-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 14 - 4 - الجمعة 31/1/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش



الفصل الرابع عشر

4

تم النشر الجمعة

31/1/2025

القاهرة ١٩٩٠..

تطلع نصير نحو هاجر باسما، وهو يراها تضع كل تركيزها على شاشة الحاسوب أمام ناظريها، تجمع بعض المعلومات الهامة مدونة إياها في سجل صغير تحتفظ به دوما بحقيبة يدها.. 

هتف نصير أمرا في حنو: كفاية النهاردة يا هاجر شغل لحد كده، الساعة عدت اتناشر، اتأخرنا أوي.. 

أكدت هاجر دون أن ترفع ناظريها عن الشاشة المضيئة قبالتها، مؤكدة في نبرة جادة: خمس دقايق يا نصير بيه واخلص.. أنت اتأخرت عن ميعاد نومك، أنا عارفة، بس الشغل يحكم.. 

تعجب لها نصير هاتفا: يعني أنا اتأخرت عن ميعاد نومي، وإنتي متأخرتيش!.. ياللاه سيبي اللي في ايدك ده حالا من غير نقاش.. 

همت بالاعتراض، لكن نصير أمر ألا تجادل، واضعا إصبع من كفه على شفتيه أمرا في هوادة: هش، خلاص ولا كلمة.. ياللاه.. أنا روحت السواق، هسوق أنا.. 

 هزت هاجر رأسها في طاعة، تسير خلفه نحو المصعد في اضطراب، دقات قلبها كالطبول وهي قريبة منه لهذه الدرجة، وعطره الرجولي المخلوط بالكثير من جهد ساعات طويلة من يوم عمل حافل، والذي يصل شذاه لعمق روحها اللحظة يداعب حواسها، ويخلق في القلب ألف امنية، مؤكدة أنها لم تعشق من عالم الرجال سوى هذا الرجل.. 

جلسا بالسيارة، لم تكن المرة الأولى التي تجاوره فيها سواء داخل السيارة أو على إحدى طاولات عشاء العمل مع وفد من الوفود، أو حتى بالطائرة حين تسافر برفقته لحضور مؤتمر ما، أو لعقد صفقة بخارج البلاد.. لكن الليلة مختلفة، لا تعرف سبب ذاك الاختلاف الذي ينبئها به حدسها، لكنها تستشعره بقوة.. 

ساد الصمت لبعض الوقت، هو لم يقل كلمة، وهي كعادتها تحترم صمته بعد يوم عمل طويل وشاق، فلا تسمح لنفسها بتكدير صفوه، واقتحام عزلته، وفرض نفسها عليه بحديث قد يثقل على نفسه، ويكون مرغما حين يستمع إليه.. 

هتف نصير أخيرا، مقترحا: أنا بفكر إنك تعملي حفلة السنة دي بمناسبة عيد ميلادك، مش هو قرب برضو! 

تعطل لسانها عن النطق، لم عليها ذلك! ولم هذا العام بالتحديد عليها إقامة حفل لعيد ميلادها، والذي يعد بالنسبة لها ليس بذاك الحدث السار، الذي يحب أن تتذكره، أو حتى تفكر في الاحتفال به ككل الفتيات في مثل سنها!.. 

همست هاجر متسائلة، ما أن استجمعت حروفها الهاربة: ليه! 

أكد نصير في هدوء: وليه لأ!.. السنة دي لازم تكون فيه حفلة، بقى عندك ٢٥ سنة.. دي سنة مميزة.. ولا ايه! 

أكدت هاجر: تمام، بس حفلة مميزة لمين! أنا مليش غير صديقتين، واحدة سافرت.. وأنس.. و ..

أكد نصير في تهور: أنس كفاية.. مش لازم تكون حفلة كبيرة بناس كتير، ممكن تكون مميزة بالناس القليلة اللي هتحضر وتشاركك الحدث، مش كده! 

أكدت هاجر بإيماءة من رأسها ولم تعقب بحرف، بينما استطرد نصير متسائلا: صحيح! هي أنس صاحبتك.. لسه فالصعيد ولا رجعت! 

أكدت هاجر في هدوء مضطرب: لسه هناك.. 

رد نصير في تعجب: معقول! هو في مشكلة هناك عويصة أوي كده! .. 

