رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 46 - 1 - الثلاثاء 7/1/2025
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل السادس والأربعون
1
تم النشر يوم الثلاثاء
7/1/2025
الحياة مليئة بالتحديات والمفاجآت، حيث نواجه لحظات من الحيرة والاختيارات الصعبة بين البقاء والرحيل. ورغم الصعوبات، تظل القوة في قلوبنا، تتجدد مع كل دمعة وابتسامة، فنعلم أن لدينا القدرة على التغيير والوقوف مجددًا أمام الزمن.
نجوان
❈-❈-❈
مرت عليها الليلة بهدوء كما أخبرته الدادة نبوية، فلم تصرخ ولم تبكي، بل طغى عليها الحزن فقط، ونامت باكرًا عن كل ليلة في سكون تام لم يعجبه، لكنه لم يكن يملك من الأمر شيئًا. كان هذا همه وهمها، ميراثهم من حكيم الزوج المحب والمستهتر في آن واحد، الذي ارتكب الأخطاء ليتحملها غيره، ومع ذلك يظل محبوبًا، ولا أحد يستطيع اقتلاعه من قلب امرأة متيمة بعشقه.
دخل إلى غرفتها يبحث عنها، فوجدها في الشرفة، مستندة بمرفقيها على الحاجز الإسمنتي للسور. قبل أن يحييها، باغتته قائلة، إذ انتبهت لقدومه حتى قبل أن يلقي إليها التحية:
شكلها كانت بتحب أبوك أوي، بدليل إنها خلفت شبهه.
تبسم ساخراً من خلفها:
وليه متقوليش إن جينات حكيم هي اللي بتغلب رغماً عن أي شيء، ياااه، الراجل ده مازال بيبهرني حتى بعد موته بسنين.
التفت إليه بوجه خالٍ من العبث، تسأله مباشرة:
وانت ناوي تعمل إيه بعد ما تتجوز؟ هتخليه معاك برضو؟
مط شفتيه يجيبها بمكر:
يعني هعمل إيه يعني؟ مينفعش أتخلى عنه، دا أنا بحمد ربنا إنه خد على إخوات بهجة عشان أسيبه معاهم لما نسافر شهر العسل، رغم إنها مسؤولية عليهم، لكن مفيش في إيدي حل غير كدة.
عضت على نواجذها بغيظ شديد:
وخالته بقى راحت فين؟ ما تسيبه معاها ولا هي فالحة تتنطط وبس؟
إن جيتي للحق يا ماما، والله ما أقدر أئتمنه عليها.
قالها بنبرة صادقة زادت من تشتتها وحيرتها، لتحيد ببصرها عنه، وبصمت أظهر عمق تفكيرها.
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها، تصفها أمام البناية التي يتواجد بها مكتب المحاماة الخاص بها، بعد أن استيقظت باكرًا وأكملت روتينها اليومي استعدادًا للذهاب إلى عملها. تجاهلت كل النصائح التي ألقتها والدتها على مسامعها، مصحوبة بالتوبيخ المستمر لأنها لا تسمع لأحد سوى نفسها. حاولت والدتها منعها من الذهاب إلى العمل في اليوم التالي لعقد قرانها، لكنها رفضت اتباع تقاليد تعتبرها بالية وعفا عليها الزمن.
تحركت سريعًا، متجهة إلى داخل البناية، ثم صعدت إلى مكتبها، لتكمل العمل المتأخر عليها من الأمس. طلبت من مساعدتها عدم إزعاجها حتى يحين موعد مقابلة موكليها. اندمجت في التركيز على مستندات القضايا دون أن تشعر بالوقت، إلى أن أفزعها صوت فتح باب الغرفة عليها دون استئذان. رفعت رأسها لترى خطيبها، أو بالأحرى زوجها،المدعو هشام، كما تذكر من عقد قران الأمس. يقف عند المدخل، متجهمًا.
في حاجة يا هشام؟
سألته ببراءة، لكنه قابلها بتجهم أكبر وهو يدخل الغرفة، مغلقًا الباب خلفه، ثم يتقدم نحوها بصمت مطبق يزيد من توجسها.
طب انت ليه بتقفل الباب؟ وليه ما اتصلتش قبل ما تيجي؟
ده على أساس إنك كنتِ هتردي؟
هتف مقاطعًا، وضرب بكف يده على سطح المكتب أمامها، فتراجعت بجسدها إلى الخلف بذعر. تضاعف خوفها عندما اقترب بجسده منها، مستندًا بكفيه على ذراعي الكرسي ليحاصرها:
مردتيش ليه على أي اتصال مني امبارح؟
ارتبكت لقربه المفاجئ، بمشاعر مختلطة بين الذعر والإعجاب بعينيه البنيتين الضيقتين، اللتين جذبتا انتباهها لأول مرة رغم حدة نظراته. حاولت الثبات وأجابت بجدية:
نمت بدري وكنت عاملة التليفون صامت. يعني عادي.
لا، مش عادي.
صاح بها، ضاربًا مرة أخرى على ذراع الكرسي، بحزم أكبر:
امبارح كان كتب كتابنا.قلتلك نخرج، قلتِلي إنك مصدعة، وسبتِك، يبقى تستني اتصالي بيكي، مش تعملي التليفون صامت وتخليني أضرب أخماس في أسداس. شغل الخطوبة المؤقت ده انتهى، إنتي دلوقتي مراتي شرعًا يا صفية، ولا لسه مخدتيش بالك منها دي؟
حاولت نهيه بجديتها:
بلاش أسلوبك ده يا هشام. أنا عارفة حقوقك كويس، رغم إن جوازنا لسه ما دخلش حيز التنفيذ، وقربك ده عيب على فكرة.
خلاص، ندخله حيز التنفيذ عشان ما يبقاش عيب.
هشام!
صاحت به، ليبتعد قليلاً ويرفع يديه عن ذراعي الكرسي، مراعيًا خوفها بعض الشيء، قبل أن يردف بلهجة آمرة:
مش هزود عليكِ، بس بعد كده تعملي حسابك وما تكرريهاش.
حاولت التقاط أنفاسها بعدما ابتعد عنها قليلاً ليرتاح قلبها من هذا القرب المرهق، لكنه عاد سريعًا بعبثه ليباغتها.
حد قالك إنك بتبقي زي القمر وإنتِ مرعوبة؟
صاحت، وهي تدفعه بقبضتيها على صدره:
أوعي يا أخي! دا انت مجنون أكتر من الناس اللي بتعالجهم.
أمسك كفيها محذرًا:
عيب، من غير غلط. أرجع أفكرك إن أنا جوزك يا أستاذة؟
همّت أن تنفجر به، لكنّ فتح الباب فجأة قطع كلامها. ظهرت مساعدتها عند الباب، متجمدة أمام هذا المشهد ، قبل أن يجفلها هشام بصيحته:
حد يفتح الباب كده من غير استئذان؟
ردّت سندس، متلعثمة:
أنا متعودة أفتح على الأستاذة كده بعد خبطتين على الباب... هو انتوا ما سمعتوش؟
لا ما سمعناش، اتفضلي اخرجي بقى، يلا!
هرولت الفتاة مغادرة عقب صيحته. فاستفاقت صفية من صدمتها، لتنفجر به غاضبة:
عاجبك كده؟ هتقول علينا إيه دلوقتي؟ هتقول علينا أي.....
قطعت بشهقة عالية، بعدما أوقفتها شفاهه، حينما حطت على خاصتيها، خاطفًا قبلته الأولى منها، لتشخص أبصارها في النظر إليه فاغرة فاهها بصدمة، قابلها هو ببساطة معلقًا:
"دي كان حقها تبقى امبارح، هدية كتب كتابنا، واقفلي بقك بقى عشان مكررهاش."
❈-❈-❈
لم يتبقَّ على موعد حفل زفافها سوى القليل، لذلك كانت تستغل هذا الوقت القصير في العمل بجد متواصل، حتى تخفف عن حبيبتها نجوان عبء العمل أثناء غيابها عن الجمعية لقضاء إجازة الزواج، كما أخبرها زوجها الحبيب رياض.
كانت نجوان قد خرجت منذ ساعة لتتفقد إحدى دور الرعاية القريبة منها، وظلت بهجة منهمكة في العمل حتى أطَلَّ بوجهه الحسن أمامها. كيف لم تشعر به حين دخل حتى وصل ليميل وجهه نحوها مبتسماً:
بهجة هانم، تسمحيلي آخد دقيقتين من وقتك؟
وكان ردها ابتسامة ساحرة أشرقت في قلبه لتحيي بساتين حب وشوق لا ينتهي:
عشرة كمان لو عايز، بس ممكن أعرف إيه سبب مجيك؟
استقام بجسده، ليفرد كف يده أمامها، يدعوها:
كده يبقى تقومي بقى وتيجي معايا.
نهضت، متقبلة دعوته، تُسلمه يدها بثقة كاملة، وسألته باستفهام:
معاك أكيد، بس هروح معاك فين؟
قبَّل ظاهر كفها وهو يخبرها:
مش هنبعد أكيد عن القصر، تعالي معايا.
❈-❈-❈
استيقظ متأخرًا اليوم بسبب عطلته الأسبوعية في العمل، ليجدهم مجتمعين على طاولة السفرة لتناول وجبة الغداء. انضم إليهم سمير، الذي جاء اليوم بصحبة زوجته، بينما كانت هي تُطعم طفلها داخل غرفة زوجها.
ألقى عليهم تحية الصباح بصوت ناعس، ثم انضم إليهم على نفس الطاولة.
صباح الخير، ودا فطار ده ولا غدا؟ أنا الأوقات متلخبطة معايا أصلاً.
تكفّل سمير بالرد ضاحكًا:
طبعًا يا سيدي، الله يكون في عونك، وإنت بقى فيك عقل أساسًا؟ دا أنا لو منك أبقى مجنون رسمي.
فهمت درية على مقصده، لتُدلي بدلوها هي الأخرى:
بلاش يا سمير، لا يتشنك ويتعصب علينا، حكم دا أي كلمة في الموضوع ده بياخدها شتيمة اليومين دول.