رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 8 - 4 - الجمعة 10/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الثامن
4
تم النشر الجمعة
10/1/2025
هتف سراج يأمره في حزم: بجولك إيه! فوج كده وركز معايا، الغلبانة دي شكلها تايه، والحرامي لما ضربت نار شد شنطنها وجري، بعد ما كان عينه على دهبها، وكمان قعدت تصرخ لما سمعت ضرب النار ومن ساعتها وهي في الحالة دي، كل اللي عليها بتقول عايزة ارچع لأخويا.. محدش جه يبلغ عن أي اختفاء!..
أكد جمال ونظراته لا تزل مسلطة على محيا الفتاة: إحنا لسه مستفتحناش، انتوا أول وارد النهاردة..
هتف سراج وهو يمد كفه دافعا وجه جمال بعيدا عن محيا الفتاة التي تجلس في اضطراب، أمرا في حنق: هو أنت فاتح كشك!.. يا عم خليك معايا عشان نشوف هنعمل ايه مع الغلبانة دي!.. الدنيا كانت مدعوكة فالمحطة، عساكر أمن والاسعاف بسبب الإصابات، وأنا كنت نازل اتمشى عشان أفك رجلي شوية بعد الإصابة، لقيت الحيوان اللي هرب بيهددها تخلع دهبها، لحقتها وقعدت أحاول اعرف هي مين ومنين، مفيش أي كلمة على لسانها إلا عايزة ارچع لأخويا.. يعني مفيش أوراق رسمية معاها ولا أي حاجة نستدل بها على شخصيتها ولا هي منين!..
تنبه جمال: طب ايه! خليها هنا لحد ما يبان لها صحاب..
جز سراج على أسنانه حنقا: آه طبعا، اخليها جصاد عينك وتبجى مبسوط أنت كده، يا بني لِم نفسك ده أنت معاك أخوات بنات!..
هتف جمال مازحا: ما هي لو الحجة أمي تجوزني، والنعمة اتلم واتأدب وانام م المغرب واشرب اللبن اللي بكرهه كمان.. بس أنت عارف إنها حاكمة عليا مفيش جواز إلا لما أجوز البنات الأول.. تلات اخوات بنات فرقبتي.. يعني شكلها كده مفيش فيها جواز إلا بعد ما أخرج م الخدمة بقى، ما تخدش واحدة وتبقى سهلت على أخوك!
قهقه سراج متعجبا: يا بني أنت بتبيع تلاچة! وبعدين أنا موضوع الچواز ده راكنة على چنب، أنا اتچوزت الداخلية ومبسوط بصحبة أبويا، ربنا يديله الصحة وطولة العمر..
تطلع جمال لسراج في حنق لرفضه الزواج، هاتفا في مزاح: ناس لها بخت وناس لها الشعلقة من رقبتها.. حسبنا الله ونعم الوكيل في اللي تجيله النعمة ويرفصها..
اتسعت ابتسامة سراج، هاتفا في هدوء: طب أهدا كده، وشوف هنتصرف إزاي مع الآنسة، أو المدام دي، اللي لا عارفين اسمها، ولا في حد سأل عنها..
هتف جمال ساهما: قلبي بيقولي إنها آنسة، وشكلها بنت ناس، والهوى هيجي سوا، وهيبقى زيتنا في دقيقنا إن شاء الله..
تطلع نحوه سراج متعجبا: يا بني والحچة! وأخواتك اللي لازما تچوزهم!
تنبه جمال هاتفا في حنق: ايه يا بني آدم، بحلم يا شيخ حرام عليك، ليه تفوقتي كده! هو الحلم حُرم!
اتسعت ابتسامة سراج هاتفا: لا ده أنت حالتك بجت منخوليا ع الآخر.. ربنا يكون فعونها اللي هتخدك!
هتف جمال في لهفة: بس هي تيجي، تظهر بس الغالية، والنعمة لأغسل لها المواعين..
ارتفعت قهقهات سراج من جديد على أقوال صاحبه، ثم حاد بناظريه نحو موضع الفتاة التي كانت تجلس في استكانة، تفرك كفيها ببعضهما في اضطراب، يبدو على محياها التيه، فرق قلبه لحالها، متسائلا في نفسه، أي ريح دفع بها للقدوم للإسكندرية وهي على هذه الحالة، إن كانت من غير أهلها في الأساس، وجاءت ربما للزيارة أو الترفيه! .. أو ربما هي من أهلها، فالاسكندرية تعج بالأسر الصعيدية بالفعل، ما زالوا متمسكين بلهجتهم كوالده! وإن كانت من أهلها حقا، ما الذي دفعها لمغادرة بيت أهلها وهي على هذه الحال من التيه والتخبط!..
استشعر بحدسه الأمني أن وراء هذه الفتاة قصة ما، لا يعلم لمَ يزداد فضوله بدرجة عجيبة لمعرفة تفاصيلها!..
❈-❈-❈
الرسلانية ١٩٩٠..
مرا على الجسر صوب المسجد مع اقتراب موعد صلاة العصر، كان حبيب كما العادة يحمل شيخه الشيخ معتوق على ظهره في سلاسة، لكن الشيخ معتوق همس بالقرب من أذن حبيب متسائلا: كن حملي النهاردة تجيل عليك يا ولدي!
أكد حبيب في نبرة معاتبة: ولا يمكن يكون يا شيخنا، ولو شالتك كتافي العمر كله..
همس الشيخ معتوق بنبرة العالم ببواطن الأمور: لاه، أني واعي لحمل جلبك جبل كتافك، والاتنين أنين وچعهم واصل وزاعج.. إيه في يا حبيبي!
تنهد حبيب مؤكدا: اللي أني فيه يا شيخنا! الديون اللي مرضياش تتسد، كأنها حفرة كل ما ناخدوا منِها تزيد، البُعدا اللي مرضينش يسيبوني فحالي، وچوابات التهديد اللي بجت بتاچي عيني عينك لحدة السرايا، وفوجهم اللي حصل لمنيرة، وطلاجها اللي لا كان على بال ولا خاطر.. وأهي عداوة بجت فوج العداوات..
همس الشيخ معتوق متسائلا في نبرة متخابثة: وايه كمان! .. الضيفة اللي طبت من غير احم ولا دستور! ليه نسيتها!.. ولا هو مطلبها هين للدرچة دي!
لم يجب حبيب، فقهقه الشيخ معتوق بلا سبب واضح، لكن حبيب استشعر أن الشيخ يدرك بفطنته وبصيرة المؤمن، ما يحاول هو مداراته خلف أسوار روحه حتى عن روحه، مؤكدا في نبرة حاول أن يصبغها ببعض اللا مبالاة: ايوه، أها ده موال تاني فوج البيعة التجيلة دي..
همس الشيخ معتوق: ايوه، موال صعيب، أصلك مچاهدة النفس واعرة صحيح، لكن مچاهدة الجلب أوعر..
همس حبيب متعجبا: الجلب!.. وايه دخل الجلوب في الحكاوي المغفلجة دي!
همس الشيخ مؤكدا: الغفلة بحال الجلب توهة وغرجة يا ولدي، فتش عن حال جلبك، وكيف ما يكون، هتكون النچاة، لأنه دليلك فالطريج..
لم يسأل حبيب عن معنى كلمات شيخه المبهمة، ليس فقط لأنهما وصلا لعتبة المسجد، لكن لأن حبيب نفسه شعر بالرهبة من مجرد معرفة الجواب للكثير من الأسئلة، التي تدور بمخيلته، والتي يدرك تماما أن الجواب عليها مربك أكثر من بقائها بلا إجابات..
❈-❈-❈
مرت عدة ساعات بلا أي بادرة أن هناك من يهمه أمر هذه المسكينة التي تجلس موضعها بلا حراك، شاردة تارة وباكية تارة آخرى، منذ جاء بها تجلس ساكنة في وداعة، وها هي تستشعر البرد اللحظة وهي تضم جسدها بذراعيها ما دفعه بلا وعي ليخلع عنه شال أبيه الصوفي الذي أصر عليه وضعه فوق ملابسه الثقيلة نسبيا قبل أن يغادر المنزل ليمشى قليلا منفذا تعليمات الطبيب وهو في فترة النقاهة من إصابة قدمه، التي بدأت في التعافي، مادا كفه إليها به، هامسا في نبرة حانية: خدي حطيه على كتافك، الجو ابتدا يبرد والقسم رطوبة..
رفعت عينين دامعتين صوبه، فارتبك شيء ما داخله، مدت كف مترددة نحو الشال، وبدأت في فرده واضعة إياه حول كتفيها، تضمه مستمتعة بالدفء الذي بدأ يشملها، اقترب من باب مكتب جمال، مناديا أحد العساكر، دافعا ببعض المال بكفه، أمرا بإحضار بعض الأغراض، لا يعلم لمَ يشعر بهذه المسؤولية تجاه هذه الفتاة!.. ربما بسبب حدسه الذي يخبره أن وراءها قصة ما وفضوله يدفعه لمعرفتها!.. أو ربما لأنه من أنقذها من سارقها وما عاد لها من مخلوق تلجأ إليه إلاه، وما من مكان يأمن عليها لتركها فيه، وذاك ما جعله يظل كل هذه الساعات بصحبة جمال، الذي وصل لتوه من معاينة ما، أمرا أحد العساكر بشراء طعاما دسما، ما دفع سراج ليخبره: أنا بعت چبتلك معانا!.. مع إن الحچة بعتت العامود!..
هتف جمال حانقا: يا دي العامود! أنا مش عارف هي مصرة تبعت عامود الأكل ليه كل يوم، وأنا مبكلش اللي فيه اصلا، تقولش عمود الصواري!..
قهقه سراج معترضا: يا سيدي الحج عليها عايزاك تاكل أكل بيتي، وبلاها أكل السوج اللي بوظ معدتك ده..
هتف جمال مدعيا البكاء: أكل السوق أحسن والنعمة بكل البلاوي اللي فيه، أكل أمي وحش أوي يا سراچ بيه، ميتاكلش والنعمة، بالك أنت!.. أنا بشفق ع العساكر اللي بتاكله.. ياللاه يعتبروه زكاة عن صحتهم، بدل ما أرجع لها بالعامود مليان، وأرجع لكم تاني يوم بغرزتين فدماغي..
اتسعت ابتسامة سراج ووصل العسكري بما طلب، ليندفع جمال مفرغا الأكياس البلاستيكية من محتوياتها، يهم بالتهام ما تطاله يديه، ليهتف به سراج محتجا: أصبر يا بني آدم! إيه قطر مبيقفش على محطات..
أنقذ سراج من تحت كف جمال بعض الشطائر، دافعا بها نحو الأريكة الخشبية التي تحتلها منيرة، مطالبا في نبرة هادئة: اتفضلي، الدنيا برد، وزمانك جعتي..
لم تمد منيرة كفا نحو الشطائر، ما دفع سراج لتناول إحداها مادا كفه أمرا في نبرة حانية: كلي..
أطاعت في هوادة، وبدأت في رفع الشطيرة لفمها في رقة، ما جعله يبتعد عائدا لمجلس جمال ما أن اطمأن أنها بدأت في تناول طعامها، ليهمس جمال في سخرية: يا حنين! وده من امتى ده!..
همس سراج مفسرا: البنت دي وراها حكاية وأنا عندي فضول أعرفها..
هتف جمال وفمه محشو بالطعام: أيون، حكاية وقصة وحدوتة وتوتة توتة.. ما هو بيبدأ كده يا خويا، ناولني حتة بتنجان مخلل من العلبة اللي قصادك دي واتوصى..
وضع سراج العلبة كلها أمام جمال دون أن يرد على سخريته بكلمة، ونهض في محاولة ليفك تيبس قدمه، أمرا الصول بإحضار الشاي، ليتنبه لفتاة مندفعة لداخل القسم في لهفة وخلفها أحد الشباب، فاقترب حيث موضعهما، ليدرك سؤالهما المضطرب لأحد العساكر عند مدخل القسم على فتاة عشرينية وبدأوا في سرد مواصفاتها، ليهتف أمرا العسكري بالانصراف، متسائلا: البنت اللي بتسألوا عنها كانت لابسة إيه!
هتفت أنس تخبره في عجالة، تؤكد على صدق حدسه، ليهتف بها وبممدوح: اتفضلوا معايا..
وصلوا لمكتب جمال، الذي كان قد ابتلع اللقمة الأخيرة في الطعام الموضوع على المكتب، متنهدا في راحة وهو يرجع جسده للخلف، مريحا إياه لظهر المقعد في أريحية، والذي انتفض معتدلا من جديد عندما دخل سراج بصحبة مرافقيه، لتصرخ أنس في سعادة باسم منيرة، التي تنبهت واندفعت بدورها ملقية جسدها بين ذراعي أنس باكية..
هدأ الوضع قليلا، وأكد سراج على ضرورة تسليم منيرة لأنس بمحضر رسمي كضامن، لأن أوراقها الرسمية قد سرقت جميعها..
فتح جمال المحضر، وبدأ في كتابة البيانات، ليهمس مازحا بالقرب من أذن سراج: سراج ومنيرة! ده ايه اليوم اللي ڤولته عالي ده!.. أنا قلت إننا هنعلق الكهارب قريب!..
تطلع له سراج بنصف عين حازمة، ما جعله يبتلع مزاحه مكملا المحضر، ليهم الجميع بالانصراف يتبعهم سراج ناصحا: يا ريت متسبهاش تاني وهي بالحالة دي، وتفضل عينكم عليها..
هتف ممدوح مفسرا بما لا يجوز الإفصاح عنه كعادته: هي كويسة والله يا فندم، بس اللي شافته يعمل اكتر من كده، دي عروسة والمفروض كان فرحها من ..
تنحنحت أنس لتخرس ممدوح حتى لا يسترسل بما لا طائل من إخباره للغرباء، شاكرة في نبرة ممتنة: والله ما عارفين نشكر حضرتك إزاي يا فندم على اللي عملته مع منيرة!..
أكد سراج: لا شكر على واجب..
وأمرها بكتابة رقم هاتفه الشخصي إذا ما صادفها ما يعكر الصفو من جديد.. دونت أنس رقم الهاتف ممتنة من جديد، قبل أن يلقوا التحية راحلين، وعينى سراج لم تبرح موضع منيرة التي رحلت وحكايتها ما تزل معلقة لم يعلم منها إلا النذر اليسير، مدركا أن حدسه لم يكذب، وأن وراء هذا الحزن الراقي.. الكثير من التفاصيل المبهمة..
وصلوا جميعا لشاليه نصير بيه رب عمل هاجر، كان من الفخامة ما جعلهم يلتهون بتفقده في انبهار، ليستأذن ممدوح أخيرا ليعود للقاهرة، فما عاد لديه من رصيد إجازات يسمح له بالبقاء، بعد أن أحضر ما يمكنه من مخزون لطعام واحتياجات تكفيهما بقدر ما قررتا البقاء..
اختارت أنس النوم مع منيرة بنفس الحجرة، فما عاد عليها أن تغفل عن محياها لحظة بعد هذه التجربة القاسية التي عاشتها كلتيهما، وقد غابا في سبات عميق سريعا بعد هذا اليوم المنهك للأعصاب..
لكن هذه الحركة العشوائية بالخارج، جعلت منيرة تدفع كتف أنس في رفق لتوقظها، لتدرك بدورها ذاك الصوت القادم من البهو الواسع للشاليه، ما جعلها تنهض في حذر وخلفها منيرة تسيرا نحو مصدر الصوت، فلعلها قطة تسللت لداخل الشاليه تحتمي بدفء أركانه بعيدا عن البرد بالخارج، لكن ذاك الشبح الذي خرج من إحدى الجوانب خلفهما، متسائلا في صدمة: انتوا مين! وايه اللي دخلكم هنا! ..
جعل كل واحدة منهما تصرخ في ذعر، وهي تستدير لمواجهته بكف عارِ، وقلب يرتجف رعبا..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية