رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 21 - 4 - الأثنين 27/1/2025
رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل الواحد والعشرون
4
تم النشر بتاريخ الأثنين
27/1/2025
كرر الكلمة في عقله أكثر من مرة، كأنه يرفض تصديقها.
كيف يمكن أن تحتاج «نور» إلى منوم؟ متى وصلت إلى هذه النقطة دون أن يشعر؟ رفع رأسه مرة أخرى، أعاد عينيه إلى الغرفة التي خرج منها، حيث كانت «نور» مستلقية على السرير. كانت تبدو في راحة تامة، لكن الحقيقة التي أدركها للتو جعلته يشعر بأن هذا المشهد أبعد ما يكون عن الراحة.
تسارعت أنفاسه، وكأن عقله بدأ يدرك حجم الأمر الذي أمامه. مشاعر مختلطة اجتاحت قلبه؛ الحزن، الغضب، والذنب.
هل كان غافلًا إلى هذه الدرجة؟ هل كانت «نور» تخفي ألمًا بهذا العمق ولم تشارك به أحدًا، حتى هو؟
وقف في منتصف الممر، يحاول جمع شتات أفكاره التي بدت مبعثرة في كل اتجاه.
لم يستطع تحمّل فكرة أنها لم تعد تعرف النوم إلا بهذا الدواء.
حاول أن يستعيد لحظات سابقة، أن يفهم كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد، لكنه لم يجد سوى فراغ كبير مليء بالأسئلة.
أعاد نظره مرة أخرى إلى الغرفة، إلى «نور» التي كانت تستسلم للنوم بفضل الحبة التي ابتلعتها.
شعور بالعجز ضربه في تلك اللحظة، وكأنه يقف أمام حائط شاهق لا يعرف كيف يتجاوزه.
كانت «نور» تبدو دائمًا قوية في عينيه، صلبة، قادرة على مواجهة كل شيء.
لكن الآن، وهو يرى الحقيقة التي أخفتها عنه، شعر وكأنه يراها من زاوية جديدة، زاوية مليئة بالضعف الذي لم يكن يتخيله.
أغلق الهاتف ببطء، ووضع شريط الدواء في جيبه، وكأنه يريد أن يحتفظ به كدليل، لكنه كان أيضًا دليلًا على شيء أكبر
أنه قد فات الأوان على أن يكتشف ما تعانيه «نور» في صمت.
❈-❈-❈
كان الليل ثقيلًا، والأجواء مشبعة بصمت موتر، ذلك النوع من الصمت الذي يسبق العاصفة.
الغرفة الصغيرة كانت مضاءة بضوء خافت، يكاد يُغرق المكان في نعومة مؤقتة، بينما كانت "ديما" جالسة على السرير تحاول أن تهدئ صغيرتها.
بدت الصغيرة متشبثة بها كأنها تخاف أن تفلت من بين ذراعيها.
بعد دقائق من الهدهدة اللطيفة، غفت الصغيرة أخيرًا. تنهدت ديما بارتياحٍ مشوبٍ بالتعب، جسدها كان يئن تحت وطأة الإرهاق الذي تراكم لأسابيع.
ثلاث ساعات فقط من النوم في الليلة السابقة تركتها في حالة من الإعياء، لكنها لم تشكُ، كانت تعلم أن أمومتها تحتم عليها التضحية.
وضعت طفلتها على الفراش بحذر مبالغ فيه، كأنها تحمل زجاجًا هشًا يخشى الكسر.
تأملت وجه الصغيرة لبضع ثوانٍ، ثم ابتسمت بخفوت وهي تحاول أن تجد في ملامحها الصغيرة عزاءً وسط كل ما تمر به.
لكنها ما لبثت أن شهقت بفزع عندما فُتح الباب فجأة بعنف، ليقف "أسر" هناك، وجهه مشحون بالغضب.
نظراته كانت حادة كالسكاكين، لكنها لم تجرؤ على الرد أو حتى السؤال.
انحنى قليلًا لينظر إلى الصغيرة النائمة، ثم أغمض عينيه وهو يحاول أن يسيطر على غضبه المتصاعد.
بادرها بصوتٍ منخفض لكنه مثقل بالتوتر:
ـ تعالي على المكتب.
هزت رأسها بصمت، خوفها يمنعها من النطق. غادر الغرفة بخطواتٍ ثابتة، بينما هي قامت من مكانها بخفة.
وضعت وسائد حول صغيرتها حتى لا تسقط من الفراش إذا تحركت في نومها، ثم غادرت بخطوات ثقيلة.
عندما وصلت إلى المكتب، وجدته ينتظرها، عيناه كجمرتين مشتعليتين.
حاولت أن تخفي القلق الذي يتفجر داخلها، لكنها لم تستطع.
سألته بصوت مرتعش، رغم محاولتها التظاهر بالهدوء:
ـ في إيه يا أسر؟
لم يُجبها على الفور، بل التقط مجموعة من الأوراق من على الطاولة وألقاها أمامها بقوة، حتى تطايرت بعض الصفحات. نظر إليها بعينين قاسيتين، وقال بحدة :
ـ اتفضلي، وقّعي على أوراق الطلاق. أنا مضيت ومستني توقيعك عشان أبعته للمحامي.
شعرت وكأن الأرض قد انهارت تحت قدميها.
الكلمات علقت في حلقها، بينما كانت دموعها تنساب على وجنتيها دون استئذان. بالكاد استطاعت أن تنطق :
ـ يا أسر ، بس أنا مش عايزة أطلق منك.
كان صوتها ضعيفًا، لكن رجاءها لم يحرك شيئًا داخله.
رمقها بنظرة قاسية، ورفع صوته أكثر، كأنه يريد أن يغلق كل أبواب الأمل :
ـ هتتطلقي مني يا ديما! وكل واحد يروح لحاله، ولو مرضتيش تمضي، هاخد حضانة بنتك، وإنتِ عارفة إني ممكن أعمل كده، وفي الآخر برضو هطلقك.
كلماته كانت كالسهام التي تخترق قلبها بلا رحمة، حاولت أن تتكلم، أن تقنعه بالعدول عن هذا القرار، لكنه قطع عليها الحديث بحدة أكبر :
ـ قدامك الأوراق، هعمل مكالمة وأرجع. لو خلصت المكالمة وملقتكيش مضيتي، أنا ممكن ألبسك أي قضية، وفي الآخر هطلقك وأخد حضانة بنتي. القرار قرارك.
غادر الغرفة بعاصفة من الغضب، تاركًا إياها وسط حطام روحها.
لم تتمكن من الوقوف، انهارت على الأرض بجانب الطاولة، ودفنت وجهها بين يديها وهي تبكي بصمت.
كان الألم يتسلل إلى كل ذرة في جسدها، شعور الظلم يمزقها.
لكن وسط هذا البكاء، وسط كل هذا الانهيار، كانت فكرة واحدة تتسلل إلى عقلها كحبل نجاة، أخذت تتحدث مع نفسها :
ـ مش قادره أخسره ، مش هسمحله يهد جوازنا بشكل ده
مسحت دموعها بيد مرتجفة، تحاول أن تستعيد سيطرتها على نفسها، أخذت نفسًا عميقًا، لكنها كانت تعلم أن الحل الوحيد لإنقاذ هذا الزواج لن يكون سهلاً.
تذكرت حديث عمها "عادل"، الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجه "أسر".
لكنها أيضًا تذكرت الثمن الذي طلبه ، الانتقام من "نور".
عيناها امتلأت بالدموع من جديد.
كانت "نور" صديقتها، جزءًا من حياتها، لكن خيارها الآن كان واضحًا، إما أن تحافظ على أسرتها، أو تخسر كل شيء.
نهضت ببطء، وكأنها تحمل جبلًا على كتفيها.
مسحت آخر دمعة من وجهها، واتجهت نحو غرفة عمها "عادل". خطواتها كانت متسارعة، غاضبة، لكنها مليئة بالخوف مما هي على وشك فعله.
طرقت الباب بعنف، وكأن غضبها المتراكم يبحث عن منفذ.
فتح "عادل" الباب أخيرًا، وعيناه تحملان تلك النظرة الماكرة التي تعرفها جيدًا.
لم تنتظر طويلًا لتتحدث ، هتفت بصوت ضعيف، لكنه كان مليئًا بالاستسلام :
ـ أنا معاك يا عمو عادل، بس ما تدمرش جوازي، أنا معاك إنه إحنا ننتقم من نور.
ابتسم "عادل" تلك الابتسامة الشيطانية التي كانت تقول الكثير، كان يعلم أن هذه اللحظة ستأتي، كان يعلم أنها ستختار إنقاذ زواجها مهما كان الثمن. وبدا له أن لعبته الآن قد بدأت للتو.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة توتا محمود من رواية أرهقته حر با، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية