رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 4 - الخميس 12/12/2024
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
اقتباس
الفصل الرابع
تم النشر الخميس
12/12/2024
اتخذت المسار لخارج السراي بعيدا عن الممر المفضي للباب الرئيسي والمكتظ بكل ذاهب وآيب، واتخذت طريقا كان خاليا تقريبا من المارة.. على ما يبدو أن النجع بكل قاطنيه هناك بداخل السراي وقد جندهم كبيرها لخدمتهم والعمل على تحقيق رغباته وحمل مسؤوليته عن كاهليه في ليلة مكتظة بالمهام الجسام كهذه الليلة المباركة.. ليلة عقد قرآن اخت كبيرهم!.. ابتسمت ساخرة وحاولت أن تحيد بفكرها عن ذاك الرجل الذي اربكها تفسير نواياه وسبر أغوار نفسه.. وجالت بناظريها في إعجاب لذاك الطريق المشجر الذي تزينه أشجار الصفصاف والجميز والتوت على جانبيه، واستشعرت اللحظة أنها إحدى بطلات الأفلام السينمائية القديمة والتي تقضي عطلتها في عزبة الوالد الباشا، وضل بها الطريق حين قررت السير وحيدة في درب ما مجهول، اتسعت ابتسامتها لخواطرها الساذجة، حتى أن الابتسامة تحولت لضحكة عالية ارتفع رنينها الذي انقطع سريعا متحولا لشهقة كبرى كادت أن تتحول لصرخة عالية حين ظهر ذاك المجذوب المدعو زفراني من بين أحد الأشجار كما العمود الذي نبت قبالتها فجأة..
وضعت كفها على صدرها فزعة، وتقهقرت خطوتين للخلف في رهبة وعينيها تجول بكل المطارح حولها في محاولة لإيجاد نجدة إذا ما حاول هذا المعتوه إصابتها بسوء.. عاشت دقيقتين من رعب مصفى وهو يتفرس فيها ويحفظ ملامح وجهها عن ظهر قلب.. وأخيرا نطق بإحدى احاجيه التي لم تجد لها تفسيرا كالعادة..
مش كل السكوت من دهب..
أصل المحبة .. العتب..
بس المحبة منين تاچي!
والجلب محمل من ظنونه.. العچب..
كرر زفراني انشودته مجددا، متطلعا صوب أُنس وكأنما يأمرها بالتركيز حتى تدرك ما يقصد، حاولت.. هي لا تنكر، لكن ما وعت أبدا ما كان مقصده.. كلمات منسوجة باحترافية أنكرتها على مجذوب يجوب الأرض تائها عن إدراك موضع قدمه.. كلماته ذكرتها بكلمات الشيخ معتوق، إمام الجامع، نفس الغموض وعدم ادرك المقصود، أما من أحد لا يتحدث بالالغاز والاحاجي في هذا النجع العجيب!؟..
أخيرا، قرر زفراني في لحظة تعقل كما ظنتها هي تجاهل وجودها كأنها لا تقف متصلبة أمامه تشحذ قواها الذهنية لفهم احاجيه وتتأهب بكل طاقتها الجسدية لدفعه عنها والركض مبتعدة إذا ما حانت لحظة فورة الجنون وقرر مهاجمتها.. لكنه عوضا عن كل توقعاتها سار مارا بمحازاتها مكررا في تتابع محموم أبيات أنشودته الغامضة المعاني، طارقا على صفيحته النحاسية بعصاه مجفلا إياها ما دفعها لتهرول مبتعدة في الاتجاه المعاكس حتى وصلت لهذه الدار التي تركن على أطراف هذا الطريق العجيب، همت بتخطيه مكملة مسيرها لكن ذاك الصوت الذي ناداها في حماس استوقفها، كان صوت سالم الذي خرج مهللا، اسرع نحوها في حبور متسائلا: كيفك يا.. اجول مين! كيفك يا ضيفة حبيب بيه!
تبدل مزاجها وارتفعت ضحكتها لخفة ظل سالم، الذي انتشى في سعادة مشيرا في ترحيب: اتفضلي، خطوة عزيزة، دي دارنا..
هزت أنس رأسها في امتنان: تقدر تقولي يا أنس.. ومتشكرة ع الدعوة، مرة تانية إن شاء الله..
خرجت في هذه اللحظة امرأة ثلاثينية تصرخ على سالم على عتبات الدار، لكنها ابتلعت لسانها ما أن رأته يقف مع تلك الغريبة التي لا تدرك من تكون، وكذا لإشارة سالم لها محتجا حتى لا تقل من قدره أمام الغرباء، مشيرا نحوها معرفا وهو يخاطب أمه: الأستاذة ضيفة حبيب بيه، چاية تحضر الكتاب..
هللت المرأة في مودة حقيقية: يا مرحب، اتفضلي يا استاذة بيتك ومطرحك، ضيوف حبيب بيه نشيلهم ع الراس.. اتفضلي والله ما انتي كسفاني..
لم تستطع أنس أمام هذه الحفاوة الرفض، فتقدمت وسالم في اعقابها يسير في سعادة أن هذه الجميلة ستحل بداره المتواضعة..
جلست أنس على أحد الارائك والتي كانت نظيفة ومرتبة على الرغم من قدمها، كما المعظم من أثاث الردهة الذي يبدو عليه القدم..
اندفعت المرأة تضع براد الشاي على موقد صغير ذي عين واحدة من الكيروسين، لتؤكد كمن ينفي عنه تهمة ما: أني كنت رايحة حلا للسرايا عشان أساعد الحريم، ربنا يچعلها ليلة هنا وسعد على صحابها يا رب..
لم تعلق أنس على كلماتها إلا بهزة من رأسها، لتستطرد أم سالم: الست منيرة ست البنات وتستاهل سيد الرجالة، ومين ف البلد يوافجها إلا عزت بيه واد عمدتنا السيد أبو زكيبة... ربنا يكمل فرحتهم على خير..
مدت كفها نحو أنس بكوب الشاي الذي اكملت اعداده، تناولته أنس ممتنة: شكرا يا..
ردت أم سالم في عجالة: محسوبتك نچية يا أستاذة، هو انتي من زملات الست منيرة ف المعهد!؟..
لم ترد أنس لبرهة، هل عليها إعلان حقيقة أمرها ومن تكون لكل من هب ودب! قررت أن توافقها تصورها وأن لا تعلن عن حقيقة أصلها، مؤكدة على صدق توقع نجية بهزة رأس وهي تتشاغل بارتشاف بعض من كوب الشاي الذي أعلنت عن استحسانها له.. رغبة في تغيير مجرى الحديث لاتجاه آخر، متسائلة: وجوزك بقى مع الرجالة في السرايا برضو!؟..
تنهدت نجية تنهيدة طويلة في حسرة، مؤكدة بصوت نبراته تحمل أسى جلي: لاه، چوزي مسافر بره مصر من سنين، خمس سنين لا شفته ولا ولده شافه، وكل ما نجول له ميتا تاچي! يجول السنة دي وتمر السنة ونستنوا ومايجيش، ويرچع يجول چاي ويخلف.. اهو خمس سنين على دي الحال، لا عتب باب داره ولا نضر ولده وهو بيكبر جدام عينه..
لاح الدمع بعيني نجية على بعاد زوجها الغير مبرر، وشعرت أنس بوجيعتها فربتت على كتفها متعاطفة، مؤكدة في محاولة لمواساتها: الغايب حجته معاه، ربنا عالم بظروفه، واكيد انتوا وحشينه زي ما هو واحشكم..
هزت نجية رأسها في إيجاب: معلوم يا استاذة، معلوم..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية