-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 5 - الخميس 19/12/2024

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


اقتباس 

الفصل الخامس


تم النشر الخميس

19/12/2024

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٠..

اقتربت من الفراش العتيق الضخم، وازاحت بكفها الرقيق الناموسية التلية في هوادة، تتطلع إلى تلك التي تتمدد في وداعة بفراشها، ارتسم على وجهها ابتسامة رقيقة ما لبثت أن ضاعت معالمها ما أن استيقظت الفتاة النائمة متطلعة نحوها في ذهول، تسألها في حروف متلعثمة: أنتي مين! 

ابتسمت المرأة في شجن: معقول مش فكراني، ولا عارفة أنا مين! أنا أنس الوجود.. 

هتفت الفتاة في حنق: أنا أنس الوجود.. 

قهقهت المرأة في رقة: ما أنا عارفة.. عشان كده مستغربة إنك مش فكراني.. ده إحنا تقريبا نسخة من بعض.. معقول محدش حكالك عني! 

لم ترد أنس على سؤالها، نافية بهزة من رأسها، ما جعل المرأة تنكس رأسها في حزن دام لبرهة قبل أن تهمس في عجالة متسائلة: أنتي جاية هنا ليه! 

أكدت أنس: جاية أخد حقي، وحق أمي.. 

أكدت المرأة وعلى وجهها علامات من ضيق مخلوط بحسرة: يا خسارة.. وألف خسارة.. كنت فاكرة إنك جاية تمدي الجدر اللي انقطع وتوصلي اللي كان.. 

أكدت أنس في اضطراب حانق: أنا جاية أخد حقي وحق أمي..

همست المرأة من جديد، وهي تولي راحلة: يا خسارة.. كنتي فكراكي راجعة تصلحي اللي انكسر، وتشفي الجرح اللي لسه نازف، اتاريكي جاية تعيدي نفس الغلطة، وعيونك لسه مغمية مش شايفة مين اللي ليكي، ومين اللي عليكي.. يا خسارة.. 

ابتعدت المرأة وهي تردد كلمتها الأخيرة في حسرة وحزن عميق، قبل أن تختفي كليا وأنس تؤكد عليها في إصرار: أنا جاية أخد حقي وحق أمي، أنا مليش دعوة بأي حكاية قديمة.. أنا مليش دعوة.. 

صرخت أنس مجددا بجملتها الأخيرة، تحاول نفي تهمة ما عن كاهلها، مؤكدة سبب قدومها للرسلانية، لكن صرختها المعترضة وهي تكرر الجملة منتفضة، جعلتها تدرك أنها كانت غارقة في منام عجيب.. وأن كل ما مضى ما هو إلا أضغاث أحلام.. تنهدت في محاولة لاستعادة هدوء نفسها، لكنها تذكرت تلك المرأة كبيرة العمر التي كانت نسخة منها في ملامحها الشكلية، وحاولت تذكر الحوار بينهما بالحلم، فشعرت بالضيق يحتل نفسها.. 

نهضت من موضعها مدركة أن الساعة قد جاوزت العاشرة مساءً بقليل، تطلعت لتلك الساعة القيمة على الحائط القريب نسبيا من موضعها لتدرك أنها قاربت الحادية عشرة مساء بالفعل.. 

فتحت النافذة وتطلعت للسكون المخيم على الأجواء، إنها الليلة الثانية بعد عقد القران البارحة، وكان النهار طويلا مكتظ بالكثير من الزغاريد والطبل والأغاني التي لم تسمع مثيلتها من قبل، رددتها النساء فرحا وابتهاجا بنقل حاجيات العروس أو المعروف بشوارها لبيت عريسها استعداد للزفاف بعد عدة أيام.. 

وجدت نفسها تكرر أحد المقاطع دون وعي: 

اعمليله حلة محشي، يوقع فيها ميطلعشي.. 

اتسعت ابتسامتها محاولة إجلاء ذاك الضيق الذي اكتنف دواخلها جراء ذاك المنام الغريب.. لكنها لم تفلح في ذلك .. تنهدت في قلة حيلة فقد كانت تمني نفسها بالجلوس مع حبيب لإنهاء الأمر بينهما كما وعد، والابتعاد عن هنا بأسرع وقت ممكن، لكنها لم تلمح له ظلا طوال اليوم، وكأن الأرض انشقت وابتلعته.. ربما كان يعلم أن السراي تعج بالكثير والكثير من النساء، ما دفعه للابتعاد عنها طوال النهار، حتى يعطي لهن مجالا للتحرك بحرية لخدمة العروس في تلك الليالي الباقية لها في دار أبيها، قبل انتقالها لدار زوجها.. 

ما زال الضيق يطبق على صدرها، فقررت الخروج والسير بالحديقة قليلا، ربما بعض المسير في هذا الجو المنعش المحمل بهبات الريح البارد، قد ينعش روحها ويعيد لها بعض من تلك السكينة التي تفتقدها.. 

أرتدت مئزرها الشتوي وتركت شعرها منسدلا على طول ظهرها، فما من داعِ لجمعه وهي وحيدة بلا رفقة وقد ذهب الجميع للنوم بعد ذاك اليوم المجهد، همت بفتح الباب مغادرة فوقع ناظرها على شال أمها الذي جاءت به، لا تعرف لما أتت به من الأساس وهي التي لم تعتد ارتداؤه، حقيقة لا تدرك لذلك سببا، ربما كانت في حاجة لبعض الأمان وهي في طريقها لهذه البلاد، فقررت جلبه معها تستمد منه بعض من طمأنينة عجزت عن بثها بداخلها ذاتيا.. مدت كفها نحوه واضعة إياه حول كتفيها دافعة أحد طرفيه الأطول قليلا ليستقر على كتفها، مخفيا شعرها المنساب تحت نسيجه.. 

هبطت الدرج المفضي نحو الاستراحة التي وطأتها في حذر، محاولة تجنب أي مقابلة مع أي من كان، فلا رغبة لديها اللحظة في مواجهة مخلوق.. 

تنهدت في راحة ما أن وجدت الاستراحة فارغة، ففتحت بابها في حرص نحو الخارج، سارت في هوادة لتصل للحديقة الخلفية، وما أن همت بالاقتراب من الموضع الذي قررت الاستقرار به وحيدة، والذي كان متطرفا نوعا ما عن الحديقة بكل مقاعدها وآرائكها.. حتى سمعت أصوات هامسة، لم تتبين أصحابها، لكنها حاولت على قدر استطاعتها تمييزهم، كان صوت لرجل حاول أن يكون صوته على قدر خشونته رقيقا وهامسا وهو يقول لمرافقته: هاتي يدك.. 

تمنعت الفتاة التي كانت تقف بالقرب من السور للحديقة، على الجانب الذي تقف فيه، رافضة الازعان لطلبه، ليطلب في إلحاح من جديد: يا بت هاتي يدك، خدي ده.. بجى أچي لك الساعة دي عشان اديهولك، وانتي تعملي فيا كده..

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة