رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 3 - الخميس5/12/2024
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
اقتباس
الفصل الثالث
تم النشر الخميس
5/12/2024
❈-❈-❈
اطمأنت أخيرا أن ممدوح اقتنع بكلامها بعد إلحاح منها وغادر الرسلانية، فما عاد له من طائل وجوده جوارها، وقد أعلن ذاك المتغطرس الذي بيده الأمر كله، أن ما من نقاش حول سبب قدومها، والحديث في أي موضوع يخص أرثها وأمها في أيام الفرح التي تنتهي بعد ثلاثة أيام مضى منهم يوم بليلة وبقى القليل.. فليكن .. ستنتظر على الرغم من تعجلها، فليس هناك من أمر آخر بيدها سوى الانتظار حتى يتم لهم فرحهم، وها قد ارتاحت بعض الشيء أن ممدوح قد سافر للقاهرة حتى لا تظل أمها وحيدة بصحبة أمه، دون وجود أي منهما بصحبتهما.. فقد كان على أحدهما التواجد معهن، فما عاد تركمهما وحيدتين مناسبا في ظل الظروف الراهنة، وقد باتت صحة كلتيهما على السواء لا تحمل مؤشرا مطمئنا مؤخرا.. خاصة بعد وعكة أمها الأخيرة..
مطت ذراعيها على طولهما متثائبة في كسل، فقد نامت بعمق على عكس ما كانت تتوقع، على الرغم من أن بعض الناموس شاكسها في بداية الليل، لكن سرعان ما راحت في سبات عميق، وقد قامت تلك الناموسية التلية التي تنبهت لوجودها فقامت بفردها وقد أتمت واجبها على أكمل وجه، ومنعت عنها وصول الناموس إلى موضع رقادها، فقد كان جسدها منهكا في حاجة لبعض الراحة، وكذا كان عقلها الذي لم يهدأ لحظة عن التفكير، في حاجة لبعض السكينة.. في انتظار المواجهة الحتمية مع ذاك الحاكم بأمره، والتي تعلم علم اليقين، أنها لن تكون سلسلة بأي حال من الأحوال، وأنها قادمة لا محالة في ذلك..
قرقرت معدتها بصوت عندما وصل لأنفها رائحة ذاك الخبز الطازج، الذي يأتيها من النافذة المطلة على الباحة الخلفية للدار، والقريبة نوعا ما من حجرة الخبيز، وتذكرت أنها بالفعل جائعة لأنها لم تتناول طعام العشاء البارحة، تطلعت لصينية الطعام التي أتت بها نبيهة مساءً، مدركة أنه يعلم عدم رغبتها في الاختلاط بمن في الدار، محاولا تجنب صفية رسلان جدته العجوز مقابلتها مجددا.. حسنا، الشعور متبادل على كل حال، والرغبة مشتركة، وذاك كان من دواعي سرورها، فهي أحرص منه على عدم معاودة ذاك اللقاء المربك مع هذه السيدة مجددا..
شعورها بالجوع كان حافزا قويا لتنهض دافعة عن طرف فراشها طرف الناموسية التي اشعرتها أنها إحدي أميرات العصر الفيكتوري، وخاصة مع ذاك الفراش العتيق المصنوع من خشب يبدو أنه قيم وثمين، لتكتمل الصورة التي جعلتها تبتسم وهي تغادر الفراش في إتجاه النافذة، التي فتحتها على مصرعيها بلا حذر أو مواربة، ووقفت تسحب من الهواء المنعش المحمل بكل تلك الروائح البكر، ما عبأت به أنفاس عميقة سكنت رئتيها لبرهة، قبل أن تطلقها حرة مع ابتسامة رضا..
متى كانت آخر مرة استيقظت على مشهد رائع كهذا الذي يطالعها اللحظة مجسدا بكل بهاء قبالة ناظريها!.. ومتى كانت آخر مرة عبأت ذاك المخزون الشهي من الروائح الذكية بداخل جسدها!.. كان ذاك قبل رحيل والدها!.. ربما.. فقد كانت أحضانه تحمل عبقا خاصا، توقن أنها لن تحظى بمثيله مرة آخرى ما حيت..
انقلبت سحنتها للحزن، وقد تذكرت والدها رحمه الله.. وغامت عيناها بدموع شوق وحنين ما كان من السهل عليها أن تترك لها حرية الظهور علنا.. لذا كانت تكتمها حتى تكون وحيدة، فتطلق لها العنان بلا قيد أو شرط..
لا تعرف كم غابت من دقائق مشحونة عن حاضرها، غارقة بذاك الشعور الطاغي الذي شمل دواخلها كليا.. وتساءلت.. ربما لم يكن الشوق لوالدها هو المحرك الوحيد لتلك المشاعر المضطربة التي تتنازعها.. ربما زاحمها احساسها أنها تحمل ضغطا ومسؤولية ما كانت تحملتها، لو كان هو ما يزل على قيد الحياة، تنعم كما اعتادت بدلاله، وتغرق في نعيم جهلها عما يدور في دنياها، وهي غافلة عن بعض الحقائق الموجعة، التي بدأت تتكشف لها، وعليها التصدي لها وحيدة دون معين..
تركت ذاك النسيم البارد نوعا ما، يجفف تلك الخطوط الفضية التي انسابت على وجنتيها دون تحفظ.. منعشة نفسها بشهيق قوي يحمل لها بعض العزاء عن تلك المشاعر المتضاربة، التي خلفت في نفسها ذاك التخبط حد زرف الدموع، التي لا تبذل لغالِ إلا فيما ندر..
تنبهت لذاك الذي جاء يزعق في نبرة تحذيرية .. شعرت بانقباض ما، على الرغم أنها لم تكن تعي ما يقول، لكن نبرة صوته كانت كفيلة وزيادة لتدفع لداخلها ذاك الحدس عنوة..
من أين يأتي ذاك الصوت الجهوري.. ظلت تبحث عن صاحبه بكل ناحية في فضول..
تنبه حبيب بدوره لصوت زفراني المألوف.. لم يوقظه صوت زفراني فقد أبعد من أن يفعل، لكن بعض من سهاد أصابه الليلة الماضية، سارقا النوم وراحة البال، وما غفا إلا بعد صلاة الفجر بقليل، تنهد في إرهاق، فما نال كفايته من النوم، وفكره مشغول بكل تلك المسؤوليات الملقاة على عاتقه.. والتي أنهى بعض منها بعد أن تجاوزت الساعة منتصف الليل.. بجانب وجود تلك الضيفة التي جاءت في وقت حرج، هو أحوج ما يكون فيه لصفاء الذهن، وراحة البال التي تعكرت بظهورها..
فسر بوضوح ما كان يعيده زفراني، وقد اقترب صوته لحد ما من سور السراي الأمامي..
حاسب يا واد الناس جبل ما تناسب..
وحاسب..
الأصيلة ما تاخد العويل..
ولو چاك ع السرچ راكب..
نفض حبيب غطائه حانقا، وهتف معترضا وهو يعتدل في فراشه: وه! ليه بس كده يا زفراني! ده فال ع الصبح، وكمان ف أيام فرح!..
نهض من موضعه فاتحا شرفة حجرته، جال ببصره باحثا عن موضع زفراني، حتى يسكت ذاك الناعق بهذا الفأل السيء في مطلع أيام مبروكة كهذه..فوقعت عيناه على محياها، شاهدها تقف بنافذتها، تمد ذراعيها بتلك الطريقة الناعمة..و...
يتبع...