نوفيلا جديدة براثن ذنبها لمريم محمد هارون- الفصل 4 - الخميس 25/7/2024
قراءة نوفيلا براثن ذنبها كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
نوفيلا براثن ذنبها
نوفيلا جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم محمد هارون
الفصل الرابع
تم النشر يوم الخميس
25/7/2024
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [سورة محمد].
في كل مرحلة من حياتنا نتعرض لأختبارات من الله، أختبارات يرسلها لنا حتى يعلم مدى قوتنا وصبرنا، يجعلنا نضع تركيزنا معه وحده ونطلب مساعدته حتى يُسعدنا ويرزقنا بعوضه عندما يجدنا لم نيأس، صبرنا ورضينا، فاللهم أني أرضى بكل ما أتيت وبما ستأتي.
❈-❈-❈
اختفى الحديث ولم يتبقى سوى صوت شهقات الأخرى الذي خفتت مع الوقت وهي تجلس أمام الباب تترجاهم من الحين للأخر حتى يئست ونهضت ذاهبة لوجهتها الوحيدة التي لا تعلم غيرها وهي المسجد، دلفت له لتجد الشيخ "صالح" جالسًا كعادته ليقطع قرأته صوت بكائها المرير الذي جعله يرفع رأسه لها ليجدها بهيئتها تلك، خصلاتًا مبعثرة ووجهًا يشوبه الأحمرار وعلامات الضرب تظهر عليه بوضوح، توقع ما حدث لينهض مبتعدًا عن موضع جلوسها حتى لا يتسبب بأحراجها وصوت بكائها يحزنه ولكنه لن يستطع الأقتراب منها الأن وقام بمحادثة حفيده هاتفًا: هاتلي اسدال من بتوع أمك وتعالى بسرعة وخليك واقف برا الجامع متدخلش يا "مؤمن".
وأغلق معه دون تفسير لطلبه وذهب له الأخر بعد وقتٍ قليل ثم قام بالأتصال به ليخرج له وأخذ مطلبه ليدلف مرة أخرى معطي ما أتى به لحفيده هاتفًا بهدوء: البسي ده يا بنتي.
التقطته منه ثم قامت بأرتداءه وغطاء خصلاتها وقد ازداد بكائها نتيجة أستيعابها لمظهرها الذي خرجت به من منزلها وأتت به حتى هنا، ونهضت متجهة إلى المرحاض ثم خرجت بعد قليل وقد أتمت الوضوء ووقفت في أحدى الزواية تبكي إلى الله وتشكو له حتى أنتهت واستلقت في موضعها وهي تبكي حتى غفت على أملًا أن ينتهي كل شيء.
وعلى الجانب الأخر كان الشيخ"صالح" يراها ولم يرد أزعاجها وخرج إلى حفيده الواقف بالخارج منتظرًا ليعلم ما يحدث والأخر لا يفعل شيئًا سوى الدعاء لها.
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي أستيقظت بطلتنا على صوتًا هادئ يناديها ولم يكن سوى الشيخ "صالح" الذي طلب منها انتقالها للجزء الخاص بالنساء وتبقى به حتى يفرغ المسجد عقب الصلاة وكذلك قد فعلت وظلت جالسة في أحدى الأركان ضاممة قدميها لصدرها تنظر أمامها بنظراتٍ فارغة حتى أتى لها وجلس أمامها بهدوء وتحدث وهو ينظر لها: هوني على نفسك يا بنتي.
نظرت له ثم نظرت أمامها مرة أخرى متنهدة ولم تتحدث حتى تحدث هو: نفذه عقابهم ليكي.
تحدثت بشرود: وربنا مأنقذنيش زي مانت قولتلي، مكنش معايا عشان هو مبيحبنيش ومقبلنيش لما رجعتله.
: أستغفري ربك يا بنتي واوعي تفكري كده ربنا دايمًا مع كل عباده وبيقبلهم.
سقطت دموعها وهي تتحدث بأندفاع: مدام بيحبني وقبلني مسترنيش لي وانقذني من اللي حصلي انا انا اتبهدلت واتفضحت.
أردف الشيخ "صالح" بحزم: ربنا عز وجل أوقات بيبتلينا عشان يختبر أيمنا، يعرف عبده صالح فعلًا بيحبه وواثق فيه وعنده يقين أن اللي خلقه موجود في كل وقت ولا من أول موقف هيحصل هينكر وجود ربنا معاه وانقاذه ليه من بلاوي كتير هو حتى ميعرفهاش.
زادت دموعها وارتفعت شهقاتها ليردف برفق وهو يعلم أن حديثه قد جعلها تشعر بالذنب حيال ما قالته: ربنا يا بنتي مبيبعتش حاجة وحشة لحد، اللي حصل ده ممكن يكون رفع عنك حاجات كتير أوي أنتِ متعرفيش كانت ممكن توديكي فين، وممكن يكون بعتلك المشكلة دي عشان يختبرك ويشوفك فعلًا رجعتيله ولا لسه ضعيفة وياقينك بيه مهزوز.
نظرت له بدموع وهي تهتف من بين شهقاتها: أنا توبت والله توبت ومش هعمل حاجة غلط تاني ولا هزعله مني بس أنا خلاص حياتي باظت وأهلي رموني، هعمل أي دلوقتي ولا هروح فين؟
: سيبيها لله هيحلهالك من عنده بس لما يلاقيكي واثقة فيه أنه فعلًا هيحلهالك وتاركة أمرك ليه.
أومأت برأسها وهي تزيل دموعها ثم نظرت له بأحراج: أنا أسفة أنا تعبت حضرتك معايا وشغلتك بمشاكلي وحضرتك ملكش دخل.
أبتسم لها برفق: أنتِ قد أحفادي وأصغر منهم كمان وأي حاجة فأيدي أساعدك بيها هعملها.
: شكرًا.
: الشكر لله، هو اللي حطني فطريقك بردو.
ونهض من موضعه ثم أستأذنها وذهب لمنزله الذي يجتمع به مع أحفاده وجلس يفكر بها وبما رأى ووجد الناس يتهافتون به حتى وجد حفيده "مؤمن" يدلف له مبتسمًا كعادته ثم جلس معه يتبادلون الأحاديث فيما بينهم وهو يلاحظ شرود جده من الحين للأخر فتسائل عما به ليجيبه الأخر بغموض: لو طلبت منك طلب هتعملهولي يا "مؤمن"؟
أجابه الأخر مسرعًا دون تردد: طبعًا ده أنا عيني ليك يا جدي.
نظر له بحذر ثم هتف: تخطب البنت اللي شوفتها معايا في الجامع.
تبدلت ملامح الأخر للأستنكار وأردف: بس يا جدي أنت عارف اللي حصل الأيام دي يعني وا--
قاطعه الجد ثم تحدث بهدوء: أنا مش هضرك يا"مؤمن" وأنت متأكد أن هي لو مش بنت صالحة مكنتش هقولك عليها.
لاحظ نظرات الأستنكار على وجهه ليؤكد ما قال: متستغربش كلامي، كلنا بنغلط ونبعد عن ربنا ونرجعله والبنت دي كانت محتاجة اللي يوجها للصح، وبعدين أنا بقولك اخطبها ارتحتوا سوا كملوا مرتحتش كل شيء قسمة ونصيب بس أنت دلوقتي هتساعدها وتسعدني، كلام الناس مش هيسكت عنها يا بني واخوها اللي قدر عليه أنه عاقبها وطردها بدل ما يحل---خرب.
تنهد الأخر وهو ينظر أمامه بتفكير ثم نظر له بأبتسامة هادئة: ماشي يا جدي، أنا موافق شوف هتتكلم ازاي وامتى بس منك لبنتك بقى.
ضحك الأخر بهدوء: سيبها ليا متقلقش.
❈-❈-❈
في نهاية اليوم وبعد أنتهاء كل الصلوات وفراغ المسجد من المترددين عليه وجدت نمارق الشيخ "صالح" يدلف وخلفه والدتها التي بمجرد رؤياها لها جلست أمامها لتجذبها بقوة داخل أحضانها وهي تبكي حزنًا على ما وقعت به فلذة كبدها نتيجة لأهمالها لها وتقصيرها في مطالبة حقهم من والدهم لتلجأ لخطأ كهذا، تعلقت "نمارق" بملابس والدتها وهي تبكي بقوة لتهدئها الأخرى كالطفل الصغير وظلت تردد على مسامعها أياتٍ من كتاب الله حتى صمتت ونظرت لها: كان نفسي أشيل عنك والله، كنت عايزة أفرحك وأفرحنا كلنا، أنا غلطت أوي أنا أسفة سامحيني.
ثم مالت مقبلة يديها لتجذبها والدتها مرة أخرى لعناقها وهي تردف بهدوء: مسامحاكي يا بنتي، مسامحاكي.
أنهت حديثها ثم رفعت وجهها لها لتزيل دموعها وتقبل رأسها بحنان ولم يكن موقفها تجاهها كذلك إلا بتدخل من يقف مبتعدًا عنهم ليترك لهم مساحة من الخصوصية فهو من سأل وذهب لمنزلهم حتى يتناقش معهم بهدوءٍ لم يجده إلا في والدتها أما شقيقها فقد تركهم وذهب منذ بداية الحديث.
: أعملي حسابك يا مدام أني هاجيلكم أنا وحفيدي ووالدته أخر الأسبوع عشان نتقدم لحفيدتي التانية، أنتِ أسمك أي يا بنتي؟
أجابته وهي لا تعي ماذا يقول ولما: "نمارق".
أبتسم بحنان وهو يردف: يجبر بخاطرك ويجعلك من أسمك نصيب يا بنتي.
نظرت له بتعجب متسائلة: يعني أي من أسمي نصيب؟!
: معنى أسمك الوسائد التي يتكأ عليها أهل الجنة رزقنا الله وياكي.
أرتسمت أبتسامة بسيطة على وجهها وهي تأمن على دعواه لتنظر له والدتها بأحترام: تنوروا فأي وقت يا شيخ"صالح".
أومأ لها هاتفًا: تسلمي يا بنتي.
أنتهى حديثهم ثم خرجوا ثلاثتهم من المسجد كلًا منهم إلى وجهته و" نمارق" لا يوجد بعقلها سوى جملته الأخيرة لها قبل أفتراقهم عن بعضهم البعض"خليكي مع ربنا حتى لو بقيتي أسعد واحدة في الدنيا، الدنيا مش دايمة وممكن نقابل وجه كريم فأي وقت".
❈-❈-❈
مرت الأيام حتى جاء موعد الشيخ "صالح" وحفيده معهم لم تكن أربعة أيام هينة بالمرة على بطلتنا، كانت تحارب عقلها بكل ليلة، تجاهد حتى تقترب لله وتنال رحمته ومع أستشعارها للأمان بين يديه في كل ليلة وهي تقيم الليل كانت تبكي ندمًا على بعدها عنه وأغضابه وهي لا تضع بحسبانها بأن لا أحد منا يعلم متى سيقابله وكيف، لم يرحمها شقيقه بكلماته الجارحة كلما قابلها ولم تجرأ على الخروج من المنزل حتى لا تقابل نسخة أخرى من نظراته وكلماته الجارحة فاختارت العزلة بغرفتها.
: تعالي يا "نمارق" سلمي على الضيوف يلا.
خرجت تلك الجملة من والدتها لتنهض وهي تأخذ نفسًا عميق لتهدأ روحها القلقة، نظرت في مرأتها لتبتسم بحزن على وجهها الذي تحمل معالمه كل ملامح البؤس وقامت بهندمة حاجبها الذي ترتديه على فستان بسيط ذو أكمام واسعة وحزام أعلى خصرها من اللون الأزرق ثم خرجت وهي تنظر أرضًا بتوتر وألقت التحية مبتسمة بوجه الجد ثم أقتربت من والدته الذي ضمتها بحنان وأبتسامة بشوشة لم تتوقعها ابدًا فكانت هي أكثر من يقلقها بتلك الجلسة من قبل بدأها فمن سترضى لولدها فتاة في موقفها تلك الأيام؟!
بدأت والدتها الترحيب بهم وتقديم الحلوى ولم تخلوا الجلسة من مرح "نغم" ووجه "ناهل" الساخط وأستمروا على ذلك النمط حتى نهض الجد وتحدث بهدوء: قوموا يا جماعة نسبهم لوحدهم شوية ونقعد قدامهم هنا.
نهض الجميع برضا إلا "ناهل" الذي نهض خارجًا من المنزل بأكمله لتعتذر والدتها بأحراج عن ما فعل ثم أقترب الجد منهم هاتفًا: خدوا راحتكم وشوفوا بعض كويس عشان مش هيتسمحلكم بقعدة زي دي تاني غير لما تتجوزو بأذن الله.
أومأت له "نمارق" وكذلك حفيده الذي ابتسم له ثم تركهم جالسًا مع الأخرين لينظر لها"مؤمن" بتفحص فتاة بسيطة ذو بشرة قمحية وملامح لا يستطع تحديدها بسبب تثبيتها لنظرها أرضًا فهتف بهدوء: أسمك أي؟
نظرت له وهي تهتف بأسمها ليبتسم لنجاحه في جعلها تنظر له والتقاط عيونها البنية الواسعة ووجنتيها الممتلئة بشكلًا لذيذ، وعادت "نمارق" تتفحص أرضية منزلهم مرة أخرى وهي تفرك كفيها بتوتر وأحراج من الموقف برمته ليردف مرة أخرى: أنا أسمي"مؤمن" لو عندك سؤال الحقي اسأليه عشان زي ما "صالح" قال مش هنقعد كده تاني.
أردات سؤاله هل يعلم بما تم علم الجميع من حولهم به عنها ولم تستطع منع ذاتها لتنظر له بحذر: يعني هو أنت عارف اللي يعني اللي حاصل معايا الأيام دي؟
فهم ما تقصده وحاول أن ينتقي حديثه بحذر حتى لا يجرحها ليهتف: أيوة أنا عارف، متشغليش بالك بكل ده وأن شاء الله لو لينا نصيب مع بعض أنا هنهي اللي حصل ده.
ظهرت نظرة التعجب بعيونها التي تتهرب من عيونه ليردف بهدوء: كل واحد فينا وليه ماضيه أيًا يكن حلو أو لأ فأنا وأنتِ اللي لينا عند بعض أحنا مين من دلوقتي بس، وكمان أنتِ هتبقي مسئولة مني فالطبيعي أني أتصرف.
أومأت له بهدوء ثم نظرت له وعندما وجدته ينظر لها حركت عيونها لنقطة أخرى مسرعة ليبتسم والتقطتها هي بجانب عيناها لتبتسم أبتسامة رقيقة وأتى الجد ليجلس بينهم وسألهم عن قرارهم ليهتف "مؤمن":أنا عن نفسي موافق.
أبتسم له بأمتنان ثم نظر للأخرى لتهتف بعد دقائق من الصمت عندما وجدته يحثها بنظراته على الموافقة: أنا كمان موافقة.
أبتسم لهم ثم بدأ في شرح ضوابط خطبتهم: عيونكم متترفعش في بعض أكيد هتبصوا مش هتبقوا معميين بس نبعد عنينا ومنبحلقش.
وقام بنغز من يجلس بجانبه ينظر لـ" نمارق" وكأنه يودعها وهو بالفعل كذلك لأنه يعلم جده وضوابط الخطبة التي ينوي فعلتها حتى يبارك له الله جيدًا.
أكمل الجد هاتفًا: مفيش سلام وده طبيعي من "مؤمن" مبيسلمش بالأيد وأنتِ كمان تعملي كده يا "نمارق" لو مش بتعملي كده.
أومأت له ليبتسم وهو ينظر لها بحنان: وبلاش كلام كتير مع بعض أتكلموا بس بحدود وفي الحاجات المهمة اللي هتعرفكم على بعض وتخليكم جنب بعض بس في الحدود.
هتف "مؤمن" بهدوء: كل ده هيحصل يا جدي متقلقش نفسك، المهم عرفتهم ظروفي أي؟
أومأ له ثم نظر لـ"نمارق": في حاجة معينة عايزاها يا بنتي؟ والدتك هتعرفك كل حاجة بردو بعد منمشي وأي حاجة خليها تعرفني.
نظرت له بهدوء وأمتنان: أنا مش عايزة حاجة، يكفي أنه حفيد حضرتك وأنا عشان كده متطمنة.
هتف الأخر بمرح: أقوم أروح أنا بقى؟
ضحك له الجد ليردف بحنان: ربنا يفرحك يا بنتي ويفرحكم أنتوا الاتنين سوا وأنا ضامن راحتك وأمانك من دلوقتي خلاص.
أنهى كلامه ثم ربت على كف حفيده بحنان ثم دلف الأخرين لهم وعلموا بما حدث وقرارهم وذهب الشيخ وحفيده ووالدته بعد وعد بالقدوم مرة أخرى بعد أخبار والد"نمارق" وشقيقها بما وصلت إليه الأمور وجلب الحلي الخاصة بخطبتهم ثم تحديد موعد أحتفالهم بها.
❈-❈-❈
: مفيش خطوبة يعني مفيش زفت على دماغكم، عاوزين يخطبوها يجوا يتقدموا لراجل البيت من تاني!
كانت تلك الجملة مِن مَن مرت عشرة أيام والجميع في أنتظار معرفته بالخبر الذي لم يصله حتى الأن وهي خطبة أبنته حتى ما حدث قبل ذلك لم يعلمه وكأنها ليست أبنته بحق ولكنهم ملزمين بأخباره ومنذ طلب والدتها له بأن يأتي حتى يتحدثوا في أمرًا هام لم يأتي إلا الأن وياليته لم يأتي.
يتبع