اندفعت هاجر مجيبة دون وعي: لا عويصة ولا حاجة، دي مشاكل عائلية وهي قادرة تحلها وانتهينا.. 

هتف نصير متسائلا ولم يدرك تبدل لهجة هاجر في الحوار: مشاكل عائلية زي ايه! قوليلي يمكن أقدر اساعدها.. 

حاولت هاجر أن تكون على قدر عالِ من القدرة على ضبط النفس وهي تجيب في هدوء، على الرغم من الغليان الذي يضطرم داخلها من شكوك بدأت تساورها: مشاكل خاصة بعيلتها، أنس قادرة تحلها من غير مساعدة حد، لأنها مش هتسمح لتدخل شخص غريب من أساسه.. 

ابتسم نصير في تفهم، مؤكدا: يعجبني حرصك على أسرار صاحبتك، وسؤالي كان من باب الرغبة في تقديم المساعدة الفعلية لحد عزيز عليكي.. على الرغم إني متأكد إن أنس تقدر تحل مشاكلها من دون مساعدة حد، شخصيتها بتقول كده فعلا.. 

سرحت هاجر في جملته الأخيرة، كيف تسنى له إدراك شخصية وأنس، ومعرفة ما إذا كانت قادرة على حل مشاكلها مها كانت صعوبتها، بكل هذه الثقة التي يتحدث بها!.  

وصلت السيارة للبوابة الحديدية التي فُتحت تلقائيا لتدخل السيارة مقر فيلته الثمينة، ويغلق من جديد خلفهما، حتى إذا ما توقفت العربة حتى ترجلت منها سريعا ملقية التحية على عجل قبل أن تختفي داخل مقر سكنها بذاك الجزء المنفصل الملحق بالفيلا.. ليدخل هو الفيلا بدوره حيث كل ما فيها صامت بقدر صمت روحه، وتجمد قلبه عن النبض من جديد.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٠.. 

انتفض حبيب من موضعه فوق أريكته، متطلعا نحوه في تيه، وأخيرا أدرك أن يوم جديد قد بزغ فجره منذ قليل، فمسح على وجهه يحاول أن يوقظ نفسه كليا، وقد نهض متجها نحو الداخل في اتجاه الحجرة التي يرقد بها الضابط المصاب وقد ترك معه الدكتور سرور في ساعة متأخرة، تطلع نحو الداخل ليجد سراج على حاله، وسرور قد غفا على كرسيه يبدو على حاله الإرهاق.. 

أشفق حبيب على حاله، ودخل حتى موضعه رابتا على كتفه في هوادة، لكن سرور انتفض متطلعا لحبيب برهة في عدم تركيز، قبل أن ينهض متوجها نحو المريض، يفحص حالته ومعدلاته الطبيعية، قبل أن يهمس في راحة: الحمد لله، الحالة بجت أحسن لحد كبير.. 

همس حبيب مطالبا: طب روح أنت يا سرور ارتاح لك ساعتين وتعالى، أنت طول الليل چاره.. 

أكد سرور: هروح بس مش دلوجت، اطمن بس على فوجته، وإن كل حاچة تمام وبعدين له وجته النوم.. 

ربت حبيب على كتفه ممتنا، ليستطرد سرور مازحا وهو يشير إلى مدثر، الذي كان ينام بالجانب الآخر من الغرفة نوما عميقا، فلم يستيقظ: روح جوم فحل الچاموس اللي نايم مبرطع تجولش نايم في غيط اللي چابوه، وخليه يروح ينام فبيتهم.. ده مغما عليه أكتر من حضرة الظابط اللي واخد العيار..

أمسك حبيب قهقهاته، وتوجه صوب مدثر، يهزه في رفق، لينتفض مدثر هاتفا في ذعر: لاه، نچية لاه.. أ.. 

ساد الصمت، وتطلع مدثر للوجه المتطلعة نحوه، وجه حبيب الذي كان الأسف يرتسم على قسماته، ووجه سرور الذي كانت الصدمة تشمله كليا.. هل ما سمعه كان صحيحا!.. هل كان ابن عمه وصديق عمره، يقصد نجية أم سالم!.. ألم ينتهي هذا الموال منذ زمن طويل! .. أم أن هناك أمورا عن ابن عمه وصاحب عمره، هو لا يعلم عنها شيئا، وذلة اللسان تلك كانت كافية لهتك ستر المخبأ بلوح الصدور!.. 

تطلع مدثر لصديقيه مرة آخرى، ثم اندفع مهرولا للخارج، ليقترب حبيب من سرور وقد أيقن بفطنته ما يعتمل بصدر سرور من صراعات، هامسا بالقرب من أذنيه في هوادة: بالراحة على واد عمك يا سرور، الجلوب ملناش يد في ملكوتها.. وهو وبشهد ربنا على كلامي، لا خالف عهد، ولا جرب لحرام أبدا، بس هو المكتوب ولازما نشوفه.. 

هز سرور رأسه متفهما، وجلس في هدوء على كرسيه جوار فراش سراج، ينتظر افاقته في أي لحظة.. 

هتف حبيب وقد هم بمغادرة الغرفة: هظبط فطار وابعت لك، تلاجيك واجع من الچوع.. 

لم يعقب سرور بحرف، لكن أشار لحبيب أن نعم، وقد شرد فكره في سر ابن عمه الذي انكشف لتوه بلا أي مواربة.. 

عاد حبيب للتعريشة من جديد، شاعرا أنه ليس على ما يرام، فهذه هي الليلة الثانية التي ينام فيها تحت الطل نوم قلق غير مستقر في مثل هذه الليالي الباردة من ليالي دبسمبر، ومع كل هذه الأحداث الساخنة التي تقع من حوله.. لكنه تجاهل حاجة جسده للراحة، وبدأ عقله في الدوران كترس صدىء وهو يفكر في حال أنس الوجود، ليته كان يملك رقما لهاتف بيتهم بالقاهرة، لكان اتصل مطمئنا أنها هناك، فنام قرير العين مرتاح البال لتأكده من سلامتها، لكن ذاك الهاجس الذي يسيطر على فكره أنها قد تكون ما تزال في النجع، وقد تعرضت لمكروه وهو لا يدري، هذه الفكرة وحدها قادرة تماما على نسف أي بادرة راحة بال أو سلام قد تخامر دواخله.. يا الله!.. لو يعرف حالها فيطمئن!.. كان ذاك أقصى أمانيه اللحظة، وهو يأمر نبيهة التي تفرك عينيها من أثر نعاس، بتحضير الإفطار.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٠.. دار الحرانية.. 

نفث عزام الحراني دخان نرجيلته في هوادة، مخرجا ما كان بصدره من دخان معبأ من فمه وفتحتي أنفه في استمتاع عجيب، ليهل عليه حفيده مظهر معترضا: ع الصبح كده يا چد! واعرة على صدرك يا حچ عزام! 

هتف عزام في استنكار: واعرة على صدرك أنت يا نايتي.. 

قهقه مظهر لمزاح جده، ليقطع ضحكاته ما أن تنهد جده في حسرة، متحدثا: واه يا ولاد، كن الزمن رمح رمح بالعمر والواحد ولا داري!.. بالك! أني لما وعيت لبت عمك اللي چوه دي، كني رچعت عيل واد ٧ سنين، وأني واجف اطلع لأنس الوچود هانم من ورا سور دار الرسلانية الجديمة.. غرب البلد، وهي جاعدة في الچنينة وحواليها الخدم والحشم، كانت برنسيسة بصح!.. تحب تطلع لها ولا تملش.. وبت عمك كنها صورة منِها.. واااااه.. زمن.. 

همس مظهر متعجبا: للدرچة دي! ده كن الحكاوي اللي بتنحكى ع الرسلانية وعزهم دي صح!.. 

هز عزام رأسه مؤكدا في عزم: ايوه صح! وأني شفت منيها بعيني اللي شفته، بس كنت لسه صغار، لكن الحكاوي مش تلفيج ولا مواويل رباب كيف ما كلنا بنجول لجل ما نتساوى بيهم، وما حد فيهم يرفع راسه ويجول أني وأني.. فبنكدبهم وإحنا واعيين إننا إحنا الكدابين، اهو محدش يبجى أحسن من حد.. 

هز مظهر رأسه متفهما، لكنه انتفض وجده موضعهما ما أن جأهما صوت يزعق على البوابة راغبا في الدخول عنوة، دافعا الخفير ليصبح بقلب مجلسهم، صارخا في حنق: فين ضيفتي يا عزام يا حراني!.. 

نهض عزام من موضعه في هدوء، وهم مظهر بالحديث مجيبا، إلا أن مظهر عاجله، متحدثا في هدوء: طب نجول صباح الخير ولا سلام عليكم يا حبيب بيه! 

هتف حبيب متهكما: سلام عليكم، هاااا، فين الأستاذة أنس! وبتعمل ايه هنا عندكم! 

هتف عزام مؤكدا: وهي الأستاذة مش برضك إحنا ناسها يا حبيب بيه! هتعمل ايه هنا يعني! شايلينها فوج راسنا، دي بت الغالي، وبيت الحرانية اللي هي شايلة اسمهم أولى بيها، ولا ايه يا حبيب بيه! 

هتف حبيب مؤكدا: لو كانت چت لكم من أولها مكنش حد اتكلم، لكن تبجى ضيفتي، وألاجيها عندكم، وأني اللي أعرفه إنها كانت مسافرة، إيه چابها داركم، وفجأة كده المحبة طفحت عليكم.. 

هتف مظهر في حنق: ألزم أدبك وأنت بتتكلم، أنى.. 

صرخ حبيب زاعقا في صوت جهوري هز أركان الدار: أني اللي بجولهالك، لما الكبار يتحددتوا، أنت اللي تلزم أدبك وتبلع لسانك.. وطالما متعرفش في الأصول، نبجى نعرفهالك.. 

هم مظهر بإخراج سلاحه من صدر جلبابه، لكن عزام الحراني كان الأسرع، واضعا كفه فوق صدر مظهر يمنعه من تهوره، ليخرج مظهر كفه في هدوء، ما دفع حبيب ليتهكم في نبرة خفيضة: والله الحركة اللي عملتها دي، لو مع حد غيري، لكان دفنك مطرحك، ومليكش عنِده دية كمان، لكن چدك لحجك، وعيت كيف يكون حال الكبار!.. 

وأمر مظهر في شدة: نادم ع الأستاذة من چوه.. 

هتف عزام في مهادنة: دي ضيفتنا يا حبيب بيه، و.. 

هتف حبيب مهادنا بالمقابل: هي ضيفتي يا حچ عزام، وكانت ضيفة في داري، ويوم ما خرچت كانت مروحة، كانت خارچة من داري، ولحد ما توصل القاهرة هي سلومتي، أهلها عارفين إنها ف حمايتي.. يبجى لما تكون عندكم لأي سبب.. 

قاطعه مظهر مؤكدا: كان ضرب النار اشتغل عشية، وهي لحالها، وعيت لها چبتها على هنا وچيت.. 

عبء حبيب رئتيته ببعض الهواء محاولا السيطرة على انفعاله، متطلعا نحو مظهر مؤكدا: تشكر يا سيدي، أهم حاچة سلامتها طبعا، بس كان الواچب والأصول تبعتوا تجولوا ضيفتك عندنا يا حبيب بيه معززة مكرمة، وأني أجول ايه اللي يكون بعد كده لأنها أمانتي.. 

كان صوت حبيب الهادر كفيل بايقاظ كل من بالدار، لتظهر أنس الوجود التي كانت تتابع الحديث منذ مدة طويلة، وشعرت أنه قد حان وقت تدخلها لإنهاء ذاك الجدل القائم، وإيقاف حالة الاحتقان القائمة بين الطرفين، لتخرج هاتفة في نبرة قوية: حصل خير يا حبيب بيه، وأنا هو كويسة الحمد لله.. 

هتف حبيب مستفسرا: إنتي كويسة وبخير!

هتف مظهر حانقا: ومتكنش ليه كويسة! ده إحنا لينا فيها أكتر مالكم يا حبيب بيه! 

هتف حبيب في نبرة حازمة: معلوم.. بس أسأل روحك هي لما چت تاخد حجها، چت لنا ليه، ومكنتش تعرف عنكم حاچة! ولا حتى انتوا سألتوا لما عرفتوا بمچيتها!.. ولا هي فچأة كده بجت حلوة ومرشوش فوجيها سكر.. 

اضطرب عزام صارخا في حفيده لينهي الحوار الذي قد يتطرق لأمور ما كان يحب أن يفصح عنها، هاتفا في صرامة: مظهر! بكفياك.. حبيب بيه جال الكلام معاي، وضيفته أهي فالحفظ والصون.. 

وأمر عزام أنس في مودة: تعالي يا بتي.. 

اقتربت أنس من موضع وقوف عزام، الذي ربت على كتفها في حنو أمرا: روحي مع حبيب بيه يا بتي، وده بيتك برضك، وجت ما تحبي، هتلاجيه مفتوح لك، نشيلك فوج روسنا.. 

همست أنس في محبة: تسلم يا جدي.. 

هتف حبيب مطالبا: ياللاه بينا.. 

خرجا سويا من دار الحرانية، تاركا الحقيبة خلفهما، ليؤكد عزام أنه سيرسل خفيره بها حتى السراي.. 

اتخذا الطريق المفضي للسراي، كان طريقا متوغلا بين الغيطان وقنوات المياه الصغيرة التي تروي الأحواض المزروعة حديثا.. ساد الصمت بينهما، على قدر ما كان يغلي داخليا من أفعالها، على نفس القدر كان فرحا بسلامتها، ذاك التناقض الذي يعانيه اللحظة لا يدعه يرفع نظره نحوها، فقد تحمل نظراته نحوها بعض الغلظة التي قد تجعل الأمور بينهما تنحى إلى المزيد من السوء وخاصة بعد خماقتهما الأخيرة، والتي كانت السبب في ذاك الرحيل المفاجيء، وقد تحمل نظرته بعض من لهفة لا يرغب في إظهارها بل التكتم عليها قدر استطاعته.. لكن الغريب، هو رد فعلها الذي سمره موضعه، ليطيش صوابه كليا، حين همست في نبرة مهادنة، قلما سمعها منها، وهي تقول: على فكرة! أنا عارفة إني أخطأت في تقييم بعض الأمور اللي حصلت، وده اللي خلاك تتعصب ويحصل ما بينا سوء الخلاف اللي حصل، واتبنا عليه خطأ تاني وهو فكرة سفري من غير ما أقول.. 

مدت كفها تلقي التحية مع ابتسامة، هاتفة في نبرة مرحة: خلاص بقى، عفا الله عما سلف، إحنا ولاد النهاردة، هااا.. صافي يا لبن!.. 

تطلع حبيب نحوها في تعجب لبرهة، قبل أن يمد كفه في تيه نحو كفها الممدودة في أريحية محتضنا إياها، ويا ليته ما فعل، فقد كان ذلك بمثابة تسليم تام لذاك الخافق المعربد اللحظة في جنون بين جنباته، ليكون طوع بنانها، ورهن اشارتها.. ظلت كفه محتضنة كفها في وداعة حتى صدح ذاك الصوت القريب نسبيا من موضعها، مترنما يسلي حاله وهو ينحني على ذرعه، مطبطبا على وجه أرضه: 

سلم علىّ.. سلم علىّ.. لما جابلني وسلم علىّ.. يا سلام.. يا سلام.. سلم علىّ.. 

أني كنت ماشي لوحدي حزين.. شفته رماني بكحل العين.. نساني چرح وهم سنين.. حبيبي.. 

سلم علىّ.. لما جابلني وسلم علىّ ولدي يا ولدي.. سلم علىّ.. 

جذب حبيب كفه من كفها في هوادة، وسار خطوة مبتعدا لتلحق هي به، وذاك المترنم لا زال صادحا: 

سلم عليا وراح ماشي.. جالي چايلك ولا چاشي.. 

من غيره الدنيا متسواشي.. حبيبي.. 

تنحنح حبيب في محاولة لإجلاء صوته، حتى لا يظهر تأثره، قائلا: على فكرة، صديج العيلة منصاب عندينا فالسراي.. 

هتفت أنس في صدمة: سراج بيه! 

أكد حبيب ساخرا: ايوه، هو ممدوح بيه هنا وأني معرفش! ولا في صديج عيلة تاني أني معرفهوش!.. 

لا تعرف لمَ لم تغضب كعادتها، تطلعت نحوه لبرهة، ثم انفجرت ضاحكة في أريحية، ضحكات رناتها اختل لها ميزان الكون، وتبعثرت حركة الاجرام السماوية، وتعثرت خطاه حين قرر أن يتركها خلفه مندفعا صوب بوابة السراي التي أصبحت على بعد خطوتين، لتسرع هي الخطى لتلحق به، لا تعرف ماذا دهاه!.. 


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة