-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 6 - 5 - الجمعة 27/12/2024

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل السادس

5

تم النشر الجمعة

27/12/2024

هزت صفية رأسها موافقة: ايوه يا بتي، واعرة جوي، ربنا يهونها على جلبك، ويعوضك خير.. 

وابتسمت صفية تحاول إخراج منيرة من حزنها ببعض المزاح: يا بت والله أني ما كان صعبان عليا حاچة إلا العيال اللي كنتي هتچبيهم من الفجري اللي غار ده، كان هيبجوا ولاد أبو زكيبة، زكيبة ايه! ايه العفاشة دي! ..

ابتسمت منيرة ابتسامة باهتة، بينما اتسعت ابتسامة أنس تحاول كتمان قهقهاتها، بينما لم يفعل حبيب وعلت ضحكاته مؤكدا: والله صدجتي يا ستي، ربنا نچد عيالها، هي ناجصة زكايب.. 

قهقهت صفية مؤكدة: من يوم يومهم يا ولدي والله وهم دماغهم على كدها، بس هو النصيب اللي الحمد لله خلص على كده.. تعال يا حبيب رچعني على اوضتي، حاكم أني واحدة مليش فالغم والهم والكلام التجيل، والجعدة مع البت دي تچيب وچع الراس.. 

قهقه حبيب مجددا، مقتربا من جدته يحملها مرة آخرى، وما أن هم بمغادرة الغرفة إلا واستمهلته لتهتف موجهة كلامها لمنيرة ناصحة: يا بت انتي من الرسلانية، وبنات الرسلانية چواهر، اللي ميجدرش جيمتها، ميستاهلش تنزين دنيته وتعمر داره، لأن عمره ما كان هيصونها.. واعية لحديتي يا بتي!..

هزت منيرة رأسها بإيجاب في هوادة، لتحيد الجدة ناظريها صوب أنس التي لم تنطق حرفا منذ دخلت وحفيدها الغرفة، لتضطرب لنظرات صفية المسلطة عليها، وهي تستطرد حديثها في نبرة تحمل دلالة لم تقدر أنس على فك شفرتها: دم الرسلانية في عروج النفر مننا أصل وچدر، والأصل غلاب يا بتي.. الأصل غالب، والچدر ممدود.. 

ربتت صفية على كتف حبيب، ففهم حبيب الإشارة وتحرك مغادرا الغرفة، وهي تؤكد عليه في ود: وصلني لأوضتي، وافتح لي الچرامفون، عايزة أغنية شادية وهطفي بناره ناري واخلص منه تاري.. 

قهقه حبيب وهو ينزل بها الدرج في هوادة، هاتفا في مزاح: اه منك انتي يا صفية يا كيادة!.. 

لتقهقه صفية في فخر، تركا أنس تحاول استجماع شتات نفسها، تتطلع للحفيد وجدته وعلاقتهما العجيبة، بعد أن أغلقت الباب خلفهما، معاودة الجلوس جوار منيرة، رابتة على كفها في حنو، ودمع منيرة ينساب على خديها في هوادة بلا توقف.. 

❈-❈-❈

كانت تعرف أين تجده، فما عاد اختفائه يشكل سرا عليها، تلك التعريشة المتطرفة نوعا ما عن باقي السراي، كانت هي ملاذه الأمن من كل تلك الضغوط والتحديات التي يواجه، نزلت من غرفتها تسير في اتجاهها وقد صدق حدثها فقد وجدته ممددا على أحد أرائكها تستند رأسه على ساعده وعينيه معلقة بسقف التعريشة في تيه حتى أنه لم يتنبه لحضورها إلا حين تنحنحت في حرج.. 

انتفض من شروده واعيا لوجودها فاعتدل جالسا هاتفا في ترحاب: يا مرحب يا أستاذة، اتفضلي! 

تقدمت وجلست حيث كانت جلستها المرة السابقة منذ عدة أيام، لينهض صانعا الشاي كما هي العادة، وهي لم تعترض، على الرغم من أن شكل تلك الغلاية المسماة مجازا إبريق لا يسر عين لسواد معدنها، إلا أنها تعترف أن كوب الشاي الذي شربته منها من قبل، كان هو الألذ على الإطلاق.. 

كان يتشاغل عنها بصنع الشاي وتجهيز الاكواب على الصينية، حتى إذا ما أصبح الشاي جاهزا وضعه جوارها على أريكتها وعاد للجلوس موضعه، ليسود الصمت لبرهة، قبل أن يهتف حبيب في هوادة: معلش، الدنيا كركبت فوج بعضيها ومعرفناش نسوي الأمور، شوفي يناسبك ميتا يا.. 

قاطعته أنس مؤكدة بنبرة صادقة: أنا مجتش لحد هنا عشان كده، أنا شايفة الظروف ومقدرة الموقف.. 

همس حبيب مقاطعا في امتنان: كلك خير يا أستاذة، ووجفتك مع منيرة باللي هي فيه ده على راسنا.. بس خير! انتوا مش معاودين بكرة أنتِ والأستاذ ممدوح! 

أكدت أنس: آه، ده كان تخطيطي لحد ما سمعت كلام الدكتور بتاع منيرة، وده اللي جبني على هنا عشان أكلمك.. 

هتف حبيب متنبها: خير يا أستاذة، إيه في! 

أقرت أُنس باسمة: فيه كل خير، متتخضش كده، هو مجرد اقتراح لمصلحة منيرة.. الدكتور قال لازم تخرج بره الجو اللي هي فيه ده، وتبعد شوية عن المكان اللي حصل لها فيه الصدمة، كل حاجة هنا بتفكرها باللي حصل، وده مش هيبقى ف صالح تعافيها بسرعة وخروجها من أزمتها.. 

سأل حبيب متعجبا: واحنا بيدنا ايه ومعملنهوش، لو في حاچة تاني نعملوها جولي وأني أنفذ بعون الله.. 

اقترحت أنس: أنا ليا واحدة صاحبتي أهلها عندهم شاليه في إسكندرية، لو تسمح يعني أخد منيرة معايا هناك كام يوم كده تغير جو، وتبعد عن هنا شوية.. ننفذ تعليمات الدكتور، وأكيد ده هيفيد.. 

هتف حبيب متسائلا في تعجب: ليه يا أستاذة! 

تطلعت أنس نحوه في تعجب: ليه إيه! 

همس حبيب في ريبة: ليه مهتمية كده بمنيرة واللي حصل لها!.. وكمان عايزة تخديها معاكي إسكندرية وعلاچها وحالتها.. و.. 

انتفضت أنس موضعها، وهتفت في حنق: حبيب بيه! نبرة صوتك فيها كمية تخوين أنا مقبلهاش، ولو اقتراحي معجبش سيادتك تقدر ترفض من غير رمي اتهامات باطلة.. عن إذنك.. 

همت أنس بالاندفاع مغادرة، إلا أنه استوقفها هاتفا: يا أستاذة!.. 

توقفت موضعها لبرهة، ثم استدارت لمواجهته لتجده يتنهد في محاولة لجمع شتاته، فاشفقت على حاله، ما دفعها لتتقبل عذره دون أن ينطق به: هو السفر ميتا بالمشيئة! 

عادت أدراجها وقد أدركت أنه يتأسف بطريقته، فجلست موضعها ترفع كوب الشاي ترتشف منه باستمتاع، فما كان لها رغبة في المغادرة دون أن تنهيه على أي حال، مقرة في هوادة: هبعت ممدوح بكرة لوحده ع القاهرة يبلغ صاحبتي وياخد منها مفتاح الشاليه بعد ما تبعت حد ينضفه، وبعد يومين نتحرك أنا ومنيرة على هناك.. 

أكد حبيب: بلاها سواجة ع الطريج لحالكم، خدوا الجطر.. 

أكدت أنس في موافقة سريعة أثارت تعجبه: تمام، يبقى كده سهلنا على ممدوح، هياخد هو العربية يسافر بها واحنا نحصله بالقطر.. 

هتف حبيب ساخرا: والله يشكر أستاذ ممدوح ده، معرفنش نودي چمايله فين الصراحة! 

همت بالاعتراض على السخرية التي دوما ما يقابل بها ممدوح أو أي إشارة له في حديثها، إلا أن زعيق زفراني استوقفها، وهو يهتف في صوت جهوري مارا بسور السراي كعادته:

الحِمل للكتف اللي يشيل..

                       وأنت چدع حملك تجيل.. 

وجت الفرح كله جريبك.. 

                      وجت الشدايد كله عويل.. 

كفوف الناس تطبطب چمايل.. 

                ‏وحده حبيبك كفه يعدل اللي يميل..  

همس حبيب بنبرة تقطر وجعا: واااه، ما بكفياك يا زفراني! 

ساد الصمت لبرهة وزفراني يعيد انشودته حتى صمت فجأة، ليزداد السكون وحشة.. همت أنس بالاستئذان مغادرة، إلا أن صوت جلبة قادم نحو مجلسهما جعلها تثبت إلى موضعها في ترقب، ليظهر زفراني بشحمه ولحمه قبالتهما يهرول نحوهما وخلفه شبل يحاول ايقاف تقدمه.. حتى هتف حبيب أمرا خفيره: سيبه يا شبل.. سيبه.. 

هتف شبل حانقا: زرج من البوابة يا بيه ودخل يچري كيف ال..

قاطعه حبيب مشيرا له لينصرف: خلصنا يا شبل، تعال يا زفراني.. 

غادر شبل عائدا لموضعه جوار البوابة، بينما أقترب زفراني متطلعا نحو أنس في فرحة، ثم جلس أرضا قرب موضع قدميها، ليبادره حبيب متسائلا في حنو: چعان يا زفراني، نچيبولك تاكل! 

هز زفراني رأسه رافضا، وكانت هذه سابقة من نوعها لم تحدث من قبل، أن يُقدم لزفراني عرضا لتناول الطعام فيرفضه، وهو يهتف وعينيه مصوبة نحو محيا أنس، التي على الرغم من معرفتها أن زفراني ليس بذاك المؤذي، إلا أنها انكمشت على نفسها في حضرته، لا تعرف لذلك سبب وخاصة بتفرسه العجيب فيها بهذا الشكل الذي يوترها: لاه مش چعان، الطلة فوشوش الحبايب تشبع لسنين يا الحبيب.. 

همس حبيب مؤكدا وهو يرمق أنس بطرف لحظه: صدجت يا زفراني.. 

ونهض من موضعه مبتعدا قليلا يجمع بعض عناقيد العنب من تكعيبته القريبة نسبيا من موضعها وزفراني تاركا إياها وحيدة بصحبته، وقد همس زفراني لها وحدها، وهو يميل نحوها قليلا: أني واعيلها.. شاممها.. 

والتقط نفسا قويا يكتمه بصدره، قبل أن يطلقه مع ابتسامة راحة، وأنس تسأله في وجل: هي ايه دي! 

لم يرد زفراني حين هلّ حبيب وبيده طبق وافر من عناقيد العنب بعد غسلها، وضعه على الطاولة المتوسطة بينهم، أمرا زفراني وأنس في حنو: مد يدك يا زفراني، كلي يا أستاذة.. 

مد زفراني كفه صوب الطبق حاملا عنقود شهي، قدمه لأنس في محبة، ليهتف حبيب مازحا: واه يا أستاذة! ده أنتي بجيتي من حبايب زفراني، خدي من يده، دي بركة وچت لك.. 

مدت أنس كفا مترددة صوب العنقود الذي يحمله زفراني صابرا في إصرار.. لكنها ما أن حملت العنقود بكف مهزوزة حتى سقط مفروط الحبات بكل ناحية.. 

شهقت آسفة ولم تعقب، وهمس حبيب: حصل خير.. 

لكن زفراني نهض واقفا، هاتفا وهو يتطلع للعنقود مبعثر الحبات أرضا: العنجود انفرط يا الحبيب، العنجود انفرط.. 

همس حبيب في هدوء: حصل خير يا زفراني، خد غيره.. 

لم يستمع زفراني لطلب حبيب، بل انحنى أرضا وبدأ يجمع العنقود وحباته المفروطة من هنا وهناك يضعها بجلبابه الذي جمع أطراف ذيله جاعلا منهم عبا يقذف بداخله العنبات وهو يكرر مقولته.. "العنجود انفرط يا الحبيب.. ومين يلم عنباته!" .. 

حتى إذا ما انتهى، اقترب من أريكة حبيب وفتح جلبابه المصروم فوق حجر حبيب، الذي استقبل فعله بأريحية، حتى إذا ما فرغ زفراني، ترك جلبابه  ينسدل من جديد، وسار مبتعدا وهو يترنم قائلا: 

الطلة في وش الحبيب شبع.. 

                         وريحة العشج للچرايح شفا..

عنجود عنب وانفرط من زمن الزمان.. 

                      ومين يلملم عنباته بعد الچفا..!؟..


نهضت أنس فما عاد لها قدرة على تحمل كل هذه الأمور التي تخرج عن نطاق فهمها وإدراكها، وتفعل بدواخلها الأفاعيل، مستئذة على عجل، هم حبيب بالنهوض مودعا، لكنه تذكر العنقود المفروط وحباته التي ألقاها زفراني بحجر جلبابه، فجمع أطراف الجلباب في حذر حتى لا تسقط مجددا، وعيناه لم تحد عن تلك التي اندفعت مبتعدة في هرولة لم يدرك لها سببا، وكأنها تفر من شيء ما يطاردها، أو ربما رهبة ما أن تعلق بها رائحة ما.. رائحة أخبرها زفراني وحدها أنه أدرك وجودها.. رائحة العشق.. 


                  

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة