-->

رواية جديدة ظننتك قلبي « لكن بعض الظن إثم » مكتملة لقوت القلوب - الفصل 26 - 1 - الأربعاء 1/1/2025

 

قراءة رواية ظننتك قلبي « لكن بعض الظن إثم » كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ظننتك قلبي

« لكن بعض الظن إثم »

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة قوت القلوب


الفصل السادس والعشرون

1

تم النشر يوم الأربعاء

1/1/2025

 «دوائر ضبابية ..؟!!»

سلام على من ظننا أننا نسيناهم ، نحن أبرياء من هذا الظن فقد توغل بقائهم بنفوسنا وأصبحنا مرضى بذكراهم ، وحين يأتي طيفهم تُعمى أعيننا و تصبح رؤيتنا كصراع مع الدخان في دوائر ضبابية ...


بيت النجار (شقة فخري) ...

تَوقَع الأسوء من تلك الحقودة لكنه لم يمر بذهنه أن قلبها مفعم بهذا السواد ، رغم أنه يوم الجمعة إلا أن "فخري" قد إعتاد الذهاب للوكالة عوضًا عن الراحة والإسترخاء بالبيت ، هذه الجدران التى يشعر بداخلها بالغربة لكنها بالنهاية تسمى بيت ..

فور خروجه هذا الصباح تذكر أنه قد نسي محفظته بغرفته ليعود أدراجه مرة أخرى ، هدوء تجلى بالشقة بعد مغادرته فيبدو أن "صباح" بالشرفة مع إبنته "راويه" ليدلف لغرفة النوم دون أن ينتبه أحدهم لعودته ...

دقات أعلنت مجئ زائر بهذا الوقت الغريب ليستمع "فخري" دون قصد منه لحوار دار بين "صباح" و زائرة الصباح "ريهام" زوجة إبنه "مأمون" ليفاجئ بالنهاية بتهديد "ريهام" لـ"صباح" بإخباره بالأسحار التى تقوم بها ...

وقف مذهولًا من تلك قبيحة القلب والملامح ، كيف لها أن تُدنس حياتهما بسحر لإجباره على تقبل حياته معها والتى طالما تسائل لمَ مازال متحملًا زواجه منها ؟!! لمَ يشعر بأنه مجبر على التقبل والصمت ؟!!

الآن فقط علم السر ، إنه لم يكن يتصرف بطبيعته بل كانت تطعمه السحر ليبقى ...

ثورة دبت بدمائه ليصرخ بها بغضب لم يخرجه منذ أكثر من ثلاثون عام هاتفًا بتلك البغيضة ...

- "صبااااااح" ...!!!!

إلتفت "صباح" مذعورة تجاه مصدر الصوت متفاجئة من وجود زوجها بالبيت فقد خرج للوكالة منذ قليل لتهتف بصدمة وهي تشهق بقوة ضاربة صدرها السميك ...

- "فخري" ...!!!!!!!!

كانت تلك فرصة "ريهام" للهرب لتتجه مسرعة نحو باب الشقة هاربة من مواجهة والد زوجها كما لو أنها لم تفعل أو تتفوه بشئ لتترك "صباح" تواجه ثورة زوجها بمفردها ...

إرتجاف شديد سار بأوصالها وهي تتعثر بكلماتها أمام عيناه الغاضبتان ووجهه المحتقن بحمرة متوهجة ، غضب لم ترى مثله من قبل بهذا الرجل هادئ الطباع ، جف حلقها تمامًا وهي تبحث عن بعض حروفها المشتتة للرد عليه ، لتردف بتحشرج ونبرة مذعورة مرتجفة ...

- إنت ... هنا ... يا أخويا ...!!!

سؤال لا معنى له ولا إجابة له أيضًا ليدنو منها وقد إتقدت عيناه بشرر يضغط بقوة فوق مرفقها السمين معنفًا إياها ...

- إيه إللي أنا سمعته ده ؟!! إنتِ ، بتعمليلي أعمال وتحطيهالي في الأكل ، عشان أفضل مكمل معاكِ !!!!!

ثم أكمل مستنكرًا ...

- فعلًا ، هو إنتِ حد يطيقك إلا مغصوب ، إنتِ إيه ، كافره ؟!!

بصعوبة شديدة حاولت الدفاع عن نفسها ...

- ده يا أخويا ، من خوفي ، عليك ، ده أنا غلبانة ومسكينة ...

بنفور تام عقب "فخري" ..

- ده إنتِ سارقاكِ السكينة ، حد يغضب ربنا كدة ، وأنا بقول لروحي ، إزاي قدرت أستحمل حياتي معاكِ كل السنين دي ، إزاي قدرت أعيش مع واحدة زيك ، أنا كنت بستغرب نفسي ليه ساكت وراضي ، غلطة عمري إني إتجوزتك ...

جبل ينهار تمامًا فوق رأسها ، كل ما قامت ببنائه يهدم فوق رأسها بلحظات ، أخذت تبحث بفكرها المحدود عن مخرج لتلك الورطة لتتذكر "زكيه" التى لاح طيفها أمامها ...

- لا يا أخويا ، دي تلاقيها الخدامة وبناتها ، هم إللي عكروا الدنيا ما بينا ، ده أنا بحبك وربنا يا سي "فخري" ، أنا يمكن صوتي عالي شوية بس قلبي أبيض زي اللبن الحليب ...

ضحكة ساخرة من سذاجة تفكيرها المحدود أطلقها "فخري" قبل أن يجيبها بإشمئزاز ...

- إنتِ فاكراني جاهل زيك وحيخيل عليا الكلمتين دول ، أنا خلاص فوقت من القرف إللي بتعمليه ، بترمي بلاكِ على ناس أشراف ، إللي الله أعلم عملتي فيهم إيه هم كمان ...

توهجت نفس "صباح" الشرسة فقد دبت الغيرة مرة أخرى بقلبها ...

- إنت بتدافع عنها يا سي "فخري" !!! مش هي دي إللي إنت كنت عاوز تتجوزها ؟!! مش هي دي إللي كانت حتخرب بيتي ..!!!!

ترك "فخري" مرفقها يلوم نفسه على الإنصياع لتلك المرأة لسنوات طويلة ...

- ويا ريتني إتجوزتها وحاجيت على بنات أخويا ، ست طيبة وفي حالها مش زيك ، مش عيب إنها شالت المر عشان تربي بناتها إللي إحنا مرضيناش نصرف عليهم فلوس أبوهم ، ست الدنيا لطمتها عشان تربيهم بالحلال ،(ثم وجه لها إتهامه وتقززه منها ) ، لكن إنتِ روحتي للحرام برجليكِ ، إنتِ الشر نفسه ، إنتِ الشيطان ، أنا لا يمكن أعيش معاكِ بعد كدة ، لا يمكن أقبل تكوني على ذمتي ، من النهاردة ملناش عيش مع بعض ، إنتِ طالق ، طالق ، طالق ...

فغرت فاها بقوة وتوسعت عيناها الجاحظتان بصدمة فما كانت تخشاه منذ زواجها منه حدث ، لقد طلقها من تعشقه حتى النخاع ، طلقها من سعت إليه بكل الطرق السليمة والملتوية ، تدمرت حياتها و خُرب بيتها ، خرج إبنها عن طوعها ، ماذا كان سيحدث بعد ، ألم تقم بتلك الأسحار لإفساد حياة "زكيه" ، لم فَسدَت حياتها و خُرب بيتها و عشها الساكن ، لقد تطلقت من حب عمرها وأبو أولادها و سكنها ...

تهدلت لتسقط جالسة مذهولة مصدومة لترفع مقلتيها تجاه "فخري" تستجديه أن يرحمها ويسامحها ...

- حقك عليا يا أخويا ، أنا غلطانه والغلط راكبني من ساسي لراسي بس أبوس رجلك بلاش تطلقني ، ده أنا عملت كل ده من حبي فيك ...

تطلع "فخري" بها لبعض الوقت دون رد ، متحيرًا كيف كان يقبل تلك المرأة من الأساس ، لقد أزيلت غشاوة عن عيناه برؤيتها على حقيقتها ومكرها المخادع ، إنها لم تكن تصلح له زوجة ولو ليوم واحد ، كيف صبر و بقى معها لعشرات السنوات ، لقد تحرر أخيرًا من قيده ولن يعود إليه ، رمقها بتقزز قائلًا ...

- ده أنا ربنا نجدني منك ، خلاص ، عمري ما حرجع أرمي نفسي تاني مع واحدة شيطانة زيك ، أنا ماشي والبيت ده مش راجعه تاني ، أنا حطلع من هنا وأعيش إللي معرفتش أعيشه معاكِ ، ومش عاوز أشوف وشك ده تاني ، وورقة طلاقك بكرة تكون عندك ...

أنهى حديثه مغادرًا الشقة يتنفس هواء نقيًا بملئ رئتيه فقد كان سجينًا تلك المقبرة وليس البيت ، فاق أخيرًا من رؤيته الضبابية التى كانت تغشى عيناه وها هو حر طليق ، إنطلق بطريقه مبتعدًا وبكل خطوة تتملكه سعادة غابت عن قلبه لسنوات ، سعادة ظن أنها قد إنتهت تمامًا من حياته ، لقد مزق صفحة كان واجب عليها تمزيقها منذ عقود ...

لم تتقبل "صباح" حياتها المهدمة بسهولة وقلب مستكين ، بل أخذت تضرب بكفيها فوق فخذيها تولول بتحسر حقيقي ...

- ااااه يا ميلة بختك يا "صباح" ، بقى إبني وجوزي يروحوا مني فى يوم واحد ، بقى كدة ، طب إزاي ، إزااااي ...

وقفت "راويه" بأعين تعيسة وشفاة مقلوبة وهي تطالع تحسر أمها ومغادرة أبيها بعد طلاقه لها ، نظرت نحوها "صباح" تحدثها وتلوم نفسها وتلعن كل من حولها ...

- كل حاجة راحت ، الراجل راح مني ، إبني راح مني ، أنا خلاص ، ضعت ، بقى أنا يحصل فيا كدة ، هو ده العمل إللي عمله "كرامه" ، أروح له يخرب بيتها يخرب بيتي أنا ، أنا إللي أتحسر و أتطلق ...

ثم إنتبهت لأمر ما لتزداد إنفعالًا وغضبًا ...

- تلاقيه دلوقتِ حيروح لها ، حيروح يتجوزها ، اااه ، ما هو كان نفسه من زمان يتجوزها ، وأهو خلاص خلي له الجو ، لكن أبدًاااا ، مش حيحصل أبدًاااااا ، طول ما أنا على وش الدنيا مش حهنيهم وأفضل أنا كدة ... 

نظرت نحو "راويه" تحذرها وتهددها ..

- وإنتِ ، إنتِ لازمن تساعديني ، لازمن تعملي إللي أقولك عليه ، أنا لا يمكن أسيبهم أبدا أبدا أبدااااااااا ....


❈-❈-❈

شجن ...

بعد أن سارت لوقت لا بأس به وبدأ إنفعالها بالتلاشي وجدت نفسها بعيدة للغاية عن حيَّهم ، جلست بأحد مقاعد إنتظار الحافلات تحاول التحايل على قلبها الغاضب بالهدوء ، تقوست شفتيها بحزن فتلك أول مرة تترك والدتها و أختها ، لكنها لن تتحمل أن تساق كالأغنام لواقع ترفضه ، لن تعيش تلك الحياة بالإجبار ...

تنهدت بضيق لتومئ بخفة محدثة نفسها ...

- إللي أنا عملته ده هو الصح ، يمكن يرجعوا عن إللي بيعملوه ، أو على الأقل أنجى أنا بحياتي ، أنا معنديش إستعداد أفضل في الضغط النفسي ده ...

بدأت تحدد أفكارها فأين ستذهب الآن فما معها من نقود لا يكفي لأي شئ فقد أعطت والدتها بقية راتبها بالأمس ولم يعد معها إلا القليل ...

أخرجت هاتفها تبحث عن رقم وحيد هو من وجدت به حل لمشكلتها ، إنه العم "أيوب" ...

- صباح الخير يا عم "أيوب" ...

لو كانت الأصوات تبث السعادة لكانت أيقنت أنه يتراقص فرحًا الآن ..

- "شجن" ، إزيك يا بنتي ..

سحبت "شجن" نفسًا عميقًا قبل أن تجيبه بنبرة مختنقة ...

- الحمد لله يا عم "أيوب" ، إنت عامل إيه ، وإزاي صحتك دلوقتِ ؟!!

- نحمده على كل حال ..

بحرج بالغ سألته "شجن" على إستحياء ..

- عم "أيوب" هو اااا ، لسه العرض بتاع الشغل إللي قلت لي عليه متاح ؟!!

تهلل صوته بحماس شديد ...

- إلا متاح ، يا ريت يا بنتي ، يا ريت ...

مطت "شجن" شفتيها بحرج لتردف ..

- طيب أنا عاوزة آجي ، ممكن توصف لي العنوان ...

- على عيني يا بنتي ، إكتبيه عشان تعرفي توصلي ..

بتفهم لتوضيحه لها كيف يمكنها الوصول لبلدته وماذا ستستطيع إستقلاله من وسائل المواصلات العامة ليناسب ما معها من مال أجابته بالنهاية ...

- فهمت يا عم "أيوب" ، أنا حتحرك من عندي هنا وآجي لحضرتك على طول ...

بترحيب شديد عقب "أيوب" ...

- ده يوم الهنا ، أنا مستنيكِ يا بنتي ، بس خدي بالك من نفسك ...

بثقة دائمًا ما تشعر بها أجابته ...

- بإذن الله ، متقلقش عليا ...

أنهت هذا الإتصال لينبعث إليها شعور ببعض الراحة فها هو مكان آمن سوف يأويها حتى تستقر حياتها ، أغلقت هاتفها تمامًا ثم وضعته بحقيبتها حتى لا تستطيع والدتها مكالمتها وإقناعها بالعدول عما عزمت عليه ...

❈-❈-❈


يوم صحو توسطت به شمس الشتاء بالسماء ذات السُحب المتقطعة ، لاحت الظهيرة وإنتهت الطرق ، فبعد سفرة طويلة لعدة ساعات ها هو "معتصم" ومن معه يصلون الأسكندرية لبدء مهمتهم التى كلفوا بها ...

تطلع "معتصم" بالمرآة ليجد "حليم" قد إستيقظ معتذرًا عن خلوده للنوم ...

- أسف يا قائد ، محستش بنفسي ...

بسمة ماكرة علت ثغره فهمتها "عهد" على الفور حين عقب "معتصم" ...

- دي أحلى نومه ، إوعى تكون فاكرني زعلت ، لا خالص ...

نظرت "عهد" إلى يمينها تتهرب من نظراته الجانبية التى ستلاحظ تمالكها لبسمتها مصطنعة اللا مبالاة ...

مكالمة هاتفية ضرورية للغاية قام بها "معتصم" أولًا قبل الدخول لتلك المدينة الساحرة ، حين تحدث إلى "عمر" قائلًا بجدية تامة ...

- ألو ، أيوة يا "عمر" ، إحنا خلاص وصلنا إسكندرية ورايحين على العنوان ، إتواصل بقى مع الدعم هنا عشان نأمن اللاجئ ده وننقله لبيت تحت الحراسة ...

أجابه "عمر" بحرفية تماثل مهارة "معتصم" ...

- نص ساعة وحيكون فريق الدعم هناك ، أظن ده وقت كافي على وصولكم ...

بإيمائة خفيفة أجابه "معتصم" وهو يلتف بمقود السيارة فقد دلف للطرقات الداخلية للأسكندرية للتو ..

- اه تمام ، وممكن نوصل قبل كدة كمان ، حنظبط الدنيا لحد ما فريق الدعم يوصل ...

أنهى إتصاله فيم إلتف مرة أخرى ليتخذ الطريق المباشر لهذا العنوان الذى يقع بهذا الشارع العريق الممتلئ بالسفارات الهامة والبنايات الدبلوماسية ...

بمرور الوقت ونهاية الطريق الذى أوشكوا به على الوصول لفظ "معتصم" توجيهاته بصرامة فقد توغل بالعمل مرة أخرى ...

- جهزوا نفسكم ، قدامنا عشر دقايق ونوصل شارع فؤاد ...


الصفحة التالية