رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل الأخير - 4 - الأحد 24/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الأخير
4
تم النشر الأحد
24/11/2024
جلست بالغُرفة، بعدما غادر "مراد" ليُعدّ أمورهما للعودة. أغلقت الباب خلفها، ثم وقفت للحظة تتأمل المكان، كأنما تحاول استيعاب ما حدث. قلبها كان يضج بسعادة غامرة، لكنها لم تكن تلك السعادة الصاخبة، بل شعور أشبه بعودة الحياة إلى نبضاتها التي توقفت طويلاً.
تقدمت نحو النافذة، فتحتها لتترك الهواء البارد يلامس وجهها. أغمضت عينيها للحظة، تنفست بعمق، وكأنها تُخرج كل الأحمال التي أثقلتها في الأيام الماضية. أصابعها لمست الحافة الخشبية بإيقاع ناعم، كأنها تحاول تهدئة نفسها رغم السعادة التي بدأت تتصاعد من قلبها إلى شفتيها.
أخذت تدور في الغرفة بخفة، حركاتها كانت أقرب لرقصة غير منتظمة، لكنها مليئة بالعفوية والبهجة. وقفت أمام المرآة، نظرت إلى وجهها الذي بدا مختلفًا. عيناها لامعتان، خدّاها توردا بخفة، وابتسامة لم تفارق شفتيها، تلك الابتسامة التي نسيتها لفترة طويلة...
جلست على السرير، ورفعت يديها لتغطي وجهها للحظة، لكن ضحكة خفيفة أفلتت منها. ضحكة لم تستطع كبتها، ضحكة تحمل كل الامتنان لأن النهاية لم تكن كما توقعت. قلبها كان أشبه بزهرة بدأت تتفتح من جديد، بعد أن كانت مقيدة في تربة جافة.
ثم أمسكت هاتفها، أرسلت رسالة قصيرة لوالدتها تُطمئنها:
"أنا و مُراد أتصالحنا يا ماما، وراجعين مصر بُكره أن شاءلله".
وضعت الهاتف جانبًا، واستلقت على السرير، تنظر إلى السقف بعينين حالمتين. شعرت كأن العالم بأسره صار أخف وزنًا، وكأن الحياة أعطتها فرصة جديدة، فرصة لكتابة فصل أجمل مما سبق.....
❈-❈-❈
." بعد مرور شهرين".
كل شيء كان قد اكتمل أخيرًا. الشقة الجديدة، التي كانت مجرد حلم مشترك بينهم، تحولت إلى واقع ملموس، تفاصيلها تغني عن أي حديث. كان فرش الأثاث قد اكتمل مع آخر لمسة من" مراد "،الذي أصّر علي أن يرتبان كل شئ بمفردهم، بينما" رضوى" كانت تجوب المكان كأنها في أرض معركة ناعمة، تشعر بنشوة النصر، لكن دون ضجيج. كانت تهتم بكل زاوية، تلامس القطع الجديدة التي اختارتها مع "مراد"، وتدرك أن كل تفصيلة تحمل في طياتها جزءًا من قصة حبها مع هذا الرجل الذي كان جزءًا أساسيًا في صنع هذا الحلم.
بينما كان" مراد" يجلس على الأريكة في الصالة يضع قدمًا فوق الأخرى، يمرر أنامله على الكتاب الذي كان يقرؤه، كانت" رضوى" تنقل أثاث غرفة النوم بحذر، ترتب تلك التفاصيل الصغيرة التي لا تلاحظها إلا العيون المحبة. كانت خطواتها خفيفة، وعينيها تلمعان بشيء من السعادة العميقة التي لا تعرفها سوى النساء اللاتي يبدأن حياة جديدة مع أحبائهن.
ولكن اليوم كان مختلفًا." رضوى "كانت قد قررت أن هذا اليوم هو يومها. يومهما. لا شيء في الدنيا يمكن أن يسرق منها تلك اللحظة. كانت ستحتفل مع" مراد "على طريقتها الخاصة، بطريقة لا تليق إلا بها. فالأيام التي مرت بين الهموم اليومية وتحضيرات البيت كانت تحتاج إلى انفجار من الفرح، وكان لا بد من جعل هذا اليوم يُذكَر حتى في سنوات طويلة مقبلة.
أغلقت باب غرفة النوم خلفها، ثم ابتسمت لنفسها في المرآة التي كانت قد نصبتها على الحائط لتراقبها في كل حركة. كانت قد اختارت بدلة رقص شرقية ليلتها هذه، بدلة لم يسبق له أن رآها فيها. كانت قطعة فنية بحد ذاتها، تحاكي روحها المغامرة والمثيرة في آن واحد....
كانت مصنوعة من قماش الشيفون الأسود، دقيق التفاصيل، يتناثر عليه خيوط ذهبية رقيقة تشعّ تحت ضوء الشموع. الخطوط التي تحدد جسدها كانت دقيقة، والتفاصيل التي تزين العنق والكتفين أضافت لمسة سحرية، بينما كانت التنورة مفتوحة من أحد الجوانب، لتكشف عن ساقيها في تلميح يشبه الغواية المغلفة بالإغراء البريء.
وضعت اللمسات الأخيرة على مظهرها، وأخذت نفسًا عميقًا، مستعدة لهذه اللحظة التي طالما تخيلتها. وهي تدور حول نفسها أمام المرآة، كانت تبتسم بحب، وعينيها تلمعان بحلم جديد. خرجت بخفة، تحاول أن تبتعد عن ضوضاء خطواتها كي لا تكشف سرها.
في الصالة، كان" مراد" قد أطفأ الأنوار في كل مكان، عدا عن الإضاءة الخافتة التي تملأ المكان بأجواء دافئة ورومانسية. كان يفكر في تفاصيل اليومين الماضيين، في البهجة التي شعر بها في كل زاوية من الشقة، عندما شعر بشيء غريب؛ كان يتوقعها أن تعود بصوت خفيف كعادتها، لكنها كانت قد أعدت كل شيء كي يكون مفاجأة له.
_"أنتي فين؟"
قال مراد بصوت يحمل بعض اللهفة، لكنه كان متأكدًا أن هذه الليلة ستحمل شيء مختلف.... ثم سمع صوت خطواتها على الأرضية الملساء. دخلت إلى الغرفة، وعينها مشتعلة بشغف؛ كان قلبها يرقص معها في تلك اللحظة. نظر إليها "مراد" بدهشة، قلبه يكاد يطفو من فرط الفرح. كانت هي. ولكن هذه المرة، كانت هي بزيها المختلف، بتلك المرأة التي تعرف كيف تثيره، وكيف تعيد إحياء الرغبة في حياته.
اقتربت بخطوات واثقة، ساعية نحو "مراد" وعينها تلمع بتحدٍ. كان "مراد "يجلس كما لو أنه لا يستطيع أن يحرك قدمه، وفي عينيه استغراب ممزوج بإعجاب عميق. أغلقت المسافة بينهما ببطء، ثم نظرت إليه وأجابت بنبرة خفيفة، ولكن مليئة بالوعد:
_ "السهرة دي هتكون علي طريقتي أنا... عايزة أول يوم لينا هنا يكون مُميز "
ثم رفعت العصاية الصعيدي في يدها، مبتسمة بينما كانت تتمايل برشاقة في خطواتها الأولى، وحركاتها الخفيفة بدأت تأخذ شكل الرقصة الصعيدية العريقة التي تجيدها، وبمجرد أن بدأت تحرك العصاية بين يديها، كان الصوت الذي يصدر عن حركة العصا على الأرض هو الصوت الذي يتناغم مع الموسيقى التي ملأت المكان.
كانت تلك الرقصة ليست مجرد رقصة؛ كانت لحظة استثنائية. كانت تعبيرًا عن قوتها الأنثوية، عن حبها العميق لهذا الرجل الذي يحب كل جزء منها. كان" مراد" يراقبها في صمت، يبتسم ابتسامة عميقة، وعينيه تغرق في تفاصيلها، في تلك اللحظة التي كانت تخلع فيها قلبه من مكانه.
حركاتها كانت تتسم بالأنوثة والصلابة في الوقت ذاته، وفي كل دورة لها كان جسدها يتحرك بعنفوانٍ، وكأنها ترفع نفسها فوق كل شيء. العصاية كانت أداة تعبير لها، يدها تتحكم في إيقاعها، وفي كل لحظة كانت ترفع العصا نحو السماء، يراها "مراد" وكأنها تطير بين الأرض والسماء.
عندما توقفت في النهاية، رفعت العصاية عالياً، ثم سقطت ببطء إلى جانبه، بينما كانت التنورة المتموجة تتبع الحركة بشكل مذهل، فاحتضنها مباشرة، عينيه على عينيها، وحركتهما المشتركة كانت كما لو أن قلبهما ينبض بنفس الإيقاع. همس "مراد" بينما يبتسم برقة:
_"حقيقي أنا بحمد ربنا علي وجودك يا رضوى، غيرتِ حاجات كتيرة أوي".
داعبت خدهِ بطرف أصبعها تقول:
_"أنا اللي بحمد ربنا إني معاك دلوقتي، أنت مش متخيل كان حلم مستحيل ازاي، بس أتحقق".
أخذ كف يدها، يُقبله:
_"ربنا يقدرني وأسعدك يا رضوى... مش ناقص بس غير حتة صغيره علشان الحياة اللي أتمنتها تكمل".
فهمت ماذا يقصد، تنهدت، تقول بهدوء: