نوفيلا جديدة براثن ذنبها لمريم محمد هارون- الفصل 2 - الخميس 25/7/2024
قراءة نوفيلا براثن ذنبها كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
نوفيلا براثن ذنبها
نوفيلا جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم محمد هارون
الفصل الثاني
تم النشر يوم الخميس
25/7/2024
كثيرًا منا ينخدع بالمظاهر ويعتقد بأن من أمامه شخصًا لا يعوض، ننظر للمميزات الخارجية غير مبالين بالداخل الذي يملؤه المكر، السوء والحقد وكذلك كانت نظرة "نمارق" بهم أغرتها حياتهم، أموالهم، أشكالهم اللامعة ولم تضع في عين الأعتبار داخل من صارت بينهم، تعمقت ومازالت تتعمق وهي تشعر بالفرحة حيال ذلك.
مر شهر على التحاقها بالعمل ثلاثون يومًا فعلوا بها الكثير تحولت من الداخل قبل الخارج، كانت تذهب كل يوم لعملها بكامل ملابسها المحتشمة وحجابها وبمثابة وصولها تتحول لأخرى ترتدي ملابس تُثير من يراها بها ما كانت سابقًا تقبل أن تجلس بها أمام شقيقها حتى ولكن للأموال تأثيرًا كبير في نفوسٍ ضعيفة مثلها، أهملت صلاتها بسبب وقتها الضائع في العمل وتأقلمت على النظرات واللمسات مِن مَن تعمل لهم وما زال الطريق يُنثر ما لديه لجذبها.
: أدخل.
صعدت تلك الكلمة من فم"ريتال" لتدلف "نمارق" وهي تبتسم لها بمرح: قالولي أن الجميل عاوزني.
ضحكت الأخرى ثم أشارت لها: تعالي يا نيمو، أقعدي.
جلست وهي تنظر لها منتظرة ما تريد قوله لتجدها تخرج لها الكثير من الأموال وتقربهم لها لتنظر لها بتعجب واضح!
ولم تتركها الأخرى كثيرًا وأردفت: ده قبضك، عديه.
أمسكت بالأموال بين يديها وقامت بعدهم لتنظر لها بأنبهار: بس ده أكتر من اللي متفقين عليه!
: ولسه كل متشتغلي كويس ومتزعلنيش منك هيزيد كمان.
أبتسمت الأخرى بفرحة ثم نظرت لها بأمتنان: شكرًا يا "ريتا".
: على أي ده حقك، وفي حاجة كمان لو عملتيها هتزود فلوسك للدبل.
: أي هي؟
: يعني في بعض الناس مبتحبش تيجي السنتر وبتفضل أن أنتوا تروحلهم بيتهم، طبعًا مش بنروح لأي حد، ناس معينة اللي بنبعتكم ليهم فلو حابة تروحي هيبقى أفضل ليكي في الفلوس وفمكانتك كمان.
أومأت لها بتفكير ثم هتفت بحماس: اوكاي معنديش مانع أروح.
ابتسمت الأخرى بمكر: يعجبني فيكي حماسك يا" نيمو".
وبادلتها "نمارق" الأبتسامة ثم نهضت للخارج بعد أستأذنها تاركة الأخرى تضحك على سذاجتها ثم طلبت عاملة أخرى وما كانت إلا "تسنيم" أقرب العمال لـنمارق منذ قدومها واليد اليمنى لـريتال في كل شيء.
: أوامر "ريتا" أي؟
نظرت لها الأخرى بغموض ثم هتفت: اللي أتفقنا عليه يتنفذ النهاردة.
حركت الأخرى رأسها بالأيجاب ثم خرجت وهي تهتف لنفسها: يلا خليها تدوق اللي كلنا دوقناه.
❈-❈-❈
صباح يومًا جديد لا يدري أحدًا كيف سينتهي أو ماذا سيجدوا به ولكنهم يتوكلون على الله مستبشرين الخير فيجدوه.
: يا بنتي قومي يلا هتتأخري على شغلك.
أستيقظت "نمارق" ثم قبلت وجنة والدتها بأبتسامة صافية لتبادلها والدتها أخرى بحنان وهي تربت على خصلاتها: وحشتيني، مبقتيش تقعدي معايا خالص.
: معلش يا حببتي بسبب الشغل، هاجي بليل بدري شوية واقعد معاكي.
: النهاردة ابوكم جاي وأنا مبحبش اقابله لوحدي واخواتك مش هنا هما كمان.
نهضت "نمارق" من مجلسها ثم أتجهت إلى حقيبتها مخرجة الأموال ثم وضعتها بين كفي والدتها لتردف: قوليله ميجيش مش محتاجين حاجة منه.
نظرت والدتها للأموال بين يديها ثم رفعت عيونها لها لتردف بقلق: أي كل الفلوس دي يا "نمارق"؟
: ده قبضي وكل شهر هجبلك زيه ويمكن أكتر منه كمان.
: مساچ أي اللي يجيب الفلوس دي كلها؟!
توترت ملامحها ثم خرجت كلماتها بأهتزاز: قولتلك السنتر اللي احنا فيه كبير أوي يا ماما وعلى مستوى، شوفي هتعملي أي بالفلوس بقى وسبيني عشان الحق امشي.
وتركتها راكضة للمرحاض لتهرب من نظراتها التي تشعر بأنها تكشفها وتكشف كذبها، وظلت والدتها بمكانها تنظر في أثرها بقلق لترفع نظرها إلى السماء وهي تدعوا برجاءٍ: ربنا يحفظك يا بنتي ويبعد عنك كل حاجة وحشة.
توجهت نمارق إلى عملها وصار نصف اليوم بشكل طبيعي حتى أتت لها"ريتال" لتخبرها بذهابها لأحدى المنازل لعميلًا ثم تعود لمنزلها لتستعد الأخرى وذهبت بواسطة سيارة خاصة بالعمل وهبطت عند المنزل لتقم بضبط هيئتها وخصلاتها ثم صعدت إلى الطابق المنشود وقامت بطرق الباب وهي تضغط على حقيبة يدها بقلق حتى فتح لها شاب يبدو في أوائل الثلاثين ثم نظر لها نظرة متفحصة وهو يبتسم: أنتِ "نيمو"؟
أومأت له بتوتر ثم هتفت: ايوة أنا.
أتاح لها مسافة صغيرة حتى تمر ثم أشار لها: ادخلي.
فدلفت وهي تنظر على خطواتها وتأخذ تنفسها بهدوء حتى تهدأ من نبضاتها الثائرة بقلق لتجده يغلق الباب ثم أقترب منها جاذبًا لها من يدها إلى غرفته لتحاول جذب يدها ولكنه لم يتركها حتى دلفوا لينظر لها بأبتسامة لذجة: أنا كنت بوصلك للأوضة بس.
: هو مفيش حد مع حضرتك هنا؟
: تؤ مفيش حد مع حضرتي.
أجابها وهو يخلع تيشرته بكل تبجح ثم تمدد أمامها لتستأذنه في دقيقة ثم خرجت مهاتفة "ريتال" لتخبرها بعدم وجود شخصًا غيرهم بالمنزل لتجيب عليها بمنتهى الهدوء أن لا تبالي وتكمل عملها لتغلق معاها وتتجه للداخل وهي تنوي الأنتهاء سريعًا وبالفعل قد بدأت وهي تتجاهل نظراته وحديثه ولكنها لم تشلم من يديه والتي كانت أكثر جرأة مما أعتادته في المركز أيضًا، أصابها الضيق والاشمئزاز ولكنها صمتت وهي لا تدري بأن بصمتها ذلك ترسم طريقها بيدها.
-----------------------------------------------
عادت للمنزل وهي تشعر بضيق لا يوصف منذ خروجها من ذلك المنزل لا تعلم ما بها ولكنها تريد البكاء، دلفت إلى غرفتها مباشرة دون أن تلقي السلام على من يجلسون حتى وقامت بألقاء حقيبتها أرضًا ثم جلست أعلى فراشها وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة وهي شاردة بما حدث اليوم حتى فاقت وهي تبتعد بفزع من لمسة على ذراعها لتجدها والدتها التي جلست أمامها تردف بقلق: مالك يا حببتي، في حد دايقك؟
: للأ يا ماما مفيش حاجة.
: وشك بيقول غير كده، طمنيني يا "نمارق" متقلقنيش عليكي يا حببتي.
: قولتلك مفيش حاجة يا حببتي متقلقيش.
ثم ربتت على يدها برفق ثم نظرت لها متسائلة: جيه؟
قصدت والدها لتحرك "هانم" رأسها بنعم وقد تحولت نظراتها إلى الحزن لتتسأل "نمارق": أي اللي وصلكم لكده يا ماما؟
تنهدت الأخرى بثقل مردفة: النصيب.
: هو أنتوا كنتوا بتحبوا بعض؟
: أنا كنت بحبه.
: طب وهو؟!
: ده حوار طويل وأنا مفييش دماغ، قومي يلا غيري عشان تيجي تاكلي.
أستشفت الأخرى محاولتها في الهروب من الحديث لتمسك بيدها وهي تنظر لها بأصرار: عشان خاطري أحكيلي، أي اللي وصلك للوضع ده وازاي رضيتي بيه من زمان!
جلست والدتها مربعة قدمها لتفعل مثلها ثم وضعت يدها أعلى وجنتها تنظر لها بفضول أرضته الأخرى عندما بدأت بالسرد وهي تنظر أمامها بحنين لأيامًا قد مضت: كنت صغيرة خالص عندي خمستاشر سنة ويومها جيه عندنا عمال ومعاهم شاب صغير في السن كانوا بيصلحوا في بيتنا وأنا كنت بساعد أمي في كل حاجة وبقيت اطلعلهم الحاجة بدلها، وفضلوا يجوا كل يوم والأيام تعدي وتطول وأنا مبصدق أخرج اشوف الشاب اللي بيشتغل معاهم كان غلبان وجدع تشوفيه تلاقي الرجولة ظاهرة عليه رغم أنه مش كبير، حبيته وفضلت مرقباه وأنا ساكتة مش قادرة أتكلم وخلصوا شغل وقعدت أعيط اني مش هشوفه تاني لحد مجت أمي وقالتلي بت يا هانم جايلك عريس هيخليكي هانم بصحيح، زعلت وقعدت اتنطط واقول مش عيزاه قبل حتى معرف هو مين واتضربت وخلوني أوافق عالعريس بالغصب وأنا حتى مشوفتوش ويشاء ربنا يطلع هو اللي حبيته مكملناش السنة وكنا متجوزين كان بيعاملني زي الهوانم بصحيح دلع وحب وكلام حلو لحد ما جيه اليوم اللي عرفنا فيه أني حامل وكأنه اتحول لراجل تاني وقعد يحلف ويتحالف أني لازم أموت أبني ده بس ابويا وابوه مسكتوش وخلوه يوافق عليه بالغصب وخدني من بلدنا وجينا هنا القاهرة ومن يومها لا بقى هو كمال ولا بقيت أنا الهانم، هجرني وراح شاف غيري وغاب ومجاش ألا يوم ولادتي مبصش في وش أخوكي حتى وابويا هو اللي جيه وعمل كل الأوراق بتاعته ومات بعدها وسابني ليه، يجيلي وقت ما يحب ويسبني وقت ما يحب وأنا كنت غبية ولسه حباه وبعد أخوكي بسنة جبتك أنتِ وأختك واتعادت الكرة لكن أنا اللي شلت اللي شاله أبويا قبلي ومبقاش يجي من ساعتها إلا كل فين وفين يرميلي الفلوس ويمشي.
أردفت الأخرى بتعجب شديد: متكلمتيش معاه وعرفتي بيعمل كده لي؟!
: أتكلمت كتير واتحايلت أكتر يرجع ويبقى معانا بش يفيد بأيه الكلام مع حجر مبيحسش، أوعي تاخدي بالظاهر وبس يا "نمارق" القلب واللي فيه أهم مية مرة من الشكل والمظهر.
حركت الأخرى رأسها بأيمأة خفيفة ثم نظرت اها قليلًا ونهضت ضامة والدتها لصدرها بحنان وهي تقبل رأسها: أنتِ شلتي كتير لوحدك وجيه الوقت اللي أشيل عنك فيه وصدقيني هعوضك عن كل الحزن ده يا أمي.
: عوضي أنكم تكونوا بخير وترفعوا راسي بوجودكم.
قبلت يدها ثم أبتعدت ونهضت والدتها للخارج بعدما أنتهوا من حديثهم وتركت الأخرى جالسة تفكر فيما تفعل لتعويضها غافلة عما تقع به لا تدري بأنها ستكون "القشة التي قطمت ظهر البعير".
❈-❈-❈
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (سورة المائدة)
أتجهت" بسنت" إلى زميلتها في العمل لتردف بغضب وحقد: أشمعنى هي مبتروحش غير لبيت واحد بس وأشمعنى مبتدخلش غير لناس معينة؟
أردفت زميلتها بهدوء وهي تقم بضبط رسمة ثغرها بأصبع قاتم اللون: "ريتا" عايزة تجيب رجلها واحدة واحدة.
: طولت أوي وبعدين زيها زينا دلوقتي وصباعها تحت ضرسنا يعني لا هتقدر تتكلم ولا تعمل حاجة.
: يخربيتك أنتِ لحقتي تلوي دراعها؟
غمزتها الأخرى بمكر: عيب عليكي توتي مبتغلبش.
: حيث كده بقى تروح هي للـclient بتاع النهاردة وأحنا متطمنين.
: تروح ومتروحش لي؟
ضحكت لها الأخرى لتتركها من بعد ذلك متوجهة لربة عملهم لأقناعها بذهاب "نمارق" بدلًا منهم لذلك العميل ذو المكانة الخاصة بالنسبة لها.
وبالفعل خرجت من مكتبها متجهة لتلك الغافلة عما يُحيك لها لتخبرها بمكان العمل الجديد بعد تكرار ترددها لذلك الشاب منذ ذهابها له من شهرًا قد فات كل أسبوع تقريبًا وها هي ذاهبة لتقابل وجهًا جديد.
مر الوقت وأنهت عملها وخرجت من البناية التي يقتن بها ذلك الرجل وهي تقم بعد الأموال التي قد أعطاها لها كثناء على عملها الرائع للدقة تساهلها الرائع ثم وضعتها في حقيبتها وهي تبتسم بسعادة من تلك الأموال التي تجلبها بكثرة وتسعد نفسها وأشقائها وتأتي بما تشتهيه من شهران وكم يومٍ فقط ولكنها توقفت عندما رأت على مرأى بصرها نعشًا يخرج من أحدى المنازل ليستقر في سيارة الموتى وخلفه من يرددون عبارات الوداع والحزن أنقبض قلبها ونظرت لهيئتها والمكان التي تقف أمامه وتردد بعقلها سؤالًا واحد هل هي على أستعداد لمقابلة خالقها الأن؟ بالطبع لا ظلت أنظارها متعلقة بالمشهد أمامها حتى تلاشى وتحركت عائدة إلى منزلها بعدما قامت بتبديل ثيابها في أحدى المراحيض العامة كما تفعل دائمًا وذهب تفكيرها وتناست رجفة قلبها منذ قليل وهي تدلف لأحدى المتاجر لتبتاع كل ما تشتهي هي وأشقائها وصعدت وهي تثبط عقلها بقولها الهامس: أكيد ربنا عارف أني مضطرة.
❈-❈-❈
أسبوعًا أخر قد مر لتجد نفسها مُكلفة بذهابها لذلك الشاب في موعدها الأسبوعي لتذهب وهي تفتخر بأصراره على ذهابها هي ليس غيرها متجاهلة قلبها الذي ينبأها بشرٍ قادم، صعدت له وهي مبتسمة ولكنها توقفت قبل أن تطرق على الباب بتردد وهي تضع يدها أعلى خافقها الذي يدق كالطبول تشعر بأنها ليست بخير وبدأت تفكر في التراجع لتجد الباب يفتح وهو يبتسم بترحابٍ شديد ثم جذبها للداخل لغرفته الذي أصبحت تعتادها ولكن ما لم تعتاده هو أغلاقه لبابها أيضًا لتنظر له بقلق ولم تجد فرصة التحدث عندما نظر لها بأبتسامة خبيثة تزامنًا مع دفعه لها أعلى الفراش هاتفًا: وحشتيني.