رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 31 - 5 - السبت 23/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الواحد والثلاثون
5
تم النشر السبت
23/11/2024
مع آخر كلمة، تركته واقفًا في مكانه، ملامح وجهه مُتجمدة، ثم تحولت خطواتها إلى ابتعاد حاسم. كان في عينيها شيء من الحزن، لكن الغضب كان يطغى عليه. مشيها كان سريعًا وحازمًا، كما لو أن كل خطوة تُبعدها عن ذكرياتها معه وتقترب بها من لحظة حسم نابع من قوتها الداخلية... عندما وصلت إلى الباب، التفتت للحظة واحدة فقط، لكن عيونها لم تلتقِ بعينيه. كان يعلم أنها لا تريد أن تراه الآن، وأن الكلمات التي قالتها كانت بمثابة سد أمام كل محاولة جديدة للتقرب. مع هذا، ظل هو واقفًا في مكانه، وكأن الزمن توقّف من حوله، بينما هي كانت تبتعد، تضع مسافة بين ما كان وما سيكون..... عندما غادرت، شعرت وكأنها كانت تطلق آخر قيد كان يربطها به..
❈-❈-❈
كانت الغرفة أشبه بساحة معركة مهجورة، تتناثر فيها الملابس على الأرضية وكأنها شظايا ذكريات" رضوى" التي حاولت أن تطويها بين دفتي حقيبة. الهواء مشحون بثقل مشاعرها المضطربة، والجدران تبدو وكأنها تراقبها بصمت مؤلم. يدها المرتعشة تمسك بفستانها المفضل، تنظر إليه للحظة قبل أن تدسه بعصبية في الحقيبة، وكأنها تدفن معه جزءًا من قلبها.
فُتح الباب ببطء، ليكشف عن والدتها التي وقفت للحظة مذهولة أمام المشهد. بعيون قلقة وخطوات مترددة، تقدمت نحوها، صوتها المتهدج يخرق الصمت:
_"رضوى... إنتِ بتعملي إيه هنا؟ ودخلتِ إزاي؟"
رفعت رأسها ببطء، عيناها محمرتان من البكاء المكبوت، نظرتها تحمل مزيجًا من الإرهاق والغضب. ردت بنبرة باردة لكنها تحمل في طياتها شرخًا عميقًا:
_"دخلت إزاي إي يا ماما؟ أنتِ ناسية إنها شقتي."
توقفت لحظة، أطلقت زفرة ثقيلة، ثم أكملت وهي تركز نظرها على الحقيبة:
_"أقصد... كانت شقتي، قبل ما أطرد منها."
تراجعت والدتها خطوة، وكأن كلمات إبنتها أصابتها بصدمة غير متوقعة. قالت بنبرة تحاول إخفاء توترها:
_"طيب، سيبي اللي في إيدك وأرجعي الشقة يا حبيبتي، وأنا هجيب لك اللي إنتِ عايزاه. مش عايزة مُراد ييجي ويحصل مشكلة."
استمرت "رضوى" في طي الملابس، يدها تسحب قطعًا بعصبية واضحة، صوتها كان كالسيف وهو يقطع صمت الغرفة:
"لا متخافيش، مُراد مش راجع دلوقتي. تعالي ساعديني، هلم اللبس ده في الشنطة الكبيرة اللي فوق."
نظرت إليها والدتها باندهاش، تجمدت للحظة قبل أن تقول:
_"ليه الشنطة الكبيرة؟ مش فاهمة... إنتِ ناوية على إيه؟ فهميني."
توقفت" رضوى" فجأة، يدها معلقة فوق الحقيبة، كأن السؤال أثار داخلها صراعًا جديدًا. تنهدت ببطء، ثم قالت بصوت منخفض لكنه مشحون بالوجع:
_"أنا مينفعش أقعد هنا أكتر من كده يا ماما."
شهقت والدتها، صوتها ارتفع بنبرة يائسة:
"يا لهوي! إنتِ أتجننتِ ولا إيه؟ هتروحي فين؟ سيبي الزفت الهدوم دي وردي عليا!".
هنا، انفجر بركان" رضوى" الذي كانت تحاول السيطرة عليه. التفتت إليها بعينين مغرورقتين بالدموع، وردت بصوت متحشرج لكنه مليء بالوجع:
_"أنا مش هستنى مراد يطردني من البيت كله بعد اللي عمله! أنا مستبعدش عليه أي حاجة. هروح عند بابا!"
وقفت والدتها عاجزة عن الرد، عيناها تمتلئان بالدموع، قبل أن تقترب منها وتمسك بذراعيها بقوة، وكأنها تحاول انتشالها من هاوية اليأس. قالت بصوت مبحوح:
_"مستحيل... فكرك إني هسيبك تمشي كده عادي؟ ارحميني يا رضوى. أنا تعبت، والله تعبت. كتير أوي عليا اللي بيحصل ده. على طول تاعبة قلبي معاك كده"
تراجعت "رضوى" خطوة للخلف، نفضت يديها برفق من قبضة والدتها. قالت بصوت مختنق لكنه يحمل حزمًا لا يقبل الجدل:
_"حقك عليا والله. بس لو بتحبيني، سيبيني أمشي. أنا رايحة عند بابا، يعني مش حد غريب. محتاجة أبعد. لو قعدت شوية كمان، مش بعيد يجرالي حاجة. القهر هيموتني يا ماما.... علشان خاطري سيبيني أنا محتاجه أبعد أفصل شويه ".
صمتت والداتها لوهلة، وعينيها تعكسان قلقًا لا يمكن إخفاؤه، ثم اقتربت منها و أمسكت بيديها المرتعشتين وكأنها تحاول تهدئة العاصفة التي تجتاحها، نظرت إليها بعمق، بخليط من الخوف والحب والعجز، قبل أن تقول بصوت متهدج:
_"رضوى... الحب مش بالساهل، والمشاكل مهما كبرت ليها حل، ليه متحاوليش تهدي قبل ما تاخدي قرار زي ده؟"
هزّت رضوى رأسها بعناد، ودموعها تنساب دون إذن:
_"يا ماما، أنا حاولت، حاولت أصدق وأسامح، لكن لما اللي بتحبيه يقلب حياتك لنار كل يوم، بتفقدي حتى الرغبة إنك تقاومي.... أنا محتاجة وقت لوحدي ".
استسلمت لواقع لا يمكن تغييره. جلست على حافة السرير بجانبها وبدأت تساعدها في طي الملابس بصمت، قلبها مثقل بالأسئلة التي لن تجد لها إجابات.
_"طيب، هتسافري إمتا؟".
سألت بنبرة منخفضة، كأنها تتمنى أن تغير" رضوى" رأيها في اللحظة الأخيرة.
"بكره الصبح ، حجزت التذكرة. بس أوعديني، متقوليش لمراد غير لما أمشي..."
_"طيب، زي ما تحبي. بس عايزة أقولك حاجة يا بنتي... لو كان الحب صعب، الفراق أصعب. فكري كويس."
ابتسمت رضوى ابتسامة باهتة، وقالت بصوت مكسور:
_"اللي أصعب يا ماما، إني أبقى قدام حد بيكسرني كل يوم وأنا عاجزة عن إني ادافع عن نفسي."
عندما وضعت" رضوى" آخر قطعة في الحقيبة، شعرت "سهام" وكأن قطعة من قلبها سُجنت مع تلك الملابس. حدقت في ابنتها، وكأنها تودعها بعيونها، متمنية لو تستطيع حمايتها من كل ألم.....
❈-❈-❈
طرقَ علي باب الشقة بهدوء عكس العاصفة التي بداخله،كان يستمع من الخارج أصوات الموسيقي،وصياح الشباب بالداخل،هز رأسه بخيبة أمل،يطرق الباب مرة أخري لابد أنهم لايستمعون لصوت الباب مما هُم فيهِ،كاد يطرق للمرة الثالثة،لكن فُتحَ الباب فجأة وظهر من خلفهِ شاب يبدو بمثل عُمر "نادر".... وجهه شاحب وهزيل، تكسوه هالات داكنة حول عينيه الغائرتين، وشفاهه متشققة جافة. بشرته تبدو كأنها فقدت حيويتها، وعظام وجنتيه بارزة كأنها تفضح استنزاف المخدرات لجسده...
لم يتحدث له. بل ترك الباب مفتوح ودخل وتركه مكانه علي الباب ثواني، ودلف للداخل هو الآخر.... وسريعًا استقبله مزيج خانق من دخان السجائر والحشيش، ممزوجًا برائحة عطور فاخرة فقدت بريقها وسط ثقل الجو. كانت الإضاءة خافتة، مصدرها مصابيح جانبية بأغطية زجاجية ملونة، تلقي ظلالًا متراقصة على الجدران المزينة بلوحات تجريدية بألوان صارخة.
الأرضية كانت مغطاة بسجاد باهظ الثمن، لكن أطرافه بدت متسخة من أثر انسكابات المشروبات. طاولة القهوة الزجاجية في منتصف الغرفة كانت محملة بأكواب نصف ممتلئة، زجاجات كحول فاخرة متناثرة هنا وهناك، وطبق صغير به بقايا مسحوق أبيض ترك عليه أثر واضح لبطاقة ائتمان.
الأريكة الجلدية الرمادية الفخمة، التي تمتد على شكل نصف دائرة، كانت محط أنظار الجميع. جلس عليها نادر بثقة مبالغ فيها، ساقاه متشابكتان وهو يمسك بسيجار، ينفث دخانه ببطء وكأنه في مشهد سينمائي. بجانبه، جلس رجل يرتدي قميصًا مفتوحًا حتى منتصف صدره، عينيه نصف مغلقتين وهو يضحك على شيء لم يعد مضحكًا منذ البداية. فتاة بشعر مموج فوضوي كانت ملقاة بجواره، تضع رأسها على مسند الأريكة، وعيناها زائغتان وكأنها تبحث عن شيء لا تراه.
على الأرض، كان شاب آخر يجلس متكئًا على الأريكة، يحمل كأسًا بيده، لكنه بالكاد يستطيع الإمساك به. من حين لآخر، كان يرفع الكأس إلى شفتيه، لكن نصفه كان ينسكب على قميصه المبتل بالفعل.
الدخان كان يملأ المكان كثيفًا، يتخلل الستائر الشفافة التي تغطي النافذة الكبيرة المطلة على المدينة. كل شيء بدا وكأنه يتحرك ببطء، وكأن المشهد بالكامل عالق في دائرة من الضياع.
وقف "مراد "في منتصف الشقة، عيناه تمسحان المكان كأنه صائد يراقب فريسته. لم يكن بحاجة للاقتراب أكثر ليدرك حجم الانحدار الذي وصل إليه" نادر"كان كل شيء في المكان يستفزه، من الدخان الذي يحجب الرؤية إلى الضحكات الثقيلة التي تنخر في هدوئه. قبضتا يديه ارتختا للحظة، فقط ليستوعب ما يراه، قبل أن تتصلب ثانية كصخرة تستعد للانقضاض....
رفعَ "نادر" عينيهِ بتلقائية، لكنه تصلبَ فجأة، ورمي السيجارة من يده، ثُم هبَ واقفـًا بفزع، ينظر لـ "مُراد" أمامه، ولأصدقائة وللمكان من حوله.. بلل شفتيه بطرف لسانه، ينظر له بعيون زائغة، طالعه الأخر بنظرة حزينة، بخيبة أمل، أصدقائة أصبحو ينتقلون بأنظراهم بين "نادر" وذالك الدخيل الذي قطع خلوتهم فجأة...
وبأقل من ثانية، كان وجه "نادر" يستقبل لكمة قوية من يد "مُراد"، جعلته يترنج إلي الخلف، تزامنًا مع شهقة قوية خرجت من الفتاة......
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هاجر التركي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية