رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 2 - 5 - الجمعة 29/11/2024
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الثاني
5
تم النشر الجمعة
29/11/2024
دفعت برلنت الغطاء عن جسدها، ونهضت في تؤدة وبخطوات حذرة خارج فراشها في إتجاه خزانة ملابسها، فتحت إحدى ضلفاتها ومدت كفها نحو أحد الأدراج الخفية، فتحته وتناولت منه علبة قيمة من القطيفة الزرقاء، تطلعت لها لبرهة في نظرات ساهمة قبل أن تدفع قمتها مطيلة النظر لمحتوياتها، مدت كف مرتعش نحو ذلك الظرف الذي بهت لونه، تركت العلية القطيفة جانبا وفتحت الظروف مخرجة في حرص ورقة صفراء شاحبة بدت حروفها ما أن خطتها وقد غاب بعضها وشحب البعض الآخر، قرأتها على الرغم من ذلك، وكيف لا وهي تحفظها عن ظهر قلب، تحفظ كل حرف وتتذكر مدى تأثيره على قلبها لحظتها وحياتها فيما بعد، تنهدت وقد لمع الدمع بمقلتيها، فغامت الرؤية قبالة ناظريها وفيروز تزيد الملح على ذاك الجرح الحي بروحها..
مرقت الغريبة عطيتني رسالة
كتبها حبيبي بالدمع الحزين
فتحت الرسالة حروفها ضايعين
ومرقت أيام وغربتنا سنين
وحروف الرسالة محيها الشتا..
سال الدمع على خديها، ما دفعها لترجع الرسالة في حرص حذر خشية تمزيقها لداخل مظروفها، متناولة تلك الرسالة الآخرى التي كانت تجاورها بالعلبة، قرأتها كذلك، وفقدت لحظتها السيطرة على دموعها والتي انسابت في غزارة..
أعادت الرسالتين لموضعهما داخل العلبة القطيفة، وجلست تتطلع للفراغ من جديد، تستعيد فحوى الرسالتين باكية، فحياتها كلها بكل تفاصيلها وأحداثها تنحصر في كلمات واسطر، خطت ماضيها وحاضرها كله..
❈-❈-❈
سارا في خطى وئيدة وهي تضع كفها تحت مرفق ذراع محمود حتى وصلا لدرجات سلم هبطاه في سلام، لتجد نفسها برفقته وقد أصبحا في قلب البهو الواسع للدار، والهدوء يعم المكان ولا أثر لنسوة أو صخب كما اعتقدت من كلام محمود عن وجود النسوة استعداد لقران أخته..
تطلعت حولها في تعجب من روعة وجمال التصميم الداخلي الفخم، كانت قد اندهشت من تصميم حجرة الاستراحة التي دخلتها حين وصولها، لكن هذا البهو هو تحفة فنية بحق، جالت عيناها على النقوش والافريزات المتقنة الموجودة بكل ركن.. ولم تستفق من مطالعة هذه الروعة إلا على صوت محمود ممتنا: متشكر لحضرتك، أني وصلت، اوضتي أهي ع اليمين..
تركت ذراعه وانتظرت حتى دخل حجرته بالفعل، وهمت أن تعود أدراجها، إلا أن شهقة قوية خرجت من حنجرة امرأة ما جمدتها موضعها، في نفس اللحظة التي دخل فيها حبيب لقلب البهو متطلعا لكلتاهما، ضيفته التي ما توقع نزولها من حجرتها بالمندرة حتى يكون على استعداد تام لملاقاتها ومعرفة سبب تشريفها لنجع الرسلانية بعد كل هذه السنوات، ويكون قبلها قد أهّل جدته لمقابلتها، لكن ما يحدث اللحظة لم يكن بحسبانه أبدا..
اقترب من كرسي جدته المتحرك، رابتا على كتفها مهدئا، ثم ضغط ضغطة خفيفة على الكتف الآخر أدركت منها الجدة رسالته لها بالهدوء، ووعتها جيدا فلم تحرك ساكنا ولم تنطق حرفا وهي التي كانت على وشك فتح ذراعيها على مصرعيهما لاستقبال تلك الشريدة التي عادت إلى حيث تنتمي.. بينما توقفت أُنس بموضعها كأنها تحمل أطنان لا مرئية على أكتافها تمنعها المسير .. إلا أنها تحاملت على ثقل قدميها وتحركت صوب موضع الجدة وحبيب، وما أن وصلت قبالتها حتى مدت كفا باردة نحو صفية في تحية اعتيادية، هامسة بصوت حاولت أن يغلفه الثبات: أنا أُنس الوجود نجيب الح...
قاطعتها صفية فعلا لا قولا، ولم تستطع وهي تقبض على كفها في شوق، إلا أن تخالف رسالة حبيب التي أمرها فيها بالثبات خوفا من رد فعل تلك الغريبة التي ما كان يأمن جانبها، ولا أدرك حتى هذه اللحظة سبب زيارتها على الرغم من توقعه السبب بحدس قوي، فقد جذبتها صفية نحو صدرها عنوة، تطوقها بذراعيها في محبة، ما أرغم أُنس على الانحناء حتى تكون في موضع السيدة العجوز المقعدة التي غمرتها اللحظة بموجة من حنان طاغِ لم تستشعره أُنس منذ زمن بعيد جدا، ما حرك داخلها مشاعر مبهمة جعلتها ترتبك وتشعر بالتيه، وهي التي تزعم دوما أنها القادرة على السيطرة على مشاعرها وتغليب العقل في كل أمورها..
أبعدتها العجوز عن مجال دفئها الأمومي الآسر، متفرسة في ملامحها في لهفة، محتضنة وجهها بين كفيها المتغضنتين المرتجفتين تأثرا، قبل أن تربت على جانب وجهها بكف مثقل في مودة، هامسة بصوت متحشرج أمرة حبيب دون أن ترفع ناظريها عن محيا أُنس: رچعني اوضتي يا حبيب..
أطاع في هدوء دون أن ينطق حرفا، جاذبا الكرسي المدولب لجدته بعيدا عن موضع أُنس، دافعا به صوب حجرتها القريبة نوعا ما، دافعا بابها على مصرعيه، تاركا أُنس موضعها جاثية على إحدى ركبتيها، شاردة تتطلع لموضع مغادرتهما، وقد شعرت أن شيء ما ها هنا يحدث.. شيء مربك ومحير، شيء على قدر ما استشعرت قساوته.. تدرك كم هو ناعم كمخمل، وتساءلت في تعجب، كيف تكون محملة بكل هذه المشاعر السلبية داخلها تجاه ذاك المكان، وهؤلاء الأشخاص، الذين تدرك تمام الإدراك كيف أثروا على حياتها وحياة أحبابها بالسلب، وكيف لبذور ذاك الشعور المتنامي بالألفة والود أن تغرس أصولها في عمق دواخلها، وأن تزهر تجاههم في ظل تربة خصبة من الصراع الدائر رحاه بأعماقها!؟..
تنبهت لخروج حبيب في تلك اللحظة من داخل حجرة العجوز، والتي غيبها داخلها منذ برهة، اغلق الباب في تؤدة، وتوقف لهنيهة متطلعا نحو أُنس في نظرات مطولة مبهمة لم تستطع تفسيرها أو إدراك فحوى رسائلها، قبل أن يرحل مندفعا لخارج السراي..
نهضت من موضعها، مندفعة بدورها نحو الدرج للوصول لحجرتها بالمضيفة، مدركة تماما أن عليها الوصول لما جاءت لأجله في أقصر وقت ممكن، والرحيل من هنا على وجه السرعة، حتى يكون لها القدرة على وأد ذاك المتسلل بين خبايا روحها، والسيطرة عليه تماما..
يتبع...