محبوسة بالعالم الوسيط كحاله سابقاً وحال إمام حالياً (استغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه) فشعر بالخوف قليلاً من هذا الإحتمال لعلمه أنه مجرد ضيف لذلك الجسد، وربما بجلسة طرد بسيطة قد يستطيعا فعلها وزهق روحه واستعادة إمام لجسده.
والإحتمال الأخير وهو غالباً الأقرب إلى الصحة، استطاعة إمام بالتواصل معهما وكشف الأمر بطريقة ما لهما وهما الآن هنا للنيل منه كما هددته والدة إمام؛ فهو يعلم تمام العلم أن وجوده بذلك العالم الوسيط قد يربكه بالبداية، ولكن كلما طالت المدة كلما اعتاد عليه وربما وجد طرق وليس طريقة واحدة للتواصل مع الحاضر والماضي أيضاً.
ظل يفكر بعقله، هل يمكن أن يكون قد استطاع التواصل بالماضي، وربما رأي لمحات من حياة سيتي وعلم الكثير من الأسرار والأمور المبهمة له وبالاخير استطاع توظيفها لتطويع والديه لمساعدته باستعادة جسده، وربما أيضاً قد توصل لطريقة يستطيع بها إنهاء أي تواصل لسيتي بالعالم (حاضره وماضيه).
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